الدَّجاجَةُ الصَّغِيرَةُ الْحَمْراءُ
(١) الأَصْدِقاءُ الثَّلاثَةُ
هَذِهِ الْحَيَوانَاتُ بِطَبِيعَتِها تَأْلَفُ الإِنْسانَ، وَلا تُؤْذِيهِ، وَالإِنْسَانُ لا يَنْفِرُ مِنْها، بَلْ إِنَّهُ يَأْلَفُها، وَيَنْتَفِعُ بِهَا. الْحَيَواناتُ الْأَلِيفَةُ أَجْنَاسٌ غَيْرُ أَجْناسِ الْحَيَواناتِ الْمُفْتَرِسَةِ. تِلْكَ الْحَيَواناتُ الَّتِي تَعِيشُ فِي الْغاباتِ وَفِي الصَّحارَى، فَهِيَ لا تَعِيشُ مَعَ الْإِنْسانِ، وَلا يَسْتَطِيعُ هُوَ الْعَيْشُ مَعَها.
أَبْطالُ حِكايَتِنا هذِهِ، ثَلاثَةٌ مِنَ الْحَيَواناتِ الْمُؤْتَلِفَةِ، تَعِيشُ أَفْرادُهَا مُتَجاوِرَةً مُتَعارِفَةً، فِي أَماكِنَ مُتَقارِبَةٍ.
وَدَجاجَتُنَا النَّشِيطَةُ تُحِسُّ بِواجِبِها، وَتَعْرِفُ ما عَلَيْها؛ فَهِيَ تَحْرِصُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى أَنْ تَنامَ فِي مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ لِكَيْ تَصْحُوَ مِنْ نَوْمِهَا عِنْدَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ.
فَإِذا اسْتَيْقَظَتْ، أَطْلَقَتْ بِصَوْتِها الْحَنُونِ قَرْقَرَةً أَنِيسَةً؛ فَلا تَلْبَثُ أَفْراخُها الصِّغارُ أَنْ تَسْتَيْقِظَ كَما تَعَوَّدَتْ، فَتَمْضِيَ الْأَمُّ سَاعِيَةً فِي طَلَبِ الرِّزْق، وَوَراءَها الْأَفْرَاخُ.
كانَتِ الدَّجاجَةُ الْأُمُّ تَنْبُشُ فِي جَوانِبِ الْأَرْضِ، تَلْقُطُ ما تَعْثُرُ عَلَيْهِ فِيها مِنَ الْحُبُوبِ وَالثَّمَراتِ، وَتَظَلُّ تُغَرْبِلُ الْحُبُوبَ لِتَجْعَلَها خالِيَةً مِنَ الْحَصَى وَالتُّرَابِ … وَتَخْتارُ الْحَبَّاتِ الصِّغارَ الَّتِي تُناسِبُ حُلُوقَ الْأَفْرَاخِ، فَتُقْبِلُ الأَفْرَاخُ عَلَى الْحَبَّاتِ مُتَزَاحِمَةً، وَتَلْتَقِطُهَا مَسْرُورَةً.
أَمَّا الدَّجاجَةُ فَإِنَّها بَعْدَ الِاطْمِئْنانِ إِلَى شِبَعِ أَفْراخِها تَأْكُلُ ما اسْتَبْقَتْهُ مِنَ الْحَبَّاتِ الْكِبارِ، وَالثَّمَراتِ الضِّخامِ.
(٢) سُنْبُلَةُ الْقَمْحِ
فِي الصَّباحِ خَرَجَتِ الدَّجاجَةُ كَعادَتِها ساعِيَةً لِرِزْقِهَا. وَجَعَلَتْ تَتَنَقَّلُ فِي جَوانِبِ الْأَرْضِ الْفَسِيحَةِ، هُنا وَهُنالِكَ.
أَخِيرًا عَثَرَتْ عَلَى كُومَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْقَشِّ وَالْحَشَائِشِ، أَخَذَتْ تَبْحَثُ فِيها عَمَّا تَأْكُلُهُ، أَوْ يَأْكُلُهُ أَفْراخُها.
الدَّجاجَةُ ظَلَّتْ تَنْبُشُ فِي هَذِهِ الْكُومَةِ بَعْضَ الْوَقْتِ. صادَفَتْ شَيْئًا ثَمِينًا جَعَلَها تُفَكِّرُ فِيهِ تَفْكِيرًا عَمِيقًا، شَعَرَتْ كَأَنَّها وَجَدَتْ لُؤْلُؤْةً، أَوْ ياقُوتَةً، أَوْ زُمُرُّدَةً. عَجِبَتْ لِلشَّيْءِ الَّذِي وَجَدَتْهُ فِي كُوْمَةِ الْقَشِّ وَالْحَشَائِشِ. لَمْ يَكُنْ مِنَ الْجَوَاهِرِ النَّادِرَةِ، أَوْ مِنَ الدُّرَرِ النَّفِيسَةِ. هذَا الشَّيْءُ كانَ — فِي نَظَرِها — أَغْلَى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. كُلُّ الَّذِي وَجَدَتْهُ الدَّجاجَةُ فِي كُومَةِ الْقَشِّ وَالْحَشَائِشِ: سُنْبُلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْقَمْحِ، حَبَّاتُها ناضِجَةٌ، وَلَوْنُها ذَهَبِيٌّ.
قالَتِ الدَّجاجَةُ لِنَفْسِها وَهِيَ تَنْظُرُ إِلَى سُنْبُلَةِ الْقَمْحِ: «طالَما وَجَدْتُ حَبَّةَ قَمْحٍ، أَوْ حَبَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاثَ حَبَّاتٍ. كُنْتُ آكُلُ مَعَ صِغارِي حَبَّ الْقَمْحِ الَّذِي أَجِدُهُ. أَمَّا الْآنَ فَإِنِّي قَدْ ظَفِرْتُ بِسُنْبُلَةِ قَمْحٍ كامِلَةٍ لَيْسَ مِنَ الْخَيْرِ لِي، وَلا لِأَفْراخِي، أَنْ نَأْكُلَ حَبَّاتِها. الْأَحْسَنُ أَنْ نَسْتَبْقِيَ حَبَّاتِ السُّنْبُلَةِ، لا نَأْكُلُ مِنْها شَيْئًا. خَطَرَتْ لِي فِكْرَةٌ مُفِيدَةٌ، يَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَهْتَمَّ بِها. أَجْعَلُ مِنْ حَبَّاتِ السُّنْبُلَةِ بُذُورًا، أَضَعُها فِي الأَرْضِ. سَتَنْبُتُ الْبُذُورُ فَتُصْبِحُ قَمْحًا كَثِيرًا، نَأْكُلُ مِنْهُ شُهُورًا.»
فَرِحَتِ الدَّجاجَةُ الْحَمْرَاءُ بِهذِهِ الْفِكْرَةِ الَّتِي خَطَرَتْ لَهَا. اِسْتَقَرَّ رَأْيُهَا عَلَى أَنْ تَتَّخِذَ الْوَسِيلَةَ لِتَنْفِيذِ فِكْرَتِهَا.
اَلدِّيكَ وَالْبَطَّةُ رَأَيا عَلَى الْبُعْدِ الدَّجاجَةَ وَمَعَها السُّنْبُلَةُ. كَانَا يَظُنَّانِ أَنَّها فَرِحَتْ بِالسُّنْبُلَةِ، لِتَأْكُلَها مَعَ أَفْراخِها.
(٣) اَلصَّدِيقانِ لا يَقْتَنِعانِ
جاءَ الدِّيكُ وَالْبَطَّةُ، لِكَيْ يُهَنِّئا الدَّجاجَةَ بِما ظَفِرَتْ بِهِ. قالا لَها: «سَتَكُونُ السُّنْبُلَةُ طَعامًا شَهِيًّا لَكِ وَلِأَفْرَاخِكِ.»
قالَتْ لَهُما الدَّجاجَةُ: «أَتَظُنَّانِ أَنَّنَا سَنَأْكُلُ حَبَّاتِ السُّنْبُلَةِ؟»
قالا لَها: «وَماذا تَفْعَلِينَ بِها — إِذَنْ — أَيَّتُهْا الدَّجاجَةُ؟»
قالَتْ لَهُما: «عِنْدِي فِكْرَةٌ: أَنْ أُنْشِئَ بِها مَزْرَعَةَ قَمْحٍ.»
تَضاحَكَ الدِّيكُ الرُّومِيُّ والْبَطَّةُ السَّمِينَةُ مِمَّا سَمِعَاهُ مِنْهَا. قالا لَها: «كَيْفَ تُنْشِئِينَ مَزْرَعَةَ قَمْحٍ، يا أُخْتَنَا الْعَزِيزَةَ؟!»
لَمْ تَدَّخِرِ الدَّجاجَةُ وُسْعًا فِي تَوْضِيحِ الْفِكْرَةِ لِصَدِيقَيْهَا.
طَلَبَتْ مِنْهُما الِاقْتِنَاعَ بِها، وأَنْ يَشْتَرِكَا مَعَها فِي إِنْجازِها.
قالَتْ لَهُما: «إِنَّ اشْتِراكَ كُلٍّ مِنْكُما سَيُيَسِّرُ الأَمْرَ عَلَيَّ. سَنَبْذُلُ فِي سَعْيِنا كُلَّ طاقاتِنا، لِكَيْ نَبْلُغَ بِذَلِكَ غَرَضَنا. سَنَتَعاوَنُ جَمِيعًا، فَنَشْتَرِكُ فِي الْجُهْدِ، وَنَتَقاسَمُ الثَّمَرَةَ.»
الدِّيكُ الرُّومِيُّ واجَهَ الدَّجاجَةَ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ يَنْفُشُ رِيشَهُ: «ماذا يَدْعُونِي أَنا إِلَى بَذْلِ الْعَناءِ والتَّعَبِ فِي الزِّراعَةِ؟ إِنِّي أَلْتَقِطُ ما يَزْرَعُهُ غَيْرِي، بلا عَناءٍ وَلا تَعَبٍ. ما الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الْفِكْرَةَ الْعَجِيبَةَ تَخْطُرُ بِبَالِكِ؟! لَقَدْ نَشَأْنَا جَمِيعًا وَنَحْنُ نَجِدُ أَنْفُسَنا عَلَى هَذِهِ الْحالِ. لِماذا تَطْلُبِينَ الْآنَ مِنَّا تَغْييرَ ما نَشَأْنا عَلَيْهِ وَتَعَوَّدْنَاهُ؟!»
قالَتِ الدَّجاجَةُ: «لَمْ يَسْبِقْ لَنا أَكْلُ شَيْءٍ صَنَعْناهُ. لَمْ يَسْبِقْ لَنا أَنْ نَذُوقَ لَذَّةَ الْفَرَحِ بِثَمَرَةِ الْعَمَلِ. نَحْنُ بِطَبِيعَتِنَا نَعِيشُ عَلَى مَا تَأْتِي بِهِ الْمُصَادَفَةُ. إِذا وَجَدْنا شَيْئًا الْتَقَطْناهُ، وَسُعِدْنا بِهِ، وَإِلَّا واصَلْنا السَّعْيَ.»
يَئِسَتِ الدَّجاجَةُ مِنْ إِقْناعِ الدِّيكِ، وَخابَ ظَنُّهَا بِهِ. تَكَدَّرَتْ نَفْسُها لِتِلْكَ النَّتِيجَةِ، لَكِنَّها لَمْ تَسْتَسْلِمْ لِلْيَأْسِ. اِتَّجَهَتْ إِلَى صَدِيقَتِها الْبَطَّةِ السَّمِينَةِ، تُجَرِّبُ حَظَّها مَعَها.
قالَتِ الدَّجاجَةُ لِلْبَطَّةِ مُتَوَدِّدَةً: «ما رَأْيُكِ فِي مُعَاوَنَتِي؟»
أَجابَتْها الْبَطَّةُ وَهِيَ تَمِيلُ بِجِسْمِها الْمُكْتَنِزِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً: «أُصَارِحُكِ يَا دَجاجَتَنا الْحَمْراءَ بِأَنَّكِ فِي هذا تَحْلُمِينَ. لَقَدْ خَيَّلَ لَكِ نَشَاطُكِ، أَنَّكِ تَسْتَطِيعِينَ عَمَلَ كُلَّ شَيْءٍ!. هَلْ تَرَيْنَ أَنَّ فِي إِمْكَانِكِ وَحْدَكِ أَنْ تُصْبِحِي زارِعَةً؟! أَفِي مَقْدُورِكِ احْتِمالُ ما تَتَطَلَّبُهُ الزِّرَاعَةُ مِنْ عَنَاءٍ وَجُهْدٍ؟! هَلْ تُطِيقِينَ الصَّبْرَ، حَتَّى تُنْبِتَ الْأَرْضُ سَنَابِلَ الْقَمْحِ؟»
قالَتِ الدَّجاجَةُ: «لَقَدْ أُتِيحَتْ لَنا فُرْصَةٌ لَمْ تُتَحْ مِنْ قَبْلُ. هَذِهِ سُنْبَلَةُ قَمْحٍ، صالِحَةٌ لِأَنْ تَكُونَ مَزْرَعَةً مُتَجَدِّدَةً. لِماذا نُضِيعُ الْفُرْصَةَ، وَنَعِيشُ عالَةً عَلَى الْتِقَاطِ الْفُتاتِ؟!»
هُنا انْتَفَشَ الدِّيكُ الرُّومِيُّ وَكَرْكَرَ، وَأَطْلَقَ صَوْتَهُ قَائِلًا: «أَيَّتُها الدَّجاجَةُ: اِزْرَعِي وَحْدَكِ سُنْبُلَتَكِ. دَعِينا وَشَأْنَنا. خَلِّينا نَسْتَمْتِعْ بِوَقْتِنا، وَلا نُضَيِّعْ عُمْرَنا فِي خَيالٍ مُحَالٍ!»
(٤) الدَّجاجَةُ تَزْرَعُ
سَمِعَتِ الدَّجاجَةُ قَوْلَ صاحِبَيْها، فَكادَتْ تَفْقِدُ عَزِيمَتَها. لَقَدْ حاوَلَ الدِّيكُ وَالْبَطَّةُ إِقْنَاعَهَا بِأَنَّ فِكْرَتَهَا خَاطِئَةٌ. لَكِنَّهَا لَمْ تَسْتَسْلِمْ لِلشُّعُورِ بِالْيَأْسِ، وَقَالَتْ لِنَفْسِهَا: «أَمَّا الدِّيكُ الرُّومِيُّ، فَهُوَ غَارِقٌ فِي زَهْوِهِ وَتَعَاظُمِهِ! وَأَمَّا الْبَطَّةُ فَهِيَ مُتَكاسِلَةٌ، لا يَهُمُّها إِلَّا اكْتِنازُ جِسْمِها! لا أَمَلَ لِي فِي أَنْ أَجِدَ مِنْهُمَا مُشارَكَةً، أَوْ مُسَاعَدَةً. هَلْ أَعْدِلُ عَنْ تَنْفِيذِ فِكْرَتِي، لِأَنَّهُما تَخَلَّيا عَنْ مَعُونَتِي؟ سَأَعْمَلُ عَلَى إِنْجَازِ قَصْدِي، وَلَوْ بَذَلْتُ الْجُهْدَ وَحْدِي.»
قَوَّتِ الدَّجاجَةُ مِنْ عَزْمِها، وَعَوَّلَتْ عَلَى نَفْسِها. اشْتَدَّتْ حَماسَتُها، لِتَنْفِيذِ بُغْيَتِها، مَهْما يَكُنْ مِنْ صُعُوبَتِها. شَرَعَتْ تَضْرِبُ جَوَانِبَ الْأَرْضِ بِالْفَأْسِ، مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. لَمْ تَتْرُكْ كُتْلَةً مِنْ طِينِ الْأَرْضِ، إِلَّا قَلَّبَتْها وَفَرَكَتْها. نَثَرَتْ كُلَّ حَبَّاتِ السُّنْبُلَةِ، فِي مَوَاضِعَ منَ الْأَرْضِ مُتَقَارِبَةٍ. لَبِثَتْ عَلَى مَدَى الْأَيَّامِ تَتَعَهَّدُ مَزْرَعَةَ الْقَمْحِ بِالسَّقْيِ. كانَتْ تَقُومُ بِذلِكَ، مَمْلُوءَةَ النَّفْسِ بِالْأَمَلِ والاسْتِبْشَارِ.
أَمَّا الدِّيكُ والْبَطَّةُ فكانا عَلَى بُعْدٍ مِنْها، يَرْقُبَانِ عَمَلَها. كانا يَرَيانِها وَهِيَ دَائِبَةٌ، تُتْعِبُ نَفْسَها، وَتَبْذُلُ جُهْدَها.
نَفَشَ الدِّيكُ الرُّومِيُّ رِيشَهُ سَاخِرًا مِنْها، وَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: «أَنْتِ تُشْقِينَ نَفْسَكِ بِهذا الْعَمَلِ الَّذِي لا جَدْوَى مِنْهُ. لَقَدْ خَسِرْتِ حَبَّاتِ السُّنْبُلَةِ الَّتِي وَضَعْتِهَا فِي بَاطِنِ الأَرْضِ. لَوْ أَرَدْتِ الْآنَ اسْتِرْجاعَها، لَما وَجَدْتِ إِلَى ذَلِكِ سَبِيلًا. ما دَفَعَكِ إِلَى هذا الْعَمَلِ، إِلَّا طَمَعٌ لا ثَمَرَةَ لَهُ.»
أَقْبَلَتِ الْبَطَّةُ عَلَى الدَّجاجَةِ تَلُومُها عَلَى ما فَعَلَتْ، قَائِلَةً: «يَحْزُنُنِي أَنَّكِ حَرَمْتِ نَفْسَكِ وَأَفْراخَكِ حَبَّاتِ السُّنْبُلَةِ. لَيْتَكِ اقْتَنَعْتِ بِما تَيَسَّرَ لَكِ مِنْ حَبَّاتِ السُّنْبُلَةِ الْوَافِرَةِ.»
اِسْتَمَعَتِ الدَّجاجَةُ إِلَى كُلِّ ما قالَهُ الدِّيكُ وَالْبَطَّةُ. لَمْ تُبالِ بِسُخْرِيَةِ الدِّيكِ وَلَوْمِ الْبَطَّةِ، بَلْ قالَتْ لَهُما: «إِنَّ تَفْكِيرَكُما قَاصِرٌ، وَهُو تَفْكِيرُ كُلِّ خَامِلٍ كَسُولٍ. مَنْ يَقْتَصِرُ تَفْكِيرُهُ عَلَى يَوْمِهِ الْحاضِرِ، إِنَّما هُوَ غَبِيٌّ جَهُولٌ. لا هِمَّةَ لِمَنْ لا يَمْتَدُّ عَمَلُهُ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ الْقَرِيبِ الْمَأْمُولِ. أَخْبِرَانِي يَا صاحِبَيَّ: حَتَّى مَتَى نَعِيشُ عَلَى فُتاتِ الْأَرْضِ؟! لِماذا لا نَقُومُ بِعَمَلٍ بَنَّاءٍ، يُنَظِّمُ عَيْشَنا وَيُرَقِّي حَياتَنا؟! نَحْنُ بِهذا الْعَمَلِ الْبَنَّاءِ، نُصْبِحُ سَادَةً كِرَامًا فِي أَرْضِنَا. نُوَفِّرُ لأَنْفُسِنا رِزْقَنا بِعَرَقِنا، وَنَأْكُلُ طَعامَنا مِنْ كَدِّ أَيْدِينا. إِذا فَعَلْنا ذلِكَ، ضَمِنَّا أَنْ تَتَوافَرَ حَياةٌ طَيِّبَةٌ لَنا.»
نَفَشَ الدِّيكُ الرُّومِيُّ رِيشَهُ، وَمَضَى فِي تَكَبُّرٍ وَاسْتِعْلاءٍ. حَذَتِ الْبَطَّةُ حَذْوَهُ، وَتَمايَلَتْ فِي مِشْيَتِهَا الْبَطِيئَةِ خَلْفَهُ.
كُلٌ مِنْهُمَا مَضَى، كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الدَّجاجَةِ شَيْئًا!
(٥) ظُهُورُ الثَّمَراتِ
بَعْدَ شَهْرَيْنِ، ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَوادِرُ الثَّمَرَاتِ. ثُمَّ تَوالَى خُرُوجُ السَّنابِلِ الْجَمِيلَةِ، عامِرَةً بِحَبَّاتِ الْقَمْحِ.
شَدَّ ما فَرِحَتِ الدَّجاجَةُ بِرُؤْيَةِ الثَّمَرَاتِ، وَهِيَ زَاهِيَةٌ. جَعَلَتِ الْأَفْراخُ الصِّغارُ تَحُومُ حَوْلَ السَّنَابِلِ مَسْرُورَةً بِرُؤْيَتِها. خَشِيَتِ الْأُمُّ عَلَى السَّنَابِلِ النَّاشِئَةِ، أَنْ يُصِيبَها ضَرَرٌ. مَنَعَتْ أَفْراخَها مِنْ أَنْ يَمُدُّوا أَفْوَاهَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ إِلَيْهَا. طَلَبَتْ إِلَيْهِمُ الِانْتِظارَ، حَتَّى تَنْضَجَ سَنَابِلُ الْقَمْحِ فِي أَمَانٍ.
مَرَّ الدِّيكُ الرُّومِيُّ وَالْبَطَّةُ السَّمِينَةُ بِالْمَزْرَعَةِ، فَرَأَيا عَجَبًا! لَمْ يُصَدِّقْ كُلٌّ مِنْهُما عَيْنَيْهِ، وَهُوَ يَرَى الْقَمْحَ فِي سَنابِلِهِ.
شَعَرَتِ الدَّجاجَةُ بِالْفَخْرِ أَمامَ الدِّيكِ والْبَطَّةِ، وَقالَتْ: «رَأَيْتُما كَيْفَ نَجَحَتِ الْفِكْرَةُ؟ وَكَيْفَ ظَهَرَتِ الثَّمَرَةُ؟ تَعالَيا نَتَعاوَنْ فِي حَصْدِ الْقَمْحِ، وَإِعْدادِهِ لِلطَّحْنِ وَالْخَبْزِ.»
قالَ الدِّيكُ لِلدَّجاجَةِ: «أَظْهَرْتِ مَهارَتَكِ فِي الزَّرْعِ. أَنْتِ بَدَأْتِ الْعَمَلَ وَحْدَكِ، دُونَ شَرِيكٍ، فَأَتِمِّيهِ وَحْدَكِ. لا تَنْتَظِرِي مِنِّي يَا عَزِيزَتِي أَنْ أَتَدَخَّلَ فِي عَمَلِكِ.»
وَقالَتِ الْبَطَّةُ: «كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُسَاعِدَكِ فِيما تَعْمَلِينَ. لَكِنَّكِ تَعْلَمِينَ أَنِّي سَمِينَةٌ، لا أَسْتَطِيعُ بَذْلَ أَيَّ جُهْدٍ. أَمَّا أَنْ أَذُوقَ حَبَّاتِ قَمْحِكِ، فَهذا لا مانِعَ لَدَيَّ مِنْهُ.»
ضَحِكَتِ الدَّجاجَةُ مِمَّا سَمِعَتْ، وَقالَتْ لِلدِّيكِ وَالْبَطَّةِ: «لا أَمَلَ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِكُما، بَعْدَما سَمِعْتُهُ مِنْكُمَا. زَرَعْتُ الْقَمْحَ وَحْدِي، سَأَحْصُدُهُ، وَأَطْحَنُهُ، وَأَخْبِزُهُ وَحْدِي.»
اِعْتَمَدَتِ الدَّجاجَةُ عَلَى نَفْسِها فِي أَنْ تَنْفَرِدَ بِالْعَمَلِ كُلِّهِ. أَخَذَتْ تَحْصُدُ سَنَابِلَ الْقَمْحِ، وَتُنَقِّي الْحَبَّاتِ مِنَ الْغَلَثِ. وَضَعَتْ فِي سَلَّةٍ كَمِّيَّةً كَبِيرَةً مِنْ حَبَّاتِ الْقَمْحِ الْمُنَقَّى. اِعْتَزَمَتْ أَنْ تَحْمِلَ السَّلَّةَ، وَتَقْصِدَ بِها إِلَى الطَّاحُونِ.
(٦) حَدِيثُ الطَّحَّانِ
لَمَّا رَآها الطَّحَّانُ تَحْمِلُ السَّلَّةَ، أَنْزَلَها عَنْها، وَقالَ لَها: «لا شَكَّ فِي أَنَّكِ لَقِيتِ عَناءً شَدِيدًا فِي حَمْلِ السَّلَّةِ! مِنْ أَيْنَ جِئْتِ بِهذِهِ السَّنابِلِ الْعَامِرَةِ بِحَبَّاتِ الْقَمْحِ؟»
قالَتْ لَهُ: «وَجَدْتُ سُنْبُلَةَ قَمْحٍ، فَزَرَعْتُ حَبَّاتِهَا.»
قالَ لَها: «لا بُدَّ أَنَّ صاحِبَيْكِ: الدِّيكَ وَالْبَطَّةَ ساعَداكِ.»
أَجَابَتْهُ: «إِنَّهُما لَمْ يَرْضَيا أَنْ يَشْتَرِكا مَعِي فِي شَيْءٍ.»
عَجِبَ الطَّحَّانُ مِنْ صُنْعِها، وَأُعْجِبَ بِفِكْرَتِهَا وَهِمَّتِها. قالَ لَها: «اَلْإِرادَةُ الْقَوِيَّةُ تَصْنَعُ لِصاحِبِها الْمُعْجِزَاتِ.»
قالَتْ: «أَرَدْتُ أَنْ آكُلَ طَعامًا حَصَلْتُ عَلَيْهِ بِجُهْدِي.»
وَعَدَها بَأَنْ يَقُومَ بِطَحْنِ الْقَمْحِ الَّذِي جَلَبَتْهُ، دُونَ جَزاءٍ. قالَ لَها: «سَتَجِدِينَ سَنابِلَ الْقَمْحِ: دَقِيقًا مَنْخُولًا نَاعِمًا.»
وَعَدَتْهُ بِأَنْ تُقَدِّمَ لَهُ فَطِيرَةً كَبِيرَةً مِنْ خَبِيزِ يَدَيْهَا.
(٧) رَفْضُ التَّعَاوُنِ
رَجَعَتِ الدَّجاجَةُ مِنْ عِنْدِ الطَّحَّانِ، تَحْمِلُ سَلَّة الدَّقِيقِ. ما لَبِثَتْ أَنْ دَعَتْ كُلًّا مِنَ الدِّيكِ والْبَطَّةِ إِلَى التَّحَدُّثِ مَعَها.
حَضَرا إِلَيْها، وَعَجِبا مِنْ رُؤْيَةِ سَلَّةِ الدَّقِيقِ أَمامَها.
قالَتْ لَهُما: «أَنْتُما تَرَيانِ: كَيْفَ أَصْبَحَ الْقَمْحُ دَقِيقًا! تَمَّتْ مَرْحَلَتَانِ أَسَاسِيَّتانِ هُما: مَرْحَلَةُ الزَّرْعِ وَمَرْحَلَةُ الطَّحْنِ. هُناكَ مَرْحَلَةٌ تالِيَةٌ، وَهِيَ: الْعَجْنُ، فَهَلْ تَشْتَرِكَانِ مَعِي؟»
قالَ الدِّيكُ: «لَا شَأْنَ لِي بِهَذَا الدَّقِيقِ، أَيَّتُها الدَّجاجَةُ. لَوْ تَرَكْتِهِ قَمْحًا لَأَكَلْنا مِنْهُ.. أَمَّا الدَّقِيقُ فَلا يُؤْكَلُ.»
قالَتِ الْبَطَّةُ الْكَسُولُ: «لا نَشْتَرِكُ فِي الْعَجْنِ، يا أُمَّ دَقِيقٍ. كَفَى مِنْكِ أَنَّكِ أَفْسَدْتِ عَلَيْنا حَبَّاتِ الْقَمْحِ النَّاضِجَةَ.»
قالَ الدِّيكُ: «عَلَيْكِ الْقِيَامُ بِهذِهِ الْمَرْحَلَةِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا.»
قالَتِ الْبَطَّةُ: «سَنَقْنَعُ بِفُتاتِ الْأَرْضِ الَّذِي لا عَناءَ فِيهِ.»
ضَاقَ صَدْرُ الدَّجاجَةِ بِما سَمِعَتْهُ مِنْ صاحِبَيْها. أَدْهَشَها أَنَّ الدِّيكَ وَالْبَطَّةَ مُصِرَّانِ عَلَى رَفْضِ التَّعاوُنِ مَعَها. كانَتْ تَنْتَظِرُ مِنْهُما أَنْ يَفْرَحا بِنَجاحِ الْمَرْحَلَتَيْنِ الْأَساسِيَّتَيْنِ. لَكِنَّهُمَا جَعَلا يَقْلِبانِ الْحَقَائِقَ الْوَاضِحَةَ الَّتِي لا خِلافَ عَلَيْهَا. إِنَّهُما يُصَوِّرانِ تَحْوِيلَ الْقَمْحِ إِلَى دَقِيقٍ، عَلَى أَنَّهُ إِفْسَادٌ! هُما إِذَنْ يَبْغِيانِ أَنْ يَسْتَمِرَّا عَلَى الْقَناعَةِ بِفُتاتِ الْأَرْضِ! هُما لا يُرِيدانِ تَطْوِيرَ عَيْشِهِما، وَالِارْتِفاعَ بِمُسْتَوَى حَياتِهِما! الدِّيكُ الرُّومِيُّ مُسْتَرْسِلٌ فِي زَهْوِهِ الْكَاذِبِ، وَتَعَاظُمِهِ الْمُزَيَّفِ. الْبَطَّةُ راضِيَةٌ بِالْكَسَلِ وَالْخُمُولِ، مُسْتَكِينَةٌ إِلَى جِسْمِهَا الثَّقِيلِ.
قَالَتِ الدَّجاجَةُ لِنَفْسِها: «لا فَائِدَةَ مِنْ نُصْحِ الْجُهَلاءِ. لا بَأْسَ عَلَيَّ مِنْ امْتِنَاعِ الصَّاحِبَيْنِ عَنْ مَعُونَتِي فِي الْعَمَلِ. زَرَعْتُ وَحْدِيَ الْقَمْحَ، وَنَجَحْتُ، ذَهَبْتُ لِطَحْنِهِ وَأَفْلَحْتُ. لا شَكَّ أَنَّ عَمَلِيَّةَ الْعَجْنِ، أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنَ الزَّرْعِ وَالطَّحْنِ.»
(٨) اَلدَّجاجَةُ تَعْجِنُ وَتَخْبِزُ
شَرَعَتِ الدَّجاجَةُ فِي عَجْنِ مِقْدارٍ طَيِّبٍ مِنَ الدَّقِيقِ.
الْبَطَّةُ السَّمِينَةُ قَابِعَةٌ فِي رُكْنٍ قَرِيبٍ، تُرِيحُ جَسَدَهَا.
الدِّيكُ الرُّومِيُّ جَالِسٌ عَلَى رَفٍّ عَالٍ، لِيُرْضِيَ كِبْرِيَاءَهُ.
الدِّيكُ وَالْبَطَّةُ يَرْقُبَانِ الدَّجاجَةَ، وَهِيَ تُمارِسُ عَمَلَها.
مَكَثَتِ الدَّجاجَةُ تَلُتُّ الدَّقِيقَ وَتَعْجِنُهُ بِجَنَاحَيْهَا الْقَوِيَّيْنِ. أَمْضَتْ وَقْتًا وَهِيَ عَاكِفَةٌ تَعْمَلُ، حَتَّى أَتَمَّتْ عَجْنَ الدَّقِيقِ. اِطْمَأَنَّتْ إِلَى أَنَّ الْعَجِينَ أَصْبَحَ صَالِحًا لِأَنْ يَخْتَمِرَ. وَقَفَتْ تَنْتَظِرُ بَعْضَ الْوَقْتِ، حَتَّى اخْتَمَرَ عَلَى خَيْرِ وَجْهٍ. قَالَتْ لِنَفْسِها: «لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا الْقِيامُ بِالْخَبْزِ.»
بَدَا لَها أَنْ تَبْذُلَ مُحاوَلَةً أَخِيرَةً، لإِشْرَاكِ صَاحِبَيْها مَعَها. قَدَّرَتْ أَنَّهُما لَنْ يَمْتَنِعا هذِهِ الْمَرَّةَ عَنْ مُشارَكَتِها. دَعَتْهُما إِلَى أَنْ يَشْتَرِكا مَعَها فِي الْقِيامِ بِخَبْزِ الْعَجِينِ.
قالَتْ لَهُما: «تَعالَيَا مَعِي نُوقِدُ نارَ الْفُرْنِ، حَتَّى تَحْمَى. إِذا حَمِيَتْ، أَدْخَلْنَا إِلَيْها أَقْراصَ الْعَجِينِ لِكَيْ تَخْتَبِزَ.»
كَرْكَرَ الدِّيكُ كَرْكَرَةً عَالِيَةً، وَقالَ لَها، يَهْزَأُ بِها: «لَقَدْ رَفَضْنَا مُشارَكَتَكِ فِي زَرْعِ الْقَمْحِ وَحَصْدِهِ. كَذَلِكِ رَفَضْنا الْمُشَارَكَةَ فِي طَحْنِ الْقَمْحِ، وَعَجْنِ الدَّقِيقِ. رَفَضْنَا هذا وَذَاكَ، مَعَ أَنَّهُما عَمَلانِ لا خَطَرَ فِيهِما. أَخْشَى التَّعَرُّضَ لِلْفُرْنِ، وَرِيشِي مُنْتَفِشٌ، تُهَدِّدُهُ النَّارُ.»
وَقالَتِ الْبَطَّةُ: «وَأَنا سَمِينَةٌ، لا أُطِيقُ وَهَجَ النَّارِ. هَلْ تَرْضَينَ يَا أُخْتَاهُ أَنْ نَحْتَرِقَ، مِنْ أَجْلِ لُقْمَةِ خُبْزٍ؟! لَنْ نَشْتَرِكَ مَعَكِ أَيَّتُها الدَّجاجَةُ. اِخْبِزِي عَجِينَكِ بِنَفْسِكِ.»
يَئِسَتِ الدَّجاجَةُ مِنَ أَنْ يُعَاوِنَها الدِّيكُ أَوِ الْبَطَّةُ. تَهَيَّأَتْ لِلْعَمَلِ وَحْدَهَا فِي حَمَاسَةٍ وَهِمَّةٍ، وَشَرَعَتْ تَخْبِزُ. فَاحَتْ رَائِحَةُ الْخَبِيزِ، وَالدِّيكُ وَالْبَطَّةُ فِي مَكَانِهِما يَتَشَمَّمانِ.
(٩) ظُهُورُ الرَّغِيفِ
خَرَجَتْ مِنَ الْفُرْنِ الأَرْغِفَةُ، بِمَنْظَرِها اللَّامِعِ الْبَهِيجِ.
أَطَلَّ الدِّيكُ مِنْ رَفِّهِ الْعالِي، يُحَدِّقُ فِي تِلْكَ الأَرْغِفَةِ.
اِتَّجَهَ بِنَظَرِهِ نَحْوَ صَاحِبَتِهِ الْبَطَّةِ، وَوَجَّهَ قَوْلَهُ لَهَا: «حَقًّا، بَذَلَتِ الدَّجاجَةُ جُهْدًا فِي عَمَلِها الْمُتَواصِلِ. لَقَدْ كافَحَتْ وَصَبَرَتْ عَلَى الْعَناءِ، حَتَّى بَلَغَتْ غَرَضَها. إِنَّها تَسْتَحِقُّ مِنَّا أَنْ نُعَبِّرَ لَهَا بِصِدْقٍ عَنْ تَقْدِيرِنَا. يَجِبُ أَنْ نُقَدِّمَ لأُخْتِنَا مَا نَسْتَطِيعُهُ مِنْ مُسَاعَدَةٍ وَعَوْنٍ.»
اَلْبَطَّةُ قالَتْ لِلدَّجاجَةِ: «سَأُشَارِكُ فِيما تَعْمَلِينَهُ.»
قالَ الدِّيكُ مُتابِعًا: «حَقًّا ما أَشَدَّ فَرَحَنا بِعَمَلِكِ! سَأُعَبِّرُ أَنا وَالْبَطَّةُ عَنْ تَقْدِيرِنَا، بِمُشَارَكَتِكِ فِي حَمْلِ الْخُبْزِ.»
قالَتِ الدَّجاجَةُ: «قَبِلْتُمَا الْعَمَلَ مَعِي، بَعْدَ إِعْدادِ الْخُبْزِ! رَضِيتُما مُعاوَنَتِي فِي حَمْلِهِ، لِكَيْ تُشارِكانِي فِي أَكْلِهِ!»
قالَ الدِّيكُ، وَقَد احْمَرَّتْ رَقَبَتُهُ، وَجَعَلَ يَتَلَمَّظُ: «الْحَقُّ أَنَّي لَمْ يَسْبِقْ لِي أَنْ ذُقْتُ الْخُبْزَ الطَّازَجَ. سَيُسْعِدُنِي أَنْ أَطْعَمَ مِنْ خُبْزِكِ الطَّيِّبِ، إِذا سَمَحْتِ. نَحْنُ يَا أُخْتَنا الْعَزِيزَةَ شُرَكَاءُ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ.»
وَقالَتِ الْبَطَّةُ لِلدَّجاجَةِ، وَهِي تُحَاوِلُ التَّوَدُّدَ إِلَيْهَا: «ما أَظُنُّكِ يَهُونُ عَلَيْكِ أَنْ تَنْفَرِدِي بِالْخُبْزِ وَحْدَكِ. هَلْ تَنْعَمِينَ بِالْخُبْزِ فِي أَمَانٍ، وَنَحْنُ حَوْلَكِ فِي حِرْمَانٍ؟!»
تَأَثَّرَتِ الدَّجاجَةُ بِما سَمِعَتْ، وَقالَتْ لِلدِّيكِ وَالْبَطَّةِ: «الْعَدْلُ يَقْضِي بِأَنَّكُما لا تَسْتَحِقَّانِ مِنَ الْخُبْزِ شَيْئًا. لَقَدْ دَعَوْتُكُما مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ إِلَى الْمُشارَكَةِ وَالْمُعاوَنَةِ. لَكِنَّكُما أَبَيْتُما أَنْ تَبْذُلا مَعِي أَيَّ جُهْدٍ فِي الْعَمَلِ. هَلْ تَحْسَبانِ، أَيُّهَا الصَّاحِبانِ، أَنِّي أُعَامِلُكُما بِما تَسْتَحِقَّانِ؟ سَنَذُوقَ الْخُبْزَ مَعًا مُنْذُ الآنَ، لأَنَّنَا فِي الأَرْضِ جِيرَانٌ.»
(١٠) يَدُ اللهِ مَعَ الْجَماعَةِ
اشْتَرَكَتْ جَمَاعَةُ الدَّوَاجِنِ فِي التَّلَذٌّذِ بِتَنَاوُلِ الْخُبْزِ: اَلدِّيكُ الرُّومِيُّ وَالْبَطَّةُ السَّمِينَةُ وَالدَّجَاجَةُ وَحَوْلَها أَفْراخُها.
قالَ الدِّيكُ الرُّومِيُّ لِلدَّجاجَةِ، وَهُوَ يَلُوكُ الْخُبْزَ فِي فَمِهِ: «يَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نُوَفِّرَ لِطَعامِنا مِثْلَ هذا الْخُبْزِ الشَّهِيِّ. مُهِمَّتُنا الْمُسْتَقْبَلَةُ أَنْ نَبْحَثَ فِي كُلِّ مَكَانٍ عَنْ حَبِّ الْقَمْحِ. نَشْتَرِكُ فِي زَرْعِهِ، وَحَصْدِهِ، وَطَحْنِهِ، وَعَجْنِهِ، وَخَبْزِهِ.»
قالَتِ الْبَطَّةُ: «بِهذا نَنْعَمُ بِخُبْزٍ طَيِّبٍ، وَعَيْشٍ كَرِيمٍ.»
قالَتِ الدَّجاجَةُ لِصَاحِبَيْها، وَهِيَ مُعْجَبَةٌ بِما سَمِعَتْ: «عَرَفْتُمَا أَنَّ الْعَزِيمَةَ وَالصَّبْرَ وَالْمُثَابَرَةَ تُحَقِّقُ الْمُعْجِزَاتِ. الآنَ آمَنْتُمَا بِأَنَّ التَّعَاوُنَ يُنِيلُ الْخَيْرَ، وَيُوَفِّرُ السَّعَادَةَ. عَلَيْنا أَنْ نَجْعَلَ التَّعاوُنَ سَبِيلَنَا إِلَى التَّطَلُّعِ نَحْوَ الْمُسْتَقْبَلِ. لِنَكُنْ جَمِيعًا يَدًا وَاحِدَةً.. وَيَدُ اللهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ.»