كيف نفتح الباب؟

في الساعة الثانية عشرة ظهرًا بالضبط كانت «لوزة» تقف في انتظار «تختخ» أمام المدرسة … وقد خرج إليها متهللًا … فقد أدى امتحانًا طيبًا … وأصبح الآن حرًّا يستطيع الاستمتاع بإجازته … فإن جائزة الطالب المجتهد هي الإجازة الممتعة.

ولم يُضيِّع «تختخ» وقتًا في الحديث مع زملائه كعادة التلاميذ بعد الامتحانات، بل أمسك «لوزة» من ذراعها قائلًا: هيا بنا.

واتَّجها فورًا إلى قسم الشرطة … ولكن لسوء الحظ لم يجدا الشاويش «فرقع» هناك، وعَلِمَا أنه خرج لتحقيق شكوى … وسيعود بعد ساعة … فقال «تختخ»: لا بأس، هيا بنا إلى الكازينو نشرب كوبًا من عصير الليمون المثلج … ثم نعود …

واتجها إلى الكازينو … وكانت مصادفة طيبة عندما وصلا إلى هناك أن وجدا الشاويش «علي» واقفًا بين عدد من الناس يتحدث ويشير بيديه، فقالت «لوزة»: هيا بنا إليه.

تختخ: ليس الآن … بعد أن ينتهي من هذه الخناقة، وعلى كل حالٍ نحن نستطيع مراقبته من الكازينو.

وجلسا … وعيونهما على الشاويش الذي كان يَصيح غاضبًا … مُهدِّدًا … وبعد فترة انتهى الشاويش من استفساراته … ثم اتجه عائدًا إلى القسم … ووقع بصره على «تختخ» و«لوزة» يجلسان معًا … فضاقت عيناه … واقترب منهما فأسرع «تختخ» واقفًا وقال: مرحبًا يا شاويش «علي».

الشاويش: ماذا تريد؟! إنني أرتاح منكم طول العام الدراسي، ولا تكاد تبدأ العطلة الصيفية حتى تبدأ متاعبي.

تختخ: أظن أنه لن يكون جزءًا من متاعبك أن تشرب كوبًا من الليمون المثلج الذي يساعد على تهدئة أعصابك بعد هذه الخناقة.

بدت الريبة على وجه الشاويش … ولكن «تختخ» قال مؤكدًا: ليس لنا أي دخل بهذه الخناقة … ولست أعتقد أن خلفها لغزًا يهمنا حله.

هز الشاويش رأسه غير مصدق … ولكنه جلس … وبدت «لوزة» متحفزة للحديث، ولكن «تختخ» أشار لها أن تصمت وأن تتركه يتصرف … وبعد أن رشف الشاويش رشفة طويلة من كوب الليمون قال «تختخ»: هناك شيء مريب يا شاويش يحدث في مكانٍ ما من المعادي … وقد قلنا إنه ربما يُهمُّك أن تعلم ما هو.

وضع الشاويش الكوب محدثًا صوتًا عاليًا وقال: إذن … هناك شيء مريب.

تختخ: بالضبط يا شاويش … شيء مريب جدًّا.

الشاويش: ما هو؟

تختخ: فيلا … فيلا مهجورة يا شاويش … يُخشى أن يكون أصحابها في داخلها!

الشاويش: نعم … تقول فيلا مهجورة … ثم تقول إنَّ أصحابها في داخلها؟!

تختخ: نعم يا شاويش … إنها لم تُفتح منذ فترة طويلة … ولا أحد يدري ماذا جرى لأصحابها … ربما يكونون … ربما يكونون …

الشاويش: لماذا أنت متردِّد … ربما يكونون ماذا؟

تختخ: يكونون موتى في داخلها.

قفز الشاويش من مكانه كأنما لدغه ثعبان، وقال: موتى … موتى؟!

تختخ: أقول ربما يا شاويش … ربما!

الشاويش: وكيف عرفتَ أنهم موتى … كيف عرفت؟ وكيف ماتوا؟

تختخ: قلت لك يا شاويش ربما … وعليك أنت أن تتحقَّق … فهذا عملك.

الشاويش: ولكن أحدًا لم يُبلغني بذلك.

تختخ: ها أنا ذا قد أبلغتك!

الشاويش: إنه مقلب من مقالبكم السخيفة … فعندما رأيتني أنتَ وصديقتك فكرتما أن تجدا وسيلة لمضايقتي … إنني لا أصدق هذا الكلام الفارغ الذي تقوله.

تختخ: لقد أبلغناك يا حضرة الشاويش وأنتَ حر!

ثم التفت إلى «لوزة» قائلًا: هيا بنا يا «لوزة».

وأخرج «تختخ» من جيبه نقودًا ليدفع حساب الطلبات … ولكن الشاويش أصر على ألا يدفع له … وانصرف «تختخ» و«لوزة» وقالت «لوزة»: للأسف إننا لم نستطع إقناعه.

تختخ: لقد أقنعناه.

لوزة: كيف … إنه لم يقتنع مطلقًا.

تختخ: لن يمرَّ هذا اليوم إلا وسيَحضُر للحديث معنا عن الفيلا وأصحابها … إنه مُمثلٌ للقانون … ولا يمكن أن ينسى أو يتجاهل مسئوليته.

وقد تحقَّق ظن «تختخ» فعلًا … فعندما اجتمع المغامرون الخمسة بعد ساعة في حديقة منزل «عاطف» ظهر الشاويش عند باب الحديقة … وقام المغامرون جميعًا يرحبون به … حتى لا يحسَّ بالحرج.

وقال الشاويش وهو واقف موجهًا حديثه إلى «تختخ»: هذه الفيلا التي …

قال «تختخ» مقاطعًا: تفضل بالجلوس يا حضرة الشاويش … وسنُحدِّثك عن كل شيء … ونترك لك حرية اتخاذ القرار الذي يناسبك كممثل للقانون والعدالة.

أمسك الشاويش بشاربه يبرمه عندما سمع كلمات «تختخ» المشجعة ثم جلس واضعًا ساقًا على ساق … وبسرعة قامت «لوزة» بإحضار كوب الشاي الثقيل وهو مشروب الشاويش المفضل، ثم جلست قريبة منه … ونظر «تختخ» إلى «لوزة» ثم قال: إن «لوزة» العزيزة يا شاويش — وأنت تعرف كم هي ذكية — تعرف كل شيء عن موضوع الفيلا وسكانها، وأعتقد أنه من الأفضل أن تتحدث هي.

وبدأت «لوزة» على الفور تروي للشاويش الأحداث التي مرَّت بها … منذ لحظة اكتشاف وجود الكلب «الكوكر» الأصفر … وإصاباته … وعلاجه بواسطة الدكتور «فريد»، ثم تتبُّعها ﻟ «زنجر» حتى الفيلا المهجورة التي لا يريد الكلب الأصفر مغادرتها … والشاويش مستمر في العبث بشاربه … ورشف الشاي … والإنصات … وعيون المغامرين معلقة به في انتظار قراره … حتى إذا انتهت «لوزة» من روايتها ساد الصمت ولم يعد يبدده إلا صوت رشفات الشاي الطويلة الممدودة من فم الشاويش.

وأخيرًا قال الشاويش: وماذا تريدون منِّي؟

تختخ: نريد أن نفتح الفيلا.

الشاويش: إن ذلك يستدعي إجراءات مطوَّلة وإذنًا من النيابة.

تختخ: إننا نَعتمِد عليك يا شاويش!

ودون انتظار قام الشاويش بعد أن أنهى كوب الشاي، وقال كلمة واحدة: سأرى!

ثم انصرف وترك المغامرين الخمسة يتبادلون النظرات … وقال «عاطف»: لو أننا أقنعنا الشاويش بفتح الفيلا … فذلك يُشبه إقناع أسد حديقة الحيوان أن يترك راحته ويعمل في السيرك القومي.

محب: إن أي أسد لا بُدَّ أن يُرحِّب بالعمل بدلًا من أن يكون مجرد فرجة للناس.

نوسة: أفهم الآن ماذا سنفعل … هل ننتظر الشاويش؟

تختخ: من ناحية دخول الفيلا لا بُدَّ من الانتظار … ولكن هذا لا يَمنع من أن نحمل كمية من الطعام ونذهب لزيارة الكلب الأصفر … ونُعيد فحص حديقة الفيلا لعلنا نجد فيها شيئًا يستحق البحث عنه، وليكن هذا في المساء.

وقام «عاطف» و«لوزة» فأعدا أكلة شهية للكلب وفي المساء ركب الجميع دراجاتهم وانطلقوا إلى الفيلا المهجورة … وسرعان ما كانوا يدخلون من باب حديقتها المفتوح … ووجدوا «زنجر» مع صديقه «الكوكر» فوضعوا أمامهما الأكلة الشهية ثم انتشروا في الحديقة وقد قسموا أنفسهم إلى ثلاثة أقسام … وقاموا بفحص كل شبر فيها، وكادوا ينتهون من عملهم عندما ظهر الشاويش على دراجته … ولم يكد يراهم حتى صاح فيهم: ماذا تفعلون هنا … لا بُدَّ أنكم تتبعونَني!

عاطف: كيف نتبعك يا شاويش وقد جئتَ بعدنا؟! لا بُدَّ أننا نتبعك بالمقلوب أو أنك أنت الذي تبعتَنا.

الشاويش: اخرجوا جميعًا … إنني مُمثِّل القانون، وقد حصلتُ على إذن النيابة بالتفتيش، وسأقوم به وحدي.

وقف المغامرون الخمسة مذهولين … ولكن «تختخ» كان أولهم إلى الحديث فقال: إنك يا شاويش ممثِّل القانون طبعًا … ولكن هل هناك مانع أن يقوم الناس بمساعدة مُمثلي القانون؟! إن نداءات وزارة الداخلية تطلب من المواطنين أن يساعدوا رجال الشرطة في أداء واجبهم … ونحن نَعرِض عليك مساعدتنا …

الشاويش: إنني لا أريد مساعدة من أحد.

وتقدم الشاويش من باب الفيلا … ووقف محاولًا فتحه ببعض الأدوات التي أحضرَها معه … ولكنه لم يستطع … وأخذ يدقُّ هنا وهناك دون جدوى … ثم تراجع إلى الخلف وضرب الباب بكتفه … ولكن الباب لم يهتزَّ وصمد دون أن يفتح.

أخذ العَرَق ينسال على وجه الشاويش كلما حاول وفشل … ثم ارتفع صوته ساخطًا لاعنًا … فقال «تختخ»: هل تَسمح لنا يا شاويش!

وتقدم «تختخ» من الباب وأخذ يدق على القفل بأصابعه … ثم ذهب إلى دراجته وأخرج من الشنطة الصغيرة بعض الأدوات وعاد … ثم أخذ يعالج القفل في هدوء … وبعد لحظات أدار أداة دقيقة في القفل … وسمع الجميع تكة خفيفة … ثم دفع «تختخ» الباب فانفتح … ووقف الشاويش مذهولًا ينظر إلى الباب المفتوح … وفي هذه اللحظة اندفع الكلب «الكوكر» الأصفر داخلًا وهو ينبح نباحًا حزينًا … واجتاز باب الفيلا كالصاروخ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤