الدخول … في دائرة الإشعاع!

اصطدمَت الطلقة بالزجاج الأمامي للسيارة ثم ارتدَّت دون أن تؤثرَ فيه. قال «فهد»: يبدو أننا دخلنا منطقة خطرة!

قال «باسم»: لا أظن أننا اقتربنا من «مدينة الشر»!

كانت السيارة لا تزال مستمرة في انطلاقها دون أن تتوقَّف، وكان «أحمد» يفكِّر فيما حدث، قال «قيس»: إنها مسألة غريبة؛ فلم نسمع سوى طلقة واحدة بجوارنا ولم نرَ شيئًا …

فجأة، انهالَت الطلقات فوق السيارة، كان الشياطين يسمعون صوتَ اصطدامها بجسم السيارة. فقال «فهد»: يبدو أن الطلقة الأولى كانت للتحذير فقط، أو أنها كانت إنذارًا للآخرين!

كان الليل لا يزال يغمر المكان، ولم يكن يظهر أمام السيارة سوى الطريق الذي تُضيئه أنوارها. وكان لا يزال هناك بعض الوقت حتى يظهر الفجر، فجأةً قال «قيس»: احذر ما أمامك!

كان جذع شجرة ضخم قد سدَّ الطريق. أوقفَ «فهد» السيارة، وهو يقول: هل سقط وحده؟!

ردَّ «باسم»: لا أظن!

فجأةً، ظهرَت عدة بُقَع من الضوء من خلال الأشجار، تتحرك هنا وهناك … فقال «قيس»: إنهم يقتربون!

قال «أحمد»: استعدوا؛ فقد ندخل معركة غير متوقعة!

كانت عينَا «أحمد» تَعُدُّ بُقَعَ الضوء بسرعة، فعرف أن القادمين ثمانية، قال «فهد» في نفسه: إنها معركة مبكرة؛ فلا يزال الهدف بعيدًا، ولم نقترب من هضبة «ماتوجروسو»، لكن لا بأس، فيبدو أن «مدينة الشر» تبدأ مبكرًا …

كانت بُقَع الضوء تقترب أكثر فأكثر، وكان الشياطين يحاولون في الظلام رؤيةَ أيِّ شيء …

فجأةً، ظهر صوتٌ يقول: غادروا السيارة!

انتظر الشياطين، ولم يُغادروها مباشرة، فصرخ الصوت: غادروا السيارة!

نزل الشياطين في هدوء وحذر، وبدءوا يرَون حاملي الضوء، كانوا ثمانية كما عرف «أحمد» …

قال أوسطهم: مَن أنتم؟ وإلى أين؟

ردَّ «أحمد»: نحن مجموعة سياح، وفي طريقنا إلى الجبل.

قال الرجل: ليس هذا طريقًا سياحيًّا.

قال «أحمد» مبتسمًا: يبدو أننا ضللنا الطريق.

ردَّ الرجل: إذن، عودوا من حيث أتيتم!

مرَّت لحظة سريعة قبل أن يقول «أحمد»: هل نجدُ دليلًا يدلُّنا على الطريق؟

صمتَ الرجل، ولم ينطق على الفور، ثم قال: سوف يتقدَّمكم دليل.

نظر «أحمد» إلى الشياطين، وهمس: ادخلوا السيارة، واستعدوا.

ثم قال للرجل: أين نحن الآن؟

ردَّ الرجل: ليس من حقك أن تسأل!

همس «أحمد» للشياطين: استخدموا الإبر المخدرة.

ثم قال للرجل: هل نبعد كثيرًا عن الجبل؟

ردَّ الرجل: نعم، لا يزال أمامكم النهار بأكمله.

في لحظة، كان الشياطين قد أطلقوا مسدساتهم. لم تمضِ دقيقة حتى كان الرجال قد سقطوا على الأرض. قفز «أحمد» إلى السيارة، فانطلق «فهد» بها، وسأل «قيس»: هل هؤلاء من سكان المدينة؟

ردَّ «أحمد»: لا أظن، وأعتقد أنهم ممن يزرعون الأعشاب المخدرة!

كانت السيارة تَنْهَب الأرض، برغم أنها كانت أرضًا صعبة، بدأ الفجر يُغطِّي الوجود بلَونه الأزرق الهادئ.

فقال «باسم»: الآن، لن نتعرَّض لأيِّ مفاجأة.

كان الصباح رائعًا، وكان المنظر جميلًا؛ الأرض المرتفعة على جانبَي الطريق، تُغطِّيها أشجار البن، ووسطها يمرُّ الطريق، وكأنه خطٌّ أسود وسط مساحة خضراء. انتصف النهار، وأصبح الجو خارج السيارة، شديدَ الحرارة. لكن الشياطين لم يشعروا بالجو؛ فالسيارة مكيفة من جانب، بجوار ملابسهم الخاصة، وطوال الطريق، لم يظهر أحد؛ ولذلك قال «قيس»: إن «أحمد» على صواب؛ فهؤلاء الرجال الذين ظهروا في بداية الطريق، ليسوا من أهل «مدينة الشر».

عندما مالَت الشمس للمغيب أبطأ «فهد» من سرعة السيارة، وهو يقول: إننا نقترب الآن من هضبة «ماتوجروسو».

قال «أحمد»: انتظرْ إذن.

أوقف «فهد» السيارة، فأخرج «أحمد» خريطةً بسطَها الشياطين؛ كانت الخريطة خاصة ﺑ «مدينة الشر» …

مرَّ «أحمد» بأصبعه على تفاصيل الخريطة، كانت هناك بوابتان للمدينة؛ بوابة في شرق المدينة للدخول ولا يمكن الخروج منها، وبوابة في غرب المدينة للخروج ولا يمكن الدخول منها؛ لأنها مُجهَّزة بطريقة خاصة تسمح للخروج، ولا تسمح بالدخول. في نفس الوقت هناك مواعيد ثابتة للدخول إلى المدينة؛ فهي تفتح أبوابها في منتصف الليل فقط، ومرة واحدة، أما الخروج من المدينة، فهو متكرر، وحسب ظروف مواعيد العمل في المدينة التي تبدأ مع الغروب وتنتهي عند الفجر، كان «أحمد» يقرأ تعليماتٍ موجودةً على هامش الخريطة. وكانت آخر التعليمات هي أن المدينة تُدافع عن نفسها بواسطة إشعاعات خاصة، تقضي على أيِّ إنسان، ما لم يكن مجهَّزًا لها.

نظر «أحمد» إلى الشياطين، وقال: لهذا كانت ملابسُنا مُجهزةً بطريقة خاصة.

في جانب من الخريطة قرأ: إن الدخول إلى المدينة سهل؛ لأنه لا أحدَ يعرف طبيعةَ الإشعاعات التي يمرُّ بها، ومَن يدخل من غير سكان المدينة تصعقه الإشعاعات.

قال «قيس» بسرعة: هذه مهمة رائعة إذن، لقد كنت أفكِّر في طريقة لدخولنا المدينة!

وأضاف «باسم»: المهم هو أين يوجد جهاز تكييف الأشعة «إكس ٨»؟

قال «أحمد» ردًّا على «باسم»: إن لدينا خريطةً كاملة تُوصلنا إلى هناك.

كان الوقت لا يزال طويلًا، حتى يحينَ وقتُ فتحِ البوابة؛ فالليل لا يزال في بدايته. نظر الشياطين حولهم، ثم قال «باسم»: هل سنترك السيارة؟

ردَّ «أحمد»: لا أظن أننا سوف نحتاجها!

مرَّ بعضُ الوقت، ثم قال «فهد»: لماذا لا نُجرِّب دخول المدينة دون أن ننتظر موعد فتح البوابة، إن معنا جهازَ الأشعة، وهو يمكن أن يفتح البوابة.

ردَّ «أحمد»: أعتقد أن ذلك سوف يكشف وجودنا.

ثم أضاف بعد لحظة: إن دخولَنا في موعدِ فتحِ البوابة سوف يجعل كلَّ شيء عاديًّا … ويعطينا فرصةً للوصول إلى جهاز تكييف الأشعة «إكس ٨» دون صدامٍ غيرِ عادي.

في هدوء نزل الشياطين من السيارة ما عدا «فهد» الذي اتَّجه بها في ناحية من الجبل … ثم ضغط زرًّا فيها، حتى لا يستطيعَ أحدٌ استخدامَها، وغادرها متجهًا إلى الشياطين. كان الجو رائعًا، لم تكن هناك حرارة، كما لم تكن هناك أمطار. في نفس الوقت، لم يكن هناك شيءٌ يحتمون به سوى الجبل.

قال «قيس»: الجو هنا غيرُ مستقر؛ فقد يحدث ما يُغيِّر الساعات الباقية.

ردَّ «فهد»: لا تنسَ أننا الآن لا نخضع لأيِّ شيء؛ فملابسنا الخاصة تجعلنا في أمان من أيِّ طقس.

ابتسم «قيس»، وقال: لقد نسيت؛ فما زلتُ متأثرًا بملابسنا القديمة!

اتجه الشياطين إلى جانب من الجبل ووقفوا. كانت هناك مسافة لا تزال بينهم وبين المدينة، لكنهم ظلوا بعيدين حتى يحين الوقت؛ ولذلك عندما نظر «أحمد» في ساعة يده، ووجد الساعة قد تجاوزَت الحادية عشرة بقليل، قال: ينبغي أن نبدأ تحرُّكَنا؛ فالوقت يسمح لنا برياضة الجري حتى المدينة.

تحرَّك الشياطين متناثرين، كان الظلام قويًّا، لكن البوصلات التي يحملونها كانت تُحدِّد اتجاهَهم حتى لا يتوهَ أحدٌ عن الطريق. فكَّر «أحمد»: هل نتمكَّن من تحقيق المغامرة الليلة، أو أن المغامرة سوف تحتاج لبعض الوقت؟

نظر حوله ليرى الشياطين، لكنه لم يرَ أحدًا؛ ابتسم وهو يقول لنفسه: إن الظلام كثيف تمامًا …

كانوا يتقدمون في نشاط؛ فجأةً شعر «أحمد» بدوار. توقَّف لحظة، وقال بلغةِ الشياطين: هل هناك شيء غير طبيعي؟!

ردَّ «قيس»: نعم، إنني أشعر بدوار!

قال «فهد»: يبدو أننا قد اقتربنا تمامًا، وأن مجال الأشعة قد بدأ.

مرَّت دقائق، ثم استعاد الشياطين حالتَهم من جديد … فقال «باسم»: إنه تيار شديد، ذلك الذي جعلنا نشعر بهذا الدوار!

أضاف «قيس»: لهذا لا يستطيع أحدٌ أن يقترب من المدينة.

فجأةً، اهتزَّ «أحمد» بعنف، وكأنَّ تيارًا كهربائيًّا قد لامسَه، وسمع «فهد» يقول: ماذا حدث؟

أدار «أحمد» عينَيه حوله في محاولة لرؤيةِ أيِّ شيء، لكنه لم يستطع. فكَّر لحظة: هل يستخدم بطارية تُضيء المكان؟ لكنه لم يفعل؛ فقد خشيَ أن يكشف الضوءُ وجودَهم.

فجأة، وكأنَّ صاعقة قد نزلَت فوقه. شعر أن الدنيا تدور، وأن الظلام قد تتابعَت فيه الألوان، ثم سقط على الأرض. في نفس الوقت همس «فهد»: هناك هجوم خفي.

ردَّ «باسم»: أين «أحمد»؟

أخرج «باسم» جهازًا دقيقًا، ضغط زرًّا فيه، فأصدر صوتًا خافتًا كأنه الأنين. فكَّر بسرعة: هل سقط «أحمد»؟ إن هذا صوته.

همس بلغةِ الشياطين: لقد أُصيب «أحمد»!

ردَّ «فهد»: هل أخبرك الجهاز؟

قال «باسم»: نعم، ويبدو أن الهجوم الخفي أصبح حقيقة.

ثم أضاف بسرعة: هل؟ …

لكنه لم يُكمل كلماتِه … فقد شعر أن الدنيا تدور، ثم سقط على الأرض، لكنه في نفس اللحظة كان قد ضغط زرًّا في الجهاز ليُنذرَ «فهد» و«قيس».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤