الكلب الأصفر الحزين

أصبح الكلب الأصفر الحزين هو شغل «لوزة» الشاغل … كل يوم من الصباح الباكر حتى ساعة الغداء … ومن المساء حتى الليل وهي بجواره هي و«زنجر» تُعطيه الدواء وتُغذِّيه، وتُعنى بجروحه … ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى استرد الكلب عافيته … وأصبح على ما يرام.

وذات صباح حضرت «لوزة» كالعادة، وكانت مفاجأة لها أنْ لم تجد الكلب الأصفر ولا «زنجر» في مكانهما المعتاد … وأخذت تبحث عنهما في الحديقة دون جدوى … وظلت تنتظر فترة طويلة ولم يحضرا.

وأحست «لوزة» بالضيق … أين ذهب الكلبان؟ ولماذا لم ينتظرا حضورها إذا كانا يريدان الخروج للنزهة؟! وتضايقت «لوزة» وعادت إلى منزلها لتجد «نوسة» و«عاطف» في انتظارها.

قالت «نوسة» وهي تُقبِّل صديقتها الصغيرة: منذ فترة طويلة لم أركِ يا «لوزة».

لوزة: لم أشأ أن أضيِّع وقتك أثناء الامتحانات!

نوسة: لقد انتهَيت من امتحاناتي وجئت لأراكِ. فإنني مُشتاقة إليكِ جدًّا … ما هي أخبارك؟

لوزة: لا شيء … إلا لغز صغير حاولت أن أحله وحدي ولكنه ازداد غموضًا الآن …

«نوسة» مُقاطِعة: إنك لا تَشبعين من الألغاز يا «لوزة» … ما هو اللغز الصغير الجديد الذي يزداد غموضًا؟

لوزة: كلب أصفر من النوع الذي يدعى «الكوكر» وهو نوع نادر الوجود في مصر … جاء به «زنجر» لا أدري من أين، واستضافه في كشكِه الخشبي … وقد كان مصابًا إصابات بالغة … فأحضر له «تختخ» الطبيب البيطري الذي وصف له العلاج … وقد قمت برعايته صحيًّا حتى استرد عافيته وكان في نيتي البحث عن أصحابه … فالمعادي يسكنها عدد كبير من الأجانب، وأظنُّ أن من السهل العثور على أصحابه وإعادته إليهم.

نوسة: وما هي المُشكلة الآن؟

لوزة: المشكلة أنه اختفى هو و«زنجر» وحتى الآن لم يعودا.

عاطف: لعلَّ الكلب بعد أن شُفي عاد إلى أصحابه … فليس من الصعب على كلبٍ أصحابه في المعادي — وهو في المعادي — أن يعثر عليهم.

لوزة: ولا يُصبح هناك لغز!

ابتسم «عاطف» لشقيقتِه الصغيرة وقال: إنَّ أكبر لغز في العالم هو أنتِ … لأنكِ لا تكفِّين عن البحث عن الألغاز وكأنها غذاؤك اليومي.

تضايقَت «لوزة» وقالت: هل تشترك معي في حل اللغز أم ستقوم كعادتك بالسخرية من كل ما أفعل؟!

عاطف: سأقوم بالعملَين معًا!

نوسة: على كل حال … إذا لم يَعُد «زنجر» حتى المساء فسيكون ذلك شيئًا مثيرًا ولا بُدَّ طبعًا أن نقوم جميعًا بالبحث عنه.

لوزة: و«الكوكر» الأصفر؟

نوسة: سنحاول طبعًا أن نجد أصحابه، إذا لم يكن هو قد وجدهم. وبالمناسبة إن اليوم هو آخر أيام الامتحانات بالنسبة ﻟ «محب»، وسينضم إلينا طبعًا في حل هذا اللغز الصغير.

وافترق الأصدقاء على أن يعودوا للاجتماع في المساء … في حديقة منزل «عاطف» و«لوزة» كعادتهم.

•••

وفي المساء … كان الأربعة يَتقابلون معًا لأول مرة منذ أيام طويلة هي أيام الامتحانات التي انشغلوا جميعًا بها … وبالطبع كان يَنقُصهم المغامر السمين الذكي «تختخ» الذي كان أمامه بضعة أيام أخرى وينتهي من امتحاناته …

وجلس الأربعة … ومرة أخرى روت «لوزة» حكاية «الكوكر» الأصفر المُصاب … وكيف اهتمت به، وكيف اختفى … ولم يكن أمام المغامرين الأربعة في هذه اللحظة إلا شيء واحد … أن يذهبوا جميعًا إلى منزل «تختخ» للبحث عن «زنجر» … هل عاد … أم لم يَعُد بعد؟

واتجهوا جميعًا إلى حديقة منزل «تختخ» وسرعان ما وجدوا «زنجر» يستقبلهم مُرحِّبًا. وقال «عاطف»: انتهى اللغز بالعثور على «زنجر»!

لوزة: ولكن «الكوكر»!

وأسرعت «لوزة» إلى الكشك الصغير … ولكن الكلب «الكوكر» الأصفر لم يكن موجودًا، وعادت «لوزة» سريعًا إلى بقية المغامرين قائلة: إنه لم يَعُد.

وقالت ﻟ «زنجر» متسائلة: أين «الكوكر»؟

رفع إليها «زنجر» رأسه … وتشمَّم الهواء ثم أطلق نباحًا هادئًا حزينًا، كأنه يقول لها إن صديقه قد رحَل.

وقال «عاطف» معلقًا: لقد رحل الضيف … وأُسدل الستار على لغز «الكوكر» الأصفر!

وجلس الأربعة يضحكون … ثم شاهدوا «تختخ» قادمًا وفي يده كتاب … فقاموا جميعًا لتحيته … وارتفعت الضحكات مع تعليقات «عاطف» المرحة … وقضوا أمسية لطيفة معًا ثم عاد كل منهم إلى منزله.

وبرغم أن كل الشواهد كانت تدل على أن الكلب الأصفر قد عاد إلى أصحابه بعد أن استطاع السير … إلا أن «لوزة» قضت ساعات قبل النوم تُفكر فيه … كان إحساسها أن القصة لم تنتهِ بعد … وأن ثمة شيئًا في الموضوع يستحق البحث … مثلًا لماذا أصيب «الكوكر» الأصفر؟ لقد قال الطبيب إنه تعرض لاعتداء قاسٍ من شخص أو أشخاص … فلماذا اعتدوا عليه؟ وأين كان أصحابه؟ ولماذا لم يبحثوا عنه؟ وهل تمَّ الاعتداء قريبًا من منزل «تختخ»؟ أم كان بعيدًا عنه؟ … إن هناك أسئلة كثيرة تحتاج لإجابة … ولكن كيف؟

ولاحظ «عاطف» انشغال «لوزة» وحاول أن يسألها … ولكنها لم تَقُل له شيئًا عما تفكر فيه … كانت تعرف جيدًا أنه سيسخر منها … وهي ليست على استعداد لسماع سخريته.

ونامت «لوزة» وهي تحلم بالكلب الأصفر الجميل … ومصيره بعد أن شُفي من جراحه.

وفي صباح اليوم التالي أسرعت إلى منزل «تختخ» وحدها … إن «زنجر» هو مفتاح الإجابة على هذه الأسئلة كلها … ولا بُدَّ أن تجد وسيلة لإفهامه ما تريد … ولكن المفاجأة الثانية التي كانت بانتظارها … أن «زنجر» لم يكن موجودًا.

ودقَّ قلب «لوزة» سريعًا … إن اختفاء «زنجر» يومين متتالين في نفس الموعد يعني أن شيئًا يحدث … ولا بُدَّ أن هذا الشيء خاص ﺑ «الكوكر» الأصفر …

وذهبت «لوزة» إلى «سيدة» الشغالة … وسألتها عن «زنجر» فقالت: لقد خرج أمس مبكرًا بعد أن تناول طعام الإفطار … ولكنني لاحظت أنه أخذ شيئًا في فمه … لا أدري ما هو …

لوزة: وهل تكرَّر هذا اليوم أيضًا؟

سيدة: نعم … إنه يأخذ بعض الطعام فيما أظن … حدث هذا في الإفطار والغداء أمس … وفي الإفطار اليوم.

وطارت «لوزة» فرحًا … إنَّ المسألة واضحة جدًّا … ﻓ «زنجر» يأخذ بعض الطعام إلى الكلب «الكوكر» … ومن السهل تتبُّع «زنجر» لتعرف أين «الكوكر» الآن. وأسرعت إلى الحديقة وجلست تحت ظل شجرة، وأخرجت قصة ممتعة كانت تقرؤها ثم انهمكت في القراءة.

مضى الوقت بطيئًا، ثم ظهر «زنجر» … وأسرع إلى «لوزة» يقفز حولها فقالت له: هل تخفي عني شيئًا يا «زنجر»؟

نبح الكلب الأسود الذكي كأنه ينفي عن نفسه هذه التهمة … فقالت «لوزة»: على كل حال سوف نعرف الآن.

وجلس «زنجر» تحت قدميها … وأخذت «لوزة» تُحدثه بخواطرها كلها … وتطلب منه أن يساعدها في العثور على الكلب «الكوكر»، وكالعادة كان «زنجر» يهز ذيله موافقًا.

وحان موعد غداء «زنجر» وجاءت «سيدة» بطبق اللحم إلى الكشك الخشبي وأسرع «زنجر» إليه … فتناول قطعة واحدة … واحتفظ بالقطعة الثانية الكبيرة، وبعد أن شرب بعض الماء، أسرع يحمل القطعة وينظر إلى «لوزة» التي فهمت أنه يستدعيها للخروج.

خرجت «لوزة» خلف «زنجر» الذي مشى مسرعًا مجتازًا الشارع الذي به منزل «تختخ» ثم انحرف يسارًا … وسار وخلفه «لوزة» وقلبها يدق مسرعًا، فهي مقبلة على مغامرة صغيرة وحدها … قد تكشف لغزًا كبيرًا وتُثبت بهذا لبقية المغامرين أن إحساسها لا يخيب.

ومضى «زنجر» حتى غادر الشوارع التي كانت خالية من المارة إلا القليل في هذه الساعة من النهار حيث تشتد الحرارة.

ومضى «زنجر» و«لوزة» خلفه حتى غادرا الشوارع المأهولة واتجها إلى حيث يقع شارع النادي الجديد خارج المعادي … وكانت «لوزة» تتوقع في أي لحظة أن تجد «الكوكر» الأصفر … ولكن فجأة برز من شارع جانبي كلب مُتشرِّد ضخم … نظر إلى «زنجر» ثم كشَّر عن أنيابه … لقد شم رائحة اللحم في فم «زنجر»، فمن الواضح أنه كان جائعًا … ووقف الكلبان وجهًا لوجه … وزام كلٌّ منهما … ثم انقضَّ الكلب الضخم على «زنجر» فاتحًا فمه … مبرزًا أنيابه البيضاء الضخمة.

وزاغ «زنجر» جانبًا … ولكن الكلب استمر في هجومه … واضطر «زنجر» إلى إلقاء قطعة اللحم … ليتفرَّغ للدفاع عن نفسه … ووقفت «لوزة» مُرتاعة وهي ترقب الصراع الرهيب بين الكلبين على قطعة اللحم التي كانت مُلقاة على الأرض.

كان الكلب شرسًا وجائعًا … والمعركة عنيفة ومُحتدِمة … ولم تدرِ «لوزة» ماذا تفعل … ولم يكن هناك إنسان يُمكن أن تطلب مساعدته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤