الموسيقى في عهد المماليك

لا يوجد أمامنا الآن من يرشدنا إلى حالة الموسيقى في هذا العصر غير كتاب فيللوتو Villoteau، أحد أفراد البعثة التي استحضرها نابوليون في مصر لتحرير كتاب وصف مصر La Description de L’Egypte.

يتركب كتابه من مجلدين؛ أحدهما: خاص بالآلات الموسيقية التي وجدها بمصر من وصف فني لأصولها وكيفية صناعتها، والثاني: للقواعد والأصول الموسيقية. ويحسن بنا أن نبحث عن هذا الرجل لنعلم إن كان أهلًا لهذا العبء العظيم الذي عُهد به إليه أم لا.

لقد بحثت في عدة دوائر معارف عامة وموسيقية، وكثير من كتب تاريخ الموسيقى القيمة، فلم أعثر على اسم هذا الرجل، حتى إنني لم أسمع في أية حفلة موسيقية قطعةً واحدةً تنسب إليه، فيُستنتج من ذلك أنه كان من الموسيقيين الخاملين، أو مُدرِّسًا بسيطًا في مدرسة صغيرة.

لم يكن عند هذا الرجل أدنى فكرة عن تاريخ الموسيقى، ولا عن الترتيب والنظام في العمل، ولا في آداب الكتابة. إننا لا ننكر أن هذا العصر كان مظلمًا يسود فيه الجهل والتأخر، ولكن لا يخلو الأمر من وجود بعض أفراد قلائل في هذا العهد لهم نصيب من الفضل.

لم يذكر لنا هذا الكاتب شيئًا عن حالة البلاد الموسيقية في هذا العصر كمشاهير الملحنين والمغنين والعازفين، ولم يذكر لنا اسمًا واحدًا من هذه الطائفة.

رأينا أنه نفَر من الموسيقى الشرقية بمصر، وجعل يُشنِّع عليها بكل وصف قبيح، واعترف بأنه لم يستطع بعد طول إقامته في هذه البلاد أن تميز أُذُنه أرباع الأصوات التي ما فتئت أمامه كطلاسم، تشتت منها فكره، كما أنه خلط كثيرًا في القواعد التي شرحها، وانتقده الإفرنج قبل المصريين (انظر الجزء الثاني من تاريخ الموسيقى العام، للمسيو فيتيس، صحيفة ٢٨، في الحاشية بأسفل الصحيفة).

وقد اقتطفت دورًا من الأدوار التي جمعها في كتابه ليطَّلع عليه القراء، وليستدلوا منه على انحطاط اللغة العربية في ذاك العصر، وفساد الأخلاق، والاستهتار بالفجور:

دور راست (ضربه مصمودي)

يا لابسين الشيشيكلي١
ومحزمين بالكشميري
حبيت جميل بنهود رمان
مثل الجميل ما رأت عيني

•••

يا بْيض ويا لون الياسمين
يا للي على الصب لاحظ
وحياة عيونك والوجنات
أنا أسير اللواحظ

•••

الخمر والورد الأحمر
بيغزلوا في خدودك
ناديت من عظم وجدي
يا شبكتي من عيونك

•••

قال لي غزالي أديني جيت
وافعل كما تختار فيَّه
اركبك صدر رمان
وتحل دكَّة الفيَّه
١  من ججكلو: أي مزهر، يقصد به المُحلَّى برسوم الأزهار. والكلمة تركية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤