معركة في سحابة من الرمال!

عندما استيقظ الشَّياطين … كانت الساعة حوالي الثانية عشرة … كان الجو شديد الحرارة، هكذا عرف «أحمد» من الترمومتر الموجود في الغرفة … قال في نفسه: سوف تكون مغامرة … شاقة في قلب الصحراء، حيث لا ظلَّ ولا ماء.

رفع «أحمد» سماعة التليفون يتحدَّث إلى «عثمان»، إلا أنَّ باب الغرفة فُتح … وظهر فيه «عثمان» و«بو عمير» و«باسم». كانوا جاهزين للانطلاق.

قال «عثمان» مبتسمًا: لقد جهزنا كل شيء!

ردَّ «أحمد»: ماذا تعني؟

ابتسم «بو عمير»، وقال: الموتوسيكلات. إنَّها في انتظارنا بالخارج.

ابتسم «أحمد»، وهو يقول: سوف يكون الجو صعبًا في «كالاهاري»!

أجاب «باسم»: هل ننتظر حتى وقت آخر!

ضحك الشَّياطين، وأخذوا طريقهم للخارج. وما إن خرجوا من الفندق المكيف الهواء، حتى لفحتهم الحرارة بقوة، وكأن الجحيم قد انفتح في وجوههم فجأة … فوضعوا خوذاتهم فوق رءوسهم، ولم يَعُد للحرارة أيُّ تأثير؛ فقد كانوا يلبسون ثيابًا ضد الحرارة، وكانت الخوذات مكيفة الهواء، من خلال جهاز دقيق مثبت في جانبها.

كانت أربعة موتوسيكلات تقف قريبًا من حديقة الفندق. فاتجهوا إليها مباشرة. وفي لحظات، كانت أصوات الموتورات تتردد، لكنَّها لم تكن أصواتًا عالية، بالإضافة إلى أنَّ هناك جهازًا خاصًّا لكل موتوسيكل، مثبت فوق «الشكمان»، وهو كاتم للصوت، حتى إنَّ الموتوسيكل يُمكن أن يمرَّ دون أن يسمع أحد صوته.

كان «أحمد» يَمشي في المقدمة، وخلفه «بو عمير»، ثم «عثمان»، وأخيرًا «باسم». ولم تمضِ نصف ساعة، حتى كانوا قد تركوا مدينة «جابرون»، وأصبحوا في الخلاء … كانت الحقول على جانبَي الطريق، لكنَّها بعد وقتٍ، أخذت تختفي، لتبدأ غابات الحشائش العالية، حتى لم يكن يظهر شيء من الشَّياطين، كانت الحشائش تغطيهم تمامًا.

وشيئًا فشيئًا، بدأت الحشائش … تَنخفِض، ثم تختفي، حتى ظهرت الصحراء. توقف الشَّياطين عند مشارف الصحراء. كانت تمتد بلا نهاية. وكان وجود الجبال العالية، التي تبدو كأنَّها تقف في قلب الصحراء شيئًا رائعًا، ومخيفًا في نفس الوقت. نظر «أحمد» إلى الشَّياطين، وقال: إنَّ جهاز الكشف الذي نملكُه، يُغطِّي مساحة خمسين كيلومترًا مربعًا، وهذا سوف يعطينا فرصة لكي نحدد عملية بحثنا!

أخرج «أحمد» الجهاز، ثم ضغط زرًّا فيه. تحرك مؤشِّرُه. فأثار ذلك اهتمام الشَّياطين. إنَّ حركة المؤشر تعني وجود شيء في هذه المساحة.

ابتسم «عثمان»، وقال: هل يُساعدنا الحظ بهذه السرعة!

ردَّ «بو عمير»: لقد قال رقم «صفر» نفس الشيء!

مرة أخرى، أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال، ثم بدأ يدير موجاته … فجأة، ظهرت الدهشة على وجوه الشَّياطين. لقد التقط الجهاز إشارة استغاثة. وما كاد «أحمد» يبدأ في تسجيلها، حتى انقطعت … عندئذ قال: إنَّ الحظ يلعب معنا تمامًا، إنَّ هذه الإشارة تعني شيئًا!

أخذ يُدير موجات الجهاز، لعله يلتقطها مرة أخرى، غير أنَّ الجهاز لم يسجل شيئًا … قال «باسم»: إنَّها إشارة لم تتم، وهذا يعني أنَّ صاحبها قد تعرَّض لشيء ما!

ردَّ «أحمد»: هذا صحيح! بسرعة، أخرج جهازًا إليكترونيًّا صغيرًا، ثم بدأ يحسب به بعض العمليات الحسابية … وأخيرًا قال: أعتقد أنَّ الإشارة تردَّدت بين النقطة «ل» والنقطة «ع»، وهي لا تَبعُد عنَّا سوى ثلاثين كيلومترًا، وهذا يعني أننا نستطيع أن نكون هناك خلال ثلث ساعة، إذا كان الطريق جيدًا!

وفي لحظة، كان «أحمد» يتقدم المجموعة إلى قلب الصحراء. كانت الرمال متماسكة في هذه المنطقة، وكان الطريق يبدو مستخدمًا من قبل، ولذلك كان تقدمهم سريعًا. قطعوا حوالي عشرة كيلومترات، ثم فجأة، بدأت الصخور تظهر، ولم يعد الطريق جيدًا … إنَّ عليهم أن يمروا في ممرات ضيقة، مليئة بالصخور الصغيرة، وأن يَصعَدُوا مُرتفعاتٍ، وأن يهبطوا إلى السهول.

كان الطريق صعبًا تمامًا، لكن لم تكن هذه مشكلة. نظر «أحمد» في ساعة الموتوسيكل، كانت قد انقضَت نصف ساعة. قال في نفسه: إنَّه الطريق، وأتمنَّى ألا يستمر هكذا!

فجأة، كان الطريق يصعد إلى قمة جبل، وكان الصعود مُخيفًا. اضطر الشَّياطين أن يتقدموا ببطء شديد، وعندما وصلوا إلى القمة، وقف «أحمد»، قائلًا: هذه مغامرة حقيقية، إنَّ صعود هذا الجبل يعتبر وحده مغامرةً».

أخرج منظاره المكبِّر، ثم بدأ يمسح السهل الواسع في أسفل الجبل. فجأة، هتف: هذه هي …

أخذ «بو عمير» النظارة، وأخذ ينظر إلى نفس الاتجاه الذي حدده «أحمد»، وقال: إنَّها سليمة تمامًا، إنَّ الحظ معنا.

تبادلوا النظارة فيما بينهم، وكان كلٌّ منهم يضيف تعليقًا، كانوا يشعرون بالسعادة … فالمسألة لم تنلْ منهم جهدًا كبيرًا، ولولا وعورة الطريق، لكانت أسهل مغامرة قاموا بها، غير أنَّ «أحمد» قال: إنَّ الطائرة لم تسقط، لقد أُجبرت على الهبوط!

نظر له الشَّياطين. فأضاف: إنَّ سقوط الطائرة يعني تحطيمها، وهبوطها يعني أن تكون قد هبطت في سلام.

رفع «بو عمير» النظارة مرةً أخرى إلى عينيه. في نفس الوقت، كان جهاز الكشف يُسجل حركة ما. وهتف «بو عمير»: غير معقول، هذه سيارة «رومبا»!

قدَّم النظارة ﻟ «أحمد»، الذي نظر قليلًا، ثم قال: إننا بالتأكيد محظوظون!

تناقلوا النظارة، وهم يكادون يرقصون من الفرحة … عندئذ قال «بو عمير»: إنَّ هناك أربعةً ينزلون من السيارة … وأمامهم رجل كبير.

قال «عثمان» هاتفًا: هذا هو الخطأ الذي يُفيدنا الآن، لقد أخطأ «رومبا» عندما لقينا بالمطار، ولا بدَّ أنَّه ظن أنَّهم نحن، وربما يكون هذا الكبير هو السيد «فالدي»، الذي يعمل في الأبحاث، وربما يكون أحد رجال العصابة.

قال «أحمد»: إنني أوافقك.

عقد الشَّياطين اجتماعًا سريعًا. قال «أحمد»: أقترح أن نترك الموتوسيكلات هنا، ونبدأ في الاعتماد على أنفسنا! إلا أنَّ «بو عمير» كان له رأي آخر. فقال: أظن أنَّ من الأحسن أن نأخذ الموتوسيكلات معنا؛ فنحن لا ندري ماذا يمكن أن يقابلنا أسفل الجبل، وقد نحتاجها.

ناقشوا الموضوع، وقلَّبوا شتى احتمالاته، وانتهوا إلى أنَّهم يجب أن يستخدموا الموتوسيكلات، حتى مسافة قريبة، ثم يُخفوها، لتكون في متناول أيديهم، عندما يحتاجون إليها. في النهاية، طرح «باسم» فكرة … قال: إنَّ السهل مكشوف تمامًا، وحركتنا سوف تكون مكشوفة أيضًا، ولذلك أقترح أن ننتظر حتى الليل!

ردَّ «بو عمير»: لا أظنُّ أننا سوف نستطيع الانتظار، فالوقت لا يزال مبكرًا، لذلك أقترح أن نتجه إلى المكان الذي جاءت منه السيارة الجيب، وبذلك يمكن أن نسد أمامهم الطريق أو نقطعه عليهم …

في النهاية، وافقوا على فكرة «بو عمير» … وبدءوا في التنفيذ. إذا كان صعود الجبل مغامرةً، فإنَّ الهبوط أيضًا مغامرة أخرى، خصوصًا مع استخدام الموتوسيكلات، يعتبر مسألة شاقة تمامًا. حتى إنَّ «باسم» كاد يسقط من فوق الجبل، لولا أن تعلقت العجلة الخلفية للموتوسيكل بإحدى الصخور.

واستغرق الهبوط وقتًا طويلًا. لكن فجأة، توقَّف الشَّياطين. لقد كانت السيارة الجيب تتحرك من مكانها بجوار الطائرة. أسرع الشَّياطين بعمل دورة حول الجبل. كانت المهمة صعبة، لكنَّهم حققوها بنجاح.

وعندما أصبحوا عند الجانب الآخر من الجبل، ظهر أمامهم طريق لا بأس به. في نفس الوقت، كان صوت السيارة يتردَّد في صمتِ المكان. ألقى «أحمد» نظرة سريعة، ثم قدَّر المسافة، إنَّ السيارة سوف تقطع الطريق في ثلث ساعة؛ فمن الواضح أنَّها تمشي ببطء، ولا بد أنَّ الطريق ليِّنٌ بتأثير الرمال. قال في نفسه: إنني أستطيع أن أقفز بالموتوسيكل قفزة واحدة فأكون أمامها، قبل أن تصل.

أشار إلى الشَّياطين، فتوقفوا، شرح لهم فكرته … فقال «بو عمير»: إنَّها مغامرة ليست مأمونة!

فردَّ «أحمد» قائلًا: إننا في النهاية في مغامَرة، ولا نُريد أن تُفلت السيارة منَّا، خصوصًا وأنَّها الآن تحت سيطرتنا.

اتفقوا في النهاية على أن يقوموا بالمغامرة. أخذ كلٌّ منهم مكانًا. كانت تفصل بين كل واحد وآخر مسافة تصل إلى خمسة أمتار. رفع «أحمد» يده، ثم أنزلها، فانطلقت الموتوسيكلات لعدة أمتار قليلة، ثم قفزوا في الهواء، كان منظرًا غريبًا ومثيرًا. وفي هدوء، هبطت الموتوسيكلات على الأرض، وساعدهم أنَّ الأرض كانت تغطيها رمال ناعمة جدًّا. وبسرعة، انضموا إلى جسم الجبل، يختفون فيه. كان طريق السيارة يمرُّ بجوارهم.

قال «أحمد» هامسًا: هذه فرصتنا، عندما تكون السيارة قريبة منَّا فسوف ننقض عليها معًا!

وقف الشَّياطين متحفِّزين. كان صوت السيارة يتردَّد، ويقترب شيئًا فشيئًا. فجأة، ظهرت أمامهم. وعندما نظر إليهم «أحمد» ليبدءوا عملية الانقضاض. رفعت السيارة من سرعتها فجأة، ثم دوت طلقات الرصاص في المكان. ولم ينتظر «أحمد»، فأخرج مسدسه، وأحكم النيشان على إطار السيارة، ثم أطلق طلقة واحدة. انفجر إطار السيارة، محدثًا دويًّا هائلًا، ودارت السيارة حول نفسها … كانت فرصة أمام الشَّياطين، فأسرعوا إليها … كانت الرمال تُثير سحابة حول السيارة فتخفيها. وفي نفس الوقت، لا تعطي لمن بداخلها فرصة التصرُّف.

وفي لمح البصر، كان الشَّياطين يقفون خارج سحابة الرمال، في انتظار من يخرج منها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤