في انتظار مغامرة جديدة!

كان المقرُّ السريُّ هادئًا غارقًا في الصمت، وكأنَّ الجميعَ قد هجروه، أو كأنَّهم قد أغلقوه نهائيًّا.

لكن في إحدى غرف المقرِّ، كان رقم «صفر» يتلقَّى تقارير من عددٍ من عملائه في مختلف أنحاء العالم. كان رقم «صفر» يجلسُ، وهو يُتابع التقارير باهتمامٍ كبيرٍ. في نفس الوقت، كان الشَّياطين يأخذون قسطًا من الراحة في غرفهم، بعد أن انتهوا من تدريبات الصباح … وكانت تدريبات هذا اليوم في سباق الموتوسيكلات.

وكان «أحمد» أكثرهم تفوُّقًا، جاء بعده في الترتيب «عثمان» ثم «بو عمير»، ودخل بقية الشَّياطين خط النهاية في وقت واحد.

كان «أحمد» يَشعُر بالتعب؛ فقد كان التمرين في هذا اليوم شاقًّا، ولذلك فعندما دخل غرفته، أسرع يأخذ «حمامًا» باردًا، فقد كان الوقت صيفًا، ثم استلقى على سريره، وقد تعلَّقت عيناه بسقف الغرفة … كان مُستغرقًا في التفكير لحظةً، ثم ابتسم ابتسامةً صغيرةً … فقد كان يفكر في تلك اللحظة في مغامرة في منطقة قريبة من القطب، حيث يُوجد الثلج والبرد، بعيدًا عن حرِّ الصيف.

كان قد قرأ قبل أن يَستلقيَ على السرير، درجات الحرارة داخل المقرِّ السريِّ وخارجه، وكانت درجة الحرارة في الخارج تصل إلى ٤٥ درجة.

قال في نفسه: مهمَّة شاقة، إذا اضطُررنا للخروج من المقر في هذا الجو!

إنَّ «أحمد» يهوى فصل الشتاء، وهو يرى فيه فصل النشاط والقدرة على الحركة، من أجل الدفء، أمَّا في الصيف، فإنَّ الحرَّ يدفع الإنسان إلى الكسل.

غير أنَّ استرخاءه لم يستمرَّ طويلًا؛ فقد تردَّدت دقات خفيفة، عرف على إثرها، أنَّ أمرًا ما قد حدث، وأنَّ عليه أن يستعدَّ.

قال وهو يبتسم: إنَّ الأحلام لا تتحقق بسهولة، ويبدو أننا سوف نُغادر المقرَّ سريعًا، في هذا الجو الحارِّ …

لكنَّه عاد يضيف لنفسِه: مَن يدري، قد تكون المغامرة في القُطب!

وابتسم مرة أخرى. ومن جديد، شرد، ثم أخذ يتذكر آخر مغامرة قام بها الشَّياطين، وهي مغامرة «جزر الساندويتش» … قال في نفسه: لقد كانت مغامرة مفزعة … فقد كدنا نفقد المغامرة كلها.

توقَّف لحظة عن التفكير، ثم ابتسم، وهو يقول بصوت هامس: إنَّ الشَّياطين لا يخسرون مُغامراتهم بسهولة!

فجأة، دقَّ جرس التليفون دقةً واحدةً، فعرف أنَّه أحد الشَّياطين … فقال لنفسه: لا بدَّ أنَّها «إلهام»!

ثم رفع سماعة التليفون … وما كاد يأتيه الصوت، حتى ابتسمَ ابتسامةً عريضةً … فقد كان صوت «إلهام» فعلًا، الذي تردَّد في الطرف الآخر. جاء صوت «إلهام» يقول: هل جاءك أمر الاستعداد؟!

ابتسم، وردَّ: نعم، أظن أنَّه جاءنا جميعًا!

قالت في الطرف الآخر: هل تتوقَّع شيئًا؟

ابتسم، وهو يرد: أظنُّ أنني لا أستطيع ذلك الآن، فأمر الاستعداد يُمكِن أن يكون لأي شيء!

من جديد، قالت «إلهام» في التليفون: إننا نَعتمِد على توقُّعاتك الصائبة. ماذا تفعل الآن!

ضحك ضحكةً خافتةً، وهو يقول: أردُّ على أسئلتك!

قالت: لكنَّك تفعل شيئًا آخر.

ثم أضافت بسرعة: إنَّك في العادة، تقرأ شيئًا له علاقة بمُغامراتنا!

ردَّ مبتسمًا: أظنُّ أنَّ تدريب اليوم، لا يُعطينا هذه الفرصة؛ فقد كان تدريبًا شاقًّا تمامًا!

كان يعرف أنَّ «إلهام» تُصاب بحالة من التوتُّر عند اقتراب أي مغامَرة جديدة … وتتمنَّى أن تَطير إلى مكان المغامرة … ولذلك، فهي تتحدَّثُ الآن في أي شيء، حتى تتغلَّب على حالة التوتر التي تمر بها الآن.

قالت «إلهام»: لكنَّك لا تظلُّ ساكتًا، فأنت مشغولٌ الآن، ودائمًا!

ضحك قائلًا: إنني مُتعَبٌ فعلًا، وقد استلقيت على السرير؛ حتى أنال بعض الراحة، ألا تفعلين ذلك؟!

قالت بعد لحظة: نعم!

قال: أظنُّ أنَّ الراحةَ ضروريةٌ، خصوصًا وأننا نَعرِف أننا قد نخرج في أيِّ لحظة، على الأقل للاجتماع برقم «صفر»!

لم تردَّ «إلهام». ومرَّت دقائق، كان «أحمد» يعرف أنَّها لم تعد تجد شيئًا تقوله، وأنَّ حالة التوتُّر قد غلبتْها تمامًا. قال مُبتسمًا: ما رأيك في دور شطرنج؟

ردَّت: هل تَعتقِد أنني أستطيع ذلك الآن؟

ابتسم قائلًا: أعرف أنَّكِ قلقة جدًّا، وأريدُ فقط أن أخرجك من هذه الحالة!

صمتَت «إلهام»، ولم ترد، ثم في النهاية، قالت: سوف أُحاوِل الاسترخاء مثلك!

ردَّ: هذه مُحاولة عظيمة … وأنت في حاجة إليها؛ فقد نَخرُج في مغامرة بعد قليل!

قالت بسُرعة: إذن … أنت تعرف!

ضحك، وقال: بالتأكيد لا أعرف، لكن أمر الاستعداد يعني ذلك!

قالت متسائلةً: هل تظن؟

ردَّ: تجربتنا مع رقم «صفر» تقول ذلك.

مرَّت لحظة، قبل أن تقول: إذن سوف أحاول، إلى اللقاء!

ثم وضعت السماعة، فوضع «أحمد» السماعة، وهو يقول لنفسِه: مسكينة «إلهام»، إنَّها تُتعب نفسها مقدمًا!

لم يكد يفرغ من جملته، حتى دقَّ جرس التليفون دقةً واحدةً أيضًا، انتظر لحظة، كان يُفكِّر متوقعًا، من يكون المتحدث!

توقَّعَ أن يكون «عثمان» … رفع السماعة، ثم انفجر في الضحك، وجاء صوت «عثمان»، يقول: لماذا تَضحك؟

عندما فرغ «أحمد» من ضحكته، قال: لقد كنتُ أتوقَّع أن تكون أنت المتحدث الآن، خصوصًا وأنَّ «إلهام» قد سبقتك وتحدَّثت، وكنتُ قد توقعت مكالمتها هي أيضًا!

ضحك «عثمان» ضحكة رقيقة في الطرف الآخر، وهو يقول: أنت تعرفنا جيدًا.

ثم أضاف بعد لحظة، قائلًا: إنَّ أمر الاستعداد يُصيبنا بحالة من التوتر الشديد!

ردَّ «أحمد»: إنَّ الآخرين لا يصلون إلى هذه الحالة، أنت و«إلهام» فقط، إنني أعرف حماسَكُما، لكنَّكما تُضيعان جهدًا نحن في حاجة إليه. والآخرون يتصرَّفون بطريقة أحسن، فالمفروض ألا نَسبق الأمور … أنتما هكذا، تضعان العربة أمام الحصان، والمفروض أن يكون الحصان أولًا.

ضحك ضحكةً صغيرةً، ثم أضاف: إلا إذا كنتما تَنظُران إلى العربة من الخلف!

ضحك «عثمان»، وقال: لا بأس، نحن ننظر لها من الخلف فعلًا.

سكت لحظة، ثم قال: هل عندك من جديد!

ضحك «أحمد»، وقال: الجديد بالتأكيد عند الزعيم، وأظنُّه لن يتأخَّر كثيرًا!

ولم يكد يَنتهي من جملته، حتى كانت إشارة الزعيم قد ظهرت فعلًا فوق شاشة التلفزيون، أمام كل الشَّياطين في غرفهم. كانت الإشارة تقول: الاجتماع بعد ربع ساعة في القاعة الصغرى!

كان «أحمد» و«عثمان» يَقرآن، كلٌّ في غرفته، إشارة الزعيم.

فقال «أحمد»: ها هو الجديد قد اقترب!

ابتسم «عثمان»، وهو يقول: أنتَ دائمًا تتوقَّع الأشياء الصحيحة، إلى اللقاء!

وضع «عثمان» السماعة، فوضَعَها «أحمد» وهو يَبتسِم، وقال في نفسه: إنَّ الشَّياطين في اشتياق لمغامرة جديدة.

ثم قفز من سريره، وأخذ يُؤدي بعض التمرينات السويدية لتنشيط نفسه، في نفس الوقت، كانت عيناه على الساعة الإليكترونية في غرفته، حتى يخرج للاجتماع …

قال في نفسه: إنَّ القاعة الصغرى تعني أنَّ تفاصيل المغامرة كلها موجودة، فإنَّ الاجتماع لن يستغرق وقتًا!

كانت عشر دقائق قد مرَّت. أبدلَ ثيابه. ثم نظر إلى حقيبته السحرية مبتسمًا، قال، كأنَّه يخاطبها: استعدِّي، نحن على لقاء لرحلة جديدة، وصراع جديد …

ثم خرَج من غرفته، ولم يكن قد بقي على موعد الاجتماع سوى دقيقتَين. وعندما اتجهت خطواته إلى القاعة الصغرى، من الجانب الشرقي للمَقر، كان بقية الشَّياطين قد اقتربوا جميعًا منها، ثم وقعت عينا «أحمد» على «إلهام»، التي ابتسمَت عندما رأته، وقالت: لقد نجحت!

ابتسم، وردَّ: أرجو أن تنجحي دائمًا!

ودخل الجميع للقاء رقم «صفر».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤