البحث عن النفق!

عندما أغلق «فهد» باب السيارة، جاء صوت عميل رقم «صفر» يُلقي إليهم بتحية الصباح، ثم قال: هل حدث شيء أمس؟

أجاب «أحمد»: نعم.

ثم حكى له باختصار ما حدث، فقال العميل: هذا أمر متوقع على كل حال.

صمت لحظةً ثم سأل: ما هي خطتكم الآن؟

ردَّ «أحمد»: دخول قصر «بوجوتي».

مرَّت لحظة صمت، ثم جاء صوت العميل يتساءل: لماذا؟

أجاب «أحمد»: إنها خطتنا.

قال العميل: إن القصر خالٍ الآن بعد أن استولت الحكومة عليه، وهو محاط بحراسة مشددة.

ردَّ «أحمد»: إنها خطتنا على كل حال، وهي تحتاج إلى التنفيذ في هدوء حتى لا نلفت نظر أحد؛ فالمؤكد أن هناك عيونًا للمافيا ترصد الآن كل شيء.

مرةً أخرى مرَّت لحظة صمت، ثم قال العميل: سوف أتصل بكم بعد ربع ساعة.

وضع «أحمد» سماعة التليفون، فقال «فهد»: واضح أن احتمال وجود نفق في القصر لم يخطر على بال الحكومة.

ابتسم «أحمد» وقال: إنه احتمال بعيد، ونرجو ألَّا يخيب ظننا فيه.

كان «خالد» يقود السيارة في بطء. أخرج «أحمد» خريطةً صغيرة للمدينة، ثم بسطها فوق رجلَيه، وأخذ يحدِّد الطرق التي يجب أن يمشوا فيها. وقف إصبعه عند قصر «بوجوتي» وقال: إن بيننا وبين القصر حوالي ثلاثة كيلومترات. ينبغي أن نقطعها على مهل حتى يأتينا رد العميل.

فجأةً جاء صوت العميل يقول: الآن تستطيعون الذهاب إلى هناك، وما دمتم تريدون الدخول دون لفت نظر أحد، فأمامكم، وعلى بعد كيلومتر واحد، مقر للشرطة. عليكم بالتوجه إليه والسؤال عن السيد «خوسيه»، وسوف يقدم لكم ملابس رجال الشرطة حتى لا يلفت دخولكم أو وجودكم نظر أحد.

شكره «أحمد»، وبسرعة ضغط «خالد» بدَّال البنزين، فانطلقت السيارة بسرعة.

علَّق «مصباح»: إن هذه الاستجابة السريعة لمطالبنا يعني أن الشرطة تريد «بوجوتي» بأي شكل.

مرَّت خمس دقائق كانت سيارة الشياطين خلالها قد وصلت إلى مقر الشرطة. نزل الشياطين في هدوء وأخذوا طريقهم إلى المقر. اعترضهم أحد رجال الشرطة، وسألهم: ماذا تريدون؟

أجاب «أحمد»: نريد السيد «خوسيه»!

أدَّى رجال الشرطة تحيةً عسكرية حماسية، ثم قال مبتسمًا: إنه في انتظاركم.

ثم تقدمهم في خطوة نشطة إلى داخل المقر، وعند أول مكتب على اليمين قرأ الشياطين لافتةً مكتوب عليها: القيادة.

اختفى الشرطي داخل المكتب، ولم تمرَّ لحظة حتى جاء صوت قوي يقول: مرحبًا بكم.

ثم ظهر رجل قوي البنية، له شارب ضخم، وقال مبتسمًا: إنني «خوسيه».

حيَّاه الشياطين، فدعاهم إلى داخل المكتب، واستمرَّ في الترحيب بهم، ثم سأل مبتسمًا: هل تشربون القهوة؟

ردَّ «أحمد»: يمكن أن نشرب قهوةً باللبن.

ثم أضاف بسرعة: لكننا نتمنَّى أن ننتهي من مهمتنا أولًا.

ابتسم «خوسيه» وقال: لا بأس أثناء تجهيز القهوة يكون كلٌّ منكم قد أبدل ثيابه.

ثم أمر «خوسيه» بإحضار القهوة، وعندما اختفى الشخص المكلَّف بإحضارها قال للشياطين: الآن يمكن أن تنتهوا من مهمتكم.

ثم أشار إلى باب جانبي وقال: ما تحتاجونه موجود في الداخل.

دخل الشياطين الغرفة الجانبية، وبعد دقائق خرجوا وقد لبسوا ملابس الشرطة «الكولومبية».

نظر إليهم «خوسيه» ثم ضحك قائلًا: الآن يمكن أن أتعامل معكم بطريقة عسكرية.

ابتسم «أحمد» وقال: ينبغي ألَّا يرانا أحد.

قال «خوسيه»: أفهم ذلك، وسوف تخرجون من باب آخر.

ثم أضاف بسرعة: سوف تذهبون إلى قصر «بوجوتي» في سيارة شرطة، وكأن نوبتكم في الحراسة قد بدأت.

قال «أحمد» مبتسمًا: هذا شيء طيب.

جاء أحدهم بالقهوة، فاحتسَوها بسرعة بالرغم من أنها كانت ساخنةً تمامًا، ثم استأذنوا في الانصراف. حيَّاهم «خوسيه» ثم تقدمهم إلى نفس الغرفة الداخلية، ومنها فتح بابًا فظهرت حديقة صغيرة. وأمام الباب كانت تقف سيارة شرطة اتجهوا إليها، وعندما ركبوا أشاروا ﻟ «خوسيه» بالتحية، ثم انطلقت السيارة. بعد ربع ساعة كانت السيارة تدخل حديقة قصر «بوجوتي». قفز الشياطين من السيارة بسرعة، ووقفوا صفًّا واحدًا يتقدمهم «أحمد» وكأنهم يقومون بعمل عسكري. كان القصر مبنيًّا على طراز فن القصور القديمة، يتوسطه حديقة واسعة جميلة، ويكاد القصر أن يختفي بين الأشجار. تقدم «أحمد» خطوةً للأمام ثم قال: إلى اليمين دُر.

ثم ساروا بخطوة عسكرية نشطة حتى باب القصر، الذي انفتح بمجرد وصولهم إليه. لفتت هذه الحركة نظر «أحمد»، لكنه استمرَّ في تقدمه حتى دخلوا القصر. وما كاد آخر واحد فيهم يدخل حتى أغلق الباب مرةً أخرى. توقفوا، ولم يكن أحد موجودًا!

قال «أحمد» بلغة الشياطين: ينبغي أن نتحدث بلغتنا؛ فالأمور هنا فيها بعض الغموض.

ردَّ «بو عمير»: إن فتح الباب وإغلاقه دون أن يكون هناك أحد، مسألة مثيرة للشك فعلًا.

قال «أحمد»: لا نريد أن نضيع وقتًا في استنتاجات الآن. إن علينا أن نسرع بالبحث عن مدخل النفق إذا كان موجودًا.

ثم أضاف بعد لحظة: سوف نتخلَّص من هذه الملابس الآن ونتفرق، كلٌّ يحاول أن يجد المدخل، على أن نكون على اتصال دائم.

بسرعة تخلَّص الشياطين من ملابس الشرطة، وكانوا يلبسون ملابسهم العادية تحتها … وتفرَّق كلٌّ منهم في اتجاه. كانت الصالة التي يقفون فيها واسعةً تمامًا، وحولها يقع عدد من الأبواب. أسرع الشياطين كل واحد إلى باب فتحه واختفى داخله.

أمَّا «أحمد» فقد ظلَّ واقفًا لحظة. كان يفكر: إن المدخل من الضروري أن يكون في الدور الأول؛ ولذلك فإن بحثنا يجب أن يكون في هذا الدور.

أخذ يبحث في أرضية الصالة التي كانت من خشب الباركيه. كانت عبارةً عن قطع من الخشب تتزاوج في شكل جميل؛ تبدأ في شكل مربع كبير، ثم يضيق المربع إلى آخر أصغر منه، ثم أصغر فأصغر، حتى ينتهي عند دائرة تتوسط الصالة تمامًا. ذهب «أحمد» إلى مركز الصالة حيث دائرة خشب الباركيه. أخذ يجس الدائرة بقدمَيه ويضغط في كل اتجاه، ثم جلس على الأرض وأخرج خنجره وأخذ يدق به على القطع الخشبية الصغيرة، لكنه لم يجد شيئًا. فكَّر قليلًا ثم قال لنفسه: من الضروري أن يكون مدخل النفق في مكان لا يلفت النظر.

وقف ثم نظر إلى الأبواب المفتوحة حيث دخل. اتجه إلى باب مغلق ثم فتحه، فوجد غرفة المطبخ. قال في نفسه: يمكن أن يكون مدخل النفق هنا.

دخل فوجد كل شيء في المطبخ منظَّمًا ونظيفًا. كان يضم بوتاجازًا يعمل بالكهرباء، وثلاجةً ضخمة. نظر إلى الثلاجة قليلًا، ثم اتجه إليها وهو يقول لنفسه: يمكن أن يكون المدخل أسفلها.

وقبل أن يمد يده إليها قال في نفسه: من المنطقي أن يكون المدخل في غرفة المكتب، أو الصالون، أو النوم؛ ففي هذه الأماكن الثلاثة يوجد دائمًا من يريد الاختفاء.

انتظر لحظة، ثم قال لنفسه مرةً أخرى: من الصعب أن يوجد المدخل في مكان بعيد يحتاج لبعض الوقت في الوصول إليه. وبسرعة خرج من المطبخ إلى الصالة وبدأ يفتح الأبواب ليحدِّد في أيها يمكن أن يبدأ البحث. فتح أول باب فكان غرفة المكتب. دخل بسرعة. كانت الستائر مسدلة، حتى إن الأشياء في الغرفة كانت تظهر بصعوبة. فكَّر أن يضيء النور، لكنه تراجع. أخرج من جيبه بطاريةً صغيرة وبدأ البحث. دار في أركان الغرفة، وحرَّك كل قطع الأثاث، لكنه لم يجد شيئًا. وقف يرقب الغرفة بعين فاحصة، ثم أخذ طريقه إلى المكتب وجلس خلفه. ظلَّ يفحص المكتب والأدراج لكن لا شيء. وقف ليخرج من وراء المكتب. فجأةً تجمَّد في مكانه فقد تحرَّك المكتب إلى الأمام وحده، ثم ظهرت فتحة أسفل. وقف ينظر إليها لحظةً وهو لا يصدق نفسه. نزل إلى الأرض وبدأ يتحسس الأرضية حول المساحة التي كان المكتب يغطيها. اصطدمت يده ببروز صغير. ضغط عليه فتراجع المكتب وعاد إلى مكانه. تنفس في ارتياح ثم جلس على المقعد. لقد جاءت توقعاته كلها سليمة.

أخرج جهاز الإرسال وأرسل رسالةً شفرية إلى الشياطين لينضموا إليه، وفي دقائق كانوا يدخلون جميعًا وعلى وجوههم تساؤل: ماذا حدث؟

وعندما أخبرهم باكتشافه توقفوا جامدين؛ فقد كان اكتشاف مدخل النفق مفاجأةً حقيقية للجميع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤