مقدمة

إياك أن تسخر من الفلاسفة الأحياء

بقلم  جريجوري باشام و إريك برونسون

في حفرة في الأرض هناك عاش رجلٌ شَهِدَ حياةً هادئةً بلا صخبٍ في مجتمعٍ كان يولي تقديرًا عظيمًا للتوافق والاحترام. ولكنه تَرَكَ حفرته في أحد الأيام وانطلق في رحلة عَبْرَ البحار. وبِقَدْر ما كانت مغامرته مخيفةً وفي بعض الأحيان مؤلمةً، فقد غيَّرته للأبد؛ فتفتَّحَتْ عيناه، ونضج عقله وشخصيته. وعندما عاد إلى حفرته، اعتبره جيرانُه «مختلًّا عقليًّا»؛ إذ لم يستطيعوا تقبُّلَ فكرة أن في الحياة ما هو أكثر من النظام والروتين المعتاد المتوقَّع. وعلى الرغم ممَّا طالَ سُمعتَه، فلم يراوده أيُّ شعور بالندم لخوضه تلك المغامرة التي مكَّنَتْه من اكتشافِه ذاتَه الحقيقيةَ واختبارِ عالَمٍ جديدٍ مثيرٍ.

إذا بَدَا ذلك لك مألوفًا، فلا بد أن تكون كذلك؛ فتلك هي «قصة الكهف» لأفلاطون (حوالي ٤٢٨–٣٤٨ق.م)، التي قد تُعَدُّ أشهرَ قصةٍ من قصص الذهاب والعودة مجدَّدًا رُوِيت على الإطلاق. إن قصة أفلاطون ليست عن الهوبيت أو السَّحَرة بالطبع، بل هي حكاية رمزية عن رجل ظلَّ منذ وُلِد مصفَّدًا في سجن تحت الأرض، ثم يخرج في مغامرة ليكتشف أن العالم أكبر بكثير، وأكثر ثراءً وجمالًا بكثير مما كان يتخيَّل. كان أفلاطون يأمل أن يتعلَّم القراء بعضَ الدروس من القصة، على غرار: كنْ مغامرًا، اخرجْ من منطقة راحتك، اعترِفْ بمواطن قصورك وكُنْ منفتِحًا على الأفكار الجديدة والحقائق الأسمى. فما من طريق سوى مواجهة التحديات والمجازفة يمكننا من خلاله أن ننمو ونكتشف ما نحن قادرون على أن نصير إليه. وهذه الدروس هي نفسها الدروس التي يلقِّنها جيه آر آر تولكين في روايته «الهوبيت».

تثير رواية «الهوبيت»، التي تُعَدُّ واحدةً من أحبِّ الكتب إلى الأطفال على مرِّ الزمان والجزء الرائع السابق لرواية «سيد الخواتم»؛ مجموعة من الأسئلة المتعمِّقة للتأمُّل فيها وتدبُّرها. هل المغامرات مجرد «أشياء قميئة ومزعجة وغير مريحة» من شأنها أن «تجعلك تتأخر عن موعد العشاء» كما يصفها بيلبو، أم من الممكن أن تكون تجربة مثيرة من شأنها أن تغيِّر حياة الإنسان؟ هل ينبغي إعلاء قيمة الطعام والمرح والغناء على الذهب المكتنَز؟ هل كانت الحياة أفضل حالًا في عصور ما قبل الصناعة حين كان هناك «القليلُ من الضوضاء والمزيدُ من الخضرة»؟ هل بإمكاننا الوثوق في أن لدى الناس «رقةً كرقة النساء» بما يؤهِّلهم لاستخدام التقنيات القوية بشكل مسئول، أم يجب تنظيم هذه التقنيات بدقة وعناية أو تدميرها؛ خشية أن تقع في أيدي الغيلان وخَدَم الساحر الأسود؟

ما الواجبات التي تقع على عاتق الأصدقاء أحدهم تجاه الآخَر؟ هل ينبغي أن تمتدَّ آفاق الرحمة لِتُظِلَّ بظلالها حتى أولئك الذين يستحقون الموت؟ هل كان حجر الأركنستون حقًّا مِلْكًا لبيلبو كَيْ يهبَه؟ كيف كان يجب توزيع كنز سموج؟ هل ترك ثورين «قيثارته الذهبية الجميلة» في باج إند حين خرج قاصدًا البرية؟ إذا كان الأمر كذلك، فكم يمكننا أن نحصل عليه مقابلًا لها على موقع إي باي؟ ومن ردهات منزل إلروند التي تملأ جنباتها السعادةُ إلى جزيرة جولوم الصخرية اللزجة، تُطرَح أسئلة فلسفية عظيمة على المعجبين القدامى والقراء الجدد.

كان تولكين أستاذًا للغة الإنجليزية القديمة في العصور الوسطى بجامعة أكسفورد، وليس فيلسوفًا متخصصًا. ولكن مثلما توضِّح كتبٌ حديثةٌ مثل كتاب «فلسفة تولكين» لبيتر كريفتس، وكتاب «الدفاع عن الأرض الوسطى» لباتريك كاري، وكتابنا «سيد الخواتم والفلسفة»، كان تولكين دارسًا عميقَ الاطِّلَاع خلَّف تأثيرًا قويًّا على الأسئلة الكبرى. ويُقال إنه بينما كانت اختباراتُ التقدير الدراسي تَسِيرُ على قدمٍ وساقٍ بشكلٍ مُرهِق في أحد أيام الصيف الرائعة، فإذا بأستاذ أكسفورد يعثر على ورقة فارغة. بعد استغراقٍ تامٍّ في الأفكار لبعض الوقت، التقَطَ تولكين قلمه، كما يُزعم، وكتب افتتاحيته الشهيرة: «في حفرة في الأرض هناك كان يعيش هوبيت.»

يعود بيتر جاكسون إلى كرسي المخرج من أجل رواية «الهوبيت» (٢٠١٢)، بعد حصوله على جائزة الأوسكار عن إخراجه الرائع للأجزاء الثلاثة لفيلم «سيد الخواتم» (٢٠٠١–٢٠٠٣)، وكم نتمنى ألا يفتر اهتمامه بهذه السلسلة. قد تكون قصة الهوبيت صغيرةً، إلا أن جاكسون وشركة الإنتاج نيو لاين سينما لهما تفكير طموح؛ ما يدفعهما إلى توسيع القصة إلى فيلمين، مستعينين بمجموعة كبيرة من طاقم العمل في سلسلة أفلام «سيد الخواتم»، والتصوير بتقنية الأبعاد الثلاثية. وبعد عقد مظلم ومليء بالصراعات، أصبح بإمكان جماهير الأرض الوسطى أخيرًا مشاهدةُ أحدث أجزاء جاكسون من كبرى الملاحم الخيالية في عصرنا.

في هذا الكتاب، يشارك فريقنا من الفلاسفة حماسَ تولكين للأسئلة الفلسفية «العتيدة القِدَم»، ولكننا أيضًا نحتفظ لأنفسنا بحقِّ طرْحِ قضايا جديدة وخوض غمار مغامرات جديدة. فهذا الكتاب، فوق كل شيء، كُتِب «من أجل» جماهير تولكين «بأقلام» جماهير تولكين. وعلى غرار الكتب الأخرى في سلسلة فلسفة بلاكويل والثقافة الشعبية، يسعى الكتاب إلى استخدام الثقافة الشعبية باعتبارها وسيلةً لتدريس ونشر أفكار كبار المفكِّرين.

تبحث بعض الفصول فلسفةَ رواية «الهوبيت» — القِيَم الأساسية والافتراضات الكبرى التي تقدِّم الخلفية الأخلاقية والمفاهيمية للقصة — والبعض الآخَر يستعين بأفكار وموضوعات من الكتاب لتوضيح أفكار فلسفية عديدة. ومن هذا المنطلق، نأمل أن نبحث بعضًا من الأسئلة الأكثر عمقًا التي وردت في رواية «الهوبيت»، وكذلك تدريس بعض الأفكار الفلسفية القوية على حدٍّ سواء.

وفيما يشبه الهوبيت إلى حدٍّ كبير، يمتلك المؤلفون «ذخيرةً من الحكمة والأقوال الحكيمة لم يسمع بها بَشَرٌ على الإطلاق، أو دخلت طي النسيان منذ أمد طويل». لذا املَأْ غليونك بنوعك المفضَّل من تبغ أولد توبي، وأحضِرْ تلك الزجاجةَ الخاصَّةَ من نبيذ أولد وينيارد التي كنتَ تدَّخِرها؛ فإنها ستكون مغامرة بحقٍّ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤