النرويج
(١) مقدمة وشخصية النرويج
النرويج دولة فريدة في كثير من صفاتها الطبيعية والبشرية، فهي تمتد من درجة العرض ٥٨° شمالًا إلى ٧١° شمالًا — أبعد نقطة في أوروبا تجاه الشمال، ولكنها تمتد عبر عدد أكبر من درجات الطول: ٣٢° شرقًا إلى ٥° شرقًا، وهي أطول وأضيق من أي دولة أوروبية، وبذلك فإن الدولة تحتل مسطحًا غربيًّا في امتداداته الأرضية والفلكية.
وفوق هذا فإن ساحل النرويج غريب كل الغرابة بالنسبة لدول أوروبا الأخرى، فلا توجد دولة تتصف بهذا التقطع والطول في السواحل نتيجة وجود مئات الفيوردات الصغيرة وعشرات الفيوردات الطويلة المتعمقة، وفي مواجهة الساحل آلاف الجزر والصخور الجزرية، وقد ترتب على ذلك أن طول الساحل النرويجي يبلغ ٢٠ ألفًا من الكيلومترات، في حين أنه لو كان عبارة عن خطوط مستقيمة لبلغ ٢٦٥٠كم فقط، وبالإضافة إلى التداخل المعقد بين اليابس والماء على شواطئ النرويج نجد الكثير من المياه الداخلية في صورة البحيرات الكثيرة المنتشرة في مختلف أرجاء الدولة نتيجة التعرية الجليدية السابقة.
والنرويج إحدى أكثر الدول الأوروبية وعورة من حيث سيادة الكتل الجبلية على المظهر التضاريسي العام، وترتب على ذلك أن مسطح السهول ضئيل جدًّا بالنسبة لمساحة الدولة، وكما في السويد وفنلندا فإن السهول المغطاة بالإرسابات البحرية، والتي انتابتها حركة رفع بعد انتهاء العصر الجليدي، هي الأراضي التي يمكن زراعتها بنجاح، ولكن مثل هذه السهول صغيرة المساحة ومتناثرة بالقياس إلى مثيلاتها في السويد وفنلندا — ٣٪ من مساحة النرويج قابلة للزراعة.
وتتميز النرويج بمناخ معتدل نسبيًّا عن معظم الدول الاسكندنافية الأخرى نتيجة وقوعها غرب شبه الجزيرة، وفي مواجهة التيارات الدافئة الهوائية والبحرية القادمة عبر الأطلنطي، ففي جزر لوفوتون في الشمال نجد الحرارة أعلى من معدلها كثيرًا بالنسبة لدرجة العرض، ولكن الجبال العالية وراء خط الساحل مباشرة تؤدي إلى انخفاض سريع في درجة الحرارة، وتؤدي هذه الجبال إلى غزارة المطر الساقط على السواحل من ناحية، وإلى تكوين ثلاجات واسعة لا نظير لها في القارة الأوروبية، تغطي الهضاب العالية.
وفي مقابل فقر الموارد الزراعية في النرويج يعوض البحر النقص الغذائي بدرجة لا مثيل لها، ففي مياه النرويج ثروة سمكية كبيرة ومتنوعة، ومعظم الإنتاج السمكي النرويجي يأتي من المياه الساحلية والإقليمية على عكس كثير من الدول الأوروبية التي تحصل على حصتها من الأسماك من مياه بعيدة، وبرغم ذلك فإن كمية الأسماك المصادة في النرويج أكبر منها في بقية الدول الأوروبية ذات الأساطيل الحديثة، وتحتل النرويج المكانة السادسة بين دول العالم في إنتاج الأسماك.
وإلى جانب ذلك فإن السماكين النرويجيين يرتادون — منذ فترة زمنية طويلة — مصايد أيسلندا وجرينلاند، ويتوغل النرويجيون أكثر من ذلك إلى المياه القطبية الشمالية والجنوبية وراء فقمات البحر والحيتان، وأكثر المصايد التي يرتادها النرويجيون وراء الفقمات هي تلك التي توجد حول جرينلاند ونيوفوندلاند، أما الحيتان فتصطاد من المحيط الجنوبي.
وأشهر الصناعات النرويجية في العالم هي صناعة السفن والنقل البحري، وتمتلك النرويج أسطولًا تجاريًّا ضخمًا يحتل المكانة الرابعة بين أساطيل العالم من حيث الحمولة، ولكن هذا الأسطول ضخم جدًّا بالقياس إلى دولة كالنرويج صغيرة المساحة قليلة السكان، ومن ثم فإن الوظيفة الأولى للأسطول التجاري النرويجي ليست نقل احتياجات البلاد، بل النقل التجاري الدولي؛ ولهذا فالسفن النرويجية غالبًا ما توجد فوق مسطحات البحار في العالم أجمع.
ولما كانت تجارة النرويج الخارجية تتصف بتوازن معدوم بين صادرات البلاد القليلة ووارداتها الكثيرة، فإن الأسطول التجاري النرويجي يعوض النقص في ميزان المدفوعات بما يجلبه من أرباح عالية، وقد ترتب على ذلك أن بإمكان النرويج استيراد الأغذية والمنسوجات ووسائل الحياة الحديثة، وبالإضافة إلى مظاهر البيئة الطبيعية والغذاء السمكي والأغذية المستوردة وارتفاع مستوى الحياة فإن متوسط أعمار الناس قد ارتفع أيضًا إلى درجة تجعله — مع بقية الدول الاسكندنافية — من أعلى معدلات الحياة في العالم.
ومنذ القدم كانت النرويج دولة تعتمد على التجارة الخارجية في معيشتها، ففي الماضي كانت تصدر الفراء والأسماك مقابل الحبوب، وما زال هذا شكلًا من أشكال التجارة النرويجية الخارجية الحالية، ولكن يضاف إليه أن الصناعة الحديثة تساهم بدور في هذه التجارة، وتقوم الصناعة أساسًا على مصادر الطاقة الهيدرولوجية التي تنتشر مواردها في أماكن كثيرة من الدولة، وتعوض نقص الوقود المعدني، وقد دخلت مصادر الطاقة هذه الاستخدام الصناعي والمنزلي حديثًا، وذلك بالنظر إلى ما تتكلفه من رأسمال عند إنشائها، ولا تزال في النرويج مصادر غنية بالطاقة المائية لم تستغل بعد.
وتستغل الصناعات الكهرومعدنية والكيميائية نسبة كبيرة من إنتاج الطاقة المائية، وتأتي صناعات الأخشاب في الدرجة الثانية، برغم أن استغلال الموارد الغابية في النرويج قديم تاريخيًّا، ومع ذلك فإن الصناعات المرتبطة بالأخشاب ما زالت صناعة هامة في الاقتصاد النرويجي — وإن كانت مساهمتها في الاقتصاد القومي أقل من مثيله في السويد وفنلندا، وعلى العموم فإن الصناعة في النرويج لا تلعب الدور الذي لها في السويد والدنمارك، ولهذا فإن النرويج مصدر كبير للخامات ومستورد كبير للآلات ووسائل النقل، بما في ذلك السفن أيضًا، ولكنَّ هناك نوعًا من التعويض في صورة «صادرات غير مرئية» منها السياحة والحواتة والمساهمة في النقل البحري العالمي.
(٢) أقاليم النرويج الطبيعية والإدارية
-
(١)
النرويج الشرقية Ostlandet: تسيطر أنظمة نهرية قليلة وكبيرة نوعًا ما على المظهر العام للإقليم، ومن أهمها نهر جلوما وروافده العديدة، الذي ينبع من جبال المنطقة الوسطى ويسير في الشرق بموازاة منطقة الحدود السويدية، وينتهي إلى البحر شرقي فيورد أوسلو، وهناك عدة أنهار أخرى تصب حول هذا الفيورد الطويل مما يؤدي إلى وجود مجموعة من الأودية المعمورة المستغلة زراعيًّا ورعويًّا، فضلًا عن كونها طرقًا طبيعية تصل الجنوب بمنطقة تروندلاج الوسطى، وفي الواقع فإن هذه المنطقة هي أكثر مناطق النرويج تميزًا بالسكن الريفي، وتسودها ملكيات زراعية يتراوح حجمها بين ٥ وعشرة هكتارات — دليل على كثافة الاستقرار الزراعي، وفي المنطقة نفسها نجد أيضًا ملكيات زراعية تزيد عن عشرين هكتارًا — وهو أيضًا مؤشر على الغنى الزراعي لمنطقة ريفية.
وقد أدى ذلك إلى أن تصبح منطقة فيورد أسلو والأودية النهرية شرقية وغربية مركز الثقل العمراني والاقتصادي والسياسي في الدولة، وذلك برغم تطرف المنطقة موقعًا بالنسبة لمسطح الدولة.
-
(٢)
النرويج الجنوبية Sorlandet: يطلق الاسم حرفيًّا على المنطقة الساحلية الجنوبية، لكنه تجاوزًا يطلق على المنطقة كلها الواقعة بين الإقليمين الشرقي والغربي، وفي الإقليم الجنوبي تنتشر غابات التنوب كامتداد لغابات الإقليم الشرقي، وتمتلئ المنطقة أيضًا بأودية نهرية عديدة لكنها أصغر من أودية الإقليم الشرقي، وفي المجموع تتشابه الظروف الطبيعية في هذا الإقليم مع الإقليم الشرقي فيما عدا أن الساحل مليء بالفيوردات المشابهة للإقليم الغربي — إلا أنها أصغر كثيرًا منها، وهناك عدد كبير من الجزر الصغيرة في مواجهة فتحات الفيوردات، وتتميز المنطقة الجنوبية عامة باعتدال المناخ وعدم انخفاض الحرارة كثيرًا في الشتاء باستثناء العواصف الثلجية العنيفة التي تجتاح الإقليم خلال بعض أيام الشتاء.
-
(٣)
النرويج الغربية Vestlandet: تتميز بارتفاع الجبال كثيرًا واقترابها من الساحل بحيث لا تكاد تترك سهولًا ساحلية إلا في صورة جيوب منعزلة، وفي هذا الإقليم أطول وأعمق فيوردات النرويج وآلاف الجزر الصغيرة والكبيرة والأودية النهرية القصيرة، والإقليم في مجموعه وعر مقطع بشدة، قليل الغابات.
-
(٤)
تروندلاج Trondlag: يحتل هذا الإقليم وسط النرويج، وأهم مظاهره فيورد تروندهايم الواسع، الإقليم الداخلي ذو ارتفاعات محدودة ومليء بغابات التنوب مما يجعله شبيه بالإقليم الشرقي — أو على الأقل امتداد شمالي لهذا الإقليم برغم انفصاله عنه بواسطة سلسلة الجبال المتجهة إلى الجنوب الغربي، أما الإقليم الساحلي من تروندلاج فهو جبلي مقطع بالفيوردات شبيه بالإقليم الغربي، ويمكن أن نعده منطقة انتقالية بين الجنوب والشمال.
-
(٥)
النرويج الشمالية Nord Norge: يمتد هذا الإقليم مسافات طويلة من الجنوب إلى الشمال مما يدعو إلى تقسيمه عدة أقسام طبيعية تعبر عنها الأقسام الإدارية الثلاثة: فنمارك، ترومز، نوردلاند — من الشمال إلى الجنوب، وتحتل فنمارك أقصى شمال النرويج، وتتميز بتضاريس معتدلة إنسيابية غير فجائية مما يجعلها أحسن مناطق النرويج من هذه الزاوية فقط، ولكن في مقابل ذلك فإنها أسوأ مناطق النرويج مناخًا ومواردها الطبيعية قليلة على وجه العموم مما يجعل أيكولوجية الحياة فيها شديدة القسوة، سواحلها طويلة غير محمية من العواصف وفيورداتها كثيرة لكنها واسعة، وتفتح على المحيط الشمالي مباشرة مما يجعلها عرضة لتأثيراته القطبية.
ويتميز إقليم ترومز بأجمل فيوردات النرويج وأكبر جزرها، أما نوردلاند فسواحلها أيضًا تنتابها الفيوردات وتواجهها الجزر العديدة.
(٣) تضاريس النرويج
خلال العصر الجليدي غطت النرويج ثلاجات ضخمة أدت إلى إحداث الكثير من المظاهر الحالية في سطح الدولة، ولهذا نلحظ في كافة مظاهر السطح تفاعل عاملين؛ الأول: الشكل الهضبي والجبلي العام للنرويج، والثاني: التعرية الجليدية بأشكالها المختلفة، وبعد انحسار الجليد ارتفعت الأرض تدريجيًّا وظهرت على السطح مناطق تسودها الإرسابات البحرية، وتظهر سطوح الإرساب البحري في مساحات أكبر على مناطق الانحدارات البسيطة، بينما لا تكاد تظهر في مناطق الانحدارات الشديدة، وأكبر مناطق الإرسابات البحرية في النرويج قاطبة توجد في منطقة أوسلو، وبذلك فإن للتكاثف العمراني التاريخي والحديث في هذه المنطقة جذورًا من البيئة الطبيعية — حيث إن الإرسابات البحرية هذه تشكل المناطق الخصبة الصالحة للزراعة والنمو النباتي.
وفي الوقت الحاضر توجد غطاءات جليدية دائمة في النرويج، لكنها قليلة ومبعثرة وصغيرة المساحة، وليس من الضروري أن تكون لهذه الغطاءات الجليدية بقايا الغطاء الضخم الذي سيطر على المنطقة خلال العصر الجليدي — بل ربما تكوَّنت من جديد بعد ارتفاع سطح النرويج واستقرار الظروف المناخية الحالية.
وتمتد الفيوردات بعمق كبير داخل الأراضي النرويجية، وهذه الفيوردات في أصلها عبارة عن أودية جليدية غارقة، وتتميز الفيوردات في مجموعها بعمق المياه في الداخل وضحولة واضحة عند العتبات — أي فتحات الفيورد على البحر، ومعظم فيوردات النرويج طويلة شديدة التعرج وضيقة، فيما عدا فيوردات إقليم فنمارك في أقصى الشمال التي تتميز باتساع كبير وضحولة عامة، ويمتلئ قاع الفيوردات تدريجيًّا بالإرسابات الكثيرة التي تجلبها المسيلات الكثيرة العنيفة الجريان، القصيرة المجرى، المنحدرة بشدة من السفوح العالية التي تحيط بالفيوردات عامة.


(٤) المناخ
- (١)
وقوعها بامتداد ١٣ درجة عرضية، القليل منها داخل أطراف العروض الوسطى وأكثرها داخل العروض الشمالية الباردة.
- (٢)
تعرضها لكتل الهواء والمياه الدافئة الأطلنطية.
- (٣)
فجائية التضاريس وارتفاعها المباشر فوق الساحل الغربي.
وقد أدى تفاعل هذه العوامل معًا إلى تغيرات مناخية في أقسام النرويج من الجنوب إلى الشمال، وتغيرات مناخية في الفصول المختلفة لدرجة أن المناطق التي تواجه المحيط تعرف تغيرات مناخية كبيرة خلال أوقات السنة، ولكن في المجموع نجد أن النرويج برغم ظروف موقعها الفلكي — العامل الأول — تتمتع بمناخ جيد — نتيجة للعامل الثاني، مما يجعلها مناخيًّا أحد المناطق المناقضة لظروف الموقع الفلكي، وينطبق هذا بصورة واضحة على درجات الحرارة على السواحل، وأوضح الأمثلة على ذلك أن جزر لوفوتون ترتفع فيها درجة الحرارة في شهر يناير بمقدار ٢٥ درجة مئوية عما هو متوقع في مناطق على نفس درجة العرض — مثلًا على سواحل ألسكا الشمالية الغربية.
ولكن تأثير الكتل الهوائية الأطلنطية الدافئة وكتل مياه تيار الخليج الدافئة لا تتعدى منطقة الساحل كثيرًا؛ نظرًا لارتفاع الهضاب مباشرة فوق منطقة الساحل — العامل الثالث. كما أن هذه الكتل الهوائية والبحرية الدافئة لا تتوغل كثيرًا في مضيق سكاجراك، مما يؤدي إلى ضعف تأثيراتها المناخية على السواحل الجنوبية والمنطقة الجنوبية الشرقية من النرويج.
وإذا كانت المرتفعات النرويجية تنحدر بشدة نحو الغرب مؤدية إلى وقف التأثيرات الدافئة داخل الأراضي النرويجية، فإن الانحدارات الشرقية لهذه المرتفعات تزيد من برودة داخلية النرويج، وذلك لأن انحداراتها التدريجية صوب الشرق تسمح للرياح الباردة القادمة من البلطيق والشمال بالتوغل إلى داخلية البلاد، وفوق هذا كله فإن مجرد الارتفاع في الهضاب والجبال النرويجية يؤدي إلى خفض درجة الحرارة، ويؤدي كل ذلك إلى احتمالات كبيرة لحدوث الصقيع، مما يؤثر كثيرًا على المحاصيل الزراعية، ويدعو إلى تعاون الفلاحين في إقامة حواجز خشبية متوازية متعامدة على اتجاه الرياح القوية في صورة مصايد للجليد.
المحطة | معدلات الحرارة (مئوية) | المطر السنوي | بداية ونهاية غطاء الثلج | |||
---|---|---|---|---|---|---|
يناير | أبريل | يوليو | أكتوبر | (مليمتر) | ||
فاردو | −٤٫٨ | −١٫٢ | +٨٫٩ | +١٫٧ | ٥٧٣ | ٣١ / ١٠–١٧ / ٥ |
ألتا | −٧٫٤ | −١٫٠ | +١٢٫٨ | +٠٫٦ | ٢٩٨ | ٤ / ١١–١ / ٥ |
روست | +١٫٥ | +٢٫٧ | +١٠٫٨ | +٥٫٦ | ٧١٢ | |
تروندهايم | −٢٫٠ | +٣٫٩ | +١٤٫٢ | +٤٫٨ | ٧٦٤ | ٣٠ / ١١–٢ / ٤ |
ريروس | −١٠٫٥ | −١٫٥ | +١١٫٤ | +٠٫٢ | ٤٤٩ | |
ليردال | −١٫١ | +٥٫٧ | +١٦٫١ | +٥٫٧ | ٤٤٤ | ٣١ / ١٢–١٨ / ٢ |
برجن | +١٫٧ | +٥٫٧ | +١٤٫٢ | +٧٫٥ | ١٩٤٤ | |
أوسلو | −٣٫٥ | +٥٫٠ | +١٧٫٥ | +٥٫٩ | ٦٨٥ | ١٠ / ١٢–٢٠ / ٣ |
وبطبيعة الحال تزداد ظروف الحرارة تطرفًا نحو البرودة في المناطق الجبلية المرتفعة مما يؤثر كثيرًا على الوجود البشري عمرانًا ونشاطًا، وتسقط الأمطار بغزارة واضحة على الساحل الغربي حيث تساعد الكتل المرتفعة وراء السواحل على رفع كمية الأمطار الساقطة إلى متوسط يبلغ حوالي ألف مليمتر في فسترلاند، وحوالي ٦٠٠–٧٠٠ ملم في تروندلاج ونوردلاند، وتقل الأمطار كثيرًا في الداخل، ففي فاردو يسقط ضعف كمية المطر والثلوج عنها في ألتا — رغم وقوعها على رأس فيورد واسع، وفي برجن تبلغ كمية الأمطار أكثر من أربعة أضعاف تلك الساقطة في ليردال برغم أن المسافة ليست كبيرة بينهما، ولا شك أن كمية الأمطار الغزيرة التي تسقط في فسترلاند وسفوح هضبة هاردنجر الغربية تساعد على تراكم وتغذية الثلاجات الكبيرة — خاصة ثلاجة يوستدال.
وبرغم كمية الأمطار الساقطة بصورة كافية على غالبية النرويج إلا أن كمية المطر متذبذبة لدرجة تؤدي إلى الجفاف أحيانًا، والأغرب من ذلك أن هذا التذبذب قد أدى إلى نشوء نظام الري منذ القرن السابع عشر في الأماكن المهددة بالجفاف أو قلة الأمطار خلال موسم الإنبات القصير.
وقد يبدو ساحل فسترلاند — بظروفه الحرارية المعتدلة — ملائم تمامًا للزراعة في المناطق التي توجد فيها التربة الجيدة، لكن الجو الملبد دائمًا بالغيوم والسحب في تلك المناطق تقلل كثيرًا من ساعات سطوع الشمس مما يقلل فرص المحصول الجيد، بينما السهول الصغيرة في منطقة خليج أوسلو وأودية الأنهار في الجنوب الشرقي من النرويج أكثر ملاءمة لقلة الغيوم، أما كمية المطر — برغم قلتها عن فسترلاند — فإنها تعد كافية لاحتياجات الزراعة.
وهكذا فإن الظروف المناخية في النرويج عامة معقدة بتعقد الموقع والموضع في درجات العرض، وبالنسبة للارتفاع عن سطح البحر والتأثيرات البحرية وكمية الغيوم ومدى طول فصل الإنبات وذبذبة كمية المطر الساقط.
(٥) الغابات النرويجية
تسود أنواع مختلفة من الأشجار المخروطية غابات النرويج وتسيطر الغابات على مناطق التربة الفقيرة، ويختلف حد الغابات نتيجة لارتفاع التضاريس والموقع الفلكي كثيرًا، وعلى العموم يصل الحد الأعلى للغابات إلى ارتفاع ألف متر فوق سطح البحر في القسم الجنوبي من النرويج، وإلى ٦٠٠ متر في إقليم تروندلاج وإلى ٤٠٠ متر فقط في الشمال، ويلخص شكل رقم ٢٤ هذه الحالة، وتختلط أنواع الصنوبر والشربين في معظم النرويج، ولكنها تختلط بالتنوب الصغير في ترومز وفنمارك.
ولقد عانت غابات غرب النرويج من كثرة الاستغلال منذ فترة تاريخية طويلة نتيجة لنشاط صناعة بناء السفن والحرائق واحتياج الناس إلى الوقود الذي يشكل الخشب أهم مصادره في هذه الأصقاع.
وقد ترتب على ذلك إزالة الجانب الأكبر من الغطاء الغابي وظهور الصخور عارية بعد أن جرفت الأمطار التربات الرقيقة التي كانت تحفظها الغابات، وفي الوقت الحاضر تجرى مساعٍ كثيرة لإعادة تشجير الغابات بالتنوب، ولقد أحس النرويجيون بالحاجة إلى وقف قطع الأشجار بكثرة لصالح الاستخدامات السابق شرحها أو للحاجة للأرض الزراعية وصدرت عدة تشريعات تحافظ على الثروة الغابية منذ القرن ١٦.
وفي الوقت الحاضر نجد أجود غابات النرويج هي تلك التي توجد في الإقليم الشرقي، وتمتد شمالًا مع منابع جلوما إلى تروندلاج حيث ترتبط بالغابات السويدية عبر الممر الجبلي الذي يفصل جبال كيولن في الشمال عن جبال دوفر في الجنوب، ويربط بين حوض يمتلاند السويدي وإقليم تروندلاج النرويجي.
وملكية الغابات فردية، والكثير منها يتكون من ملكيات وحيازات صغيرة مما يؤدي إلى عدم استخدام التكنيك الحديث في الاستثمارات الخاصة بحرف الغابة، وبذلك يقلل من الجودة والإنتاجية، ويضاف إلى ذلك سعر الأخشاب المتذبذب، وكثرة استخدام الغابات القريبة من وسائل النقل مما يؤدي إلى هرم الغابات الداخلية وفقدان جودتها.
(٦) سكان النرويج
يعطينا سكان النرويج مثالًا آخر من نمط السكان الأوروبي، فقد هبطت الخصوبة هبوطًا كبيرًا منذ نهاية القرن الماضي حتى الثلاثينيات من هذا القرن، وكان هذا الهبوط ملحوظًا بصورة أكبر في المناطق المدنية أكثر من الريف، وهكذا ظلت الأسر ذات حجم كبير في الإقليم الشمالي أو الغرب بالقياس إلى الأسرة في الإقليم الشرقي، ففي المتوسط كانت الأسرة مكونة من خمسة أشخاص في الإقليم الشمالي عام ١٩٦٠، بينما كانت أقل من أربعة أشخاص في الإقليم الشرقي.
لكن هذه التغيرات في سكان الأقاليم ليست ملحوظة على المستوى العام كما هي ملحوظة من الدراسات التفصيلية لحالة الأسر، وذلك راجع إلى الهجرة الداخلية المستمرة إلى مناطق العمل في المدن ومناطق الصناعة الحديثة بما في ذلك التعدين.
ومنذ مائة عام كان سكان النرويج حوالي نصف سكانها الحاليين، لكن الموارد ومصادر العمل المتاحة كانت قليلة جدًّا مما كان يؤدي إلى هجرة نرويجية خارجية مستمرة، وخاصة إلى العالم الجديد، لكن التطور الصناعي الحديث قدم فرص عمل كثيرة لدرجة أن تضاعف عدد السكان لم يُؤَدِ إلى ضغط سكاني كما كان في الماضي.


الإقليم | المساحة كم٢ | عدد السكان | الكثافة ١٩٧١ شخص كم٢ | ٪ سكن ريفي (١٩٦٠) | |
---|---|---|---|---|---|
١٩٦٠ | ١٩٧١ | ||||
الإقليم الشرقي | ٩٤٦٥٨ | ١٧٤٧٧٢٢ | ١٩١١٣٠٧ | ١٧١٫١ (١) | ٣٣٫٥ |
٣٥٫٤ (٢) | |||||
الإقليم الجنوبي | ١٦٤٩١ | ١٨٥٩٣٧ | ٢٠٥٢٠٩ | ١٣٫٨ | ٤٦٫١ |
الإقليم الغربي | ٥٨٤١٥ | ٨٩٢٥١٨ | ٩٦٨٢٨٩ | ٤٩٤٫٠ (١) | ٤٨٫١ |
١٧٫٥ (٢) | |||||
إقليم تروندلاج | ٤١٣٢٨ | ٣٢٨٢٨٣ | ٣٥٢٣٠٤ | ٩٫٢ | ٥٣٫٤ |
الإقليم الشمالي | ١١٢٩٢٨ | ٤٣٦٧٢٤ | ٤٥٤٦٣٠ | ٤٫٦ | ٥٨٫٧ |
المجموع | ٣٢٣٨٨٢ | ٣٥٩١٢٣٤ | ٣٨٩١٧٣٩ | ١٢٫٦ | ٤٢٫٩ |
مدينة أوسلو | ٤٥٣ | ٤٧٥٥٦٢ | ٤٨١٢٠٤ | ١١٢٠٫٤ | |
مدينة برجن | ٥٠ | ١١٥٦٨٩ | ١١٣٤٨٩ | ٢٣٩٩٫٣ |
- (١)
الكثافة بما في ذلك سكان المدينة الكبرى (أوسلو وبرجن).
- (٢)
الكثافة الإقليمة للسكان بدون سكان المدينة الكبرى.
أعلى الكثافات — بدون المدن — هي المراكز الثلاثة حول فيورد أوسلو، وهي:
(أ) مركز فست فولد — غربي الفيورد، ٨٢ شخصًا للكيلومتر المربع.
(ب) مركز آكرزهوس — شرقي الفيورد، ٧٠ شخصًا للكيلومتر المربع.
(ج) مركز أوست فولد — قرب أوسلو، ٥٦٫٦ شخصًا للكيلومتر المربع.
ويأتي بعد ذلك في الترتيب مركز روجالاند — قرب ستافنجر — بكثافة قدرها ٣١٫٧ شخصًا للكيلومتر المربع.
-
أوسلو ٤٨١٢٠٤ شخصًا، تروندهايم ١٢٧٦٩٩ شخصًا.
-
برجن ١١٣٤٨٩ شخصًا، ستافنجر ٨٢٠٧٩ شخصًا.
-
كريستيانسايد ٥٦٩٧٥ شخصًا، درامن ٤٩٨٤٧ شخصًا.
(٧) النشاط الاقتصادي
برغم قلة السكان في النرويج إلا أن العاملين منهم يتوزعون على عدد كبير من الأنشطة الاقتصادية، وذلك بنسب متفاوتة، أكبرها الصناعة والبناء والخدمات، وإلى جانب ذلك فإن هناك حرفًا وقطاعات من النشاط الاقتصادي أهمها الزراعة والنقل البحري والأعمال المالية والبنكية والسماكة والغابات والتعدين، ويعكس هذا التنوع الكبير للأنشطة بالنسبة لعدد قليل من السكان، الاختلافات الكثيرة في البيئة الطبيعية التي تساعد على وجود هذه الحرف العديدة، وفيما يلي موجز لبعض الأنشطة الاقتصادية التي تميز النرويج وترتبط بالظروف البيئية المختلفة.
نوع الاستخدام | المساحة بالكيلومتر المربع | ٪ من جملة المساحة |
جملة المساحة | ٣٢٤٢٢٠ | ١٠٠٠ |
الأراضي الزراعية | ٨٥٥٠ | ٢٫٦ |
الغابات | ٧٠٢٦٠ | ٢١٫٦ |
المراعي الدائمة | ١٧٥٠ | ٠٫٥ |
الأراضي غير المستخدمة ومساحات المدن والمنافع | ٢٤٣٦٦٠ | ٧٥٫٢ |
أراضي غير مستخدمة ويحتمل استخدامها فيما بعد |
ويوضح هذا الجدول كيف أن سكان النرويج يعيشون على أقل من ربع مساحة أراضيهم، وأن الزراعة والمراعي يكونان معًا ٣٪ فقط من مجموع مساحة الدولة، ولكن علينا ألا ننسى أن مساحات كبيرة تتمثل في المياه الإقليمية النرويجية تغل عائدًا جيدًا يمكن النرويجيين من تأمين مصادر غذائية وتجارية غير تلك الواردة في الجدول، وهذا بطبيعة الحال فضلًا عن أنشطة اقتصادية أخرى غير واردة في الجدول هي الصناعة والتعدين والتجارة … إلخ، مما سبق ذكره.
الزراعة
تحتل الزراعة في النرويج ٢٫٦٪ من مجموع مساحة الدولة، ويوضح ذلك أن الظروف الطبيعية في مجموعها غير ملائمة للزراعة إلا فيما ندر، وبرغم ذلك فقد كانت الزراعة — والصيد — ذات أهمية كبرى في النشاطات الاقتصادية في النرويج إلى فترة غير بعيدة، لكنها الآن لم تعد الحرفة الأساسية، فمنذ عام ١٩٣٠ زاد عدد العاملين في الصناعة على مثيلهم في الزراعة، وفي الستينيات كان عدد المعتمدين في معاشهم على الزراعة يشكل ١٣٪ من مجموع سكان النرويج، ولكن قيمة الإنتاج الزراعي بالنسبة للاقتصاد القومي كانت أقل بكثير من هذه النسبة، فقيمة مساهمة الزراعة في الستينيات لم تتجاوز أربعة إلى خمسة في المائة من الدخل القومي النرويجي.
وتقدم الحكومة معونات للزراعة من أجل تحقيق هدفين؛ أولهما: الإبقاء على أجور العمال الزراعيين متناسبة مع أجور العمالة في الحرف الأخرى، وثانيهما: مساعدة الفلاحين على الإبقاء على مزارعهم وعدم هجرها إلى حرف أخرى أكثر ربحًا، وذلك من أجل بقاء الدولة معتمدة على الناتج المحلي من الزراعة قدر الإمكان — وخاصة في حالة الحرب.
وبرغم ذلك فإن النرويج لم تصل أبدًا إلى حالة الاعتماد الذاتي في الغذاء المنتج محليًّا، فنقص الحبوب ما زال قائمًا كما كان الأمر في الماضي، والكثير من الفواكه والخضروات التي تستهلك في السوق الحالية مستوردة من الخارج، وكذلك يستورد احتياج النرويج من السكر، وبرغم أن محصول البطاطس جيد ويستهلك كغذاء آدمي وعلف حيواني، إلا أن الكثير من الأغذية الحيوانية تستورد من الخارج٠ وفيما عدا ذلك فإن النرويج تنتج ما يكفيها من الألبان واللحوم، بالإضافة إلى وفرة الأسماك التي تكوِّن بروتينًا غذائيًّا مفيدًا.
ولا يوجد في النرويج انقطاع تام بين العمالة الزراعية والسماكة، فالكثير من السماكين يقومون بنشاط مزدوج يجمعون فيه بين الصيد والزراعة، وغالبيتهم لا تستقر كسماكة على الشواطئ إلا في المناطق الساحلية التي لا يمكن استغلالها زراعيًّا.

- أولًا: من حيث التوزيع الجغرافي للأراضي الزراعية: يحتكر الإقليم الشرقي وحده حوالي نصف المساحة الزراعية في النرويج قاطبة (حوالي ٤٨٠٠ كيلومتر مربع) يليه في ذلك المضمار الإقليم الغربي (نحو ٢٤٠٠كم٢) ثم إقليم تروندلاج (١٥٠٠كم٢) ثم الإقليم الشمالي (١٢٠٠كم٢)، وأخيرًا الإقليم الجنوبي (نحو ٥٠٠كم٢) فقط.
- ثانيًا: بناء على تفاعل عدة عوامل طبيعية على رأسها التربة والمناخ
الملائمين نجد تركيزًا واضحًا في المناطق الزراعية داخل
الإقاليم كما يوضحه الشكل رقم (٢٧) بأنصبة المراكز من المساحة الزراعية،
والدراسة الدقيقة للشكل (٢٧)
توضح أن التوزيع الجغرافي للأراضي الزراعية تتركز في المناطق
أو المراكز التالية:
- (أ) من المساحة الزراعية في الإقليم الشرقي يتركز حوالي ثلاثة أخماس المساحة في المركزين ١١، ١٢ — أي في منطقة صغيرة حول فيورد أوسلو، وهذه فعلًا هي المنطقة الملائمة من حيث تواجد التربة الصالحة من الإرسابات البحرية والطميية التي ارتفعت فوق سطح البحر بعد انحسار العصر الجليدي، وبالإضافة إلى ذلك فإن الإرسابات الفيضية التي تأتي بها الأنهار تساعد على رفع خصوبة الأرض، والمنطقة تتمتع بمناخ معتدل وكمية أمطار جيدة، بينما داخلية الإقليم الشرقي التي يمثلها المركزين ٩ و١٠ في الشكل (٢٧) أقل ملاءَمة للزراعة في مجموعها نتيجة تداخل التضاريس العالية مع الأودية المحدودة المساحة، والمنتشرة في مناطق عديدة والتي تشكل مناطق الزراعة، ويضاف إلى ذلك أن المناخ أكثر تطرفًا في هذه المراكز الداخلية من حيث الحرارة المنخفضة شتاء وطول فترات الصقيع، وذبذبة كمية الأمطار الساقطة وقلتها في المجموع.
- (ب) تنتشر مساحة الأرض المزروعة في الإقليم الغربي في صورة أشرطة ونطاقات ساحلية ضيقة بطول السواحل والفيوردات حيث لا توجد انحدارات مفاجئة، لكن المركز رقم (٦) وهو إقليم يارين Jaren حول ستافنجر يمثل أكبر منطقة زراعية متكاملة في الإقليم الغربي، ويزرع من الحبوب والدرنيات ما يساوي نصف إنتاج كل الإقليم الغربي برغم أن مساحته الزراعية أقل من خمس جملة المساحة المزروعة في الإقليم كله، ويرجع ذلك إلى أن منطقة يارين تمثل أرضًا سهلية منخفضة جيدة التربة والمناخ، مماثلة بذلك لإقليم فيورد أوسلو.
- (جـ) في إقليم تروندلاج تسيطر منطقة فيورد تروندهايم — المركز رقم ٣ — على المساحة الزراعية لأسباب طبيعية وبيئية مماثلة لتلك التي ذكرناها في منطقة خليج أوسلو، والحالة نفسها نجدها في الإقليم الجنوبي حيث تزداد مساحة الأرض الزراعية في الشريط الساحلي الضيق — المركز رقم ٨، أما الإقليم الشمالي فإن الأراضي الزراعية تنتشر بتكافؤ نسبي حول الفيوردات الصغيرة داخل الإقليم حتى نارفيك.
والخلاصة أن الأراضي الزراعية الممتازة في النرويج تتركز جغرافيًّا في المناطق الصغيرة التالية: منطقة فيورد أوسلو، منطقة يارين، منطقة فيورد تروندهايم، منطقة الساحل الجنوبي.
- ثالثًا: من حيث نوع المحاصيل المزروعة نجد أن أكبر مساحة للحبوب
ومحاصيل الدرنيات تتركز في المراكز ٣، ٦، ٨، ١٠، ١١، ١٢، بينما
تزيد مساحة محصول الحشائش والأعلاف الحيوانية زيادة كبيرة في
بقية المراكز، وخاصة في الإقليم الشمالي والغربي.
وعلى وجه العموم فإن الحبوب تحتل الأراضي الجيدة في الأودية والسهول الساحلية، بينما تنتشر الحشائش على السفوح الأقل جودة من حيث التربة، وتزرع البطاطس في التربة الرملية.
ويتميز الإنتاج الزراعي في الإقليم الشرقي باشتراك تربية الحيوان وإنتاج الألبان واللحوم، وكذلك الحال في يارين التي يزداد الاتجاه فيها إلى الثروة الحيوانية وإنتاج الزبد والجبن والدواجن والبيض والخضروات المبكرة، أما في تروندلاج فالاتجاه أكثر إلى المحاصيل الغذائية وعلى رأسها الشعير — ٨٠٪ مساحة الحبوب، وذلك أن الشعير هو أكثر محاصيل الحبوب قدرة على النمو في هذه المنطقة المتميزة بقصر موسم الإنبات وانخفاض درجة الحرارة، وإلى جانب الشعير فإن الحشائش الموجهة للغذاء الحيواني تحتل مساحات كبيرة في المناطق القليلة الجودة.
ومعظم الملكيات والحيازات الزراعية صغيرة ويستثنى من ذلك بعض المزراع الواسعة الوديان الدنيا في المنطقة الشرقية، وأكثر من نصف المزارع أصغر من خمسة أفدنة، و٢٪ أكثر من ٥٠ فدانًا، ويمتلك تسعة أعشار المساحات الزراعية مزارعون ملاك، ويقوم الملاك بالعمل في مزارعهم دون احتياج إلى عمال أجراء، ونظرًا لصغر المزارع ولوقوع معظمها على سفوح ومنحدرات شديدة، فإن استخدام الآلات الزراعية الحديثة محدود جدًّا، وإذا وُجد فإنه يعمل على أساس تعاوني لخدمة مجموعة من المزارع.
السماكة
تمثل السماكة غالبًا أقدم حرفة في النرويج، ومنذ فترة مبكرة دخلت الأسماك حياة النرويج الاقتصادية كسلعة يتبادلونها مقابل الحبوب من شعوب بحر الشمال الأخرى، وتحتل النرويج المكانة السابعة بين دول العالم المنتجة للأسماك في الوقت الحاضر — مما يعطي للثروة السمكية أهميتها في النرويج، وبرغم ذلك فإن قيمة الإنتاج السمكي تعادل ٢٪ من الدخل القومي، ولكن هذه القيمة تتضاعف نتيجة لتصنيع الأسماك بأشكال مختلفة.
وعلى الرغم من أن كمية الإنتاج السمكي في النرويج أكبر منها في أي بلد أوروبي آخر، إلا أن قيمة الطن أقل من مثيله في الدول الأوروبية عدا أيسلندا، ويرجع ذلك إلى نوع الأسماك المصادة من ناحية، وإلى طبيعة العمالة الموسمية في حرفة السماكة من ناحية أخرى، وهذه العمالة الموسمية تؤدي إلى كثرة المشتغلين بالصيد في قوارب صغيرة وانتشارهم على كافة الشواطئ مما يتعذر معه جمع الصيد وإعداده للتسويق والتصنيع في الموانئ الكبيرة التي تقوم حياتها على السماكة.
وتكوِّن الرنجة ثلثي الإنتاج، ولكنها تكوِّن ٤٠٪ فقط من القيمة، وأهم مناطق الرنجة هي الساحل الغربي من جنوب ستافنجر إلى تروندهايم، وموسم صيدها يبدأ من ديسمبر وينتهي في مارس، وينخفض سعرها كثيرًا في حالة بيعها طازجة أو مملحة، ويصعب تعليبها كلها في هذا الموسم القصير، ولهذا فإن جزءًا كبيرًا من الرنجة يُصنع كمخصبات زراعية أو تُستخرج زيوته لعمل الدهون إذا أُريد له سعر مناسب.
ويكوِّن سمك القد — الباكلاه — ربع الكمية المصادة وثلث قيمة الإنتاج، ومنطقة القد الأساسية هي الساحل الشمالي من تروندهايم إلى شمالي نارفيك، ولكنه يتمركز بصورة أساسية حول جزر لوفوتون، وموسم الصيد الأساسي يمتد من شهر يناير إلى شهر أبريل، ونظرًا لطول المسافة بين منطقة صيد القد وأسواق النرويج الرئيسية في الجنوب، فإن السمك يجب أن يُملح أو يُجفف تجنبًا للفساد أثناء النقل، ويؤدي التمليح إلى انخفاض سعره في السوق.
وإلى جانب الرنجة والقد فإن هناك نوعًا آخر من الرنجة الصغيرة تكون أساس صناعة السردين النرويجية، ويُصاد هذا النوع من مياه الساحل الغربي بين أشهر يوليو وسبتمبر.
وفي عام ١٩٦٠ كان في النرويج ٣٦ ألفًا من سفن وقوارب صيد الأسماك، لكن ٢٤ ألفًا منها عبارة عن قوارب مكشوفة صغيرة (أقل من ١٠ أمتار طولًا)، وقد دخلت المحركات على سفن الصيد منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وهناك تسعة آلاف سفينة خشبية مكونة من طابقين و٥٦٠ سفينة صيد مصنوعة من الحديد، وأصبحت السفن البخارية قليلة جدًّا.
وقد كان عدد العاملين بالصيد حوالي ٩٠ ألفًا في سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية، ولكنهم تناقصوا إلى نحو ٦٠ ألفًا في الستينات، ومن بين هؤلاء لا نجد سوى ٤٥٪ يحترفون السماكة كحرفة وحيدة، بينما الباقي يقومون بالسماكة كحرفة إضافية أو ثانوية، ومن ثم كان هذا العدد الكبير من القوارب الصغيرة — هذا بالإضافة إلى أن معظم الصيد النرويجي يحدث في المياه الإقليمية مما لا يتطلب أسطولًا كبيرًا حديثًا.
وكانت الحِوَاتة — صيد الحيتان — تكوِّن عنصرًا هامًّا في حياة النرويج الاقتصادية لفترة طويلة، ومع ظهور الهاربون المنطلق من المدفع عام ١٨٦٠ إلى ١٩٠٤ كان الحوَّاتة النرويجيون مسيطرون على المحيط الشمالي كله من قواعدهم في فنمارك وسفاليارد وأيسلندا، وبعد ذلك التاريخ، ونتيجة الإسراف في الصيد، هبطت أعداد الحيتان بكثرة مما جعل الحِوَاتة في المحيط الشمالي عديمة الجدوى، ومن ثم انتقل الميدان الرئيسي لصيد الحيتان إلى المحيط الجنوبي، وأصبحت قواعد أساطيل الحواتة في جزر شتلند وبعض موانئ أمريكا الجنوبية وأفريقيا الجنوبية وأستراليا، وفي عام ١٩٠٥ أنزلت النرويج أول مصنع عائم لصيد الحيتان في المحيط الجنوبي، وذلك كبديل تكنولوجي لبعد المصايد عن قواعد الأساطيل، وفي عام ١٩٢٥ أصبحت سفن المصانع متقدمة لدرجة أنه بات في إمكانها العمل والتحرك دون الحاجة إلى القواعد البحرية، ويصطاد حوَّاتة النرويج حوالي ثلث كمية الحيتان المصادة عالميًّا.
المعادن والصناعة
وتفتقر النرويج إلى مصادر الطاقة المعدنية، مثلها في ذلك مثل بقية دول نورديا، لكن هذا النقص تعوضه مصادر الطاقة الكهربائية المستمدة من المنحدرات المائية الكثيرة، وتمتلك النرويج أكبر مصادر هذا النوع من الطاقة في الدول الأوروبية جميعًا، لكن ٣٠٪ فقط من هذه المصادر هو الذي أقيمت عليه المنشآت لاستغلاله، وإنتاج الطاقة الكهربائية في الستينيات كان حوالي ٥٣ مليار كيلوات ساعة تستخدم الصناعة ٦٠٪ من هذه الطاقة، وأكبر مستهلك في المجال الصناعي للطاقة هي الصناعات الكيميائية والكهربائية.
وقد كانت صناعات الأخشاب والأوراق تمثل الصناعة النرويجية الرئيسية، لكن النرويج لم تعد قادرة على منافسة الإنتاج في السويد وفنلندا والاتحاد السوفيتي، برغم أن هذه الصناعة لا تزال تلعب دورًا هامًّا في الحياة الاقتصادية للنرويج، والمركز الأساسي لصناعة الورق يوجد في سارزبورج — شرقي فيورد أوسلو، وفي دراجن — غربي أوسلو، ومناطق أخرى مجاورة.
وتحتل صناعة السفن الآن الصدارة في الصناعة النرويجية ومراكزها متعددة في الموانئ المختلفة وعلى رأسها برجن ومنطقة أوسلو، يليها على الترتيب الكيميائيات والورق وصناعة الأغذية والمشروبات، وتعد أوسلو أهم مركز صناعي حيث تحتكر وحدها ربع الصناعة من حيث العمالة والمنشآت والقيمة.
النقل
يعاني النقل في النرويج من صعوبة ووعورة المظهر التضاريسي، بالإضافة إلى الغطاء الجليدي الذي تتعرض له النرويج خلال الشتاء لأوقات مختلفة حسب ظروف المكان والموقع.
وقد دخلت السكك الحديدية النرويج عام ١٨٥٤، وتبلغ أطوالها في الوقت الحاضر حوالي ٤٥٠٠ كيلومتر كلها ملك للشركات، وثلثها يستخدم الكهرباء كطاقة دفع، ويحمل هذا الثلث حوالي ثلثي الحركة الحديدية في نقل البضائع والأشخاص.
وهناك ٥٠ ألف كيلومتر من الطرق البرية في النرويج، منها ثلاثة آلاف كيلومتر من الطرق المعبدة بالأسفلت، وتستخدم العبارات المائية كوصلة للطرق البرية حينما تتقاطع الفوردات المتعمقة مع الطرق البرية، وذلك تجنبًا للدوران الطويل، ولكن ذلك يكلف وقتًا طويلًا مما دعا إلى مد طرق برية سريعة في بعض الأماكن حول الفيوردات.
أما النقل الجوي فتحتكره ثلاث شركات خطوطها الأساسية تبدأ من أوسلو في اتجاه الجنوب إلى كريستيانساند وستافنجر، وفي اتجاه الغرب برجن، وفي اتجاه الشمال إلى تروندهايم وبودو وفوس — إقليم ترومز، وهناك أيضًا خط ملاحي جوي يستخدم الطائرات البحرية بين بودو ونارفيك، ومن فوس إلى كيركينيز، لكن الملاحة الجوية كثيرًا ما تتعطل خلال الشتاء بسبب الظلام والجو السيئ العاصف.