من هو ميراكل؟

عندما اتَّجه «تختخ» إلى منزله كانت في انتظاره مفاجأة … كانت هناك سيارة تتجول بالقرب من المنزل … وعندما لاحظ «تختخ» تحركات السيارة أثارت رِيبتَه، فتوقَّف على أول الشارع تحت إحدى الأشجار الكبيرة … ووضع يده على رأس «زنجر» حتى لا ينبح … ووقف ينتظر … وبعد خمسِ دقائق تأكدَ لديه أن السيارة تنتظره … وأنه ليس في السيارة إلا «ميراكل» … وربما الولد المتشرد … ومسدَّس صامت ممكن أن تصرَعه منه رصاصةٌ واحدة …

انسحب «تختخ» بهدوءٍ دون أن يراه مَن في السيارة … كان عليه أن يتخذ قرارَه الآن … وكان قراره الاعتمادَ على المغامرين … أسرع إلى منزل «محب» وقفز سور الحديقة … ووقف تحت النافذة وأطلقَ صفارةً قصيرة … ومرَّت لحظاتٌ دون أن يتلقى ردًّا … كانت الدقائق بالنسبة له تساوي الكثيرَ … وهكذا أخذ يبحث على الأرض حتى وجد قطعةً متوسطة من الطوب … فتَّتها إلى قِطع صغيرة ثم أخذ يقذف زجاجَ غرفة «محب» بضع مرات … ثم فتح «محب» النافذة وأطلق «تختخ» صيحةَ البومة … ثم قال: افتح يا «محب» …

ذهب «تختخ» إلى باب المطبخ الخلفي كما هي عادتُه في مثل هذه الأحوال … وفتح «محب» البابَ وقد بدَت على وجهه علاماتُ الدهشة … وعندما شاهد «زنجر» يقفز من الدراجة مُتعبًا صاح وقد نسي نفسَه: «زنجر»!

«تختخ»: هل عندك طعامٌ له … ولي؟

محب: بالطبع … ولنبدأ به … من الواضح أنه جائعٌ ومتعب …

تختخ: لقد أنقذتُه من الموت!

محب: كيف؟

تختخ: إنها قصة طويلة سأقُصُّها عليك وأنت تُعِد الطعام …

أخرج «محب» كميةً من اللحم المطبوخ من الثلاجة، ووضعها على البوتاجاز وبعد أن دبَّت فيها الحرارة وضعَها أمام «تختخ» الذي هجم عليها وأخذ يلتهمها سريعًا … ولم يكد ينتهي منها حتى استلقى على الأرض واستسلم للنوم …

وبينما كان «محب» يُعد ﻟ «تختخ» كوبًا من الكاكاو باللبن ويُقدم له باكو من البسكويت أخَذ «تختخ» يروي له تفاصيلَ الأحداث التي مرت به منذ افتراق المغامرون الخمسة بالنهار … كانت التفاصيل مشوقةً ومدهشة حتى إن «محب» قال له: ولكن … إن هذه الأحداث كان يجب أن تستغرقَ بضعة أيام …

تختخ: هذا ما حدث …

محب: وهل سلَّمتَ الدائرة الخضراء ﻟ «ميراكل» حقًّا؟

ابتسم «تختخ» ابتسامةً خبيثة وقال: بالطبع لا … لقد أعددتُ له دائرة خضراء من الورق ورسمتُ عليها بعضَ الرسومات الخيالية … وكتبت بعض الأرقام والحروف التي لا تعني شيئًا وسلَّمتُها له … هل كان هذا الحمار يُصدق أنني أُسلِّم له أهمَّ شيء في المغامرة كلها … الدائرة التي أعتقد أنها ستؤدي إلى القبض على مجموعة ضخمة من الجواسيس في المنطقة العربية كلها …

محب: يا لك من مغامر جريء … ولكن لنفرض أن «ميراكل» كان قد اكتشف الخدعة وأنت معه في العشة الصفيح … ماذا كنت ستفعل؟!

وقال «تختخ» وهو يضعُ في فمه بسكويتة كاملة ويدقها بأسنانه: ومن الذي يهتمُّ بما كان سيحدث … لقد كان من الممكن طبعًا أن أموت بطلقةٍ غادرة من مسدسه … ولكني اعتمدتُ على شيئَين: حظي … وأن «ميراكل» لن يقتلني قبل أن يحصل على الدائرة الخضراء الحقيقية …

محب: والآن؟

تختخ: والآن هو يقف أمام منزلي في انتظار عودتي … وسيظل هناك حتى يطلع النهار ثم يُضطر إلى الانصراف …

محب: ولكن يا «تختخ» إنها فرصة ذهبية للقبض عليه … فلماذا لا نتصل بالمفتش؟

تختخ: لقد وضعتُ خُطة أخرى للقبض عليه ولن يُفلت من يدنا.

محب: كيف؟

تختخ: سنرى الآن … اذهب والبَسْ ثيابك …

محب: هل سنخرج؟

تختخ: فورًا … هناك مهمةٌ صغيرة في انتظارنا …

أسرع «محب» إلى غرفته … وارتدى ثيابه ثم عاد إلى «تختخ» كان «زنجر» ما زال نائمًا … ولكن ما كاد «تختخ» و«محب» يُحاولان الخروج بدونه حتى استيقظ وفتح إحدى عينيه … ثم الأخرى ثم قفزَ واقفًا وهو يُهمهم ويدقُّ الأرض بقدميه كأنما يُعلن أنه الآن على ما يُرام، ويريد الاشتراك في المغامرة …

قفز «زنجر» إلى سلته في دراجة «تختخ» وقفز «محب» إلى دراجته … وانطلق الجميع … كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة صباحًا وقال «تختخ» إن الفجر يؤذن على الثالثة والنصف، وفي هذا الموعد بالضبط سنتصل بالمفتش «سامي»؛ فهو عادةً يستيقظ لصلاة الفجر …

وصل الاثنان قريبًا من منزل «تختخ» ولم يجدا السيارة مكانها، فقال «تختخ»: لقد انصرف «ميراكل» …

محب: تقصد أنه قد اختفى …

تختخ: لا … لم يختفِ … إنني أعرف المكان الذي ذهب إليه …

محب: إنك تبدو واثقًا من نفسِك جدًّا …

تختخ: بالطبع … وإلا لما تركتُه كلَّ هذا الوقت في السيارة … إنني أريد أن أثبتَ له أننا لسنا أغبياءَ كما يتصوَّر …

محب: وأين تذهب الآن؟

تختخ: إلى منزل الأستاذ «صالح إبراهيم» … إن الشاويش هناك!

محب: ولماذا نذهبُ إلى منزل الأستاذ «صالح»؟!

تختخ: سترى …

مضَيا معًا حتى اقتربا من منزل الأستاذ «صالح إبراهيم» وسرعان ما شاهدا الشاويش رابضًا تحت شجرة يرقب الباب … اقتربا منه … وهمهم «زنجر» ولكن «تختخ» صاح به: اسكُت يا «زنجر»، ستحصل على حقِّك كاملًا … ولكن ليس الآن!

عندما شاهدهما الشاويش كاد يبدأ في أسطوانته المعتادة، ولكن «تختخ» أشار له أن يسكت … واضطُرَّ الشاويش أن يلزم الصمت مضطرًّا.

اقترب منه «تختخ»، فقال له: هل حضر الأستاذ «صالح»؟

رد الشاويش: لماذا تسأل؟

تختخ: أرجو يا شاويش … وقتُنا أثمنُ من أن نُضيعه في المهاترات.

الشاويش: نعم … لقد حضر منذ عشر دقائق؟

تختخ: هل رآك؟

الشاويش: لا!

تختخ: عظيم! لا تدَعْه يُغادر المنزلَ مهما كانت الأسباب، وسوف أذهب للاتصال بالمفتش.

ودون أن ينتظرَ «تختخ» جوابًا من الشاويش، انطلق هو و«محب» إلى منزل «عاطف»، دخلا من باب الحديقة ثم اتجَها إلى الكشك الخشبي ومع كلٍّ منهما مفتاحٌ له … ففتحا الباب ودخلا، ورفع «تختخ» سماعة التليفون … ثم اتصل بمنزل المفتش وكانت الساعة قد أشرفَت على الثالثة والنصف …

على الطرَف الآخر صوتُ المفتش يسأل مَن المتحدث في هذه الساعة، فقال «تختخ»: آسف يا سيدي المفتش لإزعاجك.

المفتش: خير يا «توفيق». ماذا حدث؟

تختخ: هل تُحب أن نقبض على «ميراكل»؟

المفتش: بالتأكيد!

تختخ: إنني مع «محب» الآن في الكشك الخشبي بمنزل «عاطف».

المفتش: سأكون عندكم في أقلَّ من عشرين دقيقة!

تختخ: عظيم.

وضع «تختخ» السماعة وجلس يروي ﻟ «محب» استنتاجاته … وكان «محب» يفتح فمَه دهشةً بين لحظةٍ وأخرى … كانت مجموعة استنتاجات باهرة.

مضت نحو ثماني عشرة دقيقةً وسمع الصديقان صوت سيارة تقف بجانب الحديقة، فأسرعا يخرجان ومعهما «زنجر» … وكان المفتش ومعه رجلان من رجاله.

تقدم «تختخ» من المفتش الذي قال: أين «ميراكل»؟

تختخ: إنه على بُعد خطوات من هنا.

المفتش: أين؟

تختخ: في منزل الأستاذ «صالح إبراهيم»؟

المفتش: هل أنت متأكد؟

تختخ: بالطبع يا سيدي.

وركب الجميعُ سيارة المفتش واتجهوا إلى منزل الأستاذ «صالح إبراهيم» … وظهر الشاويش تحت الشجرة فقال المفتش: يا له من رجل مخلصٍ هذا الشاويش … لا بد أنه قضى الليل كلَّه في هذا المكان دون نوم.

لم يُرِد «تختخ» أن يقول للمفتش الحقيقة … وقال الشاويش: صباح الخير يا افندم.

المفتش: هل رأيت «ميراكل» هنا؟

الشاويش: «ميراكل» … «ميراكل» لا يا سيدي ليس هنا سوى الأستاذ «صالح»؟

التفتَ الشاويش إلى «تختخ» الذي ابتسم قائلًا: أرجو القبض على «صالح إبراهيم» فهو و«ميراكل» شخصٌ واحد؟

التفتَ الجميع إلى «تختخ» الذي قال: نعم، إن «ميراكل» هو صالح، وصالح هو «ميراكل»، وسوف تحصل منه يا سيدي المفتش على اعترافٍ كامل.

المفتش: هل أنت متأكِّد؟

تختخ: أنت تعرفُني يا سيدي؟!

صعد الجميع سلالمَ البيت في شقة «صالح» ودقَّ المفتش الباب … ومرت لحظاتٌ وظهر «صالح» وقد بدَت عليه آثارُ النوم … ورفع المفتش مسدسه في وجهه وقال: أيها الجاسوس. إنني أقبض عليك باسم القانون؟

بدَت على وجه «صالح» دهشةٌ مفتعَلة … وأخذ ينظر إلى كل من أمامه، فلما وقع بصره على «تختخ» ابتسم له «تختخ» ابتسامةً هازلة … وفجأة قفز «زنجر» من بين الجميع وأشبك أظافرَه في عُنق «صالح» الذي صاح: أرجوكم أبعِدوه عني … سوف أعترف!

•••

وبينما كان «ميراكل» يسير نحو السيارة مصفَّد اليدَين بالحديد كان «تختخ» يقول للمفتش، وهما يقفان ومعهما «محب» و«زنجر» أمام الباب: لقد كنتُ أشتبهُ أن «ميراكل» و«صالح» شخصٌ واحد، وتأكدتُ الليلة؟

المفتش: كيف اشتبهتَ وكيف تأكدت؟

تختخ: لأني رأيتُ «ميراكل» ليلة أن هاجمه «زنجر» ورأيت «صالح» عندما جاء يدَّعي أن بطاقتَه الشخصية قد سُرقت … ولم أجد فارقًا بينهما إلا بعض اختلافات بسيطة في الشعر والصوت، وكلاهما يمكن تغييره … ثم لاحظتُ أن «صالح» عندما جاء يروي قصة سرقة بطاقته أن «زنجر» أسرعَ يُهاجمه … وقد ظننا أنه سيُهاجم الشاويش … ولكن «زنجر» له طريقة في معاتبة الشاويش … إنه لا يُهاجمه … ولكن يدور حوله … وقد منَعْنا «زنجر» من الهجوم على الشاويش … دون أن نعرف أنه في الحقيقة كان يهاجم «صالح»؛ أقصد «ميراكل».

المفتش: معقول.

تختخ: ثم تأكدتُ أن «صالح» و«ميراكل» هما شخص واحد عندما حدثني في المساء طالبًا المقايضةَ على «زنجر» بقطعة العُملة … فلم يكن أحدٌ يعرف أننا عثَرنا على هذه القطعة سوى «صالح»؛ فقد اتصل بي في الصباح يسأل عنك … وقلت له إنك غير موجود وأخبرتُه أننا عثرنا على شيءٍ يبحث عنه «ميراكل» وسيقودُنا إليه … كنت أضع له طُعمًا وقد ابتلَعه … ولم تمضِ ساعاتٌ حتى كان يتصل بي، ويطلب قطعة العُملة مقابل «زنجر».

المفتش: عظيم. وماذا كان في قطعة النقود؟

تختخ: الدائرة الخضراء، وهي دائرة عليها خريطةٌ لكل الأهداف التي يريد الجاسوسُ معلوماتٍ عنها … وعليها الأماكنُ التي يجب أن يتردَّد عليها كلما ضاق به الحال … وأسماء وأماكن مَن يستعينُ بهم …

تختخ: وهي عندي في المنزل … فقد أعطيتُ «ميراكل» دائرة مزيفة.

المفتش: ولكن لماذا جاء «ميراكل» لنا وادَّعى أنه «صالح إبراهيم»؟

تختخ: أعتقد أنه خطف «صالح إبراهيم» منذ شهور طويلة … وأخذ بطاقته الشخصية ثم تخلَّص منه، أو ربما يحتفظ به في مكانٍ ما … وأخذ يتردد على الشركة على أنه «صالح إبراهيم» وقد مثَّل دوره جيدًا … ولما وجَد الحلقة قد دارت عليه اخترَع حكاية ضياع البطاقة ليُبعد عنه الشبهات … ثم ادَّعى أنه يريد زيارة أوروبا لتستخرجَ له جواز سفرٍ وتُساعده في السفر …

المفتش: أي نقوم نحن بتسهيل مهمة هرب الجاسوس …

تختخ: بالضبط …

المفتش: يا لك من مغامرٍ مدهش … هيا بنا لتُحضر لنا الدائرة الخضراء … وتنامَ جيدًا أنت و«زنجر» … وفي الصباح سنعقد اجتماعنا المعتاد في حديقة منزل «عاطف» لترويَ لنا القصة كاملة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤