الموسيقى من عهد محمد علي باشا إلى الآن

ابتدأت الموسيقى ترتقي في عهد محمد علي باشا، واشتهر بها في عصره محمد أفندي المقدم المغني، أستاذ عبده الحامولي، وساكنة المغنية، وكانت ذات صوت رخيم فتَّان، وقد أنعم عليها محمد علي باشا بنيشان، وعاشت إلى عهد إسماعيل باشا.

وقد اشتهر من الموقعين في ذلك العهد محمد أفندي القباني، كبير الملحنين عند محمد علي باشا، وخطاب أفندي القانوني، ومصطفى أفندي العقاد القانوني، وهو والد محمد أفندي العقاد القانوني المعروف والموجود الآن، وكان حافظًا لكثير من الموشحات والأدوار العظيمة.

ومن مشاهير حفاظ الموشحات والأدوار القديمة: الشيخ محمد الشبشيري، شهير زمانه بطنتدا «طنطا»، الذي أخذ عنه المرحوم عبده أفندي الحامولي كثيرًا من طرق الإبداع والإتقان والتلاعب بالنغمات، وأحمد أفندي الياسرجي، مطرب الإسكندرية الشهير، والأستاذ الأكبر للمرحوم الشيخ سلامة حجازي، والمرحوم الشيخ محمد الشلشلموني بالقاهرة، وكان حجة الفن ومرجع أهله. وهؤلاء هم رجال الطبقة القديمة، وهي الطبقة الأولى.

أما الطبقة الثانية، فتتكوَّن من محمد أفندي الخضراوي، أستاذ المرحوم محمد أفندي عثمان، والشيخ محمد عبد الرحيم، الشهير بالمسلوب، الموجود الآن على قيد الحياة، وقد لحن عدة أدوار وطرائق للذكر معروفة طار بها ذكره، والشيخ محمد المغربي، القاطن بجهة سيدنا الحسين، ومُبدع تلحين طرق المولد النبوي الشريف على ما هو مألوف الآن بعد المرحوم الشيخ حسن الآلاتي أول مبتكر لها، والشيخ عمر، القاطن بجهة المغربلين بمصر القاهرة، وحافظ الموشحات القديمة والقارئ والمنشد الشهير.

ومن مآثر المغفور له إسماعيل باشا على الموسيقى أنه أحضر من الآستانة جوقًا تركيًّا «تختًا»، تلقى عنه مشاهير الفن بعض التلاحين والبشروات «البشارف»، ومن هؤلاء: المرحوم عبده أفندي الحامولي، ومحمد أفندي العقاد، والمرحوم أحمد أفندي الليثي، والمرحوم إبراهيم أفندي سهلون، وأمين أفندي بزري، الموجود الآن.

السيد محمد شهاب الدين

كان عالمًا فاضلًا وشاعرًا للخديويين من محمد علي إلى سعيد باشا. وقد توفي في سنة ١٢٧٥ أو ١٢٧٦ هجريةً، وكان أشهر أهل عصره في الموسيقى، وهو الذي ألف السفينة المشهورة باسمه، وكان شاعرًا أديبًا لطيف المعشر، وله ديوان طبع سنة ١٢٧٧ هجريةً، يشتمل على ٣٨٠ صحيفةً، وقد جمع في سفينته عددًا عظيمًا من الموشحات العربية، فكان أعظم عامل لترقية الموسيقى في عصره.

عبده أفندي الحامولي

لم تر مصر موسيقارًا بارعًا، وفنانًا مبدعًا، وملحنًا نابغةً وُهِب من حسن الصوت وسلامة الذوق والتفنن في الصناعة مثل عبده أفندي الحامولي زعيم النهضة العصرية الموسيقية. أخذ الموسيقى عن محمد أفندي المقدم الذي سبق ذكره، وقد غنَّى في مصر، وطبَّقت شهرته الآفاق في عصر إسماعيل باشا وتوفيق باشا وعباس باشا، ودعاه السلطان عبد الحميد عدة مرات ليغني في حضرته، وله الفضل في إدخال بعض المقامات التي كانت في هذا الوقت غير معروفة في مصر، فلحَّن بعض الأدوار من مقام الحجاز كار «كمليك الحسن في دولة جماله»، و«الله يصون دولة حسنك»، و«كنت فين والحب فين»، وأبدع في القصائد والأدوار من مقام العجم، ومن ذلك: «أراك عصيَّ الدمع شيمتك الصبرُ»، و«جرحني لحظك» في دور: أد ما أحبك زعلان منك «الصبا»، وكان طويل الباع في إلقاء مقامي النهاوند والنواثر، وله أدوار كثيرة في غاية الجودة.

وقد تزوج من المغنية الشهيرة ألمز التي وُهبت صوتًا شجيًّا رنانًا نادر المثال، وسحبت على من سبقها ومن عاصرها من المغنيات ذيل النسيان.

محمد أفندي عثمان

هو الزعيم الثاني للنهضة العصرية، والملحن المبدع، والمغني المطرب، وقد تلقى الموشحات على الشيخ الشلشلموني، والغناء عن مصطفى أفندي الموشي، تلميذ الشبشري، وله من الموشحات ثلاث؛ وهي: «اسقني الراح» الحجاز كار المربع، و«يا غزالًا زان عينيه الكحل» الحجاز كار النوخت في «يا مطرب الحان» الحجاز كار السماعي، والثالث — وهو أشهر موشح سُمع منه — «ملا الكاسات وسقاني» الرصد السماعي، حتى إنه لعذوبته وضع على قده المرحوم الشيخ سلامة حجازي «صفا الأوقات». وأما أدواره فكثيرة جدًّا، وكلها تدل على فضل عظيم، وذوق سليم، وفن متين.

الشيخ يوسف المنيلاوي

ومن مشاهير المغنين وكبارهم: المرحوم الشيخ يوسف المنيلاوي، وكان جميل الصوت قويَّه، منشدًا مطربًا، ومغنيًا عظيمًا، ولم يشتغل بالتلحين إلا في آخر أيامه.

ومنهم محمد أفندي سالم، وقد بلغ الآن المائة من عمره، وما برح حافظًا لبعض قواه، وكان يمتاز برخامة صوته، ورقة غنائه، وعواطفه المتأججة من كل حرف يلقيه على أحسن أسلوب.

والمرحوم عبد الحي أفندي حلمي، ومحمد أفندي السبع، وإبراهيم أفندي شفيق، وزكي أفندي مراد، وصالح أفندي عبد الحي، وعبد اللطيف أفندي البنا. وهم من مشاهير المغنين.

وأما مشاهير العازفين من الطبقة الأولى فهُمْ: أمين أفندي بوزري، وهو سلطان الناي، ولا مثيل له في الشرق في اقتداره ومهارته وفنه وعواطفه الملتهبة، ومحمد أفندي العقاد، وهو أعظم من ضرب بالقانون، وهو وبزري أفندي الذخيرة الباقية لنا من أساطين العازفين. وقد توفي اثنان من زملائهم كانوا من صفهم في جودة الصناعة؛ وهما: أحمد أفندي الليثي، العوَّاد الشهير، وإبراهيم أفندي سهلون، الكَمَنْجاتي المُبدع. وقد سدَّ هذين الفراغين محمد أفندي القصبحي في العود، وفاق الليثي في المهارة والتفنن، وله — فضلًا عن ذلك — بضعة أدوار لحنها بنفسه، وسامي أفندي الشوا، الذي خلف سهلون أفندي، وهو بارع مُشجٍ يعرف النوتة جيدًا ويعلم بها، وعبد الحميد أفندي القضابي، وهو ثاني العازفين بالقانون بعد محمد أفندي العقاد، وغيرهم ممن لا يسع المقام ذكرهم.

ومن المُولَعين بالفن والذين يُفتخَر بهم: مصطفى بك رضا، رئيس نادي الموسيقى الشرقي، وقد نبغ في القانون، وصفر أفندي علي، وقد مهر في العود، وله ذوق عظيم في التلحين، وله مارشات ومحاورات وبشارف ومونولوجات وأدوار وغيرها، وكامل أفندي رشدي، وهو فاتن في ضرب العود، ومصطفى أفندي ممتاز، وقد برع في الكمنجة، وأحمد أفندي فؤاد فريدون، وهو أستاذ في الناي، وعزيز أفندي جريس، وهو فائق في العود، ومن المتهمين بأمر التدريس في النادي، وغيرهم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤