قافية النون

وَقَالَ في وَدَاعِهِ للْوَطَنِ شَاكِرًا أَحَدَ أَصْحَابِهِ عَلَى صِدْقِ وداده: (من الطويل)

مَحَا الْبَيْنُ مَا أَبْقَتْ عُيُونُ الْمَهَا مِنِّي
فَشِبْتُ وَلَمْ أَقْضِ اللُّبَانَةَ مِنْ سِنِّي
عَنَاءٌ وَبَأْسٌ وَاشْتِيَاقٌ وَغُرْبَةٌ
أَلا شَدَّ مَا أَلْقَاهُ فِي الدَّهْرِ مِنْ غَبْنِ
فَإِنْ أَكُ فَارَقْتُ الدِّيَارَ فَلِي بِهَا
فُؤَادٌ أَضَلَّتْهُ عُيُونُ الْمَهَا مِنِّي
بَعَثْتُ بِهِ يَوْمَ النَّوَى إِثْرَ لَحْظَةٍ
فَأَوْقَعُهُ الْمِقْدَارُ فِي شَرَكِ الْحُسْنِ
فَهَلْ مِنْ فَتًى فِي الدَّهْرِ يَجْمَعُ بَيْنَنَا
فَلَيْسَ كِلانَا عَنْ أَخِيهِ بِمُسْتَغْنِ
وَلَمَّا وَقَفْنَا لِلْوَدَاعِ وأَسْبَلَتْ
مَدَامِعُنَا فَوْقَ التَّرَائِبِ كَالْمُزْنِ
أَهَبْتُ بِصَبْرِي أَنْ يَعُودَ فَعَزَّنِي
وَنَادَيْتُ حِلْمِي أَنْ يَثُوبَ فَلَمْ يُغْنِ
وَلَمْ تَمْضِ إِلَّا خَطْرَةٌ ثُمَّ أَقْلَعَتْ
بِنَا عَنْ شُطُوطِ الْحَيِّ أَجْنِحَةُ السُّفْنِ
فَكَمْ مُهْجَةٍ مِنْ زَفْرَةِ الْوَجْدِ فِي لَظًى
وَكَمْ مُقْلَةٍ مِنْ غَزْرَةِ الدَّمْعِ فِي دَجْنِ
وَمَا كُنْتُ جَرَّبْتُ النَّوَى قَبْلَ هَذِهِ
فَلَمَّا دَهَتْنِي كِدْتُ أَقْضِي مِنَ الْحُزْنِ
وَلَكِنَّنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي وَرَدَّنِي
إِلَى الْحَزْمِ رَأْيٌ لا يَحُومُ عَلَى أَفْنِ
وَلَوْلا بُنَيَّاتٌ وَشِيبٌ عَوَاطِلٌ
لَمَا قَرَعَتْ نَفْسِي عَلَى فَائِتٍ سِنِّي
فَيَا قَلْبُ صَبْرًا إِنْ جَزِعْتَ فَرُبَّمَا
جَرَتْ سُنُحًا طَيْرُ الْحَوَادِثِ بِالْيُمْنِ
فَقَدْ تُورِقُ الأَغْصَانُ بَعْدَ ذُبُولِهَا
وَيَبْدُو ضِيَاءُ الْبَدْرِ فِي ظُلْمَةِ الْوَهْنِ
وَأَيُّ حُسَامٍ لَمْ تُصِبْهُ كَهَامَةٌ
وَلَهْذَمُ رُمْحٍ لا يُفَلُّ مِنَ الطَّعْنِ
وَمَنْ شَاغَبَ الأَيَّامَ لانَ مَرِيرُهُ
وَأَسْلَمَهُ طُولُ الْمِرَاسِ إِلَى الْوَهْنِ
وَمَا الْمَرْءُ فِي دُنْيَاهُ إِلَّا كَسَالِكٍ
مَنَاهِجَ لا تَخْلُو مِنَ السَّهْلِ وَالْحَزْنِ
فَإِنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تَوَلَّتْ بِخَيْرِهَا
فَأَهْوِنْ بِدُنْيَا لا تَدُومُ عَلى فَنِّ
تَحَمَّلْتُ خَوْفَ الْمَنِّ كُلَّ رَزِيئَةٍ
وَحَمْلُ رَزَايَا الدَّهْرِ أَحْلَى مِنَ الْمَنِّ
وَعَاشَرْتُ أَخْدَانًا فَلَمَّا بَلَوْتُهُمْ
تَمَنَّيْتُ أَنْ أَبْقَى وَحِيدًا بِلا خِدْنِ
إِذَا عَرَفَ الْمَرْءُ الْقُلُوبَ وَمَا انْطَوَتْ
عَلَيْهِ مِنَ الْبَغْضَاءِ عَاشَ عَلَى ضِغْنِ
يَرَى بَصَرِي مَنْ لا أَوَدُّ لِقَاءَهُ
وَتَسْمَعُ أُذْنِي مَا تَعَافُ مِنَ اللَّحْنِ
وَكَيْفَ مُقَامِي بَيْنَ أَرْضٍ أَرَى بِهَا
مِنَ الظُّلْمِ مَا أَخْنَى عَلَى الدَّارِ وَالسَّكْنِ
فَسَمْعُ أَنِينِ الْجَوْرِ قَدْ شَاكَ مَسْمَعِي
وَرُؤْيَةُ وَجْهِ الْغَدْرِ حَلَّ عُرَا جَفْنِي
وَصَعْبٌ عَلَى ذِي اللُّبِّ رِئْمَانُ ذِلَّةٍ
يَظَلُّ بِهَا فِي قَوْمِهِ وَاهِيَ الْمَتْنِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْمِ الْهَنَاةَ بِمِثْلِهَا
تَخَطَّى إِلَيْهِ الْخَوْفُ مِنْ جَانِبِ الأَمْنِ
فَلا تَعْتَرِفْ بِالذُلِّ خِيفَةَ نِقْمَةٍ
فَعَيْشُ الْفَتَى في الذُّلِّ أَدْهَى مِنَ السِّجْنِ
وَكُنْ رَجُلًا إِنْ سِيمَ خَسْفًا رَمَتْ بِهِ
حَمِيَّتُهُ بَيْنَ الصَّوَارِمِ وَاللُّدْنِ
فَلا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَعِشْ
مَهِيبًا تَرَاهُ الْعَيْنُ كَالنَّارِ فِي دَغْنِ
وَلا تَرْهَبِ الأَخْطَارَ فِي طَلَبِ الْعُلا
فَمَنْ هَابَ شَوْكَ النَّحْلِ عَادَ وَلَمْ يَجْنِ
وَلَوْلا مُعَانَاةُ الشَّدَائِدِ مَا بَدَتْ
مَزَايَا الْوَرَى بَيْنَ الشَّجَاعَةِ وَالْجُبْنِ
فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي الْمُدْنِ مَا شِئْتَ مِنْ قِرًى
فَأَصْحِرْ فَإِنَّ الْبِيدَ خَيْرٌ مِنَ الْمُدْنِ
صَحَارٍ يَعِيشُ الْمَرْءُ فِيهَا بِسَيْفِهِ
شَدِيدَ الْحُمَيَّا غَيْرَ مُغْضٍ عَلَى دِمْنِ
وَأَيُّ حَيَاةٍ لامْرِئٍ بَيْنَ بَلْدَةٍ
يَظَلُّ بِهَا بَيْنَ الْعَوَاثِنِ وَالدَّخْنِ
لَعَمْرِي لَكُوخٌ مِنْ ثُمَامٍ بِتَلْعَةٍ
أَحَبُّ إِلَى قَلْبِي مِنَ الْبَيْتِ ذِي الْكِنِّ
وَأَطْرَبُ مِنْ دِيكٍ يَصِيحُ بِكُوَّةٍ
أَرَاكِيَّةٌ تَدْعُو هَدِيلًا عَلَى غُصْنِ
وَأَحْسَنُ مِنْ دَارٍ وَخِيمٍ هُوَاؤُهَا
مَبِيتُكَ مِنْ بُحْبُوحَةِ الْقَاعِ فِي صَحْنِ
تَرَى كُلَّ شَيْءٍ نُصْبَ عَيْنَيْكَ مَاثِلًا
كَأَنَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ فِي جَنَّتَيْ عَدْنِ
تَدُورُ جِيَادُ الْخَيْلِ حَوْلَكَ شُرَّبًا
تُجَاذِبُ أَطْرَافَ الأَعِنَّةِ كَالْجِنِّ
إِذَا سَمِعْتَ صَوتَ الصَّرِيخِ تَنَصَّبَتْ
فَتُدْرِكُ مَا لا تُبْصِرُ الْعَيْنُ بِالأُذْنِ
فَتِلْكَ لَعَمْرِي عِيشَةٌ بَدَويَّةٌ
مُوَطَّأَةُ الأَكْنَافِ رَاسِخَةُ الرُّكْنِ
وَمَا قُلْتُ إِلَّا بَعْدَ عِلْمٍ أَجَدَّ لِي
يَقِينًا نَفَى عَنِّي مُرَاجَعَةَ الظَّنِّ
فَقَدْ ذُقْتُ طَعْمَ الدَّهْرِ حَتَّى لَفَظْتُهُ
وَعَاشَرْتُ حَتَّى قلْتُ لابْنِ أبِي دَعْنِي
وَلَوْلا أَخٌ أَحْمَدْتُ فِي الْوُدِّ عَهْدَهُ
عَلَى حَدَثَانِ الدَّهرِ مَا كُنْتُ أَسْتَثْنِي
وَرُبَّ بَعِيدِ الدَّارِ يُصْفِيكَ وُدَّهُ
وَمُقْتَرِبٍ يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَمْ تَجْنِ
وَمَا الوُدُّ فِي الْقُرْبَى وَإِنْ هِيَ أَوْجَبَتْ
وَلَكِنَّهُ فِي الطَّبْعِ وَالشَّكْلِ وَالْوَزْنِ
إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْوَدِيدَيْنِ خُلَّةٌ
فَلا أَدَبٌ يُجْدِي وَلا نَسَبٌ يُدْنِي
فَذَاكَ أَخٌ لَوْلاهُ أَنْكَرْتُ كُلَّ مَا
سَمِعْتُ بِهِ عَنْ أَحْنَفِ الْحِلْمِ أَوْ مَعْنِ
فَإِنْ لَمْ أُصَرِّحْ بِاسْمِهِ خَوْفَ حَاسِدٍ
يَنُمُّ علَيْهِ فَهْوَ يَعْلَمُ مَنْ أَعْنِي
عَلَى أَنَّ ذِكْرَاهُ وَإِنْ كَانَ نَائِيًا
سَمِيرُ فُؤَادِي فِي الإِقَامَةِ وَالظَّعْنِ
أَنُوحُ لِبُعْدِي عَنْهُ حُزْنًا وَلَوْعَةً
كَمَا نَاحَ مِنْ شَوْقٍ جَمِيلٌ عَلَى بُثْنِ
فَمَنْ لِي بِه خِلًّا كَرِيمًا نِجَارُهُ
فَقَدْ سَئِمَتْ نَفْسِي مُعَاشَرَةَ الْهُجْنِ
تُجَاذِبُنِي نَفْسِي إِلَيْهِ وَدُونَنَا
أَهَاوِيلُ مُلْتَجِّ الْغَوَارِبِ مُسْتَنِّ
لَعَلَّ يَدَ الأَيَّامِ تَسْخُو بِلُقْيَةٍ
أَرَاهُ بِهَا بَعْدَ الْكَزَازَةِ وَالضَّنِّ
وَإِنِّي وَإِنْ طَالَ الْمِطَالُ لَوَاثِقٌ
بِرَحْمَةِ رَبِّي فَهْوَ ذُو الطَّوْلِ وَالْمَنِّ

وَقَالَ وَهُوَ بِسَرَنْدِيبَ يَتَشَوَّقُ إِلَى الْوَطَنِ وَيَذْكُرُ أَعْدَاءَهُ: (من البسيط)

أَعَائِدٌ بِكِ يَا رَيْحَانَةُ الزَّمَنُ؟
فَيَلْتَقِي الْجَفْنُ بَعْدَ الْبَيْنِ وَالْوَسَنُ
أَشْتَاقُ رَجْعَةَ أَيَّامِي لِكَاظِمَةٍ
وَمَا بِيَ الدَّارُ لَوْلا الأَهْلُ وَالسَّكَنُ
فَهَلْ تَرُدُّ اللَّيَالِي بَعْضَ مَا سَلَبَتْ
أَمْ هَلْ تَعُودُ إِلَى أَوْطَانِهَا الظُّعُنُ
أَهَنْتُ لِلْحُبِّ نفْسِي بَعْدَ عِزَّتِهَا
وَأَيُّ ذِي عِزَّةٍ لِلْحُبِّ لا يَهِنُ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْهَوَى سِرٌّ لَمَا ظَهَرَتْ
بِوَحْيِ قُدْرَتِهِ فِي الْعَالَمِ الْفِتَنُ
فَكَيْفَ أَمْلِكُ نَفْسِي بَعْدَمَا عَلِقَتْ
بِيَ الصَّبَابَةُ حَتَّى شَفَّنِي الْوَهَنُ
لَوْلا جَرِيرَةُ عَيْنِي مَا سَمَحْتُ بِهَا
لِلدَّمْعِ تَسْفَحُهُ الأَطْلالُ وَالدِّمَنُ
دَعَتْ إِلَى الْغَيِّ قَلْبِي فَاسْتَبَدَّ بِهِ
شَوْقٌ تَوَلَّدَ مِنْهُ الْهَمُّ وَالشَّجَنُ
وَدُونَ مَا تَبْغِيهِ النَّفْسُ مِنْ أَرَبٍ
بَيْدَاءُ تَصْهَلُ فِي أَرْجَائِهَا الْحُصُنُ
وَفِي الأَكِلَّةِ آرَامٌ تُطِيفُ بِهَا
أُسْدٌ بَرَاثِنُهَا الْخَطِّيَّةُ اللُّدُنُ
مِنْ كُلِّ حَوْرَاءَ مِثْلِ الظَّبْيِ لَوْ نَظَرَتْ
لِعَابِدٍ لَشَجَاهُ اللَّهْوُ وَالدَّدَنُ
فِي نَشْوَةِ الرَّاحِ مِنْ أَلْحَاظِهَا أَثَرٌ
وَفِي الْجَآذِرِ مِنْ أَلْفَاظِهَا غُنَنُ
دَقَّتْ وَجَلَّتْ وَلانَتْ وَهْيَ قَاسِيَةٌ
كَذَاكَ حَدُّ الْمَوَاضِي لَيِّنٌ خَشِنُ
طَوَتْ بِهِنَّ النَّوَى عَنِّي بُدُورَ دُجًى
لا يَسْتَبِينُ لِعَيْنِي بَعْدَهَا سَنَنُ
أَتْبَعْتُهُمْ نَظَرَاتٍ كُلَّمَا بَلَغَتْ
أُخْرَى الْحُمُولِ ثَنَاهَا مَدْمَعٌ هُتُنُ
يَا رَاحِلِينَ وَفي أَحْدَاجِهِمْ قَمَرٌ
يَكَادُ يَعْبُدُهُ مِنْ حُسْنِهِ الْوَثَنُ
مُنُّوا عَلَيَّ بِوَصْلٍ أَسْتَعِيدُ بِهِ
مِنْ مُهْجَتِي رَمَقًا يَحْيَا بِهِ الْبَدَنُ
أَوْ فَاسْمَحُوا لِي بِوَعْدٍ إِنْ وَنَتْ صِلَةٌ
فَالْوَعْدُ مِنْكُمْ بِطِيبِ الْعَيْشِ مُقْتَرِنُ
لَمْ أَلْقَ مِنْ بَعْدِكُمْ يَوْمًا أُسَرُّ بِهِ
كَأَنَّ كُلَّ سُرُورٍ بَعْدَكُمْ حَزَنُ
يَا جِيرَةَ الْحَيِّ مَا لِي لا أَنَالُ بِكُمْ
مَعُونَةً وَبِكُمْ فِي النَّاسِ يُعْتَوَنُ
مَاذَا عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ أَهْلُ بَادِرَةٍ
إِذَا تَرَنَّمَ فِيكُمْ شَاعِرٌ فَطِنُ
أَفِي السَّوِيَّةِ أَنْ يَبْكِي الْحَمَامُ وَلا
يَبْكِي عَلَى إِلْفِهِ ذُو لَوْعَةٍ ضَمِنُ
يَا حَبَّذَا مِصْرُ لَوْ دَامَتْ مَوَدَّتُهَا
وَهَلْ يَدُومُ لِحَيٍّ فِي الْوَرَى سَكَنُ
تَاللهِ مَا فَارَقَتْهَا النَّفْسُ عَنْ مَلَلٍ
وَإِنَّمَا هِيَ أَيَّامٌ لَهَا إِحَنُ
فَلا يَسُرَّ عُدَاتِي مَا بُلِيتُ بِهِ
فَسَوْفَ يَفْنَى وَيَبْقَى ذِكْرِيَ الْحَسَنُ
ظَنُّوا ابْتِعادِيَ إِغْفَالًا لِمَنْقَبَتِي
وَذَاكَ عِزٌّ لَهَا لَوْ أَنَّهُمْ فَطَنُوا
فَإِنْ أَكُنْ سِرْتُ عَنْ أَهْلِي وَعَنْ وَطَنِي
فَالنَّاسُ أَهْلِي وَكُلُّ الأَرْضِ لِي وَطَنُ
لا يَطْمِسُ الْجَهْلُ مَا أَثْقَبْتُ مِنْ شَرَفٍ
وَكَيْفَ يَحْجُبُ نُورَ الْجَوْنَةِ الدَّخَنُ
قَدْ يَرْفَعُ الْعِلْمُ أَقْوَامًا وَإِنْ تَرِبُوا
وَيَخْفِضُ الْجَهْلُ أَقْوَامًا وَإِنْ خَزَنُوا
فَرُبَّ مَيْتٍ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ نَسَمٌ
وَرُبَّ حَيٍّ لَهُ مِنْ جَهْلِهِ كَفَنُ
فَلا تَغُرَّنْكَ أَشْبَاهٌ تَمُرُّ بِهَا
هَيْهَاتَ مَا كُلُّ طِرْفٍ سابِقٌ أَرِنُ
فَلا مَلامَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَدَثٍ
فكُلُّنَا بِيَدِ الأَقْدَارِ مُرْتَهَنُ
لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ حُكْمٌ فِي تَصَرُّفِهِ
لَعَاشَ حُرًّا وَلَمْ تَعْلَقْ بِهِ الْمِحَنُ
وَأَيُّ حَيٍّ وَإِنْ طَالَتْ سَلامَتُهُ
يَبْقَى وَأَيُّ عَزِيزٍ لَيْسَ يُمْتَهَنُ
كُلُّ امْرِئٍ غَرَضٌ لِلدَّهْرِ يَرْشُقُهُ
بِأَسْهُمٍ لا تَقِي أَمْثَالَهَا الْجُنَنُ
فَلْيَشْغَبِ الدَّهْرُ أَوْ تَسْكُنْ نَوَافِرُهُ
فَلَسْتُ مِنْهُ عَلَى مَا فَاتَ أَحْتَزِنُ
غَنِيتُ عَمَّا يُهِينُ النَّفْسَ مِنْ عَرَضٍ
فَمَا عَلَيَّ لِحَيٍّ فِي الْوَرَى مِنَنُ
لَكِنَّنِي بَيْنَ قَوْمٍ لا خَلاقَ لَهُمْ
إِنْ عَاقَدُوا غَدَرُوا أَوْ عَاشَروا دَهَنُوا
يُخْفُونَ مِنْ حَسَدٍ مَا فِي نُفُوسِهِمُ
وَيُظْهِرُونَ خِدَاعًا غَيْرَ مَا بَطَنُوا
يَا لَلْحُمَاةِ أَمَا فِي النَّاسِ مِنْ رَجُلٍ
وَارِي الضَّمِيرِ لُهُ عَقْلٌ بِهِ يَزِنُ
أَكُلَّ خِلٍّ أَرَاهُ لا وَفَاءَ لَهُ
وَكُلَّ قَلْبٍ عَلَيَّ الْيَوْمَ مُضْطَغِنُ
تَغَيَّرَ النَّاسُ عَمَّا كُنْتُ أعْهَدُهُ
فَالْيَوْمَ لا أَدَبٌ يُغْنِي وَلا فِطَنُ
فَالْخَيْرُ مُنْقَبِضٌ وَالشَّرُّ مُنْبَسِطٌ
وَالْجَهْلُ مُنْتَشِرٌ وَالْعِلْمُ مُنْدَفِنُ
لَمْ تَلْقَ مِنْهُمْ سَلِيمًا فِي مَوَدَّتِهِ
كَأَنَّ كُلَّ امْرِئٍ فِي قَلْبِهِ دَخَنُ
طَوَاهُمُ الْغِلُّ طَيَّ الْقِدِّ وَانْتَشَرَتْ
بِالْغَدْرِ بَيْنَهُمُ الأَحْقَادُ وَالدِّمَنُ
فَلا صَدِيقَ يُرَاعِي غَيْبَ صَاحِبِهِ
وَلا رَفِيقَ عَلَى الأَسْرَارِ يُؤْتَمَنُ
بَلَوْتُهُمْ فَسَئِمْتُ الْعَيْشَ وَانْصَرَفَتْ
نَفْسِي عَنِ النَّاسِ حَتَّى لَيْسَ لِي شَجَنُ
فَإِنْ يَكُنْ فَاتَنِي مَا كُنْتُ أَمْلِكُهُ
فَالْبُعْدُ عَنْهُمْ لِمَا أَتْلَفْتُهُ ثَمَنُ
كَفَى بِحَرْبِ النَّوَى سِلْمًا نَجَوْتُ بِهِ
وَرُبَّ مَخْشِيَّةٍ فِي طَيِّهَا أَمَنُ
لَعَلَّ مُزْنَةَ خَيْرٍ تَسْتَهِلُّ عَلَى
رَوْضِ الأَمَانِي فَيَحْيَا الأَصْلُ وَالْفَنَنُ
وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ بَدْءٌ وَعَاقِبَةٌ
وَكَيْفَ يَبْقَى عَلَى حِدْثَانِهِ الزَّمَنُ

وَقَالَ يَذْكُرُ سَفَرَهُ مَعَ الْجُنْدِ الْمِصْرِيِّ إِلَى جَزِيرَةِ «أَقْرِيطِشَ» سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ هِجْرِيَّة (١٢٨٢ﻫ/١٨٦٥م) حِينَ خَرَجَ سُكانُهَا عَن الطَّاعَةِ: (من الكامل)

أَخَذَ الْكَرَى بِمَعَاقِدِ الأَجْفَانِ
وَهَفَا السُّرَى بِأَعِنَّةِ الْفُرْسَانِ
وَاللَّيْلُ مَنْثُورُ الذَّوَائِبِ ضَارِبٌ
فَوْقَ الْمَتَالِعِ وَالرُّبَا بِجِرَانِ
لا تَسْتَبِينُ الْعَيْنُ فِي ظَلْمَائِهِ
إلَّا اشْتِعَالَ أَسِنَّةِ الْمُرَّانِ
نَسْرِي بِهِ مَا بَيْنَ لُجَّةِ فِتْنَةٍ
تَسْمُو غَوَارِبُهَا عَلَى الطُّوفَانِ
فِي كُلِّ مَرْبَأَةٍ وَكُلِّ ثَنِيَّةٍ
تَهْدَارُ سَامرَةٍ وَعَزْفُ قِيَانِ
تَسْتَنُّ عَادِيَةٌ وَيَصْهَلُ أَجْرَدٌ
وَتَصِيحُ أَحْرَاسٌ وَيَهْتِفُ عَانِي
قَوْمٌ أَبَى الشَّيْطَانُ إِلَّا نَزْعَهُمْ
فَتَسَلَّلُوا مِنْ طَاعَةِ السُّلْطَانِ
مَلأَوا الْفَضَاءَ فَمَا يَبِينُ لِنَاظِرٍ
غَيْرُ الْتِمَاعِ الْبِيضِ وَالْخُرْصَانِ
فَالْبَدْرُ أَكْدَرُ وَالسَّمَاءُ مَرِيضَةٌ
وَالْبَحْرُ أَشْكَلُ وَالرِّمَاحُ دَوَانِي
وَالْخَيْلُ وَاقِفَةٌ عَلَى أَرْسَانِهَا
لِطِرَادِ يَوْمِ كَرِيهَةٍ وَرِهَانِ
وَضَعُوا السِّلاحَ إِلَى الصَّبَاحِ وَأَقْبَلُوا
يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسُنِ النِّيرانِ
حَتَّى إِذَا مَا الصُّبْحُ أَسْفَرَ وَارْتَمَتْ
عَيْنَايَ بَيْنَ رُبًى وَبَيْنَ مَحَانِي
فَإِذَا الْجِبَالُ أَسِنَّةٌ وَإِذَا الْوِهَا
دُ أَعِنَّةٌ وَالْمَاءُ أَحْمَرُ قَانِي
فَتَوَجَّسَتْ فَرَطُ الرِّكَابِ وَلَمْ تَكُنْ
لِتَهَابَ فَامْتَنَعَتْ عَلَى الأَرْسَانِ
فَزِعَتْ فَرَجَّعَتِ الْحَنِينَ وَإِنَّمَا
تَحْنَانُهَا شَجَنٌ مِنَ الأشْجَانِ
ذَكَرَتْ مَوَارِدَهَا بِمِصْرَ وَأَيْنَ مِنْ
مَاءٍ بِمِصْرَ مَنَازِلُ الرُّومَانِ
وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ وَإِنْ هِيَ صَادَفَتْ
خَلَفًا بِأَوَّلِ صَاحِبٍ وَمَكَانِ
فَسَقَى السِّمَاكُ مَحَلَّةً وَمَقَامَةً
فِي مِصْرَ كُلَّ رَوِيَّةٍ مِرْنَانِ
حَتَّى تَعُودَ الأرْضُ بَعْدَ مُحُولِهَا
شَتَّى النَّمَاءِ كَثِيرَةَ الأَلْوَانِ
بَلَدٌ خَلَعْتُ بِهَا عِذَارَ شَبِيبَتِي
وَطَرَحْتُ فِي يُمْنَى الْغَرَامِ عِنَانِي
فَصَعِيدُهَا أَحْوَى النَّبَاتِ وَسَرْحُهَا
أَلْمَى الظِّلالِ وَزَهْرُهَا مُتَدَانِي
فَارَقْتُهَا طَلَبًا لِمَا هُوَ كَائِنٌ
وَالْمَرْءُ طَوْعُ تَقَلُّبِ الأَزْمَانِ
حَمَلَ الزَّمَانُ عَلَيَّ مَا لَمْ أَجْنِهِ
إِنَّ الأَمَاثِلَ عُرْضَةُ الْحدْثَانِ
نَقَمُوا عَلَيَّ وَقَدْ فَتَكْتُ شَجَاعَتِي
إِنَّ الشَّجَاعَةَ حِلْيَةُ الْفِتْيَانِ
فَلْيَهْنَإِ الدَّهْرُ الْغَيُورُ بِرِحْلَتِي
عَنْ مِصْرَ وَلْتَهْدَأْ صُرُوفُ زَمَانِي
فَلَئِنْ رَجَعْتُ وَسَوْفَ أَرْجِعُ وَاثِقًا
بِاللهِ أَعْلَمْتُ الزَّمَانَ مَكَانِي
صَادَفْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ حَتَّى خَانَنِي
وَحَفِظْتُ مِنْهُ مَغِيبَهُ فَرَمَانِي
زَعَمَ النَّصِيحَةَ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْ بِهِ
غِشًّا وَجَازَى الْحَقَّ بِالْبُهْتَانِ
فَلْيَجْرِ بَعْدُ كَمَا أَرَادَ بِنَفْسِهِ
إِنَّ الشَّقِيَّ مَطِيَّةُ الشَّيْطَانِ
وَكَذَا اللَّئِيمُ إِذَا أَصَابَ كَرَامَةً
عَادَى الصَّدِيقَ وَمَالَ بِالإِخْوَانِ
كُلُّ امْرِئٍ يَجْرِي عَلَى أَعْرَاقِهِ
وَالطَّبْعُ لَيْسَ يَحُولُ فِي الإِنْسَانِ
فَعَلامَ يَلْتَمِسُ الْعَدُوُّ مَسَاءَتِي
مِنْ بَعْدِ مَا عَرَفَ الْخَلائِقُ شَانِي
أَنَا لا أَذِلُّ وَإِنَّمَا يَزَعُ الْفَتَى
فَقْدُ الرَّجَاءِ وَقِلَّةُ الأَعْوَانِ
فَلْيَعْلَمَنَّ أَخُو الْجَهَالَةِ قَصْرَهُ
عَنِّي وَإِنْ سَبَقَتْ بِهِ قَدَمَانِ
فَلَرُبَّمَا رَجَحَ الْخَسِيسُ مِنَ الْحَصَى
بِالدُّرِّ عِنْدَ تَمَاثُلِ الْمِيزَانِ
شَرَفٌ خُصِصْتُ بِهِ وَأَخْطَأَ حَاسِدٌ
مَسْعَاتَهُ فَهَذَى بِهِ وَقَلانِي

وَقَالَ فِي صِباه: (من الوافر)

صَبَوْتُ إِلَى المُدَامَةِ وَالْغَوَانِي
وَحَكَّمْتُ الْغَوَايَةَ فِي عِنَانِي
وقُلْتُ لِعِفَّتِي بَعْدَ امْتِنَاعٍ
إِلَيْكِ فَقَدْ عَنَانِي مَا عَنَانِي
فَمَا لِي عَنْ هَوَى الْحَسْنَاءِ صَبْرٌ
يُوَقِّرُ عِنْدَ سَوْرَتِهِ جَنَانِي
وَكَيْفَ يَضِيقُ مَنْ دَارَتْ عَلَيْهِ
كُئُوسُ هَوًى مِنَ الْحَدْقِ الْحِسَانِ
أَعَاذِلُ خَلِّنِي وَشُئُونَ قَلْبِي
وَخُذْ مَا شِئْتَهُ فِي أَيِّ شَانِ
فَقَدْ شَبَّ الْهَوَى مَنْ رَامَ نُصْحِي
وَأَغْرَى فِي الْمَحَبَّةِ مَنْ نَهَانِي
رَضِيتُ مِنَ الْهَوَى بِنُحُولِ جِسْمِي
وَمِنْ صِلَةِ الْبَخِيلَةِ بِالأَمَانِي
وَلَسْتُ بِطَالِبٍ فِي النَّاسِ خِلًّا
يُنَاصِحُنِي فَعَقْلِي قَدْ كَفَانِي
بَلَوْتُ النَّاسَ وَاسْتَخْبَرْتُ عَنْهُم
صُرُوفَ الدَّهْرِ آنًا بَعْدَ آنِ
فَمَا أَبْصَرْتُ غَيْرَ أَخِي كِذَابٍ
خَلُوبِ الْوُدِّ مَصْنُوعِ الْحَنانِ
يُصَرِّحُ بِالْعَدَاوَةِ وَهْوَ نَاءٍ
وَيَمْذُقُ فِي الْمَحَبَّةِ وَهْوَ دَانِي
لَهُ فِي كُلِّ جَارِحَةٍ لِسَانٌ
يَدُورُ بِهِ عَلَى حُكْمِ الزَّمَانِ
فَلا تَأْمَنْ عَلَى نَجْوَاكَ صَدْرًا
فَرُبَّ خَدِيعَةٍ تَحْتَ الأَمَانِ
وَلا يَغْرُرْكَ قَوْلٌ دُونَ فِعْلٍ
فَإِنَّ الْحُسْنَ قُبْحٌ فِي الْجَبَانِ
وَمَا أَنَا وَالطِّبَاعُ لَهَا انْخِدَاعٌ
بِذِي تَرَفٍ يُرَوَّعُ بِالشِّنَانِ
رَغِبْتُ بِشِيمَتِي وَعَرَفْتُ نَفْسِي
وَلَمْ أَدْخُلْ لَعَمْرُكَ فِي قِرَانِ
وَمَا شُرْبِي الْمُدَامَ هَوًى وَلَكِنْ
عَقَدْتُ بِحَدِّ سَوْرَتِهَا لِسَانِي
مَخَافَةَ أَنْ تَهِيجَ بَنَاتِ صَدْرِي
فَيَظْهَرَ بَعْضُ سِرِّي لِلْعَيانِ
وَفِيمَ وَقَدْ بَلَوْتُ الدَّهْرَ أَبْغِي
صَدِيقًا أَوْ أَحِنُّ إِلَى مَكَانِ
وَلَسْتُ أَرَى سِوَى صُبْحٍ وَجُنْحٍ
إِلَيْنَا بِالرَّدَى يَتَسَابَقَانِ
فَيَا مَنْ ظَنَّ بِالأَيَّامِ خَيْرًا
رُوَيْدَكَ فَهْيَ أَقْرَبُ لِلْحِرَانِ
أَتَرْغَبُ فِي السَّلامَةِ وَهْيَ دَاءٌ
وَتَجْمَعُ لِلْبَقَاءِ وَأَنْتَ فَانِي
دَعِ الدُّنْيَا وَسَلِّ الْهَمَّ عَنْهَا
إِذَا اعْتَكَرَتْ بِصَافِيَةِ الدِّنَانِ
فَإِنَّ الرَّاحَ رَاحَةُ كُلِّ نَفْسٍ
إِذَا دَارَتْ عَلَى نَغَمِ الْقِيَانِ
مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي دَرَجَتْ عَلَيْهَا
أَفَانِينٌ مِنَ الْعُصُرِ الْفَوَانِي
تَخَالُ وَمِيضَهَا فِي الْكَأْسِ نَارًا
فَتَلْمِسُهَا بِأَطْرَافِ الْبَنَانِ
فَخُذْهَا غَيْرَ مُدَّخِرٍ نَفِيسًا
فَلَيْسَ الْعُمْرُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ
وَخَلِّ النَّاسَ عَنْكَ فَلَيْسَ فِيهِمْ
سَلِيمُ الْقَلْبِ عِندَ الِامْتِحَانِ
تَمَاثِيلٌ تَدُورُ بِلا عُقُولٍ
وَأَلْفَاظٌ تَمُرُّ بِلا مَعَانِي
تَشَابَهَتِ الأَسَافِلُ بِالأَعَالِي
فَمَا يُدْرَى الْهَجِينُ مِنَ الهِجَانِ
تَرَى كُلَّ ابْنِ أُنْثَى لا يُبَالِي
بِمَا جَرَّتْ عَلَيْهِ مِنَ الْهَوَانِ
يُدِلُّ بِنَفْسِهِ إِنْ غِبْتُ عَنْهُ
وَيَشْرَقُ بِالزُّلالِ إِذَا رَآنِي
فَمَنْ لِي وَالأَمَانِي كَاذِبَاتٌ
بِيَوْمٍ فِي الْكَرِيهَةِ أَرْوَنَانِ
أُلاعِبُ فِيهِ أَطْرَافَ الْعَوالِي
وَأُطْلِقُ بَيْنَ هَبْوَتِهِ حِصَانِي
تَرَانِي فِيهِ أَوَّلَ كُلِّ دَاعٍ
وَيَرْتَفِعُ الْغُبَارُ فَلا تَرَانِي
إِلَى أَنْ تَنْجَلِي الْغَمَرَاتُ عَنْهُ
وَيَعْرِفَنِي بِفَتْكِي مَنْ بَلانِي
أَنَا ابْنُ اللَّيْل والْخَيْلِ الْمَذَاكِي
وَبِيضِ الْهِنْدِ وَالسُّمْرِ اللِّدَانِ
إِذَا عَيْنٌ أَجَدَّ بِهَا طِمَاحٌ
جَعَلْتُ مَكَانَ حَبَّتِهَا سِنَانِي

وَقَالَ وَهُوَ بِسَرَنْدِيبَ يَتَشَوَّقُ إِلَى الوَطَنِ وَيَذكُرُ صَدِيقًا لَهُ: (من المنسرح)

وَا طُولَ شَوْقِي إِلَيْكَ يَا وَطَنُ
وَإِنْ عَرَتْنِي بِحُبِّكَ الْمِحَنُ!
أَنْتَ الْمُنَى وَالْحَدِيثُ إِنْ أَقْبَلَ الصـْ
ـصُبْحُ وَهَمِّي إِنْ رَنَّقَ الْوَسَنُ
فَكَيْفَ أَنْسَاكَ بِالْمَغِيبِ وَلِي
فِيكَ فُؤَادٌ بِالْحُبِّ مُرْتَهَنُ
لَسْتُ أُبَالِي وَقَدْ سَلِمْتَ عَلَى الدَ
هْرِ إِذَا مَا أَصَابَنِي الْحَزَنُ
لَيْتَ بِرِيدَ الْحَمَامِ يُخْبِرُنِي
عَنْ أَهْلِ وُدِّي فَلِي بِهِمْ شَجَنُ
أَهُمْ عَلَى الْوُدِّ أَمْ أَطَافَ بِهِمْ
وَاشٍ أَرَاهُمْ خِلافَ مَا يَقِنُوا
فَإِنْ نَسُونِي فَذُكْرَتِي لَهُمُ
وَكَيْفَ يَنْسَى حَيَاتَهُ الْبَدَنُ
أَصْبَحْتُ مِنْ بَعْدِهِمْ بِمَضْيَعَةٍ
تَكْثُرُ فِيهَا الْهُمُومُ والإِحَنُ
بَيْنَ أُنَاسٍ إِذَا وَزَنْتَهُمُ
بِالذَّرِّ عِنْدَ الْبَلاءِ مَا وَزَنُوا
لا فِي مَوَدَّاتِهِمْ إِذَا صَدَقُوا
رِبْحٌ وَلا فِي فِرَاقِهِمْ غَبَنُ
مِنْ كُلِّ فَظٍّ يَلُوكُ فِي فَمِهِ
مُضْغَةَ سُوءٍ مِزَاجُهَا عَفِنُ
يَنْضَحُ شِدْقَاهُ بِالرُّؤَالِ كَمَا
عُلَّ بِنَضْحِ الْعَتِيرَةِ الْوَثَنُ
شُعْثٌ عُرَاةٌ كَأَنَّهُمْ خَرَجُوا
مِنْ نَفَقِ الأَرْضِ بَعْدَ مَا دُفِنُوا
لا يُحْسِنُونَ الْمَقَالَ إِنْ نَطَقُوا
جَهْلًا وَلا يَفْقَهُونَ إِنْ أَذِنُوا
أَرَى بِهِمْ وَحْشَةً إِذَا حَضَرُوا
وَطِيبَ أُنْسٍ إِذَا هُمُ ظَعَنُوا
وَكَيْفَ لِي بِالْمُقَامِ فِي بَلَدٍ
مَا لِي بِهَا صَاحِبٌ وَلا سَكَنُ
كُلُّ خَلِيلٍ لِخِلِّهِ وَزَرٌ
وَكُلُّ دَارٍ لأهْلِهَا أَمَنُ
فَهَلْ إِلَى عَوْدَةٍ أَلُمُّ بِهَا
شَمْلِي وَأَلْقَى مُحَمَّدًا سَنَنُ
ذَاكَ الصَّدِيقُ الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ
فَهْوَ بِشُكْرِي وَمِدْحَتِي قَمِنُ
عَاشَرْتُهُ حِقْبَةً فَأَنْجَدَنِي
مِنْهُ الْحِجَا وَالْبَيَانُ وَاللَّسَنُ
وَهْوَ إِلَى الْيَوْمِ بَعْدَ مَا عَلِقَتْ
بِيَ الرَّزَايَا مُخَيِّلٌ هُتُنُ
يَنْصُرُنِي حَيْثُ لا يَكَادُ حَمٌ
يَمْنَحُنِي وُدَّهُ وَلا خَتَنُ
قَدْ كَانَ ظَنِّي يُسِيءُ بِالنَّاسِ لَوْ
لاهُ وَفَرْدٌ يَحْيَا بِهِ الزَّمَنُ
فَهْوَ لَدَى الْمُعْضِلاتِ مُسْتَنَدٌ
وَعِنْدَ فَقْدِ الرَّجَاءِ مُؤْتَمَنُ
نَمَّتْ عَلَى فَضْلِهِ شَمَائِلُهُ
وَنَفْحَةُ الْوَرْدِ سِرُّهَا عَلَنُ
لَوْ كَانَ يَعْلُو السَّمَاءَ ذُو شَرَفٍ
لَكَانَ بِالنَّيِّرَاتِ يَقْتَرِنُ
فَلْيَحْيَ حُرًّا مُمَتَّعًا بِجَمِيـ
ـلِ الذِّكْرِ فَالذِّكْرُ مَفْخَرٌ حَسَنُ

وَقَالَ أَيْضًا فِي صِبَاهُ: (من البسيط)

خَلَعْتُ فِي حُبِّ غِزْلانِ الْحِمَى رَسَنِي
وَبِعْتُ بِالسُّهْدِ فِي لَيْلِ الْهَوَى وَسَنِي
وَأَعْجَبَتْنِي عَلَى ذَمِّ الْعَذُولِ لَهَا
صَبَابَةٌ نَقَلَتْ سِرِّي إِلَى الْعَلَنِ
فَلْيَبْلُغِ الْعَذْلُ مِنِّي مَا أَرَادَ فَقَدْ
أَسْلَمْتُ لِلشَّوْقِ رُوحِي وَالضَّنَى بَدَنِي
تِلْكَ الْحَمَائِمُ لَوْ تَدْرِي بِمَا لَقِيَتْ
أَهْلُ الْمَحَبَّةِ لَمْ تَسْجَعْ عَلَى فَنَنِ
يَا رَبَّةَ الْخِدْرِ قُومِي فَانْظُرِي عَجَبًا
إِلَى غَرَائِبَ لَمْ تُقْدَرْ وَلَمْ تَكُنِ
هَذِي يَدِي جَسَّهَا الآسِي وَخَامَرَهُ
يَأْسٌ فَغَادَرَهَا صَرْعَى مِنَ الْوَهَنِ
وَقَالَ لا تَكْتُمَنْ أَمْرًا عَلَيَّ فَقَدْ
عَلِمْتُ مَا بِكَ مِنْ بَادٍ وَمُكْتَمِنِ
فَلَمْ أُجِبْ غَيْرَ أَنَّ الدَّمْعَ نَمَّ عَلَى
وَجْدِي وَدَلَّتْهُ أَنْفَاسِي عَلَى شَجَنِي
عَطْفًا عَلَيَّ فَلَمْ أَطْلُبْ إِلَيْكِ سِوَى
أَنْ أُمْتِعَ الْعَيْنَ مِنْ تِمْثَالِكِ الْحَسَنِ
مَا لِلْعَذُولِ رَأَى وَجْدِي فَأَحْفَظَهُ
حَتَّى أَتَاكُمْ بِقَوْلٍ مِنْ هَنٍ وَهَنِ
لا تَقْبَلِي الْعَذْلَ فِي مِثْلِي فَكُلُّ فَتًى
حُرِّ الشَّمَائِلِ مَحْسُودٌ عَلَى الْفِطَنِ
وَالنَّاسُ أَعْدَاءُ أَهْلِ الْفَضْلِ مُذْ خُلِقُوا
مِنْ عَهْدِ آدَمَ سَبَّاقُونَ فِي الإِحَنِ
فَلا صَدِيقَ عَلَى وُدٍّ بِمُتَّفِقٍ
وَلا خَلِيلَ عَلَى سِرٍّ بِمُؤْتَمَنِ
فَلَيْتَ لِي وَدَوَاعِي النَّفْسِ كَاذِبَةٌ
خِلًّا يَكُونُ سُرُورَ الْعَيْنِ وَالأُذُنِ
أُصْفِيهِ وُدِّي وَأُمْلِيهِ الْهَوَى وَأَرَى
مِنْهُ الصَوَابَ وأرْجُوهُ عَلَى الزَّمَنِ
هَيْهَاتَ أَطْلُبُ أَمْرًا لَيْسَ يَبْلُغُهُ
حَيٌّ وَلَوْ سَارَ مِنْ هِنْدٍ إِلَى يَمَنِ
مَهْلًا أَخَا الجَهْلِ لا يُغْوِيكَ مَا نَظَرَتْ
عَيْنَاكَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنَ الْفِتَنِ
هَذِي الْبَرِيَّةُ فَانْظُرْ إِنْ وَجَدْتَ بِهَا
غَيْرَ الَّذِي قُلْتُ فَاهْجُرْنِي وَلا تَرَنِي
أَنَا الَّذِي عَرَفَ الأَيَّامَ وَانْكَشَفَتْ
لَهُ سَرَائِرُهَا مِنْ كُلِّ مُخْتَزَنِ
طُفْتُ الْبِلادَ وَجَرَّبْتُ الْعِبَادَ فَلَمْ
أَرْكَنْ لِخِلٍّ وَلَمْ أَجْنَحْ إِلَى سَكَنِ
خُلِقْتُ حُرًّا فَلا قَدْرِي بِمُتَّضِعٍ
عِنْدَ الْمُلُوكِ وَلا عِرْضِي بِمُمْتَهَنِ
لا عَيْبَ فِيَّ سِوَى أَنِّي عَتَبْتُ عَلَى
دَهْرِي فَقَدَّمَ مَنْ دُونِي وَأَخَّرَنِي
وَهَذِهِ شِيمَةُ الدُّنْيَا وَمِنْ عَجَبٍ
أَنِّي أَرَى مِحْنَتِي فِيهَا وَتُعْجِبُنِي
لَيْسَ السُّرُورُ الَّذِي يَأْتِي الزَّمَانُ بِهِ
يَفِي بِقَدْرِ الَّذِي يَمْضِي مِنَ الْحَزَنِ
فَاسْتَبْقِ نَفْسَكَ إِنْ كُنْتَ امْرَأً فَطِنًا
وَاقْنَعْ بِعَيْشِكَ فِي سِربَالِكَ الْخَشِنِ
وَلا تَفُهْ بِحَدِيثِ النَّفْسِ إِنَّ بِهِ
شَرَّ الْحَيَاةِ وَسَعْيَ الْحَاسِدِ الأَفِنِ
وَلا تَسَلْ أَحَدًا عَوْنًا عَلَى أَمَلٍ
حَتَّى تَكُونَ أَسِيرَ الشُّكْرِ وَالْمِنَنِ
خَيْرُ الْمَعِيشَةِ مَا كَانَتْ مُذَلَّلَةً
هَوْنًا وَثَوْبُكَ مَعْصُومٌ مِنَ الدَّرَنِ
وَعَاشِرِ النَّاسَ بِالْحُسْنَى فَإِنْ عَرَضَتْ
إِسَاءَةٌ فَتَغَمَّدْهَا عَلَى الظِّنَنِ
فَالصَّفْحُ عَنْ بَعْضِ مَا يُمْنَى الْكَرِيمُ بِهِ
فَضْلٌ يَطِيرُ بِهِ شُكْرٌ بِلا ثَمَنِ

وَقَالَ يَفْتَخِرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ: (من الكامل)

أَحْبِبْ بِهِنَّ مَعَاهِدًا وَمَعَانَا
كَانَتْ مَنَازِلُنَا بِهَا أَحْيَانَا
دِمَنٌ عَفَتْ بَعْدَ الأَنِيسِ فَأَصْبَحَتْ
لِلْجَازِئَاتِ مِنَ الظِّبَاءِ مَكَانَا
وَلَقَدْ نَرَى فِيهَا مَلاعِبَ لَمْ تَزَلْ
تُشْجِي الْفُؤَادَ وَلا نَرَى إِنْسَانَا
عَرَفَتْ بِهَا الْجُرْدُ الْعِتَاقُ مَجَالَهَا
فَغَدَتْ تُحَمْحِمُ رِقَّةً وَحَنَانَا
بِتْنَا بِهَا مُتَسَانِدِينَ عَلَى الثَّرَى
نَصِفُ الْكَلالَ وَنَذْكُرُ الإِخْوَانَا
أَيَّامَ لا يَرِدُ الْجِمَامَ لِعِزِّهَا
أَحَدٌ وَلا يَرْعَى الْجَمِيمَ سِوَانَا
فِي مَعْشَرٍ رَسَخَتْ حَصَاةُ حُلُومِهِمْ
أَدَبًا وَخَفُّوا لِلْوَغَى فُرْسَانَا
قَرَنُوا الشَّجَاعَةَ بِالسَّمَاحَةِ فَاغْتَدُوا
قَيْدَ الْمَحَامِدِ شِدَّةً وَلِيَانَا
طَلَعُوا عَلَى الزَّمَنِ الْبَهِيمِ فَأَثْقَبُوا
نَارَ الْفَضَائِلِ حُجَّةً وَبَيَانَا
مِنْ كُلِّ مَشْبُوبٍ تَخَالُ لِسَانَهُ
عِنْدَ التَّخَاصُمِ فِي النَّدِيِّ سِنَانَا
إِنْ قَالَ بَرَّ وَإِنْ أَتَاهُ مُطَرَّدٌ
آوَى وَإِنْ سُئِلَ الْكَرَامَةَ لانَا
أَنَا مِنْهُمُ وَالْعُودُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ
وَابْنُ الْهَجِينَةِ لا يَكُونُ هِجَانَا
فَاكُوِ الْحَسُودَ بِنَاظِرَيْهِ وَقُلْ لَهُ
إِنْ كُنْتَ تَجْهَلُنَا فَكَيْفَ تَرَانَا
إِنَّا إِذَا مَا الْحَرْبُ شَبَّ سَعِيرُهَا
نَحْمِي النَّزِيلَ وَنَمْنَعُ الْجِيرَانَا
وَنَرُدُّ عَادِيَةَ الْخَمِيسِ بِأَنْفُسٍ
عَلِمَتْ بِأَنَّ مِنَ الْحَيَاةِ هَوَانَا
فَتَرَى عِتَاقَ الْخَيْلِ حَوْلَ بُيُوتِنَا
قُبَّ الْبُطُونِ تُنَازِعُ الأَرْسَانَا
مَشَقَ الطَّرَادُ لُحُومَهُنَّ فَلَمْ يَدَعْ
إِلَّا خَوَاصِرَ كَالْقِسِيِّ مِتَانَا
مِنْ كُلِّ مُنْتَصِبٍ عَلَى أَقْيَادِهِ
مُتَطَلِّعٍ يَتَنَظَّرُ الْحَدَثَانَا
بَذَخَتْ قَوَائِمُهُ وَأَقْبَلَ مَتْنُهُ
وَانْضَمَّ كَلْكَلُهُ وَطَالَ عِنَانَا
فَإِذَا عَلا حَزْنًا أَطَارَ شَرَارَهُ
وَإِذَا أَتَى سَهْلًا أَطَارَ دُخَانَا
وَالْخَيْلُ أَكْرَمُ صَاحِبٍ يَومَ الْوَغَى
وَالسِّلْم تَبْعَثُ غَارَةً وَرِهَانَا
فَعَلَى بُطُونِ خِيَارِهَا أَرْزَاقُنَا
وَعَلَى ظُهُورِ جِيَادِهَا مُغْدَانَا
هَذَا الْفَخَارُ فَدُرْ بِعَيْنَيْكَ حَيْثُمَا
دارَ الزَّمَانُ فَلَنْ تَرَى نُقْصَانَا

وَقَالَ: (من المديد)

يَا قَرِيرَ الْعَيْنِ بِالْوَسَنِ
مَا الَّذِي أَلْهَاكَ عَنْ شَجَنِي
كَيْفَ لا تَرْثِي لِمُكتَئِبٍ
شَفَّهُ بَرْحٌ مِنَ الْحَزَنِ
هَبْكَ لَمْ تَسْمَعْ شَكَاةَ فَمِي
أَوَ لَمْ تُبْصِرْ ضَنَى بَدَنِي
يَا عِبَادَ اللَّهِ مَنْ لِفَتًى
بِيَدِ الأَشْوَاقِ مُرْتَهَنِ
رَعَتِ الأَشْوَاقُ مُهْجَتَهُ
وَبَرَاهُ الْوَجْدُ فَهْوَ ضَنِي
آهِ منْ ظَبْيٍ خَلَعْتُ بِهِ
فِي مَيَادِينِ الْهَوَى رَسَنِي
سَاحِرُ الْعَيْنَيْنِ مَا بَرِحَتْ
لَحْظَتَاهُ مَصْدَرَ الْفِتَنِ
سَلَكَتْ بَعْضُ الْوَشَاةِ بِهِ
مِنْ نَمِيمِ الْغَيِّ فِي سَنَنِ
صَرَفُوهُ عَنْ طَبِيعَتِهِ
وَعِنَانُ الْقَلْبِ فِي الأُذُنِ
وَقَرِينُ السُّوءِ مَجْلَبَةٌ
لِدَواعِي الْهَمِّ وَالْمِحَنِ
فَاتْرُكِ الدُّنْيَا فَلَسْتَ تَرَى
صَاحِبًا إِلَّا عَلَى دَخَنِ
مَنْ جَرَى فِي غَيْرِ حَلْبَتِهِ
كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الظَّنَنِ

وَقَالَ: (من الوافر)

أَطَعْتُ الْغَيَّ فِي حُبِّ الْغَوَانِي
وَلَمْ أَحْفِلْ مَقَالَةَ مَنْ نَهَانِي
وَمَا لِي لا أَهِيمُ وَكُلُّ شَهْمٍ
بِحُبِّ الْغِيدِ مَشْغُوفُ الْجَنَانِ
وَلِي فِي الأَرْبَعِينَ مَجَالُ لَهْوٍ
تَنَالُ يَدِي بِهِ عَقْدَ الرِّهَانِ
فَكَيْفَ أَذُودُ عَنْ نَفْسِي غَرَامًا
تَضَيَّفَ مُهْجَتِي بِاسْمِ الحِسَانِ
أَبَحْتُ لَهُ الْفُؤَادَ فَعَاثَ فِيهِ
وَحَقُّ الضَّيْفِ إِعْزَازُ الْمَكَانِ
فَدَعْنِي مِنْ مَلامِكَ إِنَّ قَلْبِي
أَبِيٌّ لا يَقُرُّ عَلَى الْهَوَانِ
فَمَا بِالْحُبِّ عَارٌ أَتَّقِيهِ
وَإِنْ أَخْنَى عَلَى دَمْعِي زَمَانِي
رَضِيتُ مِنَ الْهَوَى بِنُحُولِ جِسْمِي
وَمِنْ صِلَةِ الْبَخِيلَةِ بِالأَمَانِي
وَلَسْتُ بِطَالِبٍ فِي النَّاسِ خِلًّا
يُنَاصِحُنِي فَعَقْلِي قَدْ كَفَانِي
فَإِنْ يَكُنِ الْهَوَى قَدْ رَاضَ نَفْسِي
فَلَسْتُ لِغَيْرِهِ سَلِسَ الْعِنَانِ
أَشَدُّ مِنَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَلْبِي
وَأَرْهَفُ مِنْ شَبَا سَيْفِي لِسَانِي
وَلَوْ كَانَ الْغَرَامُ يَخَافُ بَأْسًا
أَمَلْتُ إِلَيْهِ كَفِّي بِالسِّنَانِ
فَكَمْ بَطَلٍ خَضَبْتُ الأَرْضَ مِنْهُ
بِأَحْمَرَ مِنْ دَمِ التَّأْمُورِ قَانِي
وَمَا أَنَا بِالذَّلِيلِ أَرَدْتُ خَتْلًا
وَلَكِنِّي أَزِفُّ إِلَى الطِّعَانِ
وَلِي فِي «سَرْنَسُوفَ» مَقَامُ صِدْقٍ
أَقَرَّ بِهِ إِلَيَّ الْخَافِقَانِ
وَمَا أَبْقَتْ بِهِ الأَشْوَاقُ مِنِّي
سِوَى رَمَقٍ تَجُولُ بِهِ الأَمَانِي
وَيَسْلُبُ أَنْفُسَ الأَبْطَالِ سَيْفِي
وَتَسْلُبُ مُهْجَتِي حَدَقُ الْحِسَانِ
فَلَوْ بَرَزَ الْحِمَامُ إِلَيَّ شَخْصًا
دَلَفْتُ إِلَيْهِ بِالسَّيْفِ الْيَمَانِي

وَقَالَ يَرْثِي المرحومَ عَلِيَّ رِفَاعَةَ بَاشَا: (من الطويل)

نَعَاءِ عَلَيْهِ أَيُّهَا الثَّقَلانِ
فَقَدْ أَقْصَدَتْهُ أَسْهُمُ الْحَدَثَانِ
مَضَى وَأَقَمْنَا بَعْدَهُ فِي مَأْتَمٍ
عَلَى الْفَضْلِ نَبْكِيهِ بِأَحْمَرَ قَانِي
فَلا عَيْنَ إِلَّا وَهْيَ بِالدَّمْعِ ثَرَّةٌ
وَلا قَلْبَ إلَّا وَهْوَ ذُو خَفَقَانِ
حِفَاظًا وَإِشْفَاقًا عَلَى مُتَرَحِّلٍ
خَلَتْ أَرْبُعٌ مِنْ شَخْصِهِ وَمَغَانِي
فَقَدْنَاهُ فِقْدَانَ الظِّمَاءِ شَرَابَهُمْ
بِدَيْمُومَةٍ وَالْوِرْدُ لَيْسَ بِدَانِي
فَيَا لِلْعُلَا كَيْفَ اسْتُبِيحَ ذِمَارُهَا
وَلِلْفَضْلِ إِذْ يُرْمَى بِهِ الرَّجَوانِ؟!
لَعَمْرِي لَقَدْ هَاجَ الأَسَى بَعْدَ فَقْدِهِ
بِنَا لَوْعَةً لا تَنْثَنِي بِعِنَانِ
ضَمَانٌ عَلَى قَلْبِي صِيَانَةُ عَهْدِهِ
وَمَا خَيْرُ قَلْبٍ لا يَفِي بِضَمَانِ
تَخَلَّى عَنِ الدُّنْيَا وَأَبْقَى مَآثِرًا
يُقِرُّ لَهَا بِالْفَضْلِ كُلُّ لِسَانِ
فَإِنْ يَكُ أَوْدَى فَهْوَ حَيٌّ بِفَضْلِهِ
وَمَنْ كَانَ مَذْكُورًا فَلَيْسَ بِفَانِي
وَأَيُّ امْرِئٍ يَبْقَى وَدُونَ بَقَائِهِ
نَهَارٌ وَلَيْلٌ بِالرَّدَى يَفِدَانِ
أَلا قَاتَلَ اللهُ الْحَيَاةَ فَإِنَّهَا
إِلَى الْمَوْتِ أَدْنَى مِنْ فَمٍ لِبَنَانِ
إِذَا مَا بَنَانَا الدَّهْرُ ظَلَّتْ صُرُوفُهُ
تُهَدِّمُنَا وَالدَّهْرُ أَغْدَرُ بَانِي
تُخَادِعُنَا الدُّنْيَا فَنَلْهُو وَلَمْ نَخَلْ
بِأَنَّ الرَّدَى حَتْمٌ عَلَى الْحَيَوَانِ
إِذَا مَا الأَبُ الأَعْلَى مَضَى لِسَبِيلِهِ
فَمَا لِبَنِيهِ بِالْبَقَاءِ يَدَانِ
لَقَدْ فَجَعَتْنَا أُمُّ دَفْرٍ وَمَا دَرَتْ
بِأَرْوَعَ مِنْ نَسْلِ النَّبِيِّ هِجَانِ
سَلِيمُ نَوَاحِي الصَّدْرِ لا يَسْتَفِزُّهُ
نِزَاعٌ إِلَى الْبَغْضَاءِ وَالشَّنَآنِ
يُعَاشِرُ بِالْحُسْنَى فَإِنْ رِيبَ لَمْ يَفُهْ
بِسُوءٍ وَلَمْ تَرْمِزْ لَهُ شَفَتَانِ
لَقَدْ كَانَ خِلًّا لا يُشَانُ بَغَدْرَةٍ
وَصَاحِبَ غَيْبٍ طَاهِرٍ وَعِيَانِ
إِذَا قَالَ كَانَ الْقَوْلُ عُنْوَانَ فِعْلِهِ
وَيَا رُبَّ قَوْلٍ نَافِذٍ كَسِنَانِ
خِلالٌ يَفُوحُ الْمِسْكُ عَنْهَا مُحَدِّثًا
وَيُثْنِي عَلَى آثَارِهَا الْمَلَوَانِ
فَلا غَرْوَ أَنْ تَدْمَى الْعُيُونُ أَسَافَةً
عَلَيْكَ وَيَرْعَى الْحُزْنُ كُلَّ جَنَانِ
فَأَنْتَ ابْنُ مَنْ أَحْيَا الْبِلادَ بِعِلْمِهِ
وَأَبْقَى لَهُ ذِكْرًا بِكُلِّ مَكَانِ
أَفَادَ بَنِي الأَوْطَانِ فَضْلًا سَمَوْا بِهِ
إِلَى هَضَبَاتٍ فِي الْعُلا وَقِنَانِ
وَأَنْتَ ابْنُهُ وَالْفَرْعُ يَتْبَعُ أَصْلَهُ
وَمَا مِنْكُمَا إِلَّا جَوَادُ رِهَانِ
هُوَ الأَوَّلُ السَّبَّاقُ فِي كُلِّ حَلْبَةٍ
وَأَنْتَ لَهُ دُونَ الْبَرِيَّةِ ثَانِي
فَيَا رَحْمَةَ اللَّهِ اسْتَهِلِّي عَلَيْهِمَا
بِسَجْلَيْنِ لِلرِّضْوَانِ يَنْهَمِلانِ
وَعُمِّي قُبُورَ الْعَالَمِينَ كَرَامَةً
لِقَبْرَيْنِ بِالْبَطْحَاءِ يَلْتَقِيَانِ
عَلَيْكَ سَلامُ اللَّهِ مِنِّي تَحِيَّةٌ
يُوَافِيكَ فِي خُلْدٍ بِهَا الْمَلَكَانِ

وَقَالَ فِي الزُّهْدِ: (من الخفيف)

أَيُّ شَيْءٍ يَبْقَى عَلَى الْحَدَثَانِ؟
وَالْمَنَايَا خَصِيمَةُ الْحَيَوَانِ
قَدْ بَلَوْنَا كَيْدَ الزَّمَانِ وَلَكِنْ
شَغَلَتْنَا عَنْهُ ضُرُوبُ الأَمَانِي
فَلَكٌ لا يَزَالُ يَجْرِي عَلَى النَّا
سِ بِضِدَّيْنِ مِنْ عُلًا وَهَوَانِ
فَهْوَ طَوْرًا يَكُونُ كَالْوَالِدِ الْبـ
ـرِ وَطَوْرًا كَالنَّاقِمِ الْغَضْبَانِ
لَيْسَ يُبْقِي عَلَى وَلِيدٍ وَلا كَهـ
ـلٍ وَلا سُوقَةٍ وَلا سُلْطَانِ
كَيْفَ يَرْجُو الإِنْسَانُ فِيهِ خُلُودًا
بَعْدَ مَا قَدْ مَضَى أَبُو الإِنْسَانِ
أَيْنَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مُنْذُ دَارَتْ
كُرَةُ الأَرْضِ وَهْيَ ذَاتُ دُخَانِ
أُمَمٌ أَخْلَدَتْ إِلَى الدَّهْرِ حِينًا
ثُمَّ ضَاعَتْ فِي لُجَّةِ النِّسْيَانِ
حَصَدَتْهَا يَدُ الْمَنُونِ فَصَارَتْ
خَبَرًا فِي الوُجُودِ بَعْدَ عِيَانِ
فَتَرَسَّمْ مَعَالِمَ الأَرْضِ وَاسْأَلْ
فَعَسَى أَنْ يُجِيبَكَ الْهَرَمَانِ
أَثَرٌ دَلَّ صُنْعُهُ أَنَّ «هُرْمِيـ
ـسَ» بَنَاهُ مِنْ أَبْدَعِ الْبُنْيَانِ
خَافَ ضَيْعَ الْعُلُومِ حِينَ أَتَتْهُ
بَيِّنَاتٌ دَلَّتْ عَلَى الطُّوفَانِ
فَبَنَاهُ مِنَ الصُّخُورِ اللَّوَاتِي
جَلَبَتْهَا الْقُيُونُ مِنْ أُسْوَانِ
طَبَقَاتٌ فِي جَوْفِهَا حُجُرَاتٌ
ضُمِّنَتْ كُلَّ حِكْمَةٍ وَبَيَانِ
بَقِيَتْ بَعْدَ صَانِعِيهَا فَكَانَتْ
أَثَرًا نَاطِقًا بِغَيْرِ لِسَانِ
سَوْفَ تَبْلَى مِنْ بَعْدِ حِينٍ وَيُمْحَى
ذِكْرُ هُرْمِيسَ مِنْ سِجِلِّ الزَّمَانِ
إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ غُرُورٌ
تَنْقَضِي بِالشَّقَاءِ وَالْحِرْمَانِ
لَيْسَ فِيهَا سِوَى خَيَالاتِ وَهْمٍ
تَمْتَرِيهَا قَرَائِحُ الأَذْهَانِ
خَطَرَاتٌ قَدْ ضَمَّنُوهَا كَلامًا
فَلْسَفِيًّا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَعَانِي
كُلُّ حَيٍّ يَظُنُّ أَمْرًا وَلَكِنْ
أَيْنَ مِنْهُ مَحَجَّةُ الْبُرْهَانِ
قَدْ عَرَفْنَا مَا كَانَ مِنَّا قَرِيبًا
وَجَهِلْنَا مَا لا تَرَى الْعَيْنَانِ
فَدَعِ الْقَوْلَ فِي التَّفَلْسُفِ وَاخْضَعْ
لِجَلالِ الْمُهَيْمِنِ الدَّيَّانِ
أَنَا يَا دَهْرُ عَالِمٌ بِمَصِيرِي
فِيكَ لَكِنَّنِي جَمُوحُ الْعِنَانِ
قَدْ تَمَادَيْتُ فِي الْغَوَايَةِ حَتَّى
كَبَحَ الدَّهْرُ شِرَّتِي وَثَنَانِي

وَقَالَ يَصِفُ لَيْلَةَ أُنْسٍ: (من الخفيف)

لاعَبَ السُّكْرُ قَدَّهُ فَتَثَنَّى
وَدَعَاهُ فَرْطُ السُّرُورِ فَغَنَّى
رَشَأٌ تَعْبُدُ النَّوَاظِرُ مِنْهُ
وَاحِدًا فِي الْجَمَالِ لَيْسَ يُثَنَّى
أَنْبَتَ الْحُسْنُ فَوْقَ خَدَّيْهِ وَرْدًا
لَيْسَ إِلَّا بِغَمْزَةِ اللَّحْظِ يُجْنَى
لَمْ يَزَلْ يَرْضَعُ السُّلافَةَ حَتَّى
غَابَ عَنَّا كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَّا
فَأَنَمْنَاهُ فَوْقَ مَهْدٍ وَثِيرٍ
بُرْهَةً كَيْ يُفِيقَ ثُمَّ انْصَرَفْنَا
فَلَبِثْنَا هُنَيْهَةً ثُمَّ لَمَّا
خَفَّ مِنْ سُكْرِهِ وَأَقْبَلَ قُمْنَا
وَأَدَرْنَا الْكُئُوسَ حَتَّى تَوَلَّتْ
أنْجُمُ اللَّيْلِ مِنْ أُحَادَ وَمَثْنَى
يَا لَهَا لَيْلَةٌ أَبَحْنَا بِهَا اللَّهـ
ـوَ إِلَى وَرْدَةِ الْغَدَاةِ وَتُبْنَا

وَقَالَ فِي مُدَارَاةِ الصَّدِيقِ: (من البسيط)

دَارِ الصَّدِيقَ وَلا تَأْمَنْ بَوَادِرَهُ
فَرُبَّمَا عَادَ بَعْدَ الصِّدْقِ خَوَّانَا
يُفْضِي بِسِرِّكَ أَوْ يَسْعَى بِأَمْرِكَ أَوْ
يَقُولُ عَنْكَ حَدِيثَ السُّوءِ بُهْتَانَا
فَإِنْ تَنَصَّلْتَ قَالُوا فِيكَ مَعْرِفَةً
تَنْفِي الْمِرَاءَ مَعَ الْوُدِّ الَّذِي كَانَا
وَأَكْثَرُ الْخَلْقِ مَطْبُوعٌ عَلَى ظِنَنٍ
تَقْضِي عَلَيْهِ بِلَبْسِ الْحَقِّ أَحْيَانَا
وَقَلَّ فِي النَّاسِ مَنْ جَرَّبْتُهُ فَرَأَى
بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْبُهْتَانِ فُرْقَانَا

وَقالَ فِي لُزُومِ الاحْتِرَاسِ مِنَ الْعَدُوِّ: (من الرجز)

لا تَخْشَ بُؤْسًا مِنْ عَدُوٍّ ظَاهِرٍ
وَاخْشَ الْمَكِيدَةَ مِنْ عَدُوٍّ بَاطِنِ
كَمْ بَيْنَ شَرٍّ ظَاهِرٍ مُسْتَدْرَكٍ
مِنْهُ الْخَلاصُ وَبَيْنَ شَرٍّ بَاطِنِ

وَقَالَ يُعَاتِبُ: (من البسيط)

قَدْ عَاقَنِي الشَّكُّ فِي أَمْرٍ أَضَعْتُ لَهُ
عَزِيمَةَ الرَّأْيِ حَتَّى ضَاقَ كِتْمَانِي
أَوْلَيْتَنِي مِنْكَ وُدًّا قَبْلَ مَعْرِفَةٍ
ثُمَّ انْثَنَيْتَ بِصَدٍّ قَبْلَ إِعْلانِ
فَسَرَّنِي مِنْكَ مَا قَدَّمْتَ مُبْتَدَأً
وَسَاءَنِي مِنْكَ مَا أَخَّرْتَ فِي الثَّانِي
فَإِنْ يَكُنْ سُوءُ رَأْيٍ أَوْ مَلالُ هَوًى
فَإِنَّ كِلْتَيْهِمَا فِي الْقُبْحِ سِيَّانِ
فاكْشِفْ لَنَا عَنْ قِنَاعِ الشَّكِّ نَحْيَ بِهِ
إِمَّا وِصَالًا وَإِمَّا مَحْضَ هِجْرَانِ

وَقَالَ: (من الخفيف)

أَوَّلُ النَّفْسِ نُطْفَةٌ أَخْلَصَتْهَا
شَهْوَةٌ صَاغَهَا مِزَاجٌ دَفِينُ
قَذَفَتْهَا إِلَى الْبُطُونِ ظُهُورٌ
وَحَوَتْهَا بَعْدَ الظُّهُورِ بُطُونُ
ثُمَّ أَرْسَى بِهَا هُبُوطٌ يَلِيهِ
حَرَكَاتٌ مِنْ بَعْدِهِنَّ سُكُونُ
فَهْيَ طَوْرًا تَكُونُ فِي عَالَمِ الْغَيـ
ـبِ وَطَوْرًا فِي مِثْلِ ذَاكَ تَكُونُ
مُبْتَدَاهَا وَمُنْتَهَاهَا سَوَاءٌ
وَهْيَ مَا بَيْنَ ذَاكَ حَيٌّ مَهِينُ
فَعَلامَ الْبُكَاءُ فِي إِثْرِ دَارٍ
بِالرَّزَايَا فَنَاؤُهَا مَشْحُونُ؟
تَتَفَانَى الرِّجَالُ حِرْصًا عَلَيْهَا
وَهْوَ حِرْصٌ أَدَّى إِلَيْهِ الْجُنُونُ
حَارَ فِيهَا «أَرِسْطَطَالِيسُ» قِدْمًا
وَنَعَاهَا الْحَكِيمُ «أَفْلاطُونُ»

وَقَالَ: (من الوافر)

وَمَلْمَسِ عِفَّةٍ قَدْ نِلْتُ مِنْهُ
بِأَيْدِي اللَّهْوِ مَا شَاءَ التَّمَنِّي
مَلَكْتُ بِهِ عِنَانَ الشَّوْقِ حَتَّى
قَضَيْتُ لُبَانَتِي وَأَرَحْتُ ظَنِّي
فَلا تَسْأَلْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ
وَلا تَسْأَلْ عَلَى مَا كَانَ مِنِّي
فَلَوْلا أَنَّ جُنْدَ الصُّبْحِ وَافَتْ
طَلائِعُهُ وَزَالَ اللَّيْلُ عَنِّي
لَدُمْتُ عَلَى مُعَاقَرَةِ الأَمَانِي
وَلَكِنْ رُبَّمَا عَاوَدْتُ فَنِّي

وَقَالَ يَتَشَوَّقُ إلى إِلْفٍ لَهُ: (من البسيط)

يَا رَاحِلًا غَابَ صَبْرِي بَعْدَ فُرْقَتِهِ
وَأَصْبَحَتْ أَسْهُمُ الأشْوَاقِ تُصْمِينِي
إِنْ كَانَ يُرْضِيكَ مَا أَلْقَاهُ مِنْ كَمَدٍ
فِي الْحُبِّ مُذْ غِبْتَ عَنِّي فَهْوَ يُرْضِينِي
لَمْ أَلْقَ بَعْدَكَ يَوْمًا أَسْتَبِينُ بِهِ
وَجْهَ الْمَسَرَّةِ إِلَّا ظَلَّ يُبْكِينِي
قَدْ كُنْتُ لا أَكْتَفِي بِالشَّمْلِ مُجْتَمِعًا
فَالْيَوْمَ نَظْرَةُ عَيْنٍ مِنْكَ تَكْفِينِي

وَقَالَ: (من الخفيف)

إِنَّ لِي صَاحِبًا وَلا بُدَّ مِنْهُ
قَلَّ صَبْرِي بِهِ وَزَادَتْ شُجُونِي
أَحْمَقٌ لا يَكَادُ يَفْقَهُ قَوْلًا
مِنْ حَدِيثٍ وَالْحُمْقُ نِصْفُ الْجُنُونِ

وَقَالَ: (من البسيط)

إِذَا أَتَاكَ خَلِيلٌ بَعْدَ مَنْدَمَةٍ
مِنْهُ عَلَى مَا مَضَى مِنْ زَلَّةٍ فَهُنِ
وَإِنْ صَفَحْتَ فَلا تَعْرِضْ بِمَعْتَبَةٍ
فَالْعَتْبُ يُفْسِدُ مَا قَدَّمْتَ مِنْ حَسَنِ

وَقَالَ: (من مجزوء البسيط)

أَحْبِبْ وَأَبْغِضْ وَقُلْ بِحَقٍّ
وَلا تُسَاهِلْ وَلا تُخَاشِنْ
فَالْحُبُّ يُعْمِي عَنِ الْمَسَاوِي
وَالْبُغْضُ يُعْمِي عَنِ الْمَحَاسِنْ

وَقَالَ: (من الكامل)

لا تَعْكُفَنَّ عَلَى الْمُدَامِ بِغَيْرِ مَا
صَوْتٍ يَهِيجُ بِلَحْنِهِ النَّدْمَانَا
إِنَّ الْغِنَاءَ سَرِيرَةٌ فِي النَّفْسِ قَدْ
ضَاقَتْ بِهَا فَتَفَجَّرَتْ أَلْحَانَا

وَقَالَ: (من البسيط)

خَفِّضْ عَلَيْكَ وَلا تَجْزَعْ لِنَائِبَةٍ
فَالدَّهْرُ يَعْتَرُّ بِالإِنْسَانِ أَحْيَانَا
فَكُلُّ نَاءٍ قَرِيبٌ إِنْ صَبَرْتَ لَهُ
وَكُلُّ صَعْبٍ إِذَا قَاوَمْتَهْ هَانَا

وَقَالَ فِي النَّمَّامِ: (من البسيط)

لا تَرْكَنَنَّ إِلَى النَّمَّامِ إِنَّ لَهُ
خَدْعًا يُفَرِّقُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْبَدَنِ
لَوْ لَمْ تَكُنْ قِصَّةُ النَّمَّامِ كَاذِبَةً
مَا كَانَ يَسْتُرُهَا عَنْ مَعْرِضِ الْعَلَنِ

وَقَالَ: (من الوافر)

وَذِي وَجْهَيْنِ تَلْقَاهُ طَلِيقًا
مُحَيَّاهُ وَبَاطِنُهُ حَزِينُ
يُعَاطِيكَ الْمُنَى بِلَحَاظِ رِيمٍ
وَبَيْنَ ضُلُوعِهِ ضَبٌّ كَمِينُ

وَقَالَ يَهْجُو: (من الطويل)

حَوَيْتَ مِنَ السَّوْءَاتِ مَا لَوْ طَرَحْتَهُ
عَلَى الشَّمْسِ لَمْ تَطْلُعْ بِكُلِّ مَكَانِ
وَمَا تَرَكَ الهَاجُونَ فِيكَ بَقِيَّةً
يَدُورُ عَلَيْهَا في الْهِجَاءِ لِسَانِي

وَقَالَ: (من الوافر)

إِذَا مَا الْمَرْءُ أَعْقَبَ ثُمَّ أَوْدَى
تَعَادَلَ فَهْوَ مَوْجُودٌ وَفَانِي
وَمَا الدُّنْيَا سِوَى أَخْذٍ وَرَدٍّ
وَهَدْمٍ نَابَ عَنْه بِنَاءُ بَانِي

وَقَالَ: (من الوافر)

كَتَمْتُ هَوَاكِ حَتَّى لَيْسَ يَدْرِي
لِسَانِي مَا تَضَمَّنَهُ جَنَانِي
وَلِي بَيْنَ الْجَوَانِحِ مِنْكِ سِرٌّ
خَفِيٌّ لا يَعِيهِ الْكَاتِبَانِ
وَكَيْفَ يَخُطُّهُ الْمَلَكَانِ عَنِّي
وَلَمْ يَنْطِقْ بِغَامِضِهِ لِسَانِي

وَهُوَ يَنْقُضُ بِهَا قَوْلَ الصَّابِئ: (من الطويل)

يَمُوتُ مَعِي سِرُّ الصَّدِيق وَلَحْدُهُ
ضَمِيرٌ لَهُ الْجَنْبَانِ مَكْتَنِفَانِ
وَأُسْأَلُ يَوْمَ الْبَعْثِ عَنْ كُلِّ مَا وَعَى
سَمَاعٌ وَمَا فَاهَتْ بِهِ شَفَتَانِ
فَأُنْكِرُهُ مِنْ بَيْنِ مَا فِي صَحِيفَتِي
وَأَجْحَدُهُ إِذْ يَشْهَدُ الْمَلَكَانِ
وَذَنْبِيَ فِي ذَا الْجَحْدِ أَيْسَرُ مَحْمَلًا
مِنَ الذَّنْبِ فِي إِفْشَائِهِ بِلِسَانِي

وَقَالَ: (من الكامل)

عَرَفَ الْهَوَى في نَظْرَتِي فَنَهَانِي
خِلٌّ رَعَيْتُ وِدَادَهُ فَرَعَانِي
أَخْفَيْتُ عَنْهُ سَرِيرَتِي فَوَشَى بِهَا
دَمْعٌ أَبَاحَ لَهُ حِمَى كِتْمَانِي
فَبِأَيِّ مَعْذِرَةٍ أُكَذِّبُ لَوْعَةً
شَهِدَتْ بِهَا الْعَبَرَاتُ مِنْ أَجْفَانِي
يَا صَاحِ لا أَبْصَرْتَ مَا صَنَعَ الْهَوَى
بِأَخِيكَ يَوْمَ تَفَرُّقِ الأَظْعَانِ
يَوْمٌ فَقَدْتُ الْحِلْمَ فيهِ وَشَفَّنِي
وَلَهٌ أَصَابَ جَوَانِحِي فَرَمَانِي
فَعَلَيْكَ مِنْ قَلْبِي السَّلامُ فَإِنَّهُ
تَبِعَ الْهَوَى فَمَضَى بِغَيْرِ عِنَانِ
هَيْهَاتَ يَرْجِعُ بَعْدَ مَا عَلِقَتْ بِهِ
لَحَظَاتُ ذَاكَ الشَّادِنِ الْفَتَّانِ
وَعَلَى الرَّحَائِلِ نِسْوَةٌ عَرَبِيَّةٌ
يَخْدَعْنَ لُبَّ الْحَازِمِ الْيَقْظَانِ
أَغْوَيْنَنِي فَتَبِعْتُ شَيْطَانَ الْهَوَى
إِنَّ النِّسَاءَ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ
مَا كُنْتُ أَعْلَمُ قَبْلَ بَادِرَةِ النَّوَى
أَنَّ الأُسُودَ فَرَائِسُ الْغِزْلانِ
رَحَلُوا فَأَيَّةُ عَبْرَةٍ مَسْفُوحَةٍ
وَيَدٍ تَضُمُّ حَشًا مِنَ الْخَفَقَانِ
وَلَقَدْ حَنَنْتُ لِبَارِقٍ شَخَصَتْ لَهُ
مِنَّا الْعُيُونُ بِأَبْرَقِ الْحَنَّانِ
يَسْتَنُّ فِي عُرْضِ الْغَمَامِ كَأَنَّهُ
لَهَبٌ تَرَدَّدَ فِي سَمَاءِ دُخَانِ
فَانْظُرْ لَعَلَّكَ تَسْتَبِينُ رِكَابَهُ
طَوْعَ الرِّيَاحِ يُصِيبُ أَيَّ مَكَانِ
فَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ الشُّعُوبُ وَتَلْتَقِي
هُدْبُ الْخُدُورِ عَلَى غُصُونِ الْبَانِ
فَاخْلَعَ عِذَارَكَ وَاغْتَنِمْ زَمَنَ الصِّبَا
قَبْلَ الْمَشِيبِ فَكُلُّ شَيْءٍ فَانِي

وَقَالَ: (من الرمل)

سَلْ حَمَامَ الأَيْكِ عَنِّي
إِنَّهُ أَدْرَى بِحُزْنِي
نَحْنُ فِي الْحُبِّ سَوَاءٌ
كُلُّنَا يَبْكِي لِغُصْنِ
غَيْرَ أَنَّ الْوَجْدَ مِنْهُ
لَيْسَ مِثْلَ الْوَجْدِ مِنِّي
أَنَا أَبْكِي مِنْ غَرَامِي
وَهْوَ فِي الْغُصْنِ يُغَنِّي
وَهْوَ بِالدَّمْعِ بَخِيلٌ
وَدُموعي مِلْءُ عَيْنِي
لَسْتَ فِي الصَّبْوَةِ مِثْلِي
فَانْصَرِفْ يَا طَيْرُ عنِّي

وَقَالَ: (من الكامل)

ذَكَرَ الصِّبَا فَبَكَى وَلاتَ أَوَانِ
مِنْ بَعْدِ مَا وَلَّى بِهِ الْمَلَوَانِ
هَيْهَاتَ يَرْجِعُ فَائِتٌ لَعِبَتْ بِهِ
عُصُرٌ أَوَائِلُ أُرْدِفَتْ بِثَوَانِي
هَوِّنْ عَلَيْكَ فَكُلُّ شَيْءٍ ذَاهِبٌ
وَالدَّهْرُ مَصْدَرُ عِزَّةٍ وَهَوَانِ
وَاحْذَرْ مِنَ الدُّنْيَا إِذَا هِيَ أَقْبَلَتْ
بِالْبِشْرِ فَهْيَ كَثِيرَةُ الألْوَانِ
وَدَعِ التَّعَلُّقَ بِالْمُحَالِ فَمَنْ يَعِشْ
فِي غِبْطَةٍ يُرْمَى بِهِ الرَّجَوَانِ
لا تَأْمُلَنَّ بِكُلِّ عَامٍ مُقْبِلٍ
خَيْرًا فَكُلُّ الدَّهْرِ عَامُ جِوَانِ
وَالدَّهْرُ أَيَّامٌ تُبِيدُ صُرُوفُهَا
وَتُشِيدُ فَهْيَ هَوَادِمٌ وَبَوَانِي
أَنَّى يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ شَرَكِ الرَّدَى
وَالْمَوْتُ مَقْدُورٌ عَلَى الْحَيَوَانِ

وَقَالَ فِي الزُّهْدِ: (من البسيط)

مَا أَطْيَبَ الْعَيْشَ لَوْلا أَنَّهُ فَانِي
تَبْلَى النُّفُوسُ وَلا يَبْلَى الْجَدِيدَانِ
قَدْ كُنْتُ فِي غِرَّةٍ حَتَّى إِذَا انْقَشَعَتْ
أَبْقَتْ تَبَارِيحَ لا تَنْفَكُّ تَغْشَانِي
وَشَيْبَةً كَلِسَانِ الْفَجْرِ نَاطِقَةً
بِمَا طَوَاهُ عِنِ الإِفْشَاءِ كِتْمَانِي
أَضْحَتْ قَذًى لِعُيُونِ الْغَانِيَاتِ وَقَدْ
كَانَتْ حِبَالَةَ أَبْصَارٍ وَأَذْهَانِ
كَأَنَّنِي لَمْ أَقُدْ شَعْوَاءَ جَافِلَةً
وَلَمْ أَبِتْ بَيْنَ دَارَاتٍ وَنِدْمَانِ
وَلَمْ أَقُمْ فِي مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ
شَتَّى الْهَوَى غَيْرَ رِعْدِيدٍ وَلا وَانِي
فَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ لا سَيْفِي بمُنْصَلِتٍ
عَلَى الْعَدُوِّ وَلا قَوْسِي بِمِرْنَانِ
لا أَذْكُرُ اللَّهْوَ إِلَّا أَنْ تُذَكِّرَنِي
وَرْقَاءُ تَدْعُو هَدِيلًا بَيْنَ أَغْصَانِ
إِنَّ الثَّلاثِينَ وَالْخَمْسَ الَّتِي عَرَضَتْ
ثَنَتْ قُوَايَ وَفَلَّتْ غَرْبَ أَشْجَانِي
وَخَلَّفَتْنِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ طَرَبٍ
بَادِي الأَسَافَةِ فِي قَوْمِي وَجِيرَانِي
وَكَانَ يَحْزُنُنِي شَيْبِي فَصِرْتُ أَرَى
أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْلَى يِإِحْزَانِي
وَهَوَّنَ الأَمْرَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ فَتَى
وَإِنْ تَمَلَّأَ مِنْ مَاءِ الصِّبَا فَانِي
يَا نَفْسُ لا تَذْهَبِي يَأْسًا بِمَا كَسَبَتْ
يداكِ فَاللهُ ذُو مَنٍّ وَغُفْرَانِ
يَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ حَتَّى يَسْتَوِي كَرَمًا
لَدَيْهِ ذُو الْعَمَلِ الْمَبْرُورِ وَالْجَانِي
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الأَفْلاكَ دَائِرَةً
وَصَوَّرَ الْخَلْقَ مِنْ إِنْسٍ وَمِنْ جَانِ
وَقَدَّرَ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي مَنَازِلِهَا
وَالنَّجْمَ وَالْقَمَرَ السَّارِي بِحُسْبَانِ
وَأَرْسَلَ الْغَيْثَ أَرْسَالًا بِرَحْمَتِهِ
وَأَنْبَتَ الأَرْضَ مِنْ حَبٍّ وَرَيْحَانِ
سُبْحَانَهُ جَلَّ عَنْ وَصْفٍ يُحِيطُ بِهِ
وَكَيْفَ يُدْرِكُ وَصْفَ الدَّائِمِ الْفَانِي
لَقَدْ تَفَرَّدَ فِي لاهُوتِ قُدْرَتِهِ
فَمَا لَهُ أَبَدًا فِي مُلْكِهِ ثَانِي
وإِنَّمَا نَحْنُ نُطْرِيهِ كَمَا سَبَقَتْ
بِهٍ الإِرَادَةُ مِنْ وَصْفٍ وَتِبْيَانِ
كُلٌّ يَقُولُ عَلَى مِقْدَارِ فِطْنَتِه
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْقَاصِي وَبِالدَّانِي
تَبَارَكَ اللَّهُ عَمَّا قِيلَ وابْتُدِعَتْ
فِي ذَاتِهِ مِنْ أَضَالِيلٍ وَبُهْتَانِ
قَدْ لَفَّقُوهَا أَسَاطِيرًا مُحَبَّرَةً
بِحِكْمَةٍ ذَاتِ أَشْكَالٍ وَأَلْوَانِ
كَأَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا طُرْفَةً عَجَبًا
أَوْ جَاءَهُمْ نَبَأٌ صِدْقٌ بِبُرْهَانِ
وَلَوْ تَكَشَّفَ هَذَا الأَمْرُ لارْتَدَعَت
مَعَاشِرٌ خَلَطُوا كُفْرًا بِإِيمَانِ
يَا رَبِّ إِنَّكَ ذُو مَنٍّ وَمَغْفِرَةٍ
فَاسْتُرْ بِعَفْوِكَ زَلَّاتِي وَعِصْيَانِي
وَلا تَكِلْنِي إِلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلِي
فَإِنَّهُ سَبَبٌ يُفْضِي لِحِرْمَانِي

وَقَالَ: (من مجزوء الرمل)

اُتْرُكِ الدُّنْيَا فَلَسْتَ تَرَى
صَاحِبًا فِي الْوُدِّ لَمْ يَخُنِ
وَاجْتَنِبْ مَنْ لا تُشَاكِلُهُ
تَنْجُ مِنْ غَدْرٍ وَمِنْ غَبَنِ
مَنْ جَرَى فِي غَيْرِ حَلْبَتِهِ
كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الظِّنَنِ

وَقَالَ: (من الخفيف)

كُنْ كَمَا شِئْتَ مِنْ رَشَادٍ وَغَيٍّ
كُلُّ حَيٍّ بِمَا جَنَاهُ رَهِينُ
كُلُّنَا لِلْفَنَاءِ أَوْ تَصْعَقَ الأَرْ
ضُ وَتَأْتِي بَعْدَ الشُّئُونِ شُئُونُ
يَسْتَفِزُّ الْحَلِيمَ رَوْنَقُهَا الْبَا
هِرُ حَتَّى يَخِفَّ وَهْوَ رَكِينُ
ذَهَبَا غَيْرَ ذُكْرَةٍ سَوْفَ تَفْنَى
بَعْدَ ضَنٍّ وَكُلُّ شَيْءٍ يَحِينُ
فَاحْتَقِبْ سِيرَةَ الْمَحَامِدِ فَالذِّكـ
ـرُ حَيَاةٌ لِمَنْ طَوَتْهُ الْمَنُونُ

وَقَالَ: (من مجزوء الرجز)

يا ذُكْرَةً أَبْصَرْتُ فِي
مِرْآتِهَا صُوَرَ التَّمَنِّي
خَطَرَتْ عَلَيَّ فَنَفَّرَتْ
طَيْرَ الْكَرَى مِنْ وَكْرِ جَفْنِي
عَلِقَتْ حِبَالَةُ خَاطِرِي
مِنْهَا بِمَكْحُولٍ أَغَنِّ
كَانَتْ مِثَالًا خَطَّهُ
بِمَخِيلَتِي نَقَّاشُ ذِهْنِي
هِيَ لُقْيَةٌ وَهْمِيَّةٌ
سَمَحَتْ بِهَا خَطَرَاتُ ظَنِّي

وَقَالَ: (من الكامل)

أَتُرَى الصِّبَا خَطَرَتْ بِوَادِي الْمُنْحَنَى
فَجَنَتْ عَبِيرَ الْمِسْكِ مِنْ ذَاكَ الْجَنَى
مَرَّتْ بِنَا طَفَلَ الْعَشِيِّ فَمَا دَرَى
أَحَدٌ بِسِرِّ ضَمِيرِهَا إِلَّا أَنَا
وَتَحَمَّلَتْ سِرَّ الْهَوَى فَتَرَدَّدَتْ
بِرَسَائِلِ الأَشْوَاقِ فِيمَا بَيْنَنَا
عَبِقَتْ غَلائِلُهَا بِنَشْرِ عَرَارَةٍ
بَدَوِيَّةٍ بِسِوَى الأَنَامِلِ تُجْتَنَى
تَحْمِي مَنَابِتَهَا قَسَاوِرُ غَارَةٍ
يَجِدُونَ صَعْبَ الْمَوْتِ خَطْبًا هَيِّنَا
مِنْ كُلِّ مُشْتَمِلٍ بِشُعْلَةِ صَارِمٍ
أَمْضَى مِنَ الأَجَلِ الْوَحِيِّ إذَا دَنَا
وَبِمَسْقَطِ الْعَلَمَيْنِ جُؤْذُرُ كِلَّةٍ
يُصْمِي بِنَظْرَتِهِ الأُسُودَ إِذَا رَنَا
صَنَعَ الْوُشَاةُ لَهُ حَدِيثًا كَاذِبًا
فَقَسَا عَلَيَّ وَكَانَ سَهْلًا لَيِّنَا
مَاذَا عَلَيْهِ وَلا أُرِيدُ مَلامَةً
لَوْ جَادَ مَعْهَا بِالتَّحِيَّةِ أَوْ كَنَى
إِنِّي لأَقْنَعُ مِنْ هَوَاهُ بِنَظْرَةٍ
تُرْوِي الْغَلِيلَ مِنَ الصَّدَى لَوْ أَمْكَنَا
أَخْنَى عَلَيَّ مَعَ الزَّمَانِ وَلَيْتَهُ
لَمَّا أَسَاءَ الدَّهْرُ صُنْعًا أَحْسَنَا
وَرَأَى الْمَشِيبَ تَلَوَّنَتْ أَلْوَانُهُ
فِي عَارِضَيَّ مِنَ الأَسَى فَتَلَوَّنَا
وَالْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا رَهِينُ حَوَادِثٍ
تُودِي بِجِدَّتِهِ وَتُلْبِسُهُ الضَّنَى
لَيْتَ الْمَشِيبَ تَأَخَّرَتْ أَيَّامُهُ
حَتَّى أَفْوزَ مِنَ الشَّبِيبَةِ بِالْمُنَى

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤