منطقة الحيتان!

كان الظلام حالكًا في «بحر العرب»، لكن ذلك لم يكن مهمًّا؛ فاللنش الذي يركبه الشياطين يستطيع أن يَصِل إلى الهدف، ودون معاونة من أحد. كان «فهد» قد سجل في الذاكرة الإلكترونية كلَّ تفاصيل الرحلة. في نفس الوقت كانت هناك شاشة صغيرة تظهر عليها كلُّ التفاصيل لمسافة تَصِل إلى ٥ كيلومترات؛ ولذلك فلم يكن هناك ما يشغل الشياطين في الوقت الحالي طالما لم يظهر ما يعوق الرحلة.

قال «فهد»، وهو ينضمُّ إلى الشياطين: إن اللنش مجهزٌ بطريقة مدهشة، ولا أظن أننا استخدمنا لنشًا من قبلُ في مغامراتنا بمثل هذه التجهيزات!

ابتسم «بو عمير»، وقال: لا تنسَ أنها مهمة شاقة؛ فهذه ليست ككلِّ مغامرة. إن ثمانية آلاف قدم تحت الماء تمثِّل صعوبة كبيرة. خصوصًا ونحن أمام كنز ثقيل الوزن!

مرَّت لحظة قبل أن يقول «أحمد»: دعونا نضع الاحتمالات لمغامرتنا الآن!

سكت قليلًا ثم أضاف: إن هناك أكثر من عصابة في طريقها إلى الباخرة «جون باري» التي ترقد في أعماق المحيط الآن!

مرة أخرى صمت قليلًا ثم تساءل: السؤال الآن، هل تدخل هذه العصابات في صراع مع بعضها أو أنها سوف تتفق معًا؟

قال «خالد»: أعتقد أن العصابات الكبيرة لا تدخل هذه المعركة، فهي عصابات تعمل في عشرات المليارات من الدولارات. ومثل هذا المبلغ الضئيل قد لا يُثيرها كثيرًا، وأظن أن العصابات الصغيرة هي التي ستعمل من أجل «الكنز الفضي»!

تساءل «باسم»: مثل هذه العصابات الصغيرة هل تملك إمكانات البحث والنقل وما إليها. أظن أنها تحتاج لإمكانات ضخمة حتى تستطيع الوصول إلي هذه الأطنان من الفضة.

قال «بو عمير»: دعونا نرى الموقف على الطبيعة!

ثم أخرج من حقيبته خريطة صغيرة، بسطها أمام الشياطين، ثم قال: هذا هو خط ٦٠ طولًا، وهذا هو خط عرض ٧ … يصبح في الطرف الشمالي للمحيط الهندي، وهو ما يقابل تقريبًا ميناء «صلالة» العماني الذي خرجنا منه. ولو أن إحدى هذه العصابات قد أبحرَت من نفس المكان، فإن أخبارها لم تكن تغيب عن عملاء رقم «صفر».

انتظر لحظة ثم أضاف: إذن، المفروض أن العصابة إما أن تأتيَ من «الهند»، أو «جنوب شرق آسيا» … أو من «أوروبا» أو «أمريكا».

توقَّف فجأة ثم قال: أعرف أن هذه العصابات لها فروعٌ في مناطق كثيرة في العالم!

فقال «فهد» بسرعة: هذه الفروع ربما تحاول أن تتجه إلى «كنز الفضة»!

قال «بو عمير» بعد لحظة: ربما!

ابتسم «أحمد» وهو يقول: عليكم أن تتصوروا الموقف ببساطة. إن هذه الأطنان من الفضة ليست جبلًا أو هي قطعة واحدة من الفضة. إنها مجموعة من السبائك، وهي التي كانت منقولة إلى «الهند» ومجموعة من الريالات التي كانت منقولة إلى «السعودية»، وهذه طبعًا … موجودة في صناديق، يمكن سحبها!

توقَّف لحظة ثم قال: يمكنني أن أتصور الآتي … إن باخرة مجهزة سوف تَصِل إلى المكان، ويكون فريق البحث الموجود عليها قد حدَّد مكان وجود الفضة. بعد ذلك يمكن سحب الصناديق، عن طريق خطاف معلَّق في الباخرة. إن هذه مسألة ليست صعبة، إنها فقط تحتاج لوقت!

قال «خالد»: إنني أتساءل، هل السلطات «الهندية» أو «السعودية» بعيدة عن هذا الصراع؟

قال «أحمد»: لقد تنازلَت «السعودية» عن حقِّها في الريالات إلى «عمان». ولذلك فهي التي تشترك في عملية البحث.

سأل «خالد»: والسلطات «الهندية»؟

أجاب «أحمد»: إن «كنز الفضة» لا يملكه أحد الآن؛ ولذلك فإن شركة «عمانية» وشركة «فرنسية» هما اللتان تقومان بالبحث عنه. وقد تأكد وجود الفضة بظهور الريالات السعودية.

فجأة، أضاءَت الشاشة وقد ظهر جسم أسود عليها. التفت الشياطين إليه، وقفز «فهد» إلى عجلة القيادة.

قال «خالد»: ترى ما هذا الجسم، هل هو باخرة؟

قال «باسم»: في البحر لن يكون غير ذلك!

قال «بو عمير»: لاحِظوا أننا في منطقة حيتان، ومن المحتمل أن يكون هذا الجسم جسم أحد الحيتان الضخمة، وقد طفَا على سطح الماء!

كان الجسم الأسود يقترب أكثر. سأل «فهد»: هل أسلط عليه ضوءًا!

قال «أحمد» بسرعة: لا بأس!

ضغط «فهد» زرًّا في تابلوه اللنش، فانطلق ضوء قوي، أحال سطحَ الماء إلى نهار. وفجأة ارتفعَت في الفضاء نافورة مياه، جعلَت الشياطين يضحكون.

قال «باسم»: إنه حوت فعلًا!

قال «بو عمير»: إنه قد يسبِّب لنا بعض المتاعب، خصوصًا وهو يبدو ضخمًا جدًّا، وكأنه جزيرة عائمة.

ثم أضاف بسرعة: أقترح أن نهبط إلى الأعماق، حتى لا نضيعَ وقتنا!

وافق بقيةُ الشياطين على اقتراح «بو عمير»، فضغط «فهد» عددًا من الأزرار التي أمامه، فتحول اللنش إلى غواصة تملك كلَّ إمكانات الغوص، وعندما ضغط الزرَّ الأخير … أخذ اللنش في النزول إلى قاع المحيط، كان الحوت يمرُّ من فوقه، فاهتزَّ اللنش بشدة، حتى إن «بو عمير» سقط على الأرض. لكن «أحمد» كان قد اتجه إليه مسرعًا، فأمسك به … وقال «بو عمير»: ياه هذا الحوت الرهيب كأنه جبل يطفو على سطح الماء!

ضحك «أحمد»، وقال: سوف نقابل الكثير من هذا النوع من الحيتان، فنحن فعلًا في منطقة حيتان!

بعد قليل ظهر العالم الآخر … عالم أعماق المحيط. كان يبدو كمهرجان من الألوان … أسماك كبيرة وصغيرة بألوانها الرائعة. كان الشياطين يراقبونها من خلال جوانب اللنش الزجاجية المصفحة. لكن فجأة، اختفَت كلُّ الأسماك مرة واحدة، وكأنها قد فرَّت من خطر ما. وبالفعل ظهرَت سمكة قرش ضخمة تتهادَى في هدوء. كانت ألوانها بين الرمادي والأبيض اقتربَت من اللنش وكأنها تتطلع لمن بداخله، اقتربَت أكثر، حتى أصبح الفاصل الوحيد بينها وبين الشياطين هي الدروع الزجاجية التي تغطِّي جوانب اللنش.

قال «بو عمير»: كأنها لا تتحرك، ولا نحن أيضًا، فهي منطلقة بنفس سرعتنا!

قال «فهد» ضاحكًا: لعلها تنضم إلينا في المغامرة!

ظلَّت سمكة القرش مندفعة بجوار اللنش لوقت طويل. حتى إن الشياطين نسوا وجودها. لكن «أحمد» كان يفكر فيها؛ فقد قال فجأة: لاحظوا أننا سوف نتعرض لذلك كثيرًا هنا. وهذه مسألة يجب أن نفكر فيها جيدًا، فهي يمكن أن تعطل عملنا!

قال «خالد»: لقد تعاملنا من قبل مع هذه الأنواع من الأسماك!

ثم فجأة، ضغط زرًّا في التابلوه، فاندفع سائل أحمر اللون، له رائحة الدم. فلوَّن الماء حول اللنش. لكنه اختفى سريعًا؛ فقد خلفه اللنش وراءه لسرعة اندفاعه. في نفس الوقت اختفَت سمكة القرش. وقال «فهد»: هل رأيت كيف تعاملنا معها؟

مرَّ الوقت. وفجأة، تردَّدَت علامةٌ في أعلى الشاشة التليفزيونية، فقال «أحمد»: هناك شيء.

قال «خالد»: لعلنا اقتربنا من المكان!

ثم نظر في ساعة يده، وأضاف: إننا نقترب من بداية النهار!

قال «أحمد»: أَطْفئ الأنوار. وعلينا أن نكون حذرين تمامًا!

وأضاف بعد لحظة: ينبغي أن تكون سرعتنا أقل من ذلك!

خفض «فهد» سرعة اللنش وهو يقول: لعلنا دخلنا دائرة الصراع!

فجأة، ظهر أربعة رجال يأخذون طريقَهم إلى الأعماق، وهم يلبسون ملابس الغوص، ويحملون فوق ظهورهم أسطوانات الأكسجين.

قال «بو عمير»: يبدو أنهم وصلوا معنا في وقت واحد!

قال «باسم»: إن مكان الكنز معروف. وهذا يعني أن البعض وصل إليه، والبعض الآخر لا يزال في حالة بحث، وهو يعني أيضًا أن السباق قد بدأ، ومعه سوف يبدأ الصراع!

قال «أحمد»: إن منطقة الكنز تبعد عن هذا المكان بما لا يقل عن كيلومتر!

فقال «فهد»: إذن، علينا أن نُسرعَ، حتى لا نَصِل متأخرين!

رفع سرعة اللنش الذي انطلق في سهولة مخلفًا وراءه صورَ هؤلاء الذين ظهروا على الشاشة. لكن فجأة تركَّزَت أعين الشياطين على الشاشة؛ فقد ظهر فوقها ما أدهشهم فعلًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤