أين الحقيقة؟!

دون أن يشعر أحد … قام رجال الأمن باصطحاب مندوبي دار النشر المسئولين عن هذا القسَم إلى خارج القاعة … وقام آخرون منهم بحمل مجموعة من الكتب، وبينها هذا الجسم المعدني أيضًا، إلى خارج القاعة … حيث حملتها سيارة نقْل إلى خارج المعرض …

وفي اتصال هاتفي … أخبر «بو عمير» … أن هذا الجسم المعدني الغريب … كان قنبلةً ذات قدرة انفجارية عالية … ويُمكن تفجيرها عن طريق الاتصال بها من أيِّ مكان … فهي مزوَّدة بوحدة استقبال تحمل شريحة تليفونٍ محمول محلِّي، وبالاتصال بها يُمكن إعطاؤها كافة الأوامر، ومنها أمر التفجير …

فقال «أحمد»: والرجال يا «بو عمير»؟

بو عمير: إنهم رهن التحقيق.

أحمد: وأين القنبلة الآن؟

بو عمير: لقد حضر خبراء المُفرقعات من الجيش المصري … وقاموا ببراعة بنزع شريحة المحمول … ثمَّ نزعوا المعالج الدقيق … تصور يا «أحمد» … إنها مزوَّدة بكمبيوتر صغير.

سمع «أحمد» هذا … عرف أن في الأمر أجهزة مخابرات … فهذه التكنولوجيا الفائقة التصوُّر لا يمكن لأفراد أن يمتلكوها … والخوف كل الخوف مما تُخفيه المفاجآت.

لاحظت «إلهام» كل ما يدور … فطلبت من الدكتور «توفيق» التريث لبعض الوقت حتى تعرف نتيجة ما يدور … غير أن «أحمد» طلب منها أن تبدأ الندوة … فتحدَّثت همسًا إلى الدكتور «توفيق» … الذي شاور السيد «فولف» قبل أن يُلقيَ التحية على الحضور …

وقلَّت الضوضاء بعض الشيء في القاعة … وبدأ الدكتور «توفيق» يلقي الضوء على التاريخ الثقافي والحضاري ﻟ «ألمانيا» … وتأثير الحضارة الألمانية في التطور الصناعي والعِلمي العالَمي … ثم بدأ الحديث عن «إمانويل فولف» … وموقعه على الخريطة الثقافية الألمانية … ثم تحدَّث عما لاقاه من متاعب مِن جراء آرائه في أفران الغاز التي أباد فيها «هتلر» اليهود في الحرب العالمية الثانية … وقال إنها من صنع خيالهم … وقد كاد يدفع حياته أكثر من مرة ثمنًا لما يقول، ولم يَتنازل عن رأيه …

وقامت «إلهام» بترجمة ما يقول دكتور «توفيق» … قبل أن يُعطي الكلمة ﻟ «فولف»، وما كاد «فولف» يبدأ الكلام … حتى انفجرت إحدى السماعات التي تقف في أول المنصة … ولم يكن انفجارًا عاديًّا لجهاز إلكتروني … بل كان انفجارًا قويًّا يَصل إلى قوة انفجار قنبلة … لم يَلحظ الناس الفرق … فقد ظنُّوا أنه خلل في جهاز تكبير الصوت أحدث هذه الفرقعة … حتى الدخان الذي انبعث من السماعة … ظنوه نتيجة لاحتراقها لا نتيجة لانفجار قنبلة.

لن يَفطن لانفجار هذه القنبلة إلا الشياطين ورجال الأمن و«فولف» الذي قال ﻟ «أحمد»، مُعلِّقًا على الانفجار: لقد أصبحت صديقًا للتفجيرات.

ضحك «أحمد»، وقال له: يبدو أنها وسيلتك المُثلى لوصول صوتك إلى كل مكان …

تدخل دكتور «توفيق»، قائلًا: هل تشعر أن في الأمر خطورة؟

نظر له «أحمد» مليًّا قبل أن يُجيبه قائلًا: نعم … هناك خطورة … ونحن نُحاول تخفيفها …

نظر الرجل إلى «أحمد» مُندهشًا، وقال له: أنتم من؟ … ألست سكرتير وزير الثقافة؟

ابتسم «أحمد»، وهو يَسترضيه: نعم نعم … أنا سكرتير وزير الثقافة لشئون الأمن …

نظر له دكتور «توفيق» بمكرٍ وقال له مُداعبًا: سكرتير وزير الثقافة أم وزير الداخلية؟

ضحك «أحمد» ولم يُجب … فهو يعرف أن امتناعه عن الإجابة سيُدخل الطمأنينة في نفس الرجل …

وهنا انحنى «توفيق» على «فولف» ليشرح له ما حدث … فقال له «أحمد»: إنه يعرف كل شيء قبل أن يأتي إلى هنا …

أحاط رجال الأمن بالسيد «فولف» ومعهم «أحمد» … واصطحبت «إلهام» مدام «نشوى» ودكتور «توفيق»، وتوجَّه الجميع إلى مكتب مدير المعرض، ودار حوار أصرَّ فيه السيد «فولف» على عقد ندواته ولقاء مريديه وقرائه … وأصرَّ رجال الأمن على سرعة إنهاء هذا الأمر …

غير أن «أحمد» كان له رأى آخر … لذا فقد اتصل برقم «صفر» على خط الطوارئ … فاستجاب رقم «صفر»، فورًا وقال له: لقد نجا «فولف» …

أحمد: ولم نَقبض على زارع القنابل.

رقم «صفر»: الشياطين منتشرون في المعرض.

أحمد: كلهم؟

رقم «صفر»: نعم كلهم … هل لديك جديد؟

أحمد: نعم … السيد «فولف» يُريد بقوة أن يستأنف لقاءاته، ورجال الأمن يرفضون …

رقم «صفر»: وأنت؟

أحمد: أنا أريد ذلك … فهو قطعة الجبن التي ستجلب الفئران إلى المصيدة …

رقم «صفر»: وهل أخبرتَه بذلك؟

أحمد: أخبرته بماذا يا زعيم؟

رقم «صفر»: هل أخبرته بأنه سيلعب دور قطعة الجبن؟

أحمد: إنه لا يخافهم يا زعيم.

رقم «صفر»: ولكن الأمانة تُحتِّم أن يعرف!

أحمد: إذن سأخبره … وإن وافق؟

رقم «صفر»: هو لك … وافعل معه ما شئت … ولكن لا تُعرِّض حياته للخطر …

أحمد: سأُحاول …

رقم «صفر»: إنه ضيفنا.

أحمد: أعدك … أني سأحاول بأقصى جهدي يا زعيم …

رقم «صفر»: وهل هناك من يعرقل خطتك؟

أحمد: نعم، رجال الأمن …

رقم «صفر»: سأُحادث مدير أمن العاصمة في ذلك …

أحمد: شكرًا لك يا زعيم …

كان «فولف» يُخمِّن أن «أحمد» يحادث مسئولًا كبيرًا … فهو يشعر أن أحمد فتًى غير عادي … فقال له بمجرد أن أنهى مكالمته مع رقم «صفر»: هل وافقوا على عقد الندوات؟

شعر «أحمد» بما في سؤال «فولف» من دهاء، فقال له: مَن هم يا سيد «فولف»؟

فولف: مَن كنت تحادثهم.

أحمد: وهل تعرف اللغة العربية؟

فولف: للأسف لا.

أحمد: ولكني أشعُر غير ذلك.

فولف: أنا أحترم شعورك وأقدره … غير أني لا أعرف غير الألمانية، وبعضًا من الإنجليزية … وقليلًا من الفرنسية!

أحمد: المهم في الأمر أنهم وافَقوا.

فولف: كنت أعرف ذلك.

نظر أحمد ﻟ «فولف»، وراح في تفكير عميق … إنه يسأل نفسه … مَن يكون هذا الرجل؟ هل هو حقًّا «فولف» المفكر الألماني الكبير؟ … أم إن في الأمر خدعة؟ … إنه حتى الآن لم يتكلَّم ليعرفه كما تقول الحكمة: «تكلَّم كي أعرفك.» ففي اللحظة التي كاد أن يتكلَّم فيها اكتشفوا القنبلة الأولى … وفي المرة التالية انفجرت قنبلة في السماعة … فهل كان هذا مقصودًا كي لا يتكلَّم هذا الرجل وينكشف؟!

إنه لا يشك في أنه ألماني … لكنه يشكُّ في أنه السيد «فولف» المفكِّر والكاتب الكبير …

لاحظَت «إلهام» شرود «أحمد»، فنادتْه وانتحت به جانبًا وقالت له: هل تُفكر في الرجوع عن قرارك؟

نظر لها «أحمد» مُندهشًا وقال يسألها: أي قرار؟

إلهام: الاستمرار في عقد ندوات السيد «فولف».

أحمد: ليس هذا ما يَشغلني.

إلهام: فيم تفكر إذن؟

أحمد: أشعر أن هذا الرجل ليس «فولف».

إلهام: كيف عرفت ذلك يا «أحمد» والسيد «توفيق شكري» يَصحبه من بداية اليوم؟

أحمد: ماذا تقصدين؟

إلهام: أقصد لو أنه ليس الرجل المقصود لعرف الدكتور «توفيق شكري» ذلك بسهولة.

أحمد: إما أنه يتقن تمثيل دوره وإما أن دكتور «توفيق» لم يَلتقِ به إلا اليوم، ولم تكن هناك فرصة لكي يتحادَثا … وإما أن دكتور «شكري توفيق» يعرف أنه ليس «فولف» ويَشترك مع الآخرين في شيء ما …

إلهام: أو أنه ليس السيد «توفيق»، وليس أستاذًا للأدب الألماني.

نظر لها، «أحمد» مليًّا وقال لها: لم لا؟! هناك لعبة خطيرة تدور …

بصوتٍ هامس … اندفعت «إلهام» تقول له: ماذا تقول يا «أحمد»؟ … هل صدَّقت ما أقول؟ إنني أداعبك.

أحمد: لا يا «إلهام» … إنها ليست دعابة.

إلهام: وهل يشترك معهم رقم «صفر» في كل ذلك؟

أحمد: لا أعرف حتى الآن.

توترت «إلهام» في وقفتها وقالت له: إنك تقصد بذلك أنهم تمكَّنُوا من خداع المنظمة.

أحمد: هذا ما يُحيِّرني … فرقم «صفر» هو الذي كلفنا بالمهمة على عجل …

لمعت عينا «أحمد» وقال ﻟ «إلهام»: ألا يُمكننا عقد اجتماع الآن؟

إلهام: كيف؟

أحمد: في الوقت الذي سيتناول فيه مَنْ يُدعى «فولف» غذاءه …

إلهام: سيُثير ذلك حولنا الشكوك.

أحمد: لن يلاحظ أحد شيئًا.

إلهام: كيف؟

أحمد: سأرسل لكم تقريرًا عبر الويب إلى أجهزتكم المحمولة … وبعدها نَتناقش عبر الاتصال الجماعي … ولن يَحتاج ذلك لأن نَلتقي … بل سيَحتاج لأن نَتباعد عن هذا المطعم … وذاك في دورة المياه، وتلك في قسم الوسائط الذي يَبيعون فيه الأسطوانات.

إلهام: فكرة جيدة … وسأُعاونك في ذلك.

وبالفعل … قام «أحمد» بتسجيل تقريره في رسالة صوتية … ثم أرسله إلى كل زملائه، وبعدما استمع كلٌّ منهم إلى التقرير في تليفونه المحمول … أرسلوا إليه رسالة سريعة تفيد استعدادهم للاجتماع فورًا …

ومن أماكن مُتفرِّقة في المعرض انطلقت الاتصالات … وعندما ضغط «أحمد» الاستجابة سمع «عثمان» يقول له: هل أنت معي الآن؟

أحمد: نعم …

عثمان: لقد سمعتُ تقريرك يا «أحمد»، وأنا أرى أن هناك تنسيقًا ما يتمُّ بين المدعو «فولف»، وبين المؤسسة الأمنية في مصر، وبين منظمتنا.

أحمد: تعني أن هذا الرجل يعمل في المؤسسة الأمنية الألمانية؟

عثمان: هذا احتمال واردٌ وراجح.

أحمد: إذن هذا ليس «فولف»؟

عثمان: هذا إن صحَّت حساباتك وصدقت ظنونك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤