هل يخرج المغامرون من اللعبة؟

جلس الجميع وتركَّزَت الأنظار كلُّها على «تختخ» الذي مسح شفتَيه بلسانه ثم قال: عندما رأيتُ هذا الرجل … خُيِّل إليَّ على الفور أنني أرى «ميراكل» …

توجهَت الأنظار جميعُها إلى الرجل … وتذكر الجميعُ الأوصافَ التي سبق أن رواها «تختخ» لهم عن الجاسوس … ووجَدوا فعلًا تشابهًا كبيرًا بين الاثنين … نفس الوجه الذي يشبه وجه الفأر … والقامة والمظهر العام … ومضى «تختخ» يقول: عندما قال الشاويش «علي» إن محفظة الرجل قد سُرقت … وإنه يروي قصةً غريبة عن السرقة استنتجتُ على الفور أن «ميراكل» هو اللص … وأنه لم يسرق المحفظةَ إلا للحصول على البطاقة … فهو بالطبع ليس في حاجة إلى نقود … لهذا ردَّ المحفظة للرجل بعد سرقتها.

هز المفتش رأسه معجبًا بهذه السلسلة من الاستنتاجات وقال: يا لك من ولد مدهش …

تختخ: إن «ميراكل» لا يستطيع أن يختفيَ دون أن يُغيِّر اسمه … وهو بالطبع لا يستطيع أن يقوم بذلك بطريقةٍ رسمية … لهذا فقد لجأ إلى السرقة …

قال المفتش موجهًا حديثَه إلى الرجل: والآن احْكِ لنا قصتك …

قال الرجل: اسمي صالح إبراهيم … وأعمل في شركة الصناعات الكيماوية … وأعيش وحيدًا في شقةٍ صغيرة بالمعادي … وأمسِ ليلًا كنتُ عائدًا من سهرة عند بعض الأصدقاء في القاهرة … وبعد أن نزلتُ من القطار في المحطة وسرتُ في اتجاه منزلي اشتريتُ بعض الفاكهة، وعندما اقتربت من المنزل رأيت سيارة تقف أمام باب البيت … ولما كنتُ أعرف أن أحدًا من السكان لا يملك سيارة … فقد تصوَّرت أنه ضيف … ولاحظت أن مُحرك السيارة دائر …

وسكتَ «صالح» لحظاتٍ ثم مضى يقول: واقتربت من السيارة … وكانت تقف أمام البيت تمامًا، وفجأةً برَز شخصٌ من داخلها ورفع في وجهي مسدسًا وقال: هاتِ محفظتك …

وابتلع «صالح» ريقَه ثم مضى يقول: واندهشتُ لهذا اللص الذي يركب سيارة فاخرةً تساوي ألوفَ الجنيهات ثم يسطو على رجل بسيطٍ مثلي ليس في محفظته سوى ثلاثة جنيهات هي كل ما أملك حتى نهاية الشهر … وبالطبع أخرجتُ المحفظة تحت تهديد المسدس … فتناولها مني بيده اليسرى وببراعةٍ فتحها بأصابعه … وعبث فيها لحظاتٍ ثم أخرج منها بطاقتي الشخصيةَ ونظر فيها ثم ألقى لي بالمحفظة بعيدًا … وطلب مني الإسراعَ إلى أخذها … وعندما أسرعتُ لأخذ المحفظة انطلقَت السيارة في الاتجاه المضاد … والتقطتُ الحافظة وأنا في غاية الدهشة، ولما كنتُ في ساعة متأخرة من الليل فقد قررت أن أُبقيَ إبلاغ الحادث إلى صباح اليوم …

سألت «نوسة» على الفور: ولكن إذا كان الرجل يريد بطاقتك أنت بالذات … فكيف عرَف مكانك؟

تردَّد الرجل لحظات ثم قال وهو يخبط على جبهته:

إن هذا السؤال طاف بخاطري فعلًا، والآن فقط أستطيع أن أُجيب عليه؟

بدَت علاماتُ الاهتمام على وجوه الحاضرين وقال «صالح»: لقد انتُخِبت الموظفَ المثالي في الشركة أمسِ الأول … وقد نشرَت الصحفُ صورتي وبها معلومات عني …

محب: هل كان ضمن المعلومات عُنوانك؟

صالح: لا بالطبع …

تختخ: من السهل على رجلٍ مثل «ميراكل» أن يحصل على العنوان … يكفي أن يتحدث تليفونيًّا إلى الشركة ويسألَ عن العنوان على أنه قريبُ الأستاذ «صالح» أو صديقه أو أي شيء من هذا القبيل … وعلى كل حال المهم أنه حصل على العنوان وأخذ البطاقة الشخصية … وأعتقد أنه سيستخدمها الآن بنفس الاسم والصورة … فالتشابه بينكما كبير جدًّا … ومن الصعب اكتشاف أي خلاف!

قال المفتش «سامي»: ما رأيك يا أستاذ «صالح» … ما هو وجه الاختلاف بينكما أنت وهذا الشخص الذي سرَق بطاقته؟!

أخذ «صالح» يُفكر لحظاتٍ ثم قال: بالرغم من أنني لم أتبيَّنْه جيدًا … إلا أنني أعتقد أن جبهتَه أعرضُ قليلًا من جبهتي … وأنفه أكثرُ استقامةً … أما الجزء الأسفل من وجهه فإنني لم أرَه …

قال المفتش موجِّهًا حديثه إلى الشاويش: ليكن الأستاذ «صالح» تحت حمايتك طول الوقت؛ فقد يقوم الرجل الآخرُ بحماقةٍ ما … هل تفهم ما أعني …؟

بدَت علامات الحيرة على وجه الشاويش … ولكنه أدى التحية العسكرية وخرج … ووجَّه المفتشُ حديثه إلى الرجل قائلًا: أما أنت يا أستاذ «صالح» فستبقى معنا بعض الوقت … إنني أريد أن أشرح لك موقفك حتى تكون على بينةٍ من أمرك.

صالح: أرجو ألا أشغَلَكم بموضوعي يا سيادة المفتش … إن المسألة لا تستحق كلَّ هذه العناية منكم …

سكت المفتشُ لحظاتٍ يُفكر ثم قال: إن سرقة بطاقتك الشخصية لها دلالةٌ هامة عندنا … ومؤقتًا لن نقول لك وجه الأهمية بالتفصيل … ولكن يجب أن تعلم أن الرجل الذي تتحدث عنه هو عدوٌّ لبلادنا يجب القبض عليه.

قال الأستاذ «صالح» في دهشة: عدو لبلادنا … هل تقصد جاسوسًا يا سيدي؟

المفتش: بالضبط … وحصوله على بطاقتك الشخصية يعني أشياءَ كثيرة … ومن ناحيتنا سنضع عليك حراسةً سيقوم بها مؤقتًا الشاويش «علي» … ولكن من المهم أن تكون على صلةٍ بهؤلاء الأصدقاء … إنهم المغامرون الخمسة … «توفيق» و«محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» وأشار المفتش على المغامرين واحدًا واحدًا … وابتسم الأستاذ «صالح» وقال: وما شأنهم بالموضوع؟

رد المفتش: إنهم أولُ مَن اكتشف شخصية الجاسوس … وصديقنا «توفيق» كان هو الشخصَ الوحيد الذي رأى الجاسوس … أما الآن فأنتما اثنان!

صالح: وماذا عليَّ أن أفعل؟

المفتش: عليك أن تُبلغ الشاويش أو أيَّ واحد من المغامرين الخمسة بما تشتبهُ فيه من أي شيء يحدثُ حولك … فربما يحاول الرجل العودة مرة أخرى … وقد يحاول القضاء عليك …

بدا الرعب على وجه «صالح» وقال: القضاء عليَّ أنا! لماذا يا سيدي؟

المفتش: لا أدري … إن الجاسوس هو أخطر شخصٍ يمكن أن تُقابله؛ فأغلب الجواسيس يذهبون إلى الإعدام … ولهذا فهم لا يُسلِّمون أنفسهم مطلقًا بسهولة … وهُم على استعدادٍ لعمل أيِّ شيء بما في ذلك القتل قبل أن يستسلموا.

صالح: من الأفضل إذن ألا أُقيم في المعادي … سأذهب لأُقيم عند صديق لي في القاهرة!

المفتش: لا … هذا خطأ … إننا نريدك أن تتعاونَ معنا في الإيقاع بهذا الجاسوس …

صالح: ولكن يا سيدي …

المفتش: لا تخَف … فبرغم الخطورة … أليس من واجبك أن تُساعدنا في الإيقاع بعدوٍّ خطير للبلاد؟

قال «صالح» متحمسًا: بالطبع يا سيدي … ما دمتُ سأقوم بدور واضح فأنا لا أتردد. لقد اختِرتُ كموظف مثالي … ولا بد أن أكون مواطنًا مثاليًّا.

المفتش: عظيم … وسيُعطيك المغامرون أرقامَ تليفوناتهم حتى تتصلَ بهم في أي وقت …

فكَّر «صالح» قليلًا ثم قال: هناك شيءٌ واحد يا سيادة المفتش … إنني كنت أتمنى أن أزور بعضَ البلاد الأوروبية … وقد ادَّخرت مبلغًا من المال … كما أن الشركة ستُعطيني مكافأةً بعد فوزي بلقَب الموظف المثالي … وسآخُذ إجازة بعد أسبوع للسفر إلى أوروبا فهل تحتاجون لي بعد ذلك؟ وهل يمكن مساعدته في استخراج جواز سفر؟

ابتسم المفتش وقال: سأساعدك طبعًا … ولكن ربما طلبنا منك أن تؤجل سفرَك حسَب تطورات الموقف … هز «صالح» رأسه متضايقًا … ثم قام «محب» بتقديم ورقةٍ له فيها أسماء المغامرين وأرقام التليفونات … وكتب هو عُنوانه على ورقة أعطاها ﻟ «محب» وكذلك رقم تليفونه قائلًا: لحُسن الحظ أن الشقة التي أسكنُها فيها تليفون … لقد ورثتُه عن أبي …

قال المفتش وهو يقف: والآن ستأتي معي يا أستاذ «صالح» إلى إدارة البحث الجنائي لتصويرك … وإضافة الرتوش التي تراها مناسبةً لتحصل على صورةٍ أقربَ ما تكون إلى صورة «ميراكل» … وسار المغامرون الخمسة مع المفتش حتى باب الحديقة، وسلَّموا عليه وعلى الأستاذ «صالح» وهما يركبان سيارة المفتش ويبتعدان في اتجاه القاهرة.

عاد المغامرون الخمسة إلى أماكنهم وقالت «لوزة» وهم يجلسون: أعتقد — كما قال «عاطف» — أنه لم يبقَ لنا دورٌ في هذا اللغز؟!

نوسة: مَن يدري … ربما احتاج إلينا الأستاذ «صالح» في أية لحظة …

عاطف: في أي شيء سيحتاج لنا … هل سنقوم بعملية غسيل ملابسه … أم طبخ طعامه؟!

محب: وماذا في إمكاننا أن نفعل … إن المسألة لا تتعلق بلصٍّ عادي … إنه جاسوس وهذا يعني أمنَ الدولة … وليس مجرد لص سرَق شيئًا.

ساد الصمتُ بعد هذه الجملة … وبدا على المغامرين جميعًا نوعٌ من الضيق والتعاسة … ونظر «تختخ» إلى ساعته ثم قال: ما زال أمامنا وقتٌ طويل للغداء … لماذا لا نذهب لمعاينة مسكن الأستاذ «صالح»؟ إنه قد يستدعينا في أية لحظة … ويجب أن نعرف المكان جيدًا …

ورحَّب المغامرون بالاقتراح … وسرعان ما قفزوا إلى دراجاتهم فرحين بالحركة بعد طول جلوس … منطلقين في شوارع المعادي الخاليةِ في هذه الساعة الحارة من النهار … وسرعان ما غادروا الضاحية الخضراء إلى الكورنيش … ثم اتجَهوا إلى ناحية حلوان … وبعد مسيرة ليست قصيرةً وصلوا إلى العمارة التي يسكنها الأستاذ «صالح» … كانت عمارة متوسطة الحجم … أربعة أدوار … وكل دور مكوَّن من شقتين … وحولها حديقة صغيرة مهملة … ولم يكن هناك بواب للعمارة … ولكن غير بعيد كانت هناك بعض المحلات التي تخدم المنطقة … بقال ومكوجي … وبائع خضروات … وقال «تختخ»: إنها بعيدةٌ نسبيًّا … ولكن كان من المهم أن نعرف المكان الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤