معارك تحت الماء
لوزة: لماذا لا نقترب من هذه السفينة ونرى ما يحدث فيها.
تختخ: إذا كان استنتاج «عاطف» صحيحًا، فربما يكون من الخطر الاقتراب، فإذا أحس بنا مَن في السفينة … ربما أخذوا حذرهم … وإنني أعتقد أن من الأفضل أن نبقى هنا ونراقب.
وأخذوا يتبادلون النظر خلال النظارة المكبِّرة … ولكن الوقت مضى دون أن يشاهدوا شيئًا ذا قيمة … إلا بعض الأشخاص يتحركون بين فترة وأخرى على سطح السفينة ثم يختفون.
وجاء موعد الغداء، ومر … وشعر الأصدقاء بالجوع … وقرَّروا العودة إلى الشاطئ، وسرعان ما كان القارب يعود إلى مرساه … وعادوا إلى البيت … ومضى الوقت حتى المساء دون أن يستقروا على رأي فيما يفعلون.
وهبط الظلام … وفجأة قال «تختخ»: هيا يا «محب».
محب: إلى أين؟
تختخ: سنَذهب إلى السفينة الإيطالية في الميناء وسنقترب منها قدر الإمكان … وربما كان الظلام عنصرًا مساعدًا في هذه الخطة.
نوسة: ألا تُعرِّضان نفسيكما لمخاطرة يا «تختخ»؟
تختخ: سنذهب في ملابس الغوص السوداء … وأعتقد أن أحدًا لن يرانا … على كل حال قد لا نجد شيئًا مريبًا.
وخرج «تختخ» و«محب» فذهبا إلى القارب ومعهما الكلب «الكوكر» وسرعان ما كانا يقتربان من السفينة الراسية … وعندما أصبحا منها على بعد أمتار وجدا لدهشتهما الشديدة … الكلب الأصفر يَقفز هنا وهناك … وأخذ «محب» يهدئه حتى لا ينبح ويكشف وجودهما، وقال «تختخ»: أعتقد أننا نسير في الطريق الصحيح … فمن الواضح أن الكلب يحسُّ أنه قريب من صاحبه.
محب: أو قريب من الذين اعتدوا عليه.
تختخ: وهذا مُمكن أيضًا.
كانت السفينة غارقة في الظلام … وليس بها إلا بصيص ضئيل من الضوء يصدر من إحدى الكبائن … وأوقف «تختخ» القارب خلف السلسلة حتى لا يراه مَنْ في السفينة … وانتظر المغامران نحو ساعة دون أن يشاهدا أي حركة على السفينة، فقال «محب»: هيا نذهب إليها، وسنترك الكلب في القارب.
ونزلا في الماء، وأخذا يسبحان في هدوء حتى اقتربا منها … وتسلقا الحبل الذي يربط السفينة بالهِلب الثقيل الغائص في الماء … وسرعان ما كانا يرقدان على ظهر السفينة.
انتظرا لحظات … ثم زحفا إلى ناحية الضوء … وفجأة فُتح باب في مقصورة السفينة الراسية … وشاهد المغامران عدة رجال مُنهمِكين في لبس ملابس الغوص … وأدركا أنهما في الطريق الصحيح … فكل شيء يتم في الظلام … وفي سرية تامة … ولا بُدَّ أنه عمل غير مشروع … وإلا تم في ضوء النهار.
وأغلق الباب، وهمس «محب» في أذن «تختخ»: يجب أن نختبئ … فسوف يصعدون بعد قليل.
واختفيا خلف كومة من الحبال … وبعد لحظات ظهر الرجال في ملابس الغوص … وبدأوا ينزلون واحدًا واحدًا … كانوا خمسة … نزل ثلاثة وبقي اثنان … وأحس «تختخ» و«محب» برعدة تسري فيهما عندما أقبل الرجلان الباقيان، وجلسا فوق كومة الحبال … ولو أن واحدًا منهما التفت خلفه … لشاهد الولدين في مكانيهما … ولكن رغم هذا الموقف الحرج … فقد كان ذلك في صالحهما … لقد سمعا الرجلين يتحدثان … وقد كان حديثهما أول ضوء يكشف حقيقة الأحداث التي تدور على ظهر السفينة.
قال أحدهما: أعتقد أن هذه هي فرصة «بورتللي» الأخيرة فإذا لم يُحضِر العينين … فلا بُدَّ أنه يضحك علينا طول الوقت ويحاول أن يكسب وقتًا حتى يجد وسيلة للفرار.
رد «الثاني»: لنترك الزعيم يتصرف.
الأول: ولكن الموقف أصبح خطيرًا … لقد أخذنا إذنًا من السلطات المصرية بالبحث لمدة خمسة عشر يومًا … وقد مر الوقت ولم يبقَ سوى يومين فقط وبعدها نغادر المكان.
الثاني: معك حق … لقد أخطرنا السلطات أننا أوقفنا البحث لعدم توفيقنا في العثور على شيء ذي قيمة … وتم تفتيش السفينة أمس … ولا بُدَّ أن نُوقف العمل ونرحل … وإلا تعرضنا للمتاعب.
الأول: سأقول للزعيم رأيي … وأطلب منه التخلص من «بورتللي» نهائيًّا هذه المرة … لقد عثرنا عليه بصعوبة في القاهرة … وأحضرناه بالقوة.
الثاني: قد يعثر «بورتللي» على العينين هذه المرة، يقول إنه أخفاهما في كيس من المطاط المقوَّى، ووضعهما تحت إحدى درجات السلم تحت الماء … وإن المياه معتمة فهو لا يستطيع التعرف على المكان.
الأول: إنه يكذب … فمعه بطاريات قوية تُحيل الليل نهارًا.
الثاني: لننتظر ونرَ.
كان «محب» و«عاطف» يستمعان في انتباهٍ شديد … لقد فهما كل شيء تقريبًا، فهذه عصابة تعمل في النهار بشكل قانوني وتحت إشراف السلطات المصرية … وفي الليل تحاول سرقة الآثار … ومن الواضح أن «بورتللي» قد عثر على شيء هام … وهو في الأغلب عينا التمثال الكبير الذي تحدث عنه الصحفي «سامي دسوقي» … وقد أراد «بورتللي» أن يحتفظ بالعينين لنفسه … وبدلًا من أن يصعد بهما إلى السفينة أخفاهما تحت الماء ثم هرب إلى المعادي … ولكن العصابة طاردته حتى عثرت عليه … وأعادته لإحضار العينين من حيث أخفاهما تحت الماء … ولكن «بورتللي» … إما أنه لم يعثر على العينين فعلًا … وإما أنه يراوغ من أجل كسب الوقت حتى يتمكَّن من الهرب مرة أخرى.
ووقف الرجلان … وكادا يتحركان مبتعدين … لولا أن حدث شيء لم يكن في الحسبان … لقد عطس «محب» … فعندما خرج من الماء وتعرض للهواء فترة طويلة أحس بأنه سيعطس … وقد ظل يحبس عطسته طول الوقت ولكن في النهاية خرجت دون أن يتمكن من إيقافها.
كانت لحظة رهيبة … فقد توقَّف الرجلان فورًا ثم نظرا إلى حيث كان «تختخ» و«محب» مستلقيَين خلف كومة الحبال … وانقضَّ الرجلان عليهما … وقفز «تختخ» واقفًا، وبعده «محب» وكانت ملابس الغوص الثقيلة تعوقهما عن الدخول في معركة ولم يكن أمامهما إلا حلًّا واحدًا … القفز إلى الماء!
قفز «محب» وتبعه «تختخ» … وفي الوقت نفسه كان أحد الرجال الثلاثة الذين غاصوا قد صعد إلى سطح الماء … وشاهدهما وهما يقفزان … وسمع صوت زميليه وهما يَصيحان محذِّرَين.
كان بيد الغواص بندقية من بنادق الصيد تحت الماء … فأطلق منها سهمًا … اندفع كالصاروخ ناحية «محب» ولكن لحسن الحظ غاص «محب» في الماء قبل أن يُصيبَه السهم …
غاص «محب» عميقًا … وتبعه «تختخ» … وسرعان ما التقيا تحت الماء وأشار «تختخ» ﻟ «محب» أن يبتعدا سريعًا في اتجاه الشاطئ … ولكن الرجلين الباقيَين في الماء كانا قد وصلا إلى سطح السفينة … وعرفا ما حدث … وسرعان ما اشترك الرجال الثلاثة في مطاردة «محب» و«تختخ» …
كان للرجال الثلاثة ميزة مهمة … فقد كان كلٌّ منهم يَحمل جهازًا للتنفس الصناعي بينما كان «محب» و«تختخ» لا يحملان هذا الجهاز … وكان عليهما بين فترة وأخرى أن يصعدا لاستنشاق الهواء … ولكن كان لهما ميزة مهمة، هي أنهما كانا بدون جهاز التنفس أسرع في الحركة.
وأخذ الرجال الثلاثة يطلقون بنادق الصيد ذات الحراب الحادة على المغامرين … وفي كل مرة كانت الحربة تمرُق بجوارهما دون أن تصيبهما … ولكن هذا الحظ الحسن لم يكن يستمر طويلًا … وسرعان ما قاد «تختخ» «محب» إلى مجموعة من الصخور الضخمة تحت الماء … وبقيا بجوارها لحظات … وقد نجحا فعلًا في تضليل المطاردين … ولكنَّ خطرًا آخر كان في انتظارهما … فمن جوف الظلام الساكن تحت الماء … تحركت سمكة ضخمة من أسماك القرش … وأحس المغامران أن الحظ قد تخلى عنهما … فقد أصبحا بين نارين … المطاردين الثلاثة من ناحية … وسمكة القرش الضخمة من ناحية أخرى … ولم يكن هناك سوى قرار واحد … الصعود إلى سطح الماء.
وتحرك الولدان في نفس الوقت … وأخذا يصعدان بسرعة، وخلفهما جاءت سمكة القرش كالصاعقة. وفي هذه اللحظة ظهر رجلان من الرجال الثلاثة … وشاهد «محب» — على ضوء الكشافات التي يحملونها — واحدًا منهم يصوب بندقيته نحو … وتحرك «محب» حركة سريعة. جعلت سمكة القرش بينه وبين الرجل … وشاهد السمكة تهتز بعنف … وأدرك أن السهم الذي كاد يصيبه قد انغرس في جسدها.
صعد الولدان إلى السطح … وأسرعا إلى مكان القارب … وكم كانت دهشتهما عندما شاهدا القارب على أضواء الميناء يَبتعد وفيه شخص … وعرفا على الفور أنه لا بد أن يكون «بورتللي» … وأنه انتهز فرصة المطاردة وهرب من العصابة وصعد إلى سطح الماء وشاهد القارب … وربما نبح الكلب ولفت أنظاره، فأسرع يهرب بالقارب.
كانا قريبَين من السلسلة، وهي حاجز ضخم من الأحجار يمتد من الشاطئ في أقصى شرق الميناء … وأخذا يسبحان وقد نال منهما التعب … وسرعان ما استطاعا الوصول إلى السلسلة … وصعدا إليها وقد تقطعت أنفاسهما … فارتميا على الأحجار … وأخذا يتنفسان بشدة … وقد أدركا أنهما في أمان بصفة مؤقتة … ما لم يستمرَّ الرجلان في مطاردتهما على البر، وإن كان ذلك يعرضهما لخطر ظهورهما أمام حرس الميناء الذي لا بُدَّ أن يكون رجاله مُنتشرِين للحراسة على طول الميناء.