المفاجأة

كان واضحًا أنَّ «عاشور» متجه نحو الضوء، فقال «تختخ»: حتى لا نثير أيَّ انتباه سننتظر قليلًا حتى يصل الرجال … إننا نعرف هدفه … ومن السهل متابعته!

قال «عاطف»: إنني لا أكاد أفهم شيئًا من هذا كله. ما هي الحكاية بالضبط؟

تختخ: الحكاية واضحة الآن.

عاطف: اشرح لنا إذن ولا تدعنا في الظلام!

قال «تختخ» ضاحكًا: أيُّ ظلام … إننا في ضوء القمر …

ومضت فترة وشبح «عاشور» يبتعد متجهًا إلى الضوء حتى اختفى، فقال «محب»: أخشى ألَّا يكون متجهًا إلى حيث نظن ونفقد أثره!

تختخ: تأكد أنه متجه إلى الضوء كالفراشة!

وبعد لحظات قال «تختخ»: اتصل ﺑ «ميج» اثنين لعل الرجال وصلوا. وفتح «محب» «الووكي توكي» ولكن لم يكن هناك رد … ومضت فترة أخرى، ثم صفَّر الجهاز فرفعه إلى قرب أذنه وسمع المهندس «سعد» يقول: «ميج» اثنين يتحدث … نحن في الطريق إليكم … حوِّل.

رد «محب»: «ميج» ثلاثة يتحدث … أسرعوا … قد يختفي الرجل!

وجلس الأصدقاء صامتين … كان ضوء القمر يدهن الصحراء بلون الفضة، والجبال صامتة وموحشة. وريح باردة تهبُّ من الغرب. وكان الضوء الباهر في وسط الصحراء واضحًا.

وقال «محب»: مغامرة ليست على البال.

عاطف: ومن نوع جديد.

محب: وستنتهي نهاية مفاجئة جدًّا.

سمع الأصدقاء صوت عدة أقدام تقترب، فعرفوا أن الرجال قد وصلوا. وفعلًا ظهرت «نوسة» و«لوزة» وبعدهما المهندس «سعد»، ثم بقية الرجال … وأشار «تختخ» ناحية الضوء وقال: هل ترى هذا الضوء البعيد؟

سعد: أراه بوضوح.

تختخ: «عاشور» هناك.

سعد: ماذا يفعل؟ إنني لا أفهم شيئًا!

تختخ: هذا ما سنعرفه … سنتقدَّم عنه أوَّلًا، وسنسير في صف واحد مستطيل؛ بحيث نبلغكم التعليمات واحدًا وراء واحد. وأسرعوا في اتجاه الضوء.

وبعد نحو نصف ساعة كانوا على بعد أمتار منه … وتبيَّنوا سيارتَي «جيب» وخيمة، كان بعض الأشخاص يطوونها على عجل، فقال «تختخ»: إنهم على ما يبدو أربعة … فنحن أكثر منهم … وهم يحاولون الرحيل … وسنقوم بعملية سريعة … أن يتجه «عاطف» و«محب» إلى السيارتين بهدوء شديد، ثم يقومان بعمل سهل للمغامرين الخمسة!

محب: ما هو؟

تختخ: تفريغ إطارات السيارتين!

محب: وبعدها؟

تختخ: وبعدها ستكون المفاجأة كاملة عندما نهجم عليهم … هيا يا «عاطف»! وأنت يا «محب»!

وتسلل الصديقان زاحفَيْن، على حين اختفى بقية الرجال والمغامرون خلف صخرة. واقترب «محب» من إحدى السيارتين وسمع صوت رجل يقول: ماذا نفعل بالرجل؟

قال آخر: سنتركه، فلا وقت عندنا للتخلُّص منه … وقد شددت وثاقه جيدًا!

فكَّر «محب»: لقد خافوا من «عاشور» وسيتركونه … وهذا جزاء الخونة!

وبهدوء أخذ يُفرغ الإطار حتى لا يُحدِث صوتًا، لكن «عاطف» لم يكن حذرًا ﮐ «محب» … فقد جذب غطاء «البلف» ووضع أصبعه على مسار النفخ بشدة، فأطلقت العجلة صوتًا عاليًا جذب انتباه الموجودين. وسرعان ما كانوا يحيطون ﺑ «عاطف».

شاهد «تختخ» ما حدث فقال: إنها فرصتنا، لقد جمعهم كلَّهم في مكان واحد … هيا!

وانطلق الرجال العشرة والمغامرون و«زنجر» وانقضُّوا على الرجال … كانوا خمسة وسادسهم «عاشور» ودارت معركة. كان عنصر المفاجأة في جانب الأصدقاء، فسرعان ما استطاعوا السيطرة على الموقف … عدا شخص واحد استطاع الفِرار جريًا في الصحراء …

أسرع «تختخ» إلى الخيمة يبحث عن الرجل الذي جاء من أجله … ولكن لم يجده، وسقط قلبُه في قدمَيه … لقد كذب استنتاجه … والمفاجأة التي كان يُعدُّها لم تكن إلا مجرد وهم …

وأخذ يجري ويبحث في السيارتين، ولكنه لم يجده … وفجأة وجد «زنجر» يقفز على قدميه نابحًا وهو يجذبه من ثيابه، فأسرع خلفه … وبعيدًا خلف صخرة، عثر على الرجل الذي كان يبحث عنه مُكمَّمًا ومُوثَقًا!

وأمسك «تختخ» بجهاز «الووكي توكي»، وبدأ يتحدث إلى المهندس «نبيه»: هنا «تختخ» … (لم يقل: «ميج» فلم يعد هناك سر) … هنا «تختخ» كل شيء على ما يرام … وقد قبضنا عليهم …

جاء صوت «نبيه» مدهوشًا: مَن هم؟!

تختخ: الرجال الذين تآمروا على «أبو طرطور» وحاولوا إبعادكم عن الجبل!

نبيه: أريد تفاصيل أكثر … هل عثرتم على الخرائط والمذكرات؟

تختخ: انتظرنا … وسترى ما هو أهم!

•••

قُرْب الفجر كان المغامرون الخمسة و«زنجر» والرجال العشرة والمهندس «سعد» ومعهم الأسرى الأربعة و«عاشور» وشخص آخر يسيرون في اتجاه مقطورة المهندس «نبيه»، الذي كان يقف على العتبة يتحرَّقُ شوقًا لمعرفة ما حدث …

وفجأة وعلى ضوء المعسكر ونور الفجر، شاهد ما لم يُصدِّقه … الرجل الذي قيل إنه مات وسقط من فوق الجبل … المهندس «علاء» يسير بين الرجال … واندفع «نبيه» إليه وصاح: «علاء» … «علاء»!

وأسرع «علاء» إليه، وقال «نبيه» وهو لا يصدق: أنت حي؟

علاء: وهل قال أحد إني ميت؟

نبيه: «عاشور» قال إنك سقطت من أعلى الجبل بين صخرتين وبحثنا عنك طويلًا بدون جدوى.

علاء: إنه رجل حقير … لقد خاننا …

وعندما دخلوا جميعًا إلى المقطورة، مضى «علاء» يُكمل قصَّته: استطاع «عاشور» أن يُفاجئني بضربة على رأسي وأنا أسير أمامه على الجبل، وتحمَّلت الضربة، ولكنه أخرج مسدسًا من جيبه وأمرني أن أسير إلى حيث يريد … واضطُررتُ أن أسير معه بعد أن ربطت رأسي بالمنديل، ثم وجدت نفسي في معسكر لأشخاص أجانب، حضروا للحصول على الخرائط والمذكرات لغرض ما سنعرفه الآن.

ونظر «نبيه» إلى «تختخ» وإلى المغامرين في إعجاب، وقال: لقد خدمتم بلدَكم خدمةً لا تُنسى … أعدتم هذا المهندس النابه حيًّا … هل أعدتم المذكرات أيضًا؟

ومدَّ المهندس «سعد» يده بالمذكرات والخرائط!

قال «نبيه»: ولكن كيف حدث كل هذا؟

تختخ: منديل ملوَّث بالدم كان البداية … إن الرجل الذي يسقط على الصخور لا يمكن أن يترك خلفه منديلًا ملوَّثًا بالدم عليه آثار بصمات … من هذه البداية عرَفتُ أنه في الأغلب ما زال حيًّا، ثم عندما عثرنا على العينات عند سفح الجبل زاد تأكُّدي … ولكني لم أقل لك حتى لا تتعلق بأمل قد لا يتحقق.

نبيه: وبعدها؟

تختخ: حصرنا شبهتنا في «عاشور» … وراقبناه حتى أوصلَنا إلى معسكر الأعداء …

وأخذ الرجال جميعًا يُقبِّلون المغامرين الخمسة، ولكن «تختخ» فجأة وضع يده على رأسه وقال: رأسي يؤلمني، أريد أن أنام …

وبينما هو يتجه — وهو محاط بنظرات الإعجاب — إلى الخارج، التفت إلى المهندس «نبيه» قائلًا: ولا تنسوا إعطاء «زنجر» كميةً مضاعفةً من اللحم، إنه أوَّل من دلَّنا على حقيقة ما يحدث في «أبو طرطور».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤