«زنجر» يجد صديقًا

كان «زنجر» كلبًا مهذبًا يعرف حقوقه وواجباته … محبوبًا دائمًا من كل مَن يعرفه … ولم يكن لأحد في منزل «تختخ» شكوى منه أبدًا … فهو يأكل طعامه في مواعيد منتظمة … ولا يسمح لنفسه أن يطلب زيادة في كمية الطعام مطلقًا … إلا عندما كان ينتهي من مغامَرة ينجح فيها في مطاردة لص … أو اقتفاء أثر … فقد كان الأصدقاء جميعًا يتسابقون لإغراقه بالطعام … خاصة «لوزة» التي كانت تتحيز له … وتقول: إنه أذكى كلب في العالم.

لهذا كان شيئًا غير عادي في نظر «سيدة» الشغالة في منزل «تختخ» عندما لاحظت أن «زنجر» كان يأتي أحيانًا إلى باب المطبخ وقد بدا جائعًا، رغم أنَّ كمية طعامه العادية لم تنقص.

وكان «تختخ» مشغولًا في تلك الأيام بالامتحانات … فهو لا يرى «زنجر» إلا نادرًا … ولا يعرف ماذا حدث من تغيير في حياة صديقه العزيز … ولكن ذات يوم بينما كان «تختخ» يتناول طعام إفطاره قالت «سيدة»: إن «زنجر» يا أستاذ «تختخ» لم يعد كما كان!

قال «تختخ» متسائلًا: ماذا حدث له؟

سيدة: لقد أصبح يطلب دائمًا كميات إضافية من الأكل … فبعد أن أحمل إليه طعامه في الكشك الصغير في نهاية الحديقة … ألاحظ أنه يأتي بعد فترة إلى المطبخ ويتشمم الطعام، وأضطرُّ أن أعطيه كمية أخرى.

فكر «تختخ» لحظات ثم قال: سأرى ماذا حدث ﻟ «زنجر»، وعلى كل حالٍ دعيه يأكل ما يشاء؛ فربما كانت شهيته قد تفَتحت عن ذي قبل.

ونسي «تختخ» الموضوع، فقد انهمك في مذاكرته، ومضت الأيام وجاءت أيام الامتحان، ولم يعد حتى يرى بقية المُغامِرين إلا عبر أسلاك التليفون.

وكانت «لوزة» أول المغامرين في الانتهاء من امتحانها … وجاءت ذات مساء إلى منزل «تختخ» لتأخذ «زنجر» في فسحة على شاطئ النيل … واتجهت إلى الكشك الخشبي الأزرق في نهاية الحديقة … ولم يكد «زنجر» يشم رائحتها من بعيد حتى أطلق نباحه المُبتهِج … وأسرع إليها … وانحنت «لوزة» على الكلب الظريف وأخذت تُداعبه … ثم أشارت له أن يتبعها ليخرجا معًا … ولكن كم كانت دهشتها عندما توقف «زنجر» في مكانه ولم يتحرَّك …

نظرت «لوزة» إلى «زنجر» متأملة وقالت: ماذا حدث لك؟! هذه أول مرة أجدك فيها مترددًا في الخروج لنزهة!

زام «زنجر» مُتألِّمًا … ثم أخذ يتقهقر ناحية كشكه الخشبي، ووقفت «لوزة» وقد زادت دهشتها، وأخذت تُغري الكلب الأسود الذكي ليتبعها دون فائدة.

وفي هذه اللحظة سمعت «تختخ» يُناديها من نافذة غرفته … فأسرعت إليه وما زالت الدهشة مستولية عليها من تصرف «زنجر» غير المتوقع.

ونزل «تختخ»، والتقى الصديقان في الحديقة وصاحت «لوزة»: كيف حالك؟ لقد أوحشتَني حقًّا.

تختخ: ما زلتُ غارقًا في الامتحانات.

لوزة: لقد انتهيت من امتحاناتي أمس … وجئت اليوم لآخذ «زنجر» في نزهة على شاطئ النيل … ولكنه يرفض!

تختخ: ماذا؟

لوزة: إنه رفض أن يأتي معي.

تختخ: شيء عجيب … ولكن …

وصمت لحظات ثم قال: إنَّ ثمة شيئًا ما في سلوك «زنجر» تغيَّر … لقد شكَت لي الشغالة «سيدة» من أنه يطالب بزيادة في وجبات طعامه العادية، وهذه أول مرة أسمع فيها مثل هذا.

لوزة: إذا كان عندك وقت … تعالَ نعرف ما هي الحكاية؟

تختخ: لقد أخذت راحة لمدة نصف ساعة … تعالَىْ نرَ!

واتجها معًا إلى الكشك الخشبي، وكان «زنجر» ينام أمامه … فلما شاهدهما مقبلَين هز ذيله دون أن يتحرك من مكانه.

تختخ: شيء مدهش … إنني لم أرَ «زنجر» منذ أكثر من أسبوع … إلا من بعيد … ومع هذا فهو لا يُرحِّب بي كعادته!

لوزة: لغز!

ضحك «تختخ» وقال: لغز «زنجر»! مُمكن!

تختخ: تعالَ هنا يا «زنجر»!

وقف «زنجر» متكاسلًا وتقدم من «تختخ» وهو يزوم، وانحنى «تختخ» ووضع يده على ظهر الكلب ثم قال: إنه مريض يا «لوزة».

لوزة: مريض؟

تختخ: لا شكَّ … إنه شديد الهزال.

لوزة: لم أُلاحظ ذلك!

تختخ: إنني أعرفه على الفور … فرغم شعر «زنجر» الغزير الذي يُخفي هزاله إلا أنني أعرفه عن طريق جس عظامه … وهي طريقة علَّمها لي أحد الأطباء البيطريين.

لوزة: «زنجر» مريض؟! إنني حزينة جدًّا!

ونظر «تختخ» إلى كشك «زنجر» ثم قال فجأة: شيء غريب!

ثمَّ اتجه إلى الكشك تتبعه «لوزة» و«زنجر» خلفهما يزوم في ضيق، ومد «تختخ» يده داخل الكشك، ثم قال ﻟ «زنجر»: ما هذا يا «زنجر»؟

لوزة: ماذا حدث يا «تختخ»؟

تختخ: هناك كلبٌ آخر في الكشك … لقد لاحظتُ أن شعرًا أصفر يَبرز من باب الكوخ، فلا بُدَّ أن كلبًا آخر هناك!

وانحنى «تختخ» على الكشك الخشبي … ثم مدَّ يده داخلَه مرة أخرى وجذب كلبًا أصفر اللون … شديد الهزال … وفوجئ بأنه مُصاب إصابة بالغة في رأسه.

صاح «تختخ»: كلب مُصاب!

كان الكلب الأصفر لا يستطيع الوقوف على قدمَيه … شديد النحول … تبدو في عينيه نظرة حزينة.

قالت «لوزة»: إنَّ هذا يفسر سلوك «زنجر» العجيب.

تختخ: نعم … إنه يُعطي لضيفه طعامه … ثم يذهب إلى المطبخ للبحث عن طعام آخر.

لوزة: وهو يَرفض الخروج إلى نزهة على شاطئ النيل … حتى لا يترك ضيفَه … يا له من كلب كريم شهم!

تختخ: ويا لها من مشكلة لستُ مُستعدًّا لها الآن!

لوزة: دع هذه المشكلة لي وعُد أنت إلى مذاكرتك.

تختخ: إن الدكتور «فريد» هو الطبيب البيطري الذي عالجتُ عنده «زنجر»، وأقترح أن تستدعيه ليرى هذا الكلب الأصفر الحزين … فمن الواضح أنه لا يستطيع السير حتى العيادة.

لوزة: تعالَ نطلبه تليفونيًّا!

وأسرعا إلى داخل الفيلا … وطلب «تختخ» الطبيب، وبعد مناقشة استمرت بضع دقائق وافق على الحضور إلى الفيلا بعد نصف ساعة.

وجلس «تختخ» و«لوزة» بجوار الكلبَين … وأخذ «تختخ» يتحدث إلى «زنجر» قائلًا: إنك كلب شهم حقًّا يا «زنجر» … ولكن لماذا لم تحاول أن تقول لي لتحمُّل عبء هذا الضيف معك؟!

أخذ «زنجر» يزوم في هدوء … وقد بدا سعيدًا بعد أن اشترك معه «تختخ» و«لوزة» في الاهتمام بالضيف … وقالت «لوزة»: لعلَّ «زنجر» لاحظ أنك مشغول … فلم يشأ أن يشغلك بمشاكله.

وأخذ «تختخ» يفحص الكلب الغريب الذي ربض ساكنًا، وقد أحنى رأسه في حزن، حتى وصل الطبيب.

أسرع «تختخ» يُقابل الطبيب عند باب الحديقة، ثم قادَه إلى الكشك الخشبي حيث أشار إلى الكلب الأصفر قائلًا: هذا هو ضيف «زنجر» الذي لم نرَه من قبل!

وشمَّر الدكتور «فريد» عن ساعديه وأخذ يفحص الكلب، ثم قال: إنه مصاب بجراح متعدِّدة، بعضها خطير … وواحد منها في رأسه … وأعتقد أنه تعرَّض لاعتداء من شخص أو من عدة أشخاص!

تختخ: إنه كلب غريب المنظر يا دكتور.

الدكتور: نعم … إنه من نوع نادر الوجود في مصر … ولا بُدَّ أن صاحبه ثريٌّ أو أجنبي؛ فهو من سلالة غالية الثمن تسمى «الكوكر»!

تختخ: وما هو علاجه؟

الطبيب: سنُنظِّف بعض الجروح التي تقيحت، وسيتناول بعض المضادات الحيوية، والمُهم أن يتغذى جيدًا.

لوزة: سأهتم بذلك.

الطبيب: أريد بعض المياه الساخنة.

وأسرع «تختخ» لتلبية طلب الطبيب، الذي استمرَّ يفحص الكلب فترة، ثم قال مُحدِّثًا «لوزة»: إن إصاباته تعود إلى أسبوع أو أكثر … ومن المُدهِش أنه عاش بعدها.

لوزة: إن ذلك يعود إلى عناية «زنجر» به.

وعاد «تختخ» بالمياه الساخنة، وقام الطبيب بتنظيف الجراح، ووضع بعض المراهم الشافية عليها، ثم كتب «روشتة» لصرفها … وكرر ضرورة الاهتمام بتغذية الكلب ثم انصرف.

قال «تختخ»: إنني سأعود للمذاكرة يا «لوزة» … فهل تهتمين أنت بعلاج هذا الضيف المُصاب؟

قالت «لوزة»: طبعًا … ولن أهتم فقط بعلاجه … ولكن سأهتم أكثر بالبحث عن صاحبه أو أصحابه … إنه لغزٌ صغير يستحق الحل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤