ضغطة واحدة وتظهر السكين!

لقد انفجرَت سيارة الشياطين، ولم يكن أحد يستطيع صدَّ الانهيارات التي بدأت مقدمتها تصل إليهم في شكل كُتَل صخرية صغيرة لكنها كثيرة. في نفس الوقت كانت سحابة كثيفة من التراب قد أخذَت تغطِّي المنطقة كلها، حتى إن سعال الرجال قد بدأ يتصاعد، وبدا أن إمكانية التنفس صعبة. أخرج الشياطين كمامات صغيرة، ووضعوها على أنوفهم حتى يتحاشوا تأثير الأتربة، كانت السيارة تضيء المكان، لكن المادة التي استُخدِمَت في الإطفاء جعلت النار تهدأ بسرعة.

كانت هذه فرصة ليتصرف الشياطين. أسرع «قيس» وأخرج مسدسه، ثم ثبت جهازًا صغيرًا، وضغط الزناد، خرج شعاع ضوئي من فوهة المسدس في اتجاه قفل الباب. لكن فجأة أضيء عدد من الكشافات القوية، غير أن تأثيره لم يكن قويًّا، فقد كانت سحابة الأتربة كثيفة بما يكفي لأن تحجب أي ضوء مهما كان قويًّا. لم يستطع قفل الباب أن يصمد طويلًا أمام الشعاع الضوئي فانفتح. وفي لحظة كان الشياطين يقفزون إلى داخل مقر العصابة.

كانت إضاءة خافتة تغطِّي المدخل الذي بدا وكأنه أحد كهوف ما قبل التاريخ، كان رطبًا وملتويًا.

أسرع الشياطين يتقدَّمون حتى لا يكونوا محاصِرين، ففي المدخل لا يوجد أي مكان يمكن اللجوء إليه. ولو حدث أي هجوم فإنهم يكونون مكشوفين تمامًا. فجأةً ظهر بعض الرجال بعد أن قطع الشياطين عدة أمتار إلى الداخل. أسرع «بو عمير» وقذف قنبلة دخان في اتجاه أفراد العصابة. انتشر دخان القنبلة بسرعة فغطَّى تقدُّم الشياطين. في نفس الوقت سمع الشياطين سعال الرجال، وكانت هذه فرصتهم فهم يلبسون الكمامات التي تقيهم أيَّ خطر.

كان الرجال يترنَّحون بتأثير الدخان، وبعضهم يستند إلى حائط المدخل. تقدم الشياطين أكثر، وفي هدوء كانوا يلقِّنونهم علقةً ساخنة انهاروا بعدها مباشرة. لقد كان تأثير الدخان قويًّا، حتى إن رجال العصابة لم تكن لهم مقاومة تُذكَر. ظهر بابٌ على يمين الطريق المتعرِّج، دفعه «أحمد» دفعة قوية غير أنه لم ينفتح، أسرع «قيس» باستخدام الشعاع الضوئي فانهار الباب، وظهر أمام الشياطين ما جعلهم ينظرون في دهشة.

كانت هناك حجرة مُجهَّزة بآلات حديثة وكأنها في معمل عظيم. وقف «بو عمير» بجوار الباب لحراسته. في نفس الوقت الذي كان «أحمد» يحاول فك رموز الآلات. لاحظ «قيس» عدسة مُوجَّهة في يمين حائط الحجرة، عرف أنها تنقل ما يدور إلى مكانٍ ما يقوم بالمراقبة.

في هدوءٍ تقدَّم وأخرج منديلًا من جيبه، ثم وضعه فوقها، لكن صوتًا تردَّد في الحجرة جعل الشياطين يتوقفون.

قال الصوت ضاحكًا: لا داعي لكل هذا. ينبغي أن تهدءوا قليلًا، فأنتم الآن لا تستطيعون الحركة.

نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «أحمد» بلغة الشياطين: يجب أن نتصرف، إننا يمكن أن نفقد كل شيء.

أسرعوا إلى الباب، لكن فجأة سمعوا صوت كلاب تنبح، توقَّفوا وفكَّروا. إنها إذَن معركة كلاب. بسرعة جهَّزوا الإبر المخدرة، إنها السبيل الوحيد إلى القضاء على الكلاب مؤقتًا حتى يتفرغوا لملاقاة رجال العصابة. اقترب صوت الكلاب حتى ظهرت.

كانت ضخمة الحجم، يبدو عليها الشراسة. وضع الشياطين أيديهم في جيوبهم استعدادًا، لكن عدد الكلاب كان غريبًا، كان هناك أكثر من عشرين كلبًا، كانت تندفع في قوة وهي تتشمَّم الأرض، ثم تتشمَّم الهواء. كانت قد اقتربت وأصبحت على مدى إطلاق الإبر المخدرة. لكن كيف يمكن القضاء على هذا العدد كله في لحظة؟

قال «مصباح»: إن الإبر لن تقضي عليها جميعًا.

قال «بو عمير»: إن هناك حركة واحدة تنهي المسألة. قال ذلك ثم أخرج قنبلة دخانية وهمس: أحدكم يلقي قنبلة أخرى.

نزع «بو عمير» فتيل القنبلة في الوقت الذي جهَّز فيه «قيس» قنبلة أخرى. وفي لحظة واحدة كانت القنبلتان تأخذان طريقهما إلى الكلاب. وعندما انفجرتا غرق المكان في دخان أبيض، وأخذت الكلاب تنبح وهي تفر هاربة. أسرع الشياطين خلفها.

كان المهم هو الوصول إلى الرأس الكبير، أو العثور على خبير العقل الإلكتروني.

تجاوز الشياطين منطقة الدخان. كان عددٌ من الكلاب قد رقد على الأرض بلا حراك. وفي الوقت الذي اختفى فيه آخَرون.

فجأةً فُتحت عدة أبواب مرة واحدة، وظهر عدد من العمالقة كانوا أمام الشياطين، حتى لم يكن أمامهم إلا الاشتباك معهم. أمسك أحد العمالقة بيد «مصباح» ثم جذبَه بقوة، فاندفع داخلًا الحجرة. في نفس الوقت الذي اشتبك فيه الشياطين مع خمسة منهم. ضرب «أحمد» أحدهم فتراجع العملاق في قوة، إلا أن «أحمد» كان يتابعه بضربات قوية جعلته يندفع حتى يصطدم بالحائط. في نفس اللحظة رأى عملاقًا يرفع خنجرًا ويهوي به على «قيس». طار في الهواء وضرب العملاق ضربةً جعلَتْه يهتز، فتمكَّن «قيس» من ضربه … ضربة جعلَتْه ينحني إلى الأمام، ثم يسقط على الأرض بلا حراك.

في حين كان «بو عمير» مشتبكًا مع عملاق آخَر، ربما أكثرهم ضخامة. وكان العملاق قد أمسك «بو عمير» من عنقه، يضغط عليه حتى كاد يفقد قدرته على التنفُّس، لكن «بو عمير» استجمع قواه وضرب العملاق ضربة فوق ذراعَيه بكلتا يدَيه، فتراخت قواه، وكانت اللحظة كافية ليضربه الضربة الأخيرة.

إلا أن «مصباح» كان قد ظهر على باب الحجرة، فسدَّد ضربة قوية للعملاق جعلَتْه يندفع في اتجاه «بو عمير» بقوة، إلا أن «بو عمير» قفز من أمامه، فاستمر اندفاعه حتى اصطدم بالحائط. كانت المعركة توشك أن تنتهي.

نظر «أحمد» حوالَيه، ثم اندفع بسرعة، كان هناك باب صغير فاتجه إليه، كان الباب مغلقًا فعالجه بحكمة حتى انفتح. كان الباب يؤدِّي إلى صالة متوسطة في يمينها باب آخَر، ما كاد يضع يده على أكرة الباب حتى سرى تيار عنيف في جسده جعله يطير في الهواء، لكن لحسن الحظ فإن اندفاعه لم يكن قويًّا، سقط على الأرض، وبسرعة أخرج من جيبه قطعتَين من مادة معيَّنة لاصقة فألصق كل واحدة في نعل حذائه، ثم أسرع إلى الباب وفتحه، فلم يتأثر بالتيار الكهربي. كان يجلس أمامه مباشرة رجل ضئيل الحجم، غزير الشعر. ما إن سمع صوت الباب يفتح حتى استدار. لمعت عينا «أحمد»، لقد كان هو نفسه خبير العقول الإلكترونية كما وصفه رقم «صفر»، وقف الرجل ينظر إلى «أحمد» في ذهول.

قال «أحمد» مبتسمًا وفي هدوء: السيد الخبير؟

لم ينطق الرجل.

قال «أحمد»: هل تؤدي لنا خدمة؟

قال الرجل متلعثمًا: أ… أ… أ… أنا؟

قال «أحمد»: نعم، أنت، أنت. لدينا عقلٌ نريد إصلاحه.

قال الرجل وهو يتهته: ﻋ… ﻋ… ﻋﻘ… عقلٌ. ﻧ… ﻧ… نعم. أ… أ… أ… أين؟

تأكَّدَ «أحمد» أنه الرجل، فسأله: هل يمكننا التعرف عليك؟

أجاب الرجل: ﻣَ… ﻣَ… مَن؟ ﻣ… مَن أ… أ… أنت؟

في لحظة كان «أحمد» قد قفز إليه، وأمسك بذراعه ولواها في قوة، فصرخ الرجل.

سأله «أحمد»: مَن أنت؟

قال الرجل بنفس التهتهة: إ… إ… إنني، أ… أ… أُدعى ﺟ… جيرار.

كان «أحمد» قد شمل الحجرة كلها بنظرة سريعة، فقد كانت الحجرة مملوءة بالأجهزة المعقدة، وضغط ذراع الرجل فتأوَّه متألِّمًا.

أخرج «أحمد» مسدسه، ثم قال: أغلق الحجرة.

نظر الرجل في اتجاهه لحظةً، ثم مدَّ يده وضغط زرًّا فانغلق الباب.

قال «أحمد»: اكشف المقر.

بعد لحظة قال الرجل: د… د… دع ذ… ذ… ذر… ذراعي لأﻋ… لأستطيع أن أعمل.

ترك «أحمد» ذراعه، تأوَّه الرجل لحظةً وهو يفرد ذراعه، ثم فاجأ «أحمد» بضربة قوية جعلته يتلوَّى ويئِنُّ، إلا أنه وبسرعةٍ وقبل أن يستطيع الرجل أيَّ حركة كان «أحمد» قد ضربه ضربة قوية، فسقط الرجل على الأرض، وبسرعة أيضًا رفعه «أحمد» بين ذراعَيه، وقال: اكشف المقر وإلا قضيتُ عليك.

وضعَه فوق مقعده. ورغم أن الألم كان شديدًا إلا أنه مرَّ بأصابعه على عدة أزرار، فأُضيئَت الشاشات المثبَّتة أمامه، ثم ظهرت كل تفاصيل المقر. رأى «أحمد» مجموعة الشياطين مشتبكة مع عدد من الرجال، فعرف أن هذه معركة أخرى. فجأةً كانت سكينٌ طويلة قد مرَّت بجوار جسمه مباشرة حتى إنها قطعت طرف قميصه.

كان «جيرار» قد ضغط زرًّا صغيرًا بجواره، فاندفعت السكين من أحد الأجهزة الموجودة، وعرف «أحمد» أنه يمكن أن ينتهي دون أن يدري، ولذلك فقد جذب «جيرار» بسرعة وأبعده عن الأجهزة. وفي لحظة كان قد أوثقه حتى لا يستطيع استخدام يدَيه، وبدأ يُلقي إليه التعليمات، ويقوم هو بالتنفيذ.

قال له: أريد أن أتحدَّث إلى الزعيم.

لم ينطق «جيرار»، ظل لحظة ينظر إلى «أحمد» ثم قال: ﻫ… ﻫ… هذا الزر.

كان الزر بعيدًا، حتى إنه لا بد أن ينحني «أحمد» إلى الأمام حتى يستطيع الضغط عليه. لكن في لحظة سريعة فكَّر «أحمد»: قد تكون خدعة، جذب «جيرار» وأوقفه أمامه ووقف خلفه، ثم انحنى ليضغط الزر.

صاح «جيرار»: لا، لا!

فهم «أحمد» أنها خدعة فعلًا، فلكزه بطرف مسدسه، فأشار إلى زرٍّ آخَر، دفعه أمامه، ثم ضغط الزر، فظهر الزعيم، كان رجلًا قميئًا، تبدو عليه علامات المرض. ولم يكن ضخمًا، كان متوسط الحجم، لكنَّ عينَيه تلمعان في حِدَّة.

قال يتحدَّث إليه: أيها الزعيم، لقد انتهى كل شيء.

تحدَّث الزعيم: مَن أنت؟ كان الصوت رفيعًا وكأنه يأتي من مكان مجهول.

قال «أحمد» في هدوء: إنني مندوب بنك إسبانيا.

لمعت عينا «جيرار».

فقال «أحمد»: إنها سرقة ذكية، أليس كذلك؟

شحب وجه «جيرار»، بينما استمرَّ «أحمد» في كلامه إلى الزعيم: إن صفقة الماس لن تتم، وينبغي تسليم كل شيء.

فجأة تشمم «أحمد» رائحة غريبة، نظر إلى «جيرار» الذي لم يكن قد تحرك من مكانه وقال له: ما هذه الرائحة؟

نظر «جيرار» إلى مكان في الحجرة، ثم قال: ﻫ… ﻫ… هذا الزر.

فضغطه «أحمد» بسرعة، ثم انتظر. أخذت الرائحة تخف. وعندما سأل «جيرار»، عرف أن هذه إحدى الطرق التي يلجأ إليها الزعيم إذا حدثت مشكلة.

تحدث «أحمد» إلى الشياطين الذين كانوا قد انتهوا من معركتهم: أيها الأصدقاء لقد انتهى كل شيء، الاتجاه ش، ق.

رآهم على شاشات التليفزيون المثبَّتَة أمامه وهم يأخذون طريقهم إليه، كانت هذه هي حجرة التحكُّم في المقر كله، ولا يستطيع أحد أن يفعل شيئًا إلا من داخلها، ولذلك فقد أحكم إغلاق كلَّ منافذ المقر. وفي لحظةٍ أرسل رسالة إلى رقم «صفر» الذي رد مباشرة: إنهم في الطريق إليكم.

دخل الشياطين الحجرة، وفي لحظات كانت الشاشات تنقل صور رجال الشرطة السويسريين وهم يقتربون بسياراتهم من باب المقر. فتح لهم البوابة الضخمة، ثم ساق «جيرار» أمامه في نفس الوقت الذي وصل فيه رجال الشرطة.

نظر الشياطين إلى بعضهم، فرفع «قيس» إصبعَيه يرسم علامة النصر، ثم أخذوا طريقهم إلى الخارج. بينما كان رجال الشرطة يقومون بعملهم.

أرسل «أحمد» رسالة إلى رقم «صفر»: انتهى كل شيء. الملايين عادت أيضًا.

وكان الرد: الاجتماع غدًا في العاشرة، هناك عمل سريع جديد.

نقل «أحمد» الرسالة إلى الشياطين، فضحكوا جميعًا؛ فقد عرفوا أنهم سوف يبدءون إجازة جديدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤