لغز السيارة الجيب!

عندما كانت الطائرة تهبط في مطار «جابرون»، كان النهار قد بدأ يتسلَّل إلى الوجود … وكان الركاب القليلون يَتثاءبون؛ فقد ناموا نومًا متقطِّعًا في الطائرة، نظر «أحمد» إلى المطار المتسع. كانت الحركة قد بدأت تنشط. دارت الطائرة فوق أرض المطار حتى استقرت. فُتح الباب. وأخذ الركاب يَنزلُون. قال «أحمد» في نفسه: يبدو أنَّ اليوم سوف يكون شديد الحرارة.

هبط الشَّياطين مُتتابِعِين، وأصبحوا في صالة المطار. فجأة، اقترب منهم شاب متوسِّط السن، وقدَّم نفسه: «رومبا» … وأحمل لكم رسالة خاصة، أحتفظ بها في سيارة تقف أمام المطار!

كان «رومبا» يبدو وسيمًا تمامًا، يلمع الذكاء في عينيه، حيَّاه «أحمد»، وهو يقول: هل تقود السيارة؟!

ردَّ «رومبا» مبتسمًا: لا أظن.

تبعه الشَّياطين إلى خارج. وهناك كانت سيارة جيب تقف في منطقة بعيدة … ابتسم «أحمد»، وهو يقول: هذه السيارة الجيب بديعة!

ردَّ «رومبا» بابتسامة، وهو يشير برأسه إليها، ثم قال: إنَّها هي نفسها الرسالة! انتظر لحظة، ثم قال: إذا احتجتُم لي، فالسيد «فالدي» يستطيع العثور عليَّ!

وفي لحظة، لم يكن موجودًا. ابتسم «أحمد»، وقال: هيا بنا، يبدو أننا سوف نمشي في طرق صعبة، ما دام عميل رقم «صفر» قد أرسل هذه الجيب الجميلة!

ابتسم الشَّياطين، وأخذوا طريقهم إلى السيارة … لكن، قبل أن يركبوها، وقعت عين «باسم» على سيارة أخرى سوداء، تقف بعيدًا قليلًا. قال «باسم»: يبدو أنَّ هناك خطأً ما!

نظَر له الشَّياطين. وقال «بو عمير»: ماذا تقصد؟

أجاب «باسم»، وهو ينظر إلى السيارة السوداء: ليسَت هذه سيارة الشَّياطين!

اتَّجهت أبصارهم إلى السيارة، ثم التقَت بسرعة. وقال «عثمان»: يبدو أنَّه خطأ حقيقي!

همس «أحمد»: إمَّا أنَّها لعبة، أو أنَّها عملية محسوبة!

فهم الشَّياطين ماذا يقصد «أحمد»، وتصرَّفَ بسُرعة، وقال: سوف أرى السيارة السوداء أولًا … وبعدها يُمكِن أن نتحقَّق!

اتجه إلى السيارة، وعندما فتح بابها. جاء صوت يقول: مرحبًا بكم في «جابرون»، إنني في انتظار طلباتكم!

انتظر «أحمد» لحظة. كان يفكر: ما هي حكاية السيارة الجيب، وهل هي مسألة مقصودة، أو أنَّها لعبة تلعبها العصابة، أو هي مجرَّد خطأ غير مقصود!

أشار إلى الشَّياطين، فانضمُّوا إليه … رفع سماعة التليفون في السيارة، وقال: «إنَّ سيارة جيب قدَّمها إلينا شابٌّ يُدعى «رومبا»، هل تعرف عنها شيئًا.

جاء صوت عميل رقم «صفر»: لا، لم أُرسل لكم سوى سيارتكم هذه السوداء!

سأل «أحمد»: هل تعرف شخصًا يُدعى «فالدي»؟

لحظة، ثم جاء صوت العميل: لا أظن.

ثم سأل بسرعة: هل السيارة معكم الآن؟

ردَّ «أحمد»: نعم، إنَّها تقف أمامنا، لا تبعد عنَّا سوى مائتي متر!

قال العميل: هذه مسألة مثيرة!

ثم سأل بسرعة: هل تحمل أرقامًا؟

نظر «أحمد» إلى السيارة، ثم قال: لا!

قال العميل: هذه ليست سيارة عادية، ينبغي ألا تفلت منكم! فجأة، ظهر «رومبا» متجهًا إلى السيارة في سرعة، ثم أدار محركها، وانطلق. نقل «أحمد» ما حدث للعميل، الذي قال: أظن أنَّها حركة مقصودة!

ثم أضاف بعد لحظة: خذوا حذركم إذن، فالغرباء هنا كثيرون هذه الأيام!

كان الشَّياطين يتابعون السيارة وهي منطلقة في الطريق المتسع، ولم يكن هناك ما يمكن أن يخفيها … قال «أحمد»: سوف نعالج الموقف. ثم وضع السماعة، نظر إلى الشَّياطين، فقال «عثمان»: أظن أنَّ متابعتنا لها يمكن أن تكون ضدنا، فمن يدري ماذا تخفي وراءها؟

أضاف «بو عمير»: يمكن أن تكون لإثارتنا، لتأخذنا إلى مكانٍ ما، لا نُريد الذهاب إليه!

تساءل «باسم»: وهل يعرف أحد بوجودنا، سوى عميل رقم «صفر»؟!

قال «أحمد» بعد لحظة: من يدري؟ إننا نتعامل مع جهات لها أجهزتها بالتأكيد!

قال «عثمان»: مجرَّد احتمالات، وأعتقد أنَّه خطأ غير مقصود!

أضاف «أحمد»: مع ذلك، فيَنبغي أن نأخذ حذرنا! في نفس الوقت، تذكر شيئًا، فقال: كان ينبغي أن نستغل بودرة الإرشاد!

لمعت عينا «عثمان»، وقال: «هذه حقيقة.» ثم أضاف بسرعة: إننا فعلًا نستطيع ذلك، فالجيب ليسَت مسرعة تمامًا!

وفي لمح البصر، كانت سيارة الشَّياطين تنهب الطريق خلف السيارة الجيب، التي كانت تبدو كنقطة عند الأفق. كان «بو عمير» هو الذي يَتولى القيادة. نظر في تابلوه السيارة، ثم قال بعد لحظة: سوف نَلحق بها، قبل أن تصل إلى المدينة!

ضغط قدم البنزين أكثر، حتى كادَت السيارة أن تَطير لفرط سرعتها. وأخذت السيارة الجيب تظهر شيئًا فشيئًا، حتى أصبحت على مدى كيلومتر واحد. كان الطريق خاليًا، وكانت الأرض الزراعية تمتد على جانبيه، حتى إنَّ المنظر كان ساحرًا.

اقتربت الجيب أكثر … فأعطاها «بو عمير» إشارة ضوئية، إلا أنَّها أسرعت، غير أنَّ سرعتها كانت أقل كثيرًا من سرعة سيارة الشَّياطين. اقترب «بو عمير» منها، حتى أصبح معها على خط واحد. وأشار إلى «رومبا»، الذي كان يقودُها، حتى يقف، إلا أنَّ «رومبا» كان ينظر لهم في خوف، وهو مستمر في الانطلاق.

تجاوز «بو عمير» السيارة الجيب، حتى جعلها خلفه. أخذ يبطئ من سرعة السيارة، فاضطر «رومبا» إلى تخفيض سرعته … ظلَّ «بو عمير» يُمارس معه اللعبة، حتى أوقف سيارته تمامًا. قفز «عثمان» بسرعة، واتجه إلى «رومبا»، الذي كان ينظر إليه بعينين ممتلئتين بالخوف. ابتسم «عثمان»، وسأل: لماذا لم تتوقف؟

تردَّد «رومبا»، قبل أن يقول: لقد فات الموعد، وسوف أنال عقابًا من السيد «فالدي»! في نفس اللحظة، كان «أحمد» قد نزل، وفي هدوء، رشَّ بعض البودرة على السيارة، بينما كان يقول ﻟ «رومبا»: ومن هو السيد «فالدي»؟

أجاب «رومبا»: الذي أعمل عنده!

– وماذا يعمل؟

لمعت نظرات الحيرة في عيني «رومبا»، وأخيرًا، قال: لا أدري بالضبط، وإن كنتُ أظن أنَّه يعمل في مجال الأبحاث!

سأل «أحمد»: هل تعمل عنده منذ مدة؟

أجاب «رومبا»: من حوالي شهرين!

هزَّ «أحمد» رأسه، ثم قال: لا بأس، تحياتنا!

ابتعد الشَّياطين عن السيارة، فانطلق «رومبا» بها، بينما كان «أحمد» و«عثمان» يبتسمان … فالسيارة الجيب سوف تظلُّ مكشوفة للشياطين، أينما ذهبت، لأنَّ هذه البودرة تُرسل إشارات يسجلها جهاز دقيق، فيحدد مكانها، أينما كانت.

انطلقت سيارة الشَّياطين، وتساءل «بو عمير»: إنَّ حكاية الأبحاث مسألة لافتة للنظر، ومثيرة للتفكير!

قال «باسم»: إنَّ كثيرًا من الباحثين والعلماء يجوبون أفريقيا من أجل عمليات البحث والتنقيب.

أضاف «عثمان»: لا أظن أنَّها مسألة علمية مجردة، فلا بد أنَّ هناك أشياء أخرى، قد تكون التجسُّس أو غيره!

قال «أحمد»: هل تظنُّون أنَّ «فالدي» له علاقة بمغامرتنا!

لم يرد أحد مباشرة. فليس بينهم من يملك دليلًا يؤكد ذلك … أخيرًا، قال «عثمان»: لا نستطيع أن نقطع برأي، غير أنَّه يَنبغي أن يظلَّ في حسابنا، ومن يدري؟

اتَّجهت السيارة إلى فندق «بلازا»، كما أخبرهم عميل رقم «صفر»، كانوا في حاجة إلى الراحة، قبل أن يبدءوا تحرُّكَهم. ولذلك، عندما وصلوا إلى غرفهم في الفندق، كان أول شيء فكروا فيه … وقبل أن يضع «عثمان» رأسه على الوسادة، رفع سماعة التليفون … وتحدث إلى «أحمد». قال «عثمان»: إنَّ لغز السيارة الجيب يؤرقني فعلًا!

ابتسم «أحمد»، وهو يردُّ: أرجو أن تُؤجِّل هذا حتى الصباح لأني متعب الآن جدًّا! ثم وضع السماعة، وغرق في النوم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤