قد تكون بداية …

في اليوم التالي اتصل المفتش «سامي» بالمغامرين، وكانت المعلومات التي توصل إليها قليلة … فلم تكن تزيد عن أن «بورتللي» عالم إيطالي من علماء الآثار، مهتمٌّ بالآثار الغارقة تحت البحر … وأنه تردد على مصر خلال السنوات العشر الأخيرة بضع مرات، وليس في سلوكه ما يريب.

كانت هذه المعلومات تكفي لكي يقرر المغامرون الكف عن البحث وراء «بورتللي»، لولا آثار الضرب التي أصابت الكلب الأصفر … فلو أن «بورتللي» في حالة عادية لما ترك كلبه ضالًّا … ولما تركه وهو مصاب بهذه الإصابات البالغة. إن وراء رحيل «بورتللي» وترك «الكوكر» الأصفر مصابًا، سرًّا يجب كشف غوامضه!

وكان قرار المغامرين مغامرة في حد ذاته … لقد قرروا الرحيل وراء «بورتللي» إلى الإسكندرية.

قال «تختخ»: هناك احتمالان لا ثالث لهما … إما أن «بورتللي» غادر مصر كلها، وفي هذه الحالة يكون قد رحل ومعه سرُّه، وإما أنه ما زال في «مصر» … فإذا كان فيها فلا بُدَّ أنه في الإسكندرية.

نوسة: هذا صحيح … فإن العلامات التي تركها «بورتللي» على الخرائط المعلَّقة في معمله، والخطوط التي وضعها على بعض صفحات الكتاب تُؤكِّد أنه مُهتمٌّ بالآثار الغارقة في الميناء الشرقي للإسكندرية … وهي آثار على جانب كبير من الأهمية، كما يؤكد كتاب «حضارات غارقة».

عاطف: هل نسافر جميعًا؟

تختخ: على كلٍّ منَّا أن يقنع أسرته بأننا انتهينا من الامتحان … وأن من حقنا أن نرتاح وقد اخترنا أن نقضي فترة الراحة في الإسكندرية.

عاطف: من حسن الحظ أنني و«لوزة» لسنا في حاجة إلى تقديم أية حجج لذلك … فإن والدتنا سبقتنا إلى الإسكندرية للإشراف على تنظيف شقتنا التي هناك … ومن المفروض أن نلحق بها خلال أيام … ووالدي لن يستطيع السفر الآن لانشغاله ببعض الأعمال، وأظنه لن يعترض على سفرنا.

نوسة: وفي هذه الحالة … متى نسافر؟

تختخ: فليكن هذا غدًا صباحًا!

نوسة: وهل هناك خطة معينة؟

تختخ: لا شيء أكثر من الطواف بالميناء الشرقي … لعلنا نجد شيئًا يقودنا إلى مكان «بورتللي» إذا كان حقًّا في الإسكندرية.

محب: إنني أقترح الاتصال بالسائق «وجيه» … إنه من المفيد لنا أن يأخذنا في سيارته فقد نحتاج إليه.

تختخ: سأتصل به تليفونيًّا في «الجراج» وسأعطيه موعدًا بعد أن تتصلوا بي مساءً لتحديد موعد سفرنا.

وانفضَّ الاجتماع … وفي المساء تم الاتصال بين المغامرين الخمسة … واتفقوا جميعًا على أن السفر سيكون في الثامنة صباحًا … واتصل «تختخ» بالسائق «وجيه» ولحسن الحظ وجده … وفي الثامنة تمامًا كانت سيارته «البيجو» الجديدة تحمل المغامرين الخمسة ومعهم الكلب «زنجر» و«الكوكر» الأصفر … وكان الاتفاق أن ينزلوا جميعًا في شقة «عاطف» بالإسكندرية لحين وصول بقية الأسر إلى الإسكندرية.

وانطلقت «البيجو» وبها الأصدقاء والكلبان تشقُّ طريقها مسرعة في الطريق الزراعي إلى الإسكندرية … وقد روى الأصدقاء للسائق «وجيه» المغامرة التي يسافرون من أجلها فقال لهم: إن المقهى التجاري قرب الميناء الشرقي هو المكان المفضل للأجانب في الإسكندرية … وفي إمكانكم أن تبحثوا عن «بورتللي» هناك.

وبعد نحو ساعتين ونصف … بدأت رائحة البحر تملأ الجو … وأحس المغامرون بالانتعاش … وسرعان ما كانوا يصعدون سلالم شقة أسرة «عاطف» في «ستانلي» حيث استقبلتهم والدة «عاطف» مرحبة … ولم يكد المغامرون يضعون حقائبهم حتى استأذنوا والدة «عاطف» ونزلوا مسرعين … وحملهم تاكسي إلى المقهى التجاري.

كانت خطة «تختخ» تعتمد على أن يتعرَّف «الكوكر» الأصفر على صاحبه … ولهذا كان يتركه يجري هنا وهناك … لعله يعثر عليه … ولكن الخطة فشلت فشلًا ذريعًا، فلم يعثر «الكوكر» على أحد … ومر اليوم وهم يسيرون هنا وهناك دون أن يحدث أي شيء.

وعندما عادوا في المساء قالت «نوسة»: إننا نبحث عن سمكة صغيرة في المحيط … وأعتقد أننا يجب أن نفكر مرة أخرى.

كانوا جميعًا يجلسون في الشرفة الواسعة المطلَّة على البحر … وقد امتد أمامهم ميناء «الإسكندرية» الواسع … وعادت «نوسة» تقول: إنني أقترح الاتصال بالصحفي «سامي دسوقي»، لقد ذُكر في الكتاب أنه كَتبَ كثيرًا عن الآثار الغارقة في الميناء الشرقي … لعلنا نستطيع أن نحصل منه على معلومات أكثر، بل ربما يعرف هو شخصيًّا العالم الإيطالي «بورتللي»، وهو كما ذكر في الكتاب يعمل في جريدة الأهرام.

وفكَّر «تختخ» قليلًا ثم قال: لا بأس … فلنُحاول.

وأحضروا نسخة من جريدة الأهرام لمعرفة رقم التليفون واتصلوا بالصحفي … وسرعان ما ردَّ عليهم فشرحوا له ما يريدون مقابلته من أجله … ورحب بهم … وعرض عليهم أن يحضروا في مكتبه.

ونزل «تختخ» و«محب» … لم يكن المكتب بعيدًا … فسارا حتى وصلا إليه … وكان الصحفي في انتظارهم.

قال «تختخ» لقد جئنا للبحث عن شخص يدعى «بورتللي» يعمل في البحث عن الآثار الغارقة.

الصحفي: إنني لا أذكر اسم «بورتللي» بين الأسماء التي اشتركت في البحث عن الآثار في الميناء الشرقي … والذين أخرجوا هذه الآثار هم رجال الضفادع البشرية … ومنها تمثال ﻟ «إيزيس» من الجرانيت الأحمر … وزنه ٢٥ طنًّا وطوله حوالي سبعة أمتار … ويمثل سيدة واقفة تمد ساقها إلى الأمام … وتجويف العينين خالٍ … ولا بُدَّ أنهما كانا مرصعين بحجرين من اللون المناسب كما كان شائعًا في الفن المصري القديم …

محب: هل يعني هذا أنه من الآثار المصرية؟

الصحفي: لا … فإنَّ السيدة التي صُنع لها التمثال كانت تلبس ثوبًا يونانيًّا … ولهذا يرجح أن التمثال مصري يوناني … لأن التمثال للإلهة «إيزيس» … فهو من الفن المصري، في العهد اليوناني الروماني.

تختخ: وهل كان انتشال التمثال سهلًا؟

الصحفي: على العكس … فإن التمثال كان يرقد في قاع البحر على عمق ثمانية أمتار والمياه في هذه المنطقة معتمة … وقد بذَلَ رجال الضفادع البشرية جهدًا خارقًا!

تختخ: وهل هذه كل الآثار التي عُثر عليها؟

الصحفي: لا … فقد روى لي أحد الضباط الشبان أنه شاهد تحت الماء حول لسان السلسلة خارج الميناء الشرقي أربعة توابيت حجرية كبيرة مغطَّاة، شاهد مثلها في المتحف الروماني بالإسكندرية … وعلى القرب منها سلَّمٌ من ٧ درجات عرضه ٤ أمتار. وقد يعني هذا أن جزءًا من الإسكندرية القديمة قد غرق تحت المياه في فترات بعيدة من التاريخ.

تختخ: إننا نشكرك كثيرًا … ونتمنى أن تساعدنا في البحث … و …

ولكن قبل أن يتم «تختخ» جملته قال الصحفي: آسف جدًّا … إنني مسافر في رحلة إلى «لندن» … ولكن في إمكاني أن أُعطيَكم بعض ملابس الغوص … فأنا نفسي أحب الغوص … وقد اشتركت في تصوير أفلام تحت الماء … وأنصحكم أن تذهبوا إلى الميناء لعلكم تعثرون على شيء هناك يدلكم على ما تبحثون عنه …

وشكره «تختخ» و«محب» ونزلا معه في سيارته حيث ذهب إلى منزله وأعطاهما الثياب … ثم أوصلهما إلى منزل أسرة «عاطف» في الإسكندرية.

وفي صباح اليوم التالي … استأجر المغامرون قاربًا، واتجهوا إلى الميناء الشرقي ومعهم الكلب «الكوكر» … وقام «محب» و«تختخ» بأول جولة للغوص تحت الماء … ولكن هذه الخطة فشلت أيضًا … فقد كانت الآثار على عمق بعيد … ولم يتمكنا من عمل شيء، وعندما خرجا من المياه قال «محب»: أعتقد أننا فعلنا ما يمكننا … ولم يبقَ لنا إلى أن نقضي إجازة هادئة في الإسكندرية وننسى حكاية «بورتللي» هذه.

قالت «لوزة» جزعة: كيف نتراجع بعد كل ما فعلنا؟

محب: وماذا نفعل أكثر؟

رد «عاطف» من مقدمة القارب حيث كان يجلس وهو يحمل نظارة مكبرة: إنني أستطيع الرد على هذا السؤال.

ثم ناول النظارة إلى «تختخ» قائلًا: انظر في هذا الاتجاه.

ونظر «تختخ» من خلال النظارة المكبِّرة … كانت هناك سفينة تقف في طرف الميناء الشرقي عند السلسلة، ولكن لم تكن عليها حركة …

قال «تختخ»: إنها مجرد سفينة … ولكن لا أحد عليها.

عاطف: هذا ما يبدو لأول نظرة … ولكنني لاحظت وجود أشخاص يظهرون ويختفون سريعًا، واسم السفينة «فلورنسا» … وهذا يعني أنها إيطالية.

تختخ: وماذا يعني كل هذا؟

عاطف: أعني أن شيئًا غامضًا يجري على هذه السفينة الإيطالية قد يكون له علاقة بالآثار الغارقة … وبهذا الرجل صاحب «الكوكر» الأصفر … «بورتللي».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤