تقديم

شهدت مصر خلال الفترة ١٩٢٣–١٩٥٢م تجربة ليبرالية كانت لها إيجابياتها وسلبياتها، استهدفت تحقيق الديمقراطية السياسية على النمط الغربي في مجتمع حفل بالتناقضات الاجتماعية الصارخة التي كانت تتطلب فتح الطريق أمام الديمقراطية الاجتماعية إذا أُريد للديمقراطية السياسية أن تحقق الغاية المقصودة منها. غير أن الشرائح العليا للبورجوازية المصرية لم تعِ ظروف المرحلة، ولم تتبين مدى خطورة المسألة الاجتماعية على مصالحها ذاتها، ونظرت إلى الأمور من زاوية مصالحها الطبقية الضيقة، فراحت تُنمِّي ثرواتها، وتستحوذ على المزيد من الأراضي الزراعية — أداة الإنتاج في مجتمع زراعي — دون أن تسعى لحل مشكلة الفقر التي ازدادت تفاقمًا خلال الثلاثينيَّات والأربعينيَّات؛ لتنذر بثورة اجتماعية تعصف بمصالح البورجوازية ذاتها.

ووسط تلك الأزمة المحتدمة، تعالت أصوات تنادي بالبحث عن حل للمسألة الاجتماعية في إطار النظام الليبرالي القائم أو خارج ذلك الإطار، تباينت رؤيتها للحلول التي طرحتها للأزمة بتباين منطلقاتها الاجتماعية والسياسية. وكان صوت «جماعة النهضة القومية» من بين تلك الأصوات التي ارتفعت تطالب بالإصلاح الاجتماعي حفاظًا على النظام الليبرالي القائم، ولكنها تميزت عن بقية الأصوات بتقديمها لبرنامج اجتماعي وسياسي متكامل وبأنها كانت تضم نخبة من كبار الملاك والمثقفين الذين اكتمل لديهم الوعي الاجتماعي، وهو ما كانت تفتقر إليه شريحتهم الطبقية في المجتمع المصري عندئذٍ.

ونظرًا لأهمية الأفكار التي طرحتها «جماعة النهضة القومية» التي تقدم نموذجًا فريدًا للنقد الاجتماعي من داخل إطار النظام الليبرالي، حرص المؤلف على أن يخصَّ هذه الجماعة بدراسة لتاريخها وأفكارها كمقدمة لسلسلة من الدراسات في النقد الاجتماعي في مصر قبل ثورة ١٩٥٢م.

ولقي المؤلف تعاونًا تامًّا من قادة الجماعة، فقدم الأستاذ مريت غالي للباحث جميع الأوراق الخاصة بالجماعة، وكذلك المطبوعات التي صدرت عنها وتضمنت أدبياتها، كما عقد الباحث معه سلسلة لقاءات أجاب فيها عن تساؤلاته حول نشاط الجماعة وأفكارها. وأتاح الدكتور إبراهيم بيومي مدكور للباحث فرصة اللقاء معه في حديث طويل ألقى أضواء هامة على ما غمض من جوانب الموضوع.

وإلى جانب تلك الأوراق والتسهيلات التي قدمها الأستاذان الجليلان اطلع الباحث على مجلة الفصول التي صدرت عن الجماعة، والمراجع المتخصصة في التطور الاجتماعي والسياسي؛ لتكتمل ملامح الحقبة التاريخية التي تكونت، وعملت في ظلها جماعة النهضة القومية.

وقد حاول الباحث أن يحلل الكتابات المختلفة التي صدرت عن الجماعة، وكانت له رؤيته الخاصة لتلك الأفكار في إطار الحقبة التاريخية التي طُرحت فيها، وهذه الرؤية تمثل وجهة نظر الباحث الخاصة.

ويود الباحث أن يتوجه بالشكر إلى الأستاذ: مريت غالي، والأستاذ الدكتور: إبراهيم بيومي مدكور، اللذين قدَّما له كل العون، وإلى السيد: إسماعيل زين الدين الذي عاونه في جمع مادة الدوريات، كما ينوه بالمساعدات القيمة التي لقيها من الأستاذ: السيد ياسين، مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.

د. رءوف عباس
أستاذ التاريخ الحديث
كلية الآداب – جامعة القاهرة
القاهرة في ٢٣ أكتوبر ١٩٨٥م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤