الياقوتة الرابعة

لماذا سكتَ الناي؟
لماذا احتجبَت سيدةُ الناي؟
لماذا افترقَ الحشدُ؟
لماذا سقطَت كأسٌ على الأرض وناحَ الخمرُ، ناحت
وردةٌ، ناحَ كمالُ الشمسَ واستعصى على الفهمِ جدالٌ
بين مرآتَين كيفَ انفطرت عشتار نصفَين، ومن رَد إليها
بعلها المغلول في المنفى وخاط الشوق فلَّى فَمَها … فنَّن
نحتَ البرقِ في توشيحها … فكَّ لها درسَ المسوخ المبهمِ
الفرَّاج، مَن جرجرها وانشقَّ في بستانها غولًا وخمبابا
ومن دقَّ على فستانها نبلًا وعرَّى طولها وانحرثَت أرضٌ
وهزَّ الثورُ قرنَيه، لماذا انتحبَت سيدةُ الشرقِ وفاضَ
الكأسُ دمعًا وترابًا ودمًا يطوي وحُمَّى تُسكتُ النايَ …
لماذا احتجبَت سيدة الناي؟
زماني حيدرٌ
بارَزه سيفٌ ونادتهُ دفوف الماء فاجتاحَ أعاليها وناداه
جمالٌ نابضٌ في الشمسِ فالتفَّ في التيهِ، زماني زمزمٌ لم
يعد الماءُ به أنزلُ في أغواره أقطفُ من قيعانه الشوك
وأنشقُّ به سبطَ دمٍ رتَّقهُ الراتقُ، مهتاجٌ بفجرٍ يلجُ النونَ
ويطوي النهرَ في الدفتر والصخر برجراج فؤاديه
كثيرُ اللبطِ مطَّارٌ يزيد الأرضَ عشبًا والسماءَ استبرقًا يُغبطهُ
طولُ الليالي فيناديني ويسقيني شرابَ الشمس في غرفته
ليلًا زلالًا جاذبًا رهطَ سيوفِ النورِ لسعًا تحت صدغيَّ
غرامًا ماجنًا.
هناك انسرقَت فهرسةُ الأرضِ وأخفاها بدُرجٍ
تحت كفَّيه، ومنَّى وأزاح الستر عن نعناعه أربكَ عينيَّ
بنار الموج، علَّى، دحرج الطين على ساحلهِ، ردَّ …
تدلَّى، وتداعى عنده سربُ سجود الأقدس الحار، جلاه
جلوةً تعرى ففرَّ الوردُ حيران يُغني تيهَ لذَّاتٍ تقلَّت
وانشوَت في دمهِ واسَّطرَت في النجم.
سرُّه … لا سرَّ له
شكله … لا شكلَ له
دمهُ يملأُ هذا الكون نورًا، كأسهُ يطفحُ ماسًا، هذه آيتهُ
يضربُ مُحًّا بالتعاويذ فيفري الكيسَ والطورُ له طيرٌ
وكافٌ كاغدٌ يلقطُ معدانًا وصوفيين رسَّامين موسيقيين.
هذي الأرضُ حنَّاها وسوَّاها بسيخٍ أحمرَ هذَّبَ معناها
له ضبٌّ دبى في جسدي واستنطقَ النار وشقَّ السترَ في
روحي وألقى غُصصًا في بركي شمَّ سراجي وارتمى في
أطلسي:
(١) يطق الحرف: يجري الشعرُ سيلًا والسماءُ استبرقًا
تومض في الكلمةِ والروح
(٢) يطق الكأس: يجري الخمرُ خيلًا في شراييني
ويشتقُّ زجاجي نشوةً تصبغ صوفي
(٣) يطق الجسد: انزاحت له عتمةُ هذا الكون حتى
أشرقت شمسُ عظامي وانجلى
حيوانها يلعبُ في الضوء
كريمًا غدقًا يلقي سماوات على كفي ويبلي ساكنًا …
يفتحُ أبراجي وأفواجي
وجمرَ الليل في تاجي
ويبقى خافقًا يحرسُ لي روحي لكي لا تنثني … أو لا تخون
العهدَ … أو تتعبَ أو ينهكها مالي وأبنائي
أو يسرقها عاجي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤