تختخ … لص … أم شريك؟

عندما انتهت مغامرة العميل السرِّي بالقبض على اثنين من الجواسيس الأربعة سقطَت في أيدي رجالِ الشرطة محطةُ الإرسال والاستقبال المتحركةُ التي كان يتَّجه إليه العميلُ السري … ولكن برغم أنَّ سقوط المحطة كان مسألةً مهمة فقد أدى إلى مشكلة أن العميل السريَّ الذي كان يتعامل مع هذه المحطة قد فقدَ أثرها … واختفى في زحام البشر وأصبح من المستحيل الوصولُ إليه … خاصةً بعد أن فقَدَ الجهازَ الذي كان يقوده ناحية المحطة المتحركة …

أصبح أمام المفتش «سامي» ورجالِه أن يضَعوا خُطةً جديدة للوصول إلى العميل السري والجاسوسَين اللذين كانت القواتُ تُطاردهما قُرب شاطئ الإسكندرية … وقد كانت خُطة المفتش «سامي» تعتمد على شخصٍ واحد … الشخص الوحيد الذي رأى العميلَ السري وكان هذا الشخصُ هو «تختخ».

انتهَت مغامرةُ العميل السري ليلةَ السبت … وفي صباح الأحد كان المفتشُ «سامي» يجلس في حديقة منزل «عاطف» كالعادة، وأمامه كوبُ عصير الليمون المثلَّج … وحوله المغامرون الخمسة … وبينهم على الأرض كان يجلس «زنجر» الذي كان أولَ مَن اصطدم بالعميل السري.

ورشف المفتش «سامي» رشفةً من كوب العصير ثم قال: سأُلخِّص لكم الموقفَ الآن: وعليكم أن تكونوا جميعًا معي … أن تستمعوا جيدًا … وتشتركوا معي في التخطيط للإيقاع بهذا الجاسوس الخطير …

قالت «نوسة» (مُقاطِعةً): ألم تعرفوا له اسمًا بعد الإيقاع بالرجلَين؟

المفتش: بالطبع لا أحد يعرف الاسم الحقيقيَّ للجاسوس إلا الدولة التي يعمل لحسابها … ولكننا عرَفنا الاسم الحركي له؟

لوزة: لا أفهم ما هو معنى الاسم الحركي؟

ابتسم المفتش «سامي» وقال: إنه اسمٌ مستعار يا «لوزة»، وهناك عدة تسميات؛ الاسم الحركي أو الكودي أو الشفري!

عاطف: اسم الدلع؟

ضحك المفتش «سامي» رغمًا عنه وقال وهو يشير بإصبَعه إلى «عاطف»: تمامًا اسم الدلع اسم حرَكي لا يعرفه إلا الذين يعيشون مع الشخص … مثلما نُسمي أشرف «مشمس»؟

عاطف: أو نُسمي توفيق «تختخ»!

احمرَّ وجهُ «تختخ» ولحس شفتَيه بلسانه وكاد يرد، ولكن المفتش «سامي» قال: عرَفت الاسم الحركي له … اسمه «ميراكل» أو المعجزة. فهذا الجاسوس يُعتبر في حكم المعجزة؛ لأنه يعمل بالتجسس منذ أكثرَ من ثلاثين عامًا دون أن يقعَ في يد مكافحة التجسس.

لوزة: ثلاثين عامًا داخل بلادنا …

المفتش: لا بالطبع … لقد عمل في أمريكا اللاتينية … وفي جنوب شرقيِّ آسيا … وفي أفريقيا … ثم دخَل بلادنا.

محب: الحقيقة إنه فرَّ بمعجزة.

المفتش: يجب ألا تتكرَّر هذه المعجزة … ويجب أن يقع «ميراكل» في أيدينا.

وسكت المفتش لحظاتٍ ثم مضى يقول: سنُلخص الموقف الآن … وأرجو أن تتركوا الأسئلةَ حتى أنتهيَ من حديثي …

أحنى المغامرون الخمسةُ رءوسهم موافقين، وهز «زنجر» ذيله كأنه يَعدُ بألا ينبحَ هو أيضًا … وهكذا قال المفتش: كانت شبكة الجواسيس التي تعمل بالداخل تُدعى شبكة الدائرة الخضراء!

صاحت «لوزة»: يا له من اسمٍ مثير … سأطلق على هذه المغامرة اسمَ الدائرة الخضراء … ما رأيكم؟

نظرَت إلى بقية المغامرين، ولكنها وجدَتهم جميعًا ينظرون إليها في تأنيب … وتذكرَت أنها وعدَت منذ لحظات ألا تُقاطع المفتش … فقالت (معتذرة): آسفةٌ جدًّا … إنني …

قال «تختخ» ليُخرجها من حرَجها: فليكن يا «لوزة» … لغز الدائرة الخضراء.

أحْنَت «لوزة» رأسَها شاكرةً «تختخ» لإنقاذها من الموقف السخيف … واصطبغَ وجهها بحُمرة الخجل … ومضى المفتش يُكمل حديثه: ملخَّص الموقف أننا كنا نُطارد خمسةً من الجواسيس، أحدُهم يعمل وحده، واسمُه الحركي «ميراكل» … والأربعة الآخَرون كانوا يُديرون محطةَ الاستقبال التي تستقبل منهم الرسائلَ ثم تُرسلها إلى الخارج.

هؤلاء الأربعة لم يكونوا يعرفون عن الخامس إلا اسمَه «الحركي» ولكنهم لم يرَوه مطلقًا … وعندما ضيَّقنا عليه الخناقَ حاول الهرب … وطلب من المحطة المتحركة مساعدتَه … ولكن قبل أن يصلَ إليها سقط منه جهازُ الإرسال والاستقبال الذي يستخدمه، وهكذا فقدَ طريقه … واختفى.

محب: معنى أنه فقدَ طريقَه أننا فقَدْنا طريقَنا إليه نحن أيضًا!

المفتش: بالضبط … وفي الوقت ذاتِه … فإن اثنين من مجموعة الدائرة الخضراء هاربان أيضًا … ولكنَّ هذين الهاربين لن يستمرَّا طويلًا في الهرب … فلدينا أوصافهما … ثم إنهما ليسا جاسوسَين محترفَين … إنهما فقط عاملان في محطة الإرسال … لهذا فمن السهل تعقبهما.

تختخ: إذن فالتركيز كلُّه على «ميراكل»!

المفتش: بالضبط … ولأنك الوحيدُ الذي شاهدتَه فسوف يكون دورك رئيسيًّا في التخطيط للإيقاع به!

ساد الصمتُ لحظات بعد هذا الحديث … وقالت «نوسة»: ماذا نتوقَّع أن يفعل «ميراكل»؟

المفتش: إنه الآن مرتبك … فقد فقدَ جهاز اللاسلكي الذي يتصل به … وسقطتْ في أيدينا القاعدةُ المتحركة التي يتصل بها … ومعنى هذا أنه الآن وحيد … وأعتقد أنه سوف يعود إلى الأماكن القديمة التي كان يتردَّد عليها … ويحاول معاودة الاتصال بالدولة الأجنبية التي يعمل لحسابها!

نوسة: وهل عندكم معلوماتٌ عن هذه الأماكن؟

المفتش: للأسف لا … ولكن إذا استطعنا رسم صورةٍ تقريبية للجاسوس بواسطة معلومات «تختخ» فلن تكون هناك مشكلةٌ في معرفة الأماكن التي يتردَّد عليها … فسوف نُوزع نُسخًا من الصورة على رجال الشرطة السريِّين وغيرهم من العاملين في أجهزة الأمن … وهؤلاء سوف يَصِلون إلى مكانه سريعًا.

عاطف: يبدو أنه لن يكونَ لنا دور … فسوف ينتقل النشاط كلُّه إلى رجال الشرطة وتنتهي القضية لنا بأن نجلسَ في مقاعد المتفرجين!

المفتش: إنني أتوقع …

ولكن قبل أن يُتم المفتش جملته ظهر الشاويش «فرقع» عند باب الحديقة. وسرعان ما كان «زنجر» يقف ثم يتمطَّى من مكانه وينطلقُ في اتجاه باب الحديقة، مستعدًّا لممارسة هوايته الدائمة في معاكسة الشاويش … ولكن لم يكد «زنجر» يقطعُ نصف المسافة إلى باب الحديقة حيث كان الشاويش يستعدُّ للدخول حتى سمع صوتَ «تختخ» يصيح: زنجر! قف مكانك!

لوى «زنجر» رأسه ناحيةَ «تختخ» مندهشًا … ولاحظ المغامرون ولاحظ المفتش أن صوت «تختخ» كان متغيرًا قليلًا … وكذلك بدا على «زنجر» الضيق وأخذ ينبح محتجًّا.

ومشى «تختخ» في اتجاه الشاويش … كان ثمة شخصٌ يقف خلف الشاويش تبدو عليه أماراتُ الانزعاج في حين كانت عينا «تختخ» تتفحصانه بشدة … وقال «تختخ» ﻟ «زنجر»: اذهب فورًا إلى المنزل!

ولوَى الكلبُ الأسودُ ذيلَه بين فخذَيه وخرج مسرعًا … وارتسمَت علامات الدهشة على وجوهِ المغامرين، وعلى وجه المفتش.

قال الشاويش «علي» وهو يقترب: آسف يا سيادة المفتش … ولكن هذا الرجل — وأشار إلى الرجل الواقفِ بباب الحديقة — سُرقت منه حافظةُ نقوده!

المفتش: وهل في هذا الموضوع ما يستحقُّ أن يأتيَ إليَّ؟

تلعثم الشاويش وأخذ يفتل شاربَه وهو ينقل نظرَه بين المغامرين ثم قال: لا أدري يا سيدي المفتش … ولكنْ في قصته شيء غير عادي ربما يُهمُّك أن تسمعه!

قال «تختخ» موجهًا حديثَه إلى الرجل الواقف بالباب: تفضل بالدخول!

اجتاز الرجل بابَ الحديقة … وبدا واضحًا أنه ثمة شيء غير عادي يحدث في هذه اللحظات.

الرجل الغريبُ الشكل … الشاويش المرتبك … نظرات «تختخ» المسلَّطة على الرجل بشدة … علاماتُ الدهشة على وجه المغامرين الأربعة والمفتش.

عندما وصَل الرجل قُرب المفتش والمغامرين قال له «تختخ»: هل وقع لك حادث! دعني أستنتجْ نوعه … هل سُرقت حافظةُ نقودك ثم أُعيدت لك؟

نظر الرجل بدهشةٍ إلى «تختخ» وقال: كيف عرَفت؟

لم يجب «تختخ» على هذا السؤال بل عاد يقول: والذي سرَقها منك كان يركب سيارة سوداءَ فخمة؟

قال الرجل بانفعال: هل شاهدتَ الحادث؟

لم يرد «تختخ» على السؤال بل عاد يسأل الرجل: هل كان اللص يُشبهك؟

لم يستطع الرجل الإجابة … بل أخذ يشير بيدَيه إشاراتٍ غيرَ مفهومة … في حين كان المغامرون والشاويش والمفتش قد أصابتهم الدهشةُ الشديدة لما يقوله «تختخ» الذي قال مكملًا حديثَه الغريب: وقد أعاد الرجلُ لك محفظة نقودك كاملة … لم يأخذ منها سوى شيء واحد … هو بطاقتُك الشخصية!

صاح الرجل: غير معقول … غير معقول … لا بد أنك كنتَ معه!

ثم أشار إلى المفتش وقال: اقبضوا عليه … اقبضوا عليه … إنه هو الذي سرق بطاقتي الشخصيةَ من المحفظة؟

وقف المفتش وأخذ يُهدئ الرجل قائلًا: لا يمكن يا سيدي أن يكون هذا قد حدث … إن «توفيق» لا يمكن أن يكون لصًّا ولا شريكًا في عملية سرقة.

الرجل: إذن كيف عرَف كلَّ هذه المعلومات الدقيقة عن الحادث؟

المفتش: هذا ما سنعرفه فورًا؟!

والتفت إلى «تختخ» الذي كان لا يزال ينظر إلى الرجل وقد استغرق في التفكير …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤