عين التمثال المعدني

عندما استيقظ «تختخ» في صباح اليوم التالي … كانت ذكرياتُ الأمس تبدو كأنها حلمٌ من الأحلام، وسرعان ما تذكَّر أن على المغامرين الخمسة واجبًا هامًّا هذا اليوم … هو البحث عن الشيء المجهولِ الذي كان يبحث عنه «ميراكل» ليلة أمسِ حول الحديقة وفي الحديقة … وهكذا قفَز من فراشه … وفي دقائق قليلةٍ كان قد اغتسل وغيَّر ثيابه … وعندما وضع أولَ لقمة من إفطاره في فمه … دق جرسُ التليفون … وأسرعت الشغالةُ «حُسنية» بالرد، فلم يكن في المنزل سواها مع «تختخ» بعد أن خرَج والده ووالدته في ساعةٍ مبكرة من الصباح …

كانت المتحدثة هي «لوزة»، وكانت تسأل عن «زنجر» … وقال «تختخ»: هناك أحداثٌ كثيرة جدًّا وقعَت أمس!

لوزة: بخصوص «زنجر»؟

تختخ: لا أدري … ولكن لا بد أنَّ لاختفاء «زنجر» طرفًا فيها!

لوزة: المهم الآن … هل عاد «زنجر»؟

تختخ: لا أعرف … إنني استيقظتُ منذ دقائق قليلة … ولم أنظر بعدُ في منزل «زنجر» …

لوزة: انظر أولًا، ثم استكمل إفطارك …

ترك «تختخ» إفطارَه وسماعةَ التليفون … وأسرع ينظر من نافذةِ غرفة الطعام التي تُطلُّ على الحديقة. ولكنه لم يجد أثرًا للكلب الأسود الذكي … وناداه … ولكن عبثًا … فعاد مسرعًا وأمسكَ بسماعة التليفون وقال: «لوزة»، للأسف «زنجر» لم يعد بعد … أرجو أن تجمعي المغامرين وتأتوا جميعًا فورًا … إن هناك مهمةً خطرة في انتظاركم …

ووضع «تختخ» السماعة … ثم أسرع يُكمل إفطاره … وبعد أن انتهى منه … تذكر أنه لم يعرف ماذا كانت نتيجةُ حادث السيارة؟ هل انتُشلت أم لا؟ وهل وجدوا «ميراكل» غارقًا فيها أم لا … واتصل بالمفتشِ «سامي» في مكتبه … ورد المفتشُ على الفور … وبعد تبادل تحيات الصباح … قال المفتش: بالطبع أنت تتصل بخصوص السيارة؟

رد تختخ: بالطبع يا سيدي!

المفتش: لقد تم انتشالُ السيارة في ساعةٍ مبكرة من الصباح … وللأسف أن «ميراكل» ليس بها … ومعنى هذا أن المعركة بيننا وبينه مستمرة!

تختخ: لقد استطاع إذن أن يقفزَ قبل أن تسقط السيارة في الماء …

المفتش: بالضبط … وقد عثَرنا على آثار قدمَيه على الطين والحشائش المحيطة بالمنطقة ولكنه صعد بعد ذلك إلى الطريق المرصوف … واختفت آثارُه بعد ذلك …

تختخ: ربما يكون قريبًا من المكان …

المفتش: أعتقد هذا. وهناك مجموعةٌ ممتازة من الضباط يقومون بتمشيط المنطقة وسؤال كلِّ شخص كان موجودًا في هذه الفترة من الليل … يكون قد رآه أو ساعده دون أن يدريَ حقيقته.

تختخ: أليس في السيارة شيءٌ يمكن أن يُزودنا ببعض المعلومات؟

المفتش: إن مجموعةً من الأخصائيين يقومون بتفتيش كل جزء فيها … وسنتتبع تاريخَ دخولها إلى مصر وكيف وصلَت إلى «ميراكل» …

تختخ: شكرًا يا سيدي المفتش … وسيقوم المغامرون الخمسة بالبحث في حديقتنا لعلَّنا نصلُ إلى شيء …

المفتش: أرجو أن تُخطِرَني فورًا …

ووضع كلٌّ منهما السماعة … في نفس الوقت الذي سمع فيه «تختخ» أصواتَ المغامرين تحت نافذته … فأسرع بشُرب الشاي … ثم أسرع إليهم …

فوجئ بعاصفةٍ من الأسئلة … وعرَف ما قاله ﻟ «لوزة» … من أن أحداثًا كثيرةً قد وصلتْهم … أشار لهم بيدَيه الاثنتين طالبًا منهم الهدوءَ ثم قال: سأروي لكم كلَّ ما حدث بالتفصيل …

عاطف: المهمُّ أن يكون لنا دورٌ في كلِّ هذا الذي يدور … فقد أصبحتُ أظن أننا نقوم بدور المتفرجين أو المستمعين …

تختخ: ليس المهمُّ مَن الذي يقوم بالعمل … المهم النتيجة … وعلى كل حال بمجرد أن أنتهي من كلامي سنقوم بمهمةٍ عاجلة …؟

قالت «لوزة» بلهفة: أين؟ هل سنسافر؟

تختخ: للأسف لن ننتقلَ من هذا المكان …

بدَت خيبةُ الأمل على وجه «لوزة» ومضى «تختخ» يقول: وحتى لا نُضيع وقتًا؛ سأروي لكم ما حدث … وأرجو ألا تُقاطعوني حتى أنتهيَ من حكايتي …

وعلى سبيل المزاح … وضع «عاطف» يدَيه الاثنتين على فمه كأنما يؤكدُ أنه لن يتحدث مطلقًا، ولم يلتفتْ «تختخ» إلى هذه الحركة … فأيُّ تعليق عليها سوف يؤدي إلى مزيدٍ من المناقشات غير المجدية … وهكذا انطلق يتحدث على الفور … وظل يتحدث دون توقفٍ حتى انتهى من قصته … فروى كيف نزل الشجرة … وكيف ضُرب على كتفه … وكيف طارد الشبح … وما حدث حتى ركب السيارة … ثم سقوطه في الماء … وصعوده إلى السطح … ومقابلة المفتش «سامي» والاستنتاجات التي توصَّل إليها هو والمفتش …

ولم يكد «تختخ» ينتهي من حديثه حتى قال «محب»: إذن في هذه الحديقة التي نجلس فيها شيءٌ قد يؤدي إلى القبض على الجاسوس …

تختخ: بالضبط …

محب: وماذا تتوقَّع أن يكون هذا الشيء؟

تختخ: ومَن يدري … إنه شيء سقط من «ميراكل» ليلةَ أن كان هنا وهاجمه «زنجر» ولكنه لم يلتفتْ لسقوطه إلا مؤخرًا … بدليلِ أنه لم يبحث عنه إلا أمس …

نوسة: إن أيَّ حديقة ليس فيها إلا الأرض والشجر والماء … وأي شيء آخر علينا أن نلتقطه.

عاطف: يمكن أن تلتقطوني … فأنا لست أرضًا ولا شجرًا ولا ماءً …

محب: أنت حيوان … ناطق …

تختخ: أعتقد أننا نُضيع وقتَنا … هيا نقسم الحديقة إلى أقسام … وعلى كل واحد منا أن يفحَص قسمه جيدًا … وسنتبادل الأحاديث ونحن نبحث!

وسرعان ما تم تقسيم الحديقة إلى أقسام … وانهمكَ كل واحد من المغامرين في البحث عن الشيء المجهول … ومضت دقائقُ قبل أن يَصيح «عاطف»: لقد وجدتُ شيئًا مثيرًا … وتوقف الجميع عن البحث … ورفعوا رءوسهم … ووجدوا «عاطف» يرفع بين أصابعه سلسلةً من المفاتيح … وأسرعوا جميعًا إليه … ومد «تختخ» يده إلى السلسلة ثم هز رأسه وقال: للأسف هذه السلسلة وقعَت من أبي منذ شهورٍ طويلة … وظننَّا أنه فقدها خارجَ المنزل …

نوسة: واضح جدًّا أنها لا يمكن أن تكون قد سقطت منذ أيام قليلة.

تختخ: سيشكرك أبي كثيرًا يا «عاطف»؛ فإنه يعتز بهذه السلسلة التي أهدتها له والدتي في عيد ميلاده منذ خمسة أعوام … وهي من الفِضة الخالصة …

عاطف: لا يهمني الشكر … المهم أنَّ لي عشرةً في المائة من قيمتها حسب نص القانون. وضحك الجميع … «فعاطف» طبعًا لم يكن يقصد ما يقول … واستمر البحث …

وكلما وجد أحدُهم شيئًا اتضح أنه ضائعٌ من أسرة «تختخ» أو من المغامرين شخصيًّا … وكلُّها أشياءُ قديمة … وفجأةً صاحت «لوزة»: وجدتُ شيئًا غريبًا … قطعة من العملة ليست مصريةً، وانتبه الجميع إليها … وأخذ كلُّ واحد منهم يفحص القطعة جيدًا … وقال «عاطف» مُوجهًا حديثَه إلى «تختخ»: أظنك ستقول إنها سقطت من أحد أقاربك.

أمسك «تختخ» بقطعة النقود وأخذ يتأمَّلها … كانت جديدةً لم تصل إلى مرحلة الصدأ … وكانت من فئة المائة ليرة الإيطالية … وهو نوعٌ من العملة سميكٌ نسبيًّا ومن معدنٍ قوي، ومضى «تختخ» يزن القطعة في يده ثم قال: سنعتبر هذه القطعةَ مرشحةً للفحص … ولكن لنستمرَّ في البحث … فقد نجد شيئًا أفضل …

نوسة: أين وجدتِ القطعة يا «لوزة»!

لوزة: قُرب باب الحديقة … بجوار شجر الورد البلدي …

تختخ: في هذا المكان بالضبط كان الصراعُ بين «زنجر» و«ميراكل» … في الليلة الأولى التي مرَّ فيها «ميراكل» هنا …

نوسة: أعتقد ألا نُضيع وقتنا، وأن نبدأ في فحص هذه القطعة فورًا … فقد تكون هي الشيءَ المجهول الذي يبحث عنه «ميراكل»، وقد نجد فيها ما يجلو هذه الأسرارَ التي نتوه فيها …

تختخ: في هذه الحالة هيا بنا ندخل غرفة العمليات …

لوزة: مضت مدةٌ طويلة دون أن ندخلَ هذه الغرفة … وأنا أحبُّ الأبحاثَ التي نُجريها فيها …

وكانت غرفة العمليات غرفةً مهملة في فيلا «تختخ» حوَّلها المغامرون الخمسةُ إلى غرفةٍ لأدوات التنكُّر وفحص الأدلة … ومناقشة الموضوعات السرية … وسرعان ما كان الخمسة يصعدون إليها من السُّلم الخفي … وفتح «تختخ» الباب … ثم أضاء النور … فلم يكن شباكها يفتح أبدًا حرصًا على السرية …

جلس «تختخ» على مائدةٍ صغيرة في وسط الغرفة … ووضع قطعة العملة أمامه ثم سلَّط عليها ضوءًا إضافيًّا، وأخذ يفحصها دون أن يعثر على شيء جديد فيها … وأخرج من درج المائدة عدسةً مكبِّرة وضَعها على عينه … ثم أخرج قطعةً من الحديد أخذ يرن قطعة العملة عليها … وصاح لأول مرة: اسمعوا …

وأرهفَ المغامرون آذانَهم … كان واضحًا أن الصوت غير عادي … لقد كان مكتومًا … وقال «تختخ»: من المؤكد أن هذه القطعةَ ليست صمَّاء … إن بها تجويفًا غير عادي … المهم كيف نعثُر عليه دون أن نُفسد ما قد يكون به من معلومات …

وأخذ «تختخ» يُفكر قليلًا … ثم قال «محب»: إن أي تجويف لا بد أن يكون له أثرٌ في حافَةِ العملة إلا إذا كانت العملة مكونةً من قطعتين إحداهما تدخل في الأخرى، كما في علبة الورنيش مثلًا؛ حيث يقوم الغطاء بتغطية القاعدة فلا يظهر منها شيء …

تختخ: معك حق …

وأخذ «تختخ» يدقُّ على قطعة العملة بشاكوش صغير أخرجه من درج المائدة، ولكن بلا جدوى؛ فقد ظلَّت قطعة العملة متماسكةً لا ينفكٌّ منها جزء … وأخذت عيون المغامرين تلتقي في يأس … وقالت «نوسة»: علينا أن نُبلغ المفتش «سامي»؛ فإن خبراء المعمل الجنائي أقدرُ منا في كشف أسرار هذه القطعة …

وافق المغامرون على هذا … ولكن «لوزة» العنيدة أمسكت القطعة … ووضعت العدسة المكبرة على عينها، وأخذت تفحص القطعة في دقة وصبر ثم صاحت: انظروا عين التمثال الذي على وجه القطعة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤