الفصل الرابع

تصريح بعدم الوجود

حين عاد جونزاليس إلى المنزل وجد رسالة من تراينور تقول: «فلتُرتِّب أمر الانتقال في صباح الغد، الخامسة صباحًا، من مطار نورثرن سياتل إلى ضيعتي. كن مُستعدًّا لمباشرة العمل على الفور. اجلب معك جهاز «الميميكس» وأمتعةً شخصية يصل وزنها إلى اثنين وعشرين كيلوجرامًا.»

قال جونزاليس: «اللعنة. لقد وصلنا للتور. اثنان وعشرون كيلوجرامًا، حقًّا؟ هذا يعني أننا سنذهب … إلى أين تظنُّ أننا سنَذهب؟»

قال جهاز «الميميكس»: «إلى مكانٍ ما في المدار.»

•••

حافظت ليموزين المطار على موقعها ضِمن قافلةٍ من نحوِ عشرِ سياراتٍ تتحرَّك مُبتعدةً عن المدينة بسرعة مائتي كيلومتر في الساعة. ظهرت ضواحي سياتل الشمالية على شكل رُقَع من الضوء خلف الشبورة المتحرِّكة والمطر الدائم التساقط. وبالأعلى، كانت مناطيد الشحن التي تطير نحو فانكوفر تتحرَّك عبْر السُّحُب مثل أسماك نهرية عملاقة.

ألقى جونزاليس نظرة سريعة على ميدانٍ تسطع فيه كشافاتُ أضواء بيضاء وصفراء اللون عبْر مشهدٍ خرساني، وأخذت تجميعةٌ هزيلةٌ من المواسير والأسلاك تخطو كما السرطان بينما ترشُّ أحد الجدران: روبوت جرفيتي، ماكينة مبنية ومُطلَقة كي ترسم رسائل للعالم كله. كلُّ ما استطاع جونزاليس قراءته هي الكلمات … جِنت من تشان.

أبطأت السيارة الليموزين مُطلِقةً هسيسًا من توربيناتها استعدادًا لأن تسلك المخرج المتَّجه إلى مطار نورثرن سياتل، ثم استدارت نحو طريقِ دخولٍ خاص. انفتحت بوابة سلكية أمامهم بينما كانت تتلقَّى الشفرات التي أرسلتها الليموزين. وبالقرب من حظيرة طائرات سينتراكس كانت تقف طائرةٌ ذاتُ أجنحة متعدِّدة الأوضاع مماثلة تمامًا لتلك التي استقلَّها جونزاليس من باجان إلى بانكوك. صعد جونزاليس على متن الطائرة ووضع حقيبته والحاوية المقاومة للصدمات الموضوع فيها جهاز «الميميكس» داخل قمرة الأمتعة، وربط حزام الأمان، مُحكِمًا شدَّه على كتفه.

ارتفعت الطائرة نحو السُّحُب والضباب. وبعد قليل، تسبَّب البياض الشاحب البادي من وراء النوافذ والضوضاء الثابتة لمحرِّكات الطائرة في دخول جونزاليس في نوم خفيف استمرَّ إلى أن أنبأته ضوضاء المحرِّك الآخذ في الهبوط بأنهم كانوا يَهبطون.

بينما مالت الطائرة، رأى جونزاليس الصفحة الزرقاء لبحيرة تاهو التي تمتد نحو الجنوب، ثم رقعة من العشب الأخضر على حافة المياه أخذت تكبُر وتكبُر مع اقتراب الطائرة نحو ضيعة تراينور.

من واقع سنواته الست التي قضاها في العمل لدى إدارة الشئون الداخلية، آخر سنتين منها بوصفه مدققًا مستقلًّا، كان جونزاليس يعلم قدْرًا لا بأس به من المعلومات عن فريدريك لويس تراينور، رئيسه في العمل. كان تراينور يمتلك ثروةً انتقلت إليه من عائلته وكانت تكفي لتغطية أقوى مظاهر البذخ، ولم يكن ثَمَّة شيء آخر يتوق إليه سوى هذه السلطة التي تكفي أبسطُ لمساتِها لتغيير شكل حياة الناس. ومن موقعه كرئيس لإدارة الشئون الداخلية، وهي واحدة من أقوى إدارات سينتراكس نفوذًا، كان يخطِّط للارتقاء إلى مجلس إدارة سينتراكس؛ إذ كان يريد أن يكون واحدًا من الأشخاص العشرين الذين تجاوزوا نطاق التفاوض والتنازلات، الذين كانت أحلامهم أوامر، ونزواتهم أمرًا واقعًا.

في الحقيقة، كان تراينور قد حقَّق بالفعل مكانة مميَّزة تُخوِّل له، إن أراد، ألا يكون له وجود. كان منزله وأرضه يَشغلان قطعةً من الساحل الشمالي لبحيرة تاهو؛ حيث كان هناك وجودٌ لفندقَي قمار وقسم من طريق الولاية السريع. أُزيل الفندقان وجرى تحويل الطريق السريع. أصبحت أرضه الآن محاطةً بسورٍ ارتفاعه أربعة أمتار من الصلب الأسود المضلَّع، مزوَّد بأجهزة إنذار وتنصُّت، وتجوبه الروبوتات في دوريات. لم تكن الضيعة تظهر في أي خريطة أو سجل شراء أو مِلكية أو ضرائب، كما لم يكن لصاحبها بالمثل أي أثر في هذه السجلات.

حين خرج جونزاليس من الطائرة على الامتداد الشاسع للعشب الأخضر، كان تراينور يَنتظِر كي يُقابله. كان رجلًا قصيرًا بدينًا، وكان جِلده شاحبًا. كان شعره المتناثر متجمِّعًا في كتلٍ متغضِّنة على رأسه. وكان يرتدي في قدميه خُفًّا أسودَ طريًّا، ويرتدي رداءً حريريًّا مطرَّزًا، ألوانه أخضر وأزرق وأبيض وأحمر، منقوشًا على صدره وظهره تنانينُ واثبة. كان ينظر إلى نفسه باعتباره باريونيَّ الطِّباع — غريبَ الأطوار ومُثيرًا للاهتمام وبه لمحة من العبقرية — لكن في نظر جونزاليس وكثيرين غيره كان يبدو نَزِقَ الطِّباع ومنغمسًا في الملذات لا أكثر.

فتح تراينور ذراعيه وقال: «ميخائيل.» مُشدِّدًا على كل مقطع من مقاطع الاسم الثلاثة، وناطقًا إياه بصورة صحيحة، ثم عانق جونزاليس عناقًا سريعًا. بعد ذلك تراجع تراينور خطوة إلى الوراء ونظر إليه وقال: «أنت لا تبدو في حالٍ سيئة للغاية.»

«ألهذا السبب أتيت بي إلى هنا، كي تنظر إليَّ؟»

هزَّ تراينور كتفيه وقال: «لهذا السبب، ربما، وأيضًا كي أتحدث معك عن مهمتك التالية. كما أنك تروق لي.»

افترض جونزاليس أن تراينور كان مُعجبًا به بالفعل، بطريقته الخاصة كرئيسه في العمل وكرجل ثري. وعلى وجه التحديد، بدا أن ما يروق له هو حقيقة أن جونزاليس لم يكن مُنبهرًا بمظاهر البذخ السطحية لما يَمتلكه من مال وسلطان.

ذات مرة قال له تراينور: «أصلٌ طيِّب. هذا هو سرُّك: اختلاط الدم النبيل بدم العامة.» كان ميخائيل جونزاليس ذا أصولٍ عِرْقية مختلطة بالفعل؛ إذ كان له أصول يهودية روسية وهسبانية من لوس أنجلوس من جهة الأم، وأصول سوداء من شيكاجو وكوبية من ميامي من جهة الأب. وكان له أسلاف من العبيد وعمال الحقول والبرجوازيِّين المناهضين للثورات، علاوة على فنان ومهرب ومحتال.

لكن بصرف النظر عن أصله أو خبراته السابقة، فقد تعيَّن عليه أن يتحمل قدْرًا كبيرًا من الهراء المتعالي السمج من طرف تراينور، كما كان يتعيَّن عليه أن يتحمَّل تراينور ذاته عمومًا؛ لأن الرجل كان فاحش الثراء وذا نفوذ وكان رئيسه في العمل، ولم ينسَ أيهما ذلك.

سار الاثنان نحو المنزل المواجه للبحيرة عند الطرف القصي للمَرج، وكان منزلًا كبيرًا فخمًا، ربما كان من شأن مهندس معماري يُتقن عمله لدرجة الكمال أن يُشيده في القرن الثامن عشر من أجل سيد صبور وينشد الكمال بالدرجة عينها. يتفرَّع من المركز الذي تعلوه قبَّة ذهبية ثلاثُ أجنحة من الحجر القشدي اللون، وكان المنزل كله مشيدًا على طراز هندسة باديو الجديدة المتحفِّظ الذي لا يُسرف في استخدام المواد الخام، فلا وجود لتركيبات خرسانية بلون الفوم، بل مجرَّد الحجر الرملي القمحي والقشدي اللون والرخام الوردي الذي يُفصح عن الثراء والذوق الرفيع.

صعدا سُلَّمًا رخاميًّا ودخلا المنزل، وعبرا تحت القبة الداخلية التي تعلو البهو المركزي؛ حيث تتَّصل أجنحة المنزل الثلاثة. سارا في رواقٍ مكسوٍّ بالخشب الداكن، تعلوه جدران وسقف قشدي اللون.

وبينما كانا يعبران، ألقى جونزاليس نظرة سريعة على الغرف الجانبية عبْر الأبواب المفتوحة. كانت إحدى الغرف تَعرض مشهد سماء الليل المليئة بالسُّدُم الدوارة وملايين النجوم، بينما عرضت الغرفة التالية منظر ضوء الشمس والثلوج المبهِرة. أما الغرفة الثالثة فلم تكن تضمُّ شيئًا إلا الجدران البيضاء، والأرضية الرخامية المصقولة، وتمثالًا ليدٍ بارتفاع خمسة أمتار يقف دون حراك، بحيث كانت إصبع السبابة ممدودة في وضعٍ أفقي، والأصابع الثلاث الأخرى مضمومة قبالة راحة اليد، والإبهام منتصبًا في وضعٍ رأسي، وكأنه زناد مسدَّس خيالي.

انفتحَت الأبواب المصنوعة من خشب الماهوجني أمام الرَّجلَين، ودلفا إلى داخل المكتبة. لم تكن جدرانها المكسوَّة بالألواح الداكنة تُفصح عن شيء: فحتى عند النظر عن قرب كان من المُمكن أن تبدو الكتب مجرَّد صور هولوجرامية، أو كتب حقيقية. كانت وحدات إدخال البيانات المسطحة موضوعة داخل طاولات جانبية من خشب الماهوجني، وإلى جوارها كانت توجد مقاعد مكسوَّة بالجلد الأحمر وأرائك مَخملية ذات لون كستنائي.

قال تراينور: «اجلس يا ميخائيل.»

كان باستطاعة جونزاليس الشعور بالصمت الثقيل المقبض الذي ساد المكان في أوقات سابقة؛ إذ استحضرت الكِسوة الجلدية والأثاث أجواء أندية السادة وغرف التدخين والهمسات المقبضة الخاصة بالصفقات الدائرة.

ظهر فقدان التركيز على عينَي تراينور، بينما سبح ذهنُه في أمرٍ آخر وهو يَستمِع إلى الصوت الذي يتردَّد في أذنه. وحتى لو لم يكن جونزاليس واعيًا لاعتماد تراينور على «مرشدِه»، لكان سيعرف ما يحدث. كان تراينور، الذي يحتلُّ مكانةً أعلى من أيِّ شخصٍ آخر يعرفه جونزاليس، يحتاج إلى الاطِّلاع دومًا على المعلومات والنصائح والتمتُّع بالدعم الانفعالي العام الذي يُقدمه المرشد؛ ومِن ثَمَّ فقد كان ثَمَّة جهاز إرسال واستقبال مُثبَت تحت أذنه اليسرى. ومتى أراد، كان صوت المرشد يوجهه، عبْر الشبكات الخلوية وروابط الأقمار الصناعية.

أخيرًا رفع تراينور عينيه وقال: «انظر، أريدك أن تركِّز على مهمةٍ ستؤديها من أجلي. أيُمكنك عمل ذلك؟» هزَّ جونزاليس كتفيه. أردف تراينور: «أنت تَشعُر بالارتباك والغضب — فقد هُوجمْت وكدت تُقتَل — أعلم هذا. لكن اسمعني: أنت تعمل في إدارة الشئون الداخلية، وهذه هي مخاطر المهنة. لقد دقَّقت أنت وجهازك بشدة في عمليات ذلك الرجل، وقد أخافه هذا، ولذا أقدَمَ على هذه المحاولة الغبية.»

«أريده أن يدفع ثمن هذا.»

«عليك مسايرتي في هذا الأمر وربما تُتاح لك الفرصة لفعل هذا، لكن لاحقًا، أما الآن فلديَّ عمل آخر من أجلك.»

«حسنًا، سأفعل هذا.» كان جونزاليس يعلم أن عليه مسايرة تراينور؛ فقد كانت هذه فرصته الوحيدة كي ينتقم من جروسباك. فليسايره الآن، وينتقم لاحقًا.

قال تراينور: «عظيم. ما الذي تعرفه عن مدينة هالو ومنظومة ألِف؟»

«لقد شُيِّدت هذه المدينة على يد اتحاد شركات متعدِّدة الجنسيات. وقد احتكرت سينتراكس البيانات، وتُوظِّف منظومةُ ذكاء اصطناعي واسعة النطاق من أجل إدارة المدينة. هذا كل ما أعرفه.»

أضاءت الشاشة الجدارية التي تشغل أحد الجوانب وعرضت شعارًا بلون أسود عريضًا:

شعار ألِف.

تردَّد صوت تراينتور عبْر سماعة في السقف، وقال: «الشعار الذي تنظر إليه كان الشعار الأصليَّ لمنظومة ألِف حين شيَّدتها سينتراكس. وحسب نظام كانتور فهو يُمثِّل أولى الأعداد فوق المتناهية، بحيث يدلُّ على المجموعة اللانهائية من الأعداد الصحيحة أو الكسور أو الأعداد الطبيعية. كما أن كلمة «ألِف» نفسها هي الحرف الأول من الأبجدية العبرية واسم لإحدى القصص.»

قال تراينور: «لندخُل في الموضوع.»

•••

«لقد شُيِّدَت المنظومة في محطة أثينا، التي تدور حول الأرض في مدارٍ زمنيٍّ ثابت، وهناك أشرفت على بناء شبكة الطاقة المدارية، ولاحقًا نُقلَت إلى مدينة هالو، في المستوى المداري الخامس؛ حيث تكون العامل الأساسي في عمليات تفسير البيانات والتخطيط اللوجيستي والإدارة.»

قال جونزاليس: «يبدو غريبًا أن تُوكَل مهمة إدارة مشروع في حجم وأهمية مدينة هالو إلى منظومة ذكاء اصطناعي بالية.»

أجاب المرشد: «سيكون كلامك صحيحًا لو كانت منظومة ألِف بالية حقًّا. غير أن هذا ليس صحيحًا؛ فالماكينة التي نُطلِق عليها اسم ألِف تتمتَّع بقدراتٍ تفوق أي ماكينة ذكاء اصطناعي موجودة.»

نظر جونزاليس إلى تراينور، الذي رفع يده مشيرًا إليه بأن يتحلَّى بالصبر، وقال: «الصورة التالية.»

ظهرت على الشاشة صورة للفضاء عديم الجاذبية يطفو فيه رجل محاط بفقاعة بلاستيكية شفافة. كان الرجل عاريًا، وكانت أطرافه منكمِشة وملتوية. كانت ثَمَّة أنابيبُ مثبَتة إلى أنفه وفمه وأذنيه وقضيبه وشرجه وغطاءين نصف كرويِّين على عينيه. وكان يتصل بالوصلات الموجودة في مؤخِّرة عنقه كابلان سميكان.

قال المرشد: «هذا الرجل يُدعى جيري تشابمان. وهو يُعاني من تلفٍ عصبيٍّ حادٍّ نتيجةَ انتقال السُّم إليه عبْر طعام بحري ملوث بمخلَّفات سامة. ورغم أن مُعظم الوظائف الحركية والحسية مُعطَّلة، فإنه ليس في غيبوبة. في الواقع، يبدو أنه لا يزال محتفظًا بكل وظائفه العقلية. لاحظْ مقبسَي الاتصال العصبي؛ فلهما دور مِحوَري فيما يلي.»

سأله جونزاليس: «أهو في هالو؟»

قال المرشد: «نعم. لقد نُقل إلى هناك من الأرض.»

قال جونزاليس: «معامَلة خاصة للغاية.»

قال المرشد: «لقد كانت المجموعة في هالو تبحث عن فرصة كهذه؛ فرصة الاستِكشاف الطويل الأمد لواجهة ألِف.»

قال تراينور: «في الحقيقة، إنَّ علاقة تشابمان بمنظومة ألِف تعود إلى الأيام المبكِّرة لها.»

قال المرشد: «حين عمل هو وألِف مع د. ديانا هايوود، التي كانت آنذاك تعمل لصالح شركة سينتراكس في محطة أثينا. كانت عمياء في ذلك الوقت.»

قال تراينور: «حتى في هذا الموقف كانت د. هايوود الورقةَ الرابحة. لقد كانت مُنخرِطة في المنظومة ألِف طوال الوقت، ولاحقًا غادرت وعاشت مع تشابمان على الأرض. لقد فصلتها سينتراكس بسبب استخدامها غير المصرح به لمنظومة ألِف، لكنَّنا أعدْنا توظيفها من جديد. إنها ستَذهب إلى هالو، وهناك ستُساعد المنظومة ألِف في محاولة إبقاء هذا الرجل على قيد الحياة.»

«على قيد الحياة؟» هكذا تساءل جونزاليس، وهو يُشير إلى الجسد الظاهر على الشاشة، وأضاف: «لا يبدو أن ثَمَّة جدوى من ذلك.» فعلى حد فهْمه لهذه الأمور، نظرًا لحالة الرجل فإن عملية الانسحاب من المفترض أنها بدأت، وأن سينتراكس بوصفها الوصي الصحي قدَّمت طلبًا للمحاكم الطبية الفيدرالية من أجل السماح لها بوقف الأجهزة الداعمة للحياة.

قال المرشد: «تُؤمن ألِف أن بمقدورها إبقاءه على قيد الحياة في محطة فضائية. ثَمَّة مشكلات خاصة، كما يُمكنك أن تتصوَّر، ومن بينها الحاجة إلى وجود الحب والصداقة … لا أفهم هذه الأمور جيدًا، غير أن ألِف بعثت لي برسالة مفادها أن الأسابيع القادمة ستلعب دورًا حاسمًا في حياة المريض.»

قال تراينور: «ومع ذلك فإنَّ الاستعانة بالدكتورة هايوود يمثل مشكلة في حدِّ ذاته.»

قال المرشد: «لقد غادرت سينتراكس منذ سنوات. في ظروف عصيبة بصورةٍ ما.»

قال تراينور: «ليس لديها سببٌ يدعوها للتحلِّي بالولاء للشركة.» ثم صمت قليلًا وأضاف: «وليس لدينا سببٌ يدعونا للثقة بها.»

قال جونزاليس: «أفترض أن دوري يَحُلُّ هنا، أليس كذلك؟»

قال تراينور: «بلى. أريدك أن تُرافقها. ستكون مُمثلًا عنِّي وعن مجلس إدارة سينتراكس بصورةٍ غير مباشرة.» رفع جونزاليس حاجبَيه، فضحك تراينور وقال: «نعم، أنا أمثِّل مجلس الإدارة في هذا الأمر، بصورة غير رسمية، إنهم يجدون هذا العلاج أمرًا مُثيرًا للاهتمام بشدَّة، لكنهم يرغبون في وجود فاصلٍ ما بينهم وبين هذه الأمور؛ نظرًا لأن ثَمَّة جوانبَ قانونية معينة سيتعيَّن الالتفاف حولها.»

قال جونزاليس: «أو انتهاكها.»

قال تراينور: «كما تشاء. المهم في الأمر هو ما يلي: من منظور مجلس الإدارة، لا يُمكن الوثوق في الدكتورة هايوود.»

قال جونزاليس: «إذن فأنت تحتاج إلى جاسوس، وأنا رجلكم.»

هزَّ تراينور كتفَيه موافقًا.

قال المرشد: «أنت تُمثِّل مصالح شخصية قانونية في موقفٍ لن يَجري فيه تمثيلهم بصورة أخرى على نحوٍ لائق.»

قال جونزاليس: «هذا تعبير فخم؛ «تُمثِّل مصالح شخصية قانونية»، سأحاول أن أتذكَّره. حسنًا، سأفعل أفضلَ ما بوسعي.» ثم استدار ليواجه تراينور وقال: «كي أجعلك تصل إلى مجلس الإدارة.» فضحك تراينور. ثم تساءل جونزاليس: «كم من الوقت سيَستغرِق هذا الأمر؟»

قال تراينور: «ليس طويلًا.»

قال المرشد: «بمجرَّد أن تستقرَّ حالة تشابمان …»

قال تراينور: «أو يموت.»

قال المرشد: «أمر مرجَّح بشدة. بمجرَّد أن تستقرَّ حالته — سواء على قيد الحياة أو بوفاته — تَنتهي مهمَّتك.»

قال تراينور: «لكن حتى ذلك الحين ستكون مهمَّتك هي إعلامي بما يحدث. ستكون في المحطة الفضائية معهما، وسترى ما يفعلانه.»

قال جونزاليس: «لا بأس. ما الذي سأفعله الآن إذن؟»

قال تراينور: «ستَطير إلى بيركلي وتتحدَّث إلى الدكتورة هايوود. عرِّفها بنفسك، واكسب صداقتها.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤