رصاصتان في نفس الوقت

عاد الشياطين الثلاثة إلى المقر السِّرِّي للشياطين اﻟ «١٣» قُرب ميدان «السد العالي» في «الدقي»، وكانت بانتظارهم «ريما» الأردنية. ومن النظر إلى وجوه الشياطين الثلاثة عرفَتْ أن ثمة أخبارًا سيئة، وكالعادة، جلس الشياطين الأربعة معًا، وقدَّم «أحمد» مُلخصًا سريعًا للموقف، فقالت «ريما» مُعلقةً: ولماذا أنت آسِفٌ وحزينٌ إلى هذا الحدِّ يا «أحمد»؟ إن طرف الخيط ما زال في أيدينا؛ فالرجل المريض بالسكَّر ما زال موجودًا، وأنا ما زلتُ أعمل في الصيدلية، و«عثمان» يعمل بمهنة الممرض، وسوف نلتقِط طرف الخيط مرة أخرى.

قال «أحمد»: شكرًا لكم جميعًا على محاولتكم التهوين من خطئي … ولكن المشكلة أننا سنُضيع وقتًا إضافيًّا حتى نصِل إلى طبيعة نشاط العصابة، وما أخشاه أن تُفلت العصابة من أيدينا، قبل أن نصِل إليها.

ريما: دعْنا نأمُل خيرًا … والآن، استمعوا إلى هذا التقرير من رقم «صفر».

بدا الاهتمام على وجوه الشياطين الثلاثة وقال «أحمد»: ومتى وصل؟

ريما: منذ لحظاتٍ قليلةٍ. وفي الواقع، إنه على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية، وربما كان فيه ما يكفي للكشف عن العصابة من ناحية أخرى.

أحمد: عظيم. دعونا نسمع.

بدأت «ريما» في قراءة التقرير …

من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»

  • «وصلتني معلومات هامة عن عصابة «نوكلوز»؛ لقد انضم إليها جزء من عصابة «ورلد ماستر»، وبهذا أتنبَّأ أن العملية التي ستُقدِم عليها العصابة من أضخم العمليات التي واجهتنا، وإن كنَّا لا نعلم ما هي بالضبط.

  • ستختفي العصابة وراء واجهات مُحترمة جدًّا، وليس من المُستبعد أن تقوم بالتقدُّم لمشروعاتٍ ضخمةٍ من المشروعات التي تهمُّ البلاد حتى لا يشك فيها أحدٌ.

  • ضمن الذين اختارتهم العصابة للعملية الغامضة عالمٌ اقتصاديٌّ كان من أبرز علماء أوروبا، ثم اتُّهم في عدة عملياتٍ مشبوهةٍ، مما أدَّى إلى مُحاكمته وطرده من مناصبه، هو البروفيسير «س. ستيبلدون»، وهو مُستشار العصابة للشئون الاقتصادية؛ لهذا أُرجح أن العملية اقتصادية كما يتَّضح من النقطة ۲.

    شحَنت العصابة إلى البلاد مجموعةً كبيرةً من الآلات، وستصِلكم معلوماتٌ دقيقةٌ عن نوع هذه الآلات والأغراض التي يُمكن أن تقوم بها.

  • هذه العصابة من النوع الذي لا يلجأ إلى العنف إلا عند الضرورة، فهي تُحب أن تمرَّ عملياتها ببساطةٍ وفي نطاقٍ مشروعٍ، لهذا فمن الصعب جدًّا اكتشافها.

  • بالطبع فإن كل هؤلاء الأشخاص يتحرَّكون بأسماءٍ مستعارةٍ، وبعضهم قد يُغيِّر من شكله بوسائل شتَّى، وسأُرسل لكم صورًا لهم في التقرير التالي … مع أية معلوماتٍ قد تكون مُفيدةً لكم.»

    وتوقفت «ريما» لحظاتٍ ثم مضت تقرأ: «إنني مُهتمٌ جدًّا بالمعلومات التي أرسلتموها عن الرجل المريض بالسكَّر، والأثر الذي وضعكم خلف العصابة، فما هي آخر المعلومات؟»

مع تحياتي وتمنياتي بالتوفيق …

رقم «صفر»

قال «أحمد» على الفور: أرجو أن تُرسلي ردًّا عاجلًا على السؤال الأخير، وقولي لرقم «صفر» عن الفشل الذي أصابني.

صمت الجميع ونظروا إلى «أحمد»؛ كان واضحًا أنه متأثرٌ جدًّا بما حدث له، وأنه لا يستطيع أن يغفر لنفسه الخطأ الذي وقع فيه. وعلى الفور قامت «إلهام» إلى غرفة اللاسلكي، وأرسلت تقريرًا إلى رقم «صفر» بكل ما حدث … كانت تعرف أن هذا الإجراء سوف يمنح «أحمد» بعض الراحة.

وعندما عادت «إلهام» كان الحديث يدور حول استئناف «ريما» و«عثمان» لعملِهما في الصيدلية، ومحاولة العثور على طرف خيطٍ جديدٍ للعصابة … واستقر الرأي على أن يقوم الباقون، وهم «أحمد» و«إلهام»، بالتجوُّل بالسيارات في شوارع القاهرة، علَّهم يصِلون إلى شيءٍ يقودهم إلى العصابة الغامضة.

في المساء كان «عثمان» يقف في الصيدلية يُلبِّي طلبات الزبائن، وفي الثامنة مساء موعد حقنة السيد «وليد بن نبهان». انطلق «عثمان» على درَّاجته في شوارع «الدقي»، حتى وصل إلى أحد الشوارع الرئيسية، وأمام المنزل رقم ١٦ توقف ثم ركن درَّاجته، وصعد في المصعد إلى الدور السادس حيث يُقيم «وليد»، وعندما ضغط جرس الباب فتح له الباب رجلٌ غريبٌ الشكل لم يرَه «عثمان» من قبل، فقال له «عثمان»: لقد جئتُ لإعطاء حقنة للسيد «وليد».

ردَّ الرجل: نعم، نعم … إنه في انتظارك.

دخل «عثمان» وأغلق الرجل الباب، ثم طلب من «عثمان» الانتظار في الصالة قليلًا لحين إخطار «وليد» بحضوره … واختار «عثمان» كرسيًّا يمكن منه رؤية ما يحدث داخل الشقة؛ فقد أحسَّ بجوٍّ غريب … مضت لحظات ثم ظهر الرجل وقال: تفضل.

حمل «عثمان» حقيبته السوداء الصغيرة التي يضع فيها أدوات الحقن، ثم دخل غرفة «وليد»، ووجده راقدًا مكانَه ينظر إليه في هدوء … قال «عثمان»: السلام عليكم.

ردَّ الرجل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

ووضع «عثمان» الحقيبة على مائدةٍ صغيرةٍ في طرف الغرفة، وانحنى ليُعدَّ الحقنة، عندما أحس بشيءٍ مُدببٍ يندسُّ في ظهره، وسمع صوتًا يقول في تهديدٍ: دعْ كلَّ شيءٍ مكانه.

رغم كل الحركات والتصرُّفات التي درسها «عثمان» في المقر السري في التغلُّب على مثل هذا الموقف، فقد أدرك أنه أمام معركةٍ خاسرةٍ؛ ففي نفس الوقت الذي أحسَّ فيه بفوهة المسدس، رأى «وليد» يُخرج مسدسًا آخر من تحت المخدة، ويُصوِّبه بإحكامٍ إلى «عثمان». ولم يبقَ أمامه إلَّا الاستسلام، واللجوء إلى المراوغة فقال: ما هذا؟

ردَّ «وليد»: إنك تعرف جيدًا ما هذا … لقد تعرَّض أحد زملائي لمراقبة من شابٍّ مثلك لا أشك لحظة أنه صديقك، وقد اكتشفنا المُراقبة وأخذْنا منه صندوقًا عجيبًا لم نرَ له مثيلًا من قبل، مما يدلُّ على أنكما تتبعان منظمةً قوية.

عثمان: ما هذا الهراء الذي أسمعه؟ من هو الرجل المراقَب؟ ومَن هو الصديق الذي تتحدَّث عنه؟ وما هي حكاية الصندوق هذه؟

ضاقت عينا «وليد» حتى أصبحت مثل عينَي الثعبان، وقال: اسمع يا بني … ليس عندنا وقتٌ طويلٌ نُضيعه معك، لقد استطعتَ عن طريقي أن ترصُد تحركات بعض زملائي، وأنا مُعرضٌ لأن أدفع حياتي ثمنًا لهذا الخطأ الذي ارتكبته، وليس هناك حلٌّ لإنقاذي إلا أن تعترف.

أخذ «عثمان» يفكر في هذا الموقف الدقيق … مُسدسان أحدهما أمامه والآخر خلفه … واتهام واضحٌ حقيقيٌّ بأنه استطاع اختراق أسرار العصابة، ومعرفة بعض أفرادها … وتصميم من «وليد» على أن يعترف بالحقيقة.

وأحس بالمسدس الذي في ظهره ينغرس أكثر في لحمه … بالطبع كان من المُستحيل أن يعترف ويقول من هو، مُستحيل أن يتحدَّث عن الشياطين اﻟ «١٣»، وليس أمامه إلا أن يُحاول … وقدَّر موقف الرجل الذي خلفه واتجاه مسدسه، والرجل الذي أمامه واتجاه مسدسه. وأدرك أن المُسدَّسَين مصوَّبان في اتجاهٍ واحد، وأنه لو استطاع أن يمرق من بينهما ربما استطاع الخلاص.

وبحركة نادرة نفَّذ «عثمان» فكرته. فقد ارتمى على الأرض مُتجهًا إلى ما تحت فراش الرجل المريض، وفي نفس الوقت أصاب الرجل الذي خلفه … وانطلقت رصاصتان في وقتٍ واحد، وشاهد «عثمان» وهو يرتمي على الأرض وجه «وليد» وقد أصابه الذهول، فقد أصابته الرصاصة إصابةً مباشرةً في قلبه فانكفأ على وجهه.

اختفى «عثمان» تحت الفراش، وسمع رصاصةً ثالثة تنطلِق في اتِّجاهه … كان المُسدسان كاتِمَين للصوت، فلم يكن صوت الرصاصة يزيد على صفيرٍ سريعٍ مثل فحيح الأفعى … وانطلقت رصاصةٌ رابعة مرَّت بجوار ذراعِه، وأدرك أنَّ الرجل انحنى؛ ليضربه، فاتَّجه إلى الناحية الثانية للفراش، ثم استجمع قواه، وحمل الفراش على ظهره، وألقاه بكل قوةٍ على الرجل، وحدثت ضجةٌ ضخمةٌ!

وقفز «عثمان» إلى الباب مُسرعًا، ثم التفت خلفه … رأى الرجل يُصوِّب إليه مُسدسه وهو تحت المراتب التي سقطت فوقه، وبسرعة قفز خارج الحجرة راميًا نفسه على الأرض في نفس الوقت، وصفرت الرصاصة فوق رأسه، وتدحرج «عثمان» سريعًا، ثم وقف واقتحم إحدى الغُرَف ثم أغلق بابها خلفه، ووقف يلهث وهو ينظر حوله …

ظل «عثمان» واقفًا فترة طويلة دون أن يُحدث صوتًا، أو يسمع أي صوت، ففتح الباب فتحة صغيرة ونظر إلى الصالة ولم يجد أحدًا، ومدَّ بصره إلى الغرفة التي دار فيها الصراع فلم يرَ شيئًا، ولكنه سمع أصواتًا تأتي من ناحية باب الشقة، واستمع باهتمامٍ، كان صوت أشخاص يتحدَّثون ويقفون أمام الباب. ودُهش أن الباب مفتوح!

كان الموقف حرجًا … فهناك قتيلٌ في الشقة، ولو حدث أن دخل أي شخصٍ الآن فإنه هو سيكون المُتهم الوحيد، وحتى لو لم يكن مُتهمًا فسيدخل في مشكلةٍ مُعقدةٍ مع الشرطة، وهو شيءٌ يتجنَّبه الشياطين اﻟ «١٣» دائمًا حتى لا تنكشف شخصياتهم.

خرج «عثمان» مُحاذرًا من الغرفة، وظل يسير بجوار الجدار حتى وصل إلى الصالة، وبالفعل وجد الباب مفتوحًا، وشاهد بعض الأشخاص يقفون في انتظار المصعد … ظلَّ مُتسللًا حتى اقترب من الباب الخارجي ثم دفعه بقدمِه فأغلقه، وسار مُحاذرًا إلى الغرفة التي دار فيها الصراع … كانت مُضاءةً وفارغةً. لم يكن فيها إلا الرجل القتيل، والسرير المقلوب … واندفع «عثمان» إليها وأخذ يُفتش كل ما بها. كان يبحث عن شيءٍ يمكن أن يكون مُفيدًا في متابعة العصابة بعد أن فقد «أحمد» طرف الخيط، وها هو يفقد الطرف الآخر.

لم يكن هناك أيُّ شيءٍ يمكن أن يكون مُفيدًا لهم … ولكن عيناه وقعَتا على شيءٍ في يد الرجل القتيل؛ طرف ورقة مطوية نسي الرجل الذي هرب من الشقة أن يأخذها، وسرعان ما انتزعها «عثمان» من بين الأصابع المُتشنِّجة وفتحها، كان بها رقم كبير هو ٥٠٠٠٠٠٠٠ (أي خمسون مليونًا)، ثم رقم ١٠، وكلمة كافتيريا المطار، ثم كلمات: «العينة مُمتازة»، ثم «الإجازة يومان».

بينما «عثمان» مُستغرِقٌ في تأمُّل الورقة، سمع جرس الباب يدقُّ بإلحاحٍ، وقفز «عثمان» إلى الصالة وقد أخذ معه مُسدس الرجل القتيل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤