الفصل الثاني عشر

داخل الهوبيت

بيلبو باجنز ومفارقة الخيال
آمي كايند

مع قرع جرس باب منزل بيلبو مرارًا ومرارًا، في ذلك الصباح الجميل من شهر أبريل، يزداد بيلبو اضطرابًا وارتباكًا. فما الذي يُفترَض بهوبيت أن يفعل حين يظهر أمامه ثلاثة عشر قزمًا دون سابق إنذار، جميعهم مقتنعون بأنه لصٌّ بارع ويقصدونه لمساعدتهم على استعادة كنزهم المسلوب من تنينٍ مخيفٍ؟ يوافق بيلبو على مضض — مدفوعًا بتشجيع من جاندالف وإرثه التوكي المكبوت منذ زمن طويل — على الانضمام إلى رحلة الأقزام. تسير الأمور على نحوٍ لا بأس به في البداية (على الرغم من عدم وجود منديل جيبه معه)، ولكن بعد عدَّة أسابيع على الطريق، يتخذ كلٌّ من الطقس وطبيعة الأرض منحًى إلى الأسوأ. وفي ظِلِّ ما يعانيه من بلَلٍ، وجوع، وحنين إلى الوطن، يشعر بيلبو بالأسف على نفسه، ونشعر نحن — القراء — بالأسف له أيضًا.

ليست هذه هي المرة الوحيدة التي نشفق فيها على بيلبو بينما نطالع «الهوبيت». فلا يملك المرء سوى الشعور بالأسف مِنْ أجله حين يَعْلَق على نحوٍ غير مريح في إحدى الأشجار، بينما الذئاب يَعْوُون بالأسفل، أو حين يفيق وحيدًا ومهجورًا على ما يبدو في ظلام كهف الجوبلن الدامس، أو حين يجلس مكتئبًا على عتبة الجبل الوحيد يتحرَّقه الحنين إلى الوطن.

وتفسح مشاعرُنا بالشفقة المجالَ لشتَّى أنواع ردود الأفعال العاطفية الأخرى مع تواصل مغامرة بيلبو. فنشعر بالخوف حين يقع في أَسْر العمالقة الجائعين، ونشعر بالترقُّب والقلق بينما يتبادل الألغاز مع الجولوم، وتغمرنا البهجة حين تنقذه النسور ورفاقه من أعالي الأشجار، ونمتعض حين ينتقده ثورين لتخلِّيه عن الأركنستون، ونشعر بالفخر حين يستجمع شجاعته ليسير عَبْرَ النَّفَق وحده لمواجهة سموج الرهيب.

ولكن كل هذا يثير لغزًا فلسفيًّا محيِّرًا: كيف يمكن أن تنتابنا تلك المشاعر تجاه بيلبو — ولماذا ينبغي أن نعبأ بما يحدث له من الأساس — في حين أننا نعرف أن بيلبو مخلوقٌ خياليٌّ وليس له وجود إطلاقًا؟ إن ردود أفعالنا العاطفية تجاه الشخصيات والأحداث الخيالية، كما قد يقول جولوم، «خادعة» للغاية في الواقع.

(١) مفارقات في الظلام

يشير الفلاسفة إلى هذا اللغز ﺑ «مفارقة الخيال»؛ كيف يمكن أن نكون عقلانيين في أن نصدر استجابات عاطفية لما هو خياليٌّ؟ على الرغم من أنه كان هناك تلميحات إلى هذا اللغز في طرح أرسطو (٣٨٤–٣٢٢ق.م) عن التأثيرات التطهيرية للدراما التراجيدية، وفي تمهيد صمويل جونسون (١٧٠٩–١٧٨٤) لمسرحيات شكسبير، وفي أعمال صمويل تايلور كولريدج (١٧٧٢–١٨٣٤)، فإنه لم يَنَلِ انتباهًا فلسفيًّا كبيرًا حتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين، حين أُلْقِيَ الضوء عليه من خلال أعمال الفيلسوفين كولين رادفورد وكندال والتون.1 ويمكن عرض المفارقة بشكل واضح في إطار ثلاثة مزاعم متناقضة بشكل متبادل:2

أولًا: يستحيل تقريبًا أن ننكر أننا نصدر استجابات للخيال. فحين نقرأ رواية «الهوبيت» أو نشاهد الفيلم على الشاشة، نتأثَّر بالشخصيات والأحداث المُجسَّدة؛ مما يمنحنا ما سوف نُسَمِّيه «شرط العاطفة»؛ أي أن يكون لنا استجابات عاطفية حقيقية وعقلانية تجاه شخصيات مثل بيلبو.

ثانيًا: لكي نصدر استجابات عاطفية حقيقية وعقلانية تجاه شخصٍ ما أو موقفٍ ما، لا بدَّ أن تكون تلك الاستجابات متسقة بشكلٍ مناسبٍ مع معتقداتنا؛ بمعنى أننا لا بد أن نؤمن بأنَّ الشخصَ موجودٌ حقًّا أو أن الموقف قد وقع بالفعل (والشيء الموجود أو الذي وقع في الخيال فقط لا يكون موجودًا أو وقع «حقًّا»). ثمة طريقة أخرى للتعبير عن هذا؛ هي أنَّ المشاعر تتطلَّب «معتقدات وجود». ويذهب رادفورد إلى «أنني يمكن أن أتأثَّر بمحنة شخصٍ ما فقط إذا اعتقدت أن شيئًا رهيبًا قد ألمَّ به. إذا لم أعتقد أنَّ شيئًا قد حدث له وأنه لا يعاني أو أيًّا كان الحال، فلا يمكنني أن أشعر بالأسى أو أتأثر لحدِّ البكاء.»3 وهذا يعطينا «شرط الاتساق»؛ فلِكَيْ تتولَّد لدينا استجاباتٌ عاطفيةٌ حقيقيةٌ تجاه شخصٍ ما، لا بدَّ أن نؤمن بأنه موجود حقًّا.

ثالثًا: الاستجابات العاطفية التي تتكوَّن لدينا حين نندمج مع عملٍ أدبيٍّ خياليٍّ عن علم لا تتَّسق بشكل ملائم مع ما نعتقده؛ إذ لا يكون لدينا معتقدات الوجود ذات الصلة. قد نخلط أحيانًا بين الخيال والواقع، ولكن بدون ذلك الخلط، لا نتعامل مع الشخصيات الخيالية التي ننسجها في خيالنا على أنها حقيقية. وهذا يعطينا «شرط التصديق»؛ فنحن لا نعتقد أنَّ بيلبو موجودٌ حقًّا.

يبدو كلٌّ من هذه المزاعم الثلاثة صحيحًا حين يتم استعراضها كلٍّ على حدة، ولكن عندما يتم استعراضها معًا، نواجه تناقضًا. فمفارقة الخيال ليست سهلة على الإطلاق حتى لأولئك المغرمين بالألغاز منَّا.

(٢) الإرباك والإزعاج!

أحيانًا نستطيع حلَّ مفارقةٍ ما من خلال إظهار أنه على الرغم من الشكل المبدئيِّ، فإن المزاعم التي تشكل المفارقة ليست متناقضة حقًّا برغم كلِّ شيء. لكن مع مفارقة الخيال، تبدو هذه الاستراتيجية غير فعَّالة؛ فمن الصعب أن نرى أية طريقة يمكن بها للمزاعم الثلاثة جميعًا أن تكون صحيحة معًا. لذا فإن إيجاد حلٍّ للمفارقة يتطلَّب منَّا رفض واحدٍ على الأقل من المزاعم الثلاثة. ولكن مثلما أنَّ معظم الطرق والممرات العديدة الموجودة عَبْرَ الجبال الضبابية كانت «خداعات وتضليلات لم تؤدِّ إلى أيِّ مكان أو إلى نهايات سيئة»، فإنَّ أيًّا من خياراتنا الثلاثة لحلِّ مفارقة الخيال لا يمهِّد لرحلة فلسفية سهلة.4

من الوهلة الأولى، يبدو إنكار شرط التصديق باعتباره طريقًا صخريًّا وعرًا بشكل خاص. فكيف يمكننا أن ننكر أن لدينا استجابات عاطفية حقيقية أو عقلانية عند الاندماج في الأعمال الأدبية؟ لذلك قد يكون مفاجئًا أن نعرف أنَّ كلًّا من رادفورد ووالتون أنفسهما قد أقاما نفس الحُجَّة تمامًا، وإن كان بطرق مختلفة. فيتقبَّل رادفورد فكرة أننا نخابر مشاعر حقيقية استجابةً للخيال، ولكنه ينكر أنها عقلانية. أما والتون، فينكر أن اندماجنا مع الأدب الخياليِّ يتضمَّن مشاعر حقيقية على الإطلاق.

لنستعرض ردَّ رادفورد أولًا. بعيدًا عمَّا إذا كان قد قدَّم لنا حلًّا وافيًا لمفارقة الخيال، قد يبدو زعمه بأنَّ المشاعر يمكن أن تكون غير منطقيَّة غريبًا في سياقه؛ نظرًا لوجود نزعة طبيعية للاعتقاد بأن المشاعر يمكن أن تكون خارج نطاق العقلانية تمامًا. وقد أشار الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم (١٧١١–١٧٧٦) في مقولة شهيرة له إلى أنه «لا يوجد مخالفة للمنطق في أن تفضِّل دمار العالم بأكمله عن أن يُخدَش إصبعك.»5 لقد كان هيوم يوضِّح فكرة بشأن الرغبات، أو ما أطلَق عليه «الميول»، ولكن قد نعتقد أنَّ فكرة مشابهة تنطبق على العاطفة.
لنفترض أننا نتبنَّى «نظرية الشعور الخالص» للمشاعر التي عادةً ما تُنسَب إلى ويليام جيمس (١٨٤٢–١٩١٠)، وهي نظرية تطابق المشاعر بأحاسيس جسدية. فحين ندرك أننا في خطر، تمرُّ أجسادنا بشتى أنواع التغيرات البدنية؛ فيتسارع النبض، وتحمرُّ وجوهنا من الحرارة، ونبدأ في التعرُّق. ويرى جيمس أنَّ الحالة العاطفية الخاصة بالخوف ما هي إلَّا الإحساس الجسدي الذي يصاحب كلَّ هذه الاستجابات الفسيولوجية.6 ولما كانت إمكانية الحكم على تلك الأحاسيس الجسمانية بأنها عقلانية أو لا عقلانية تبدو محاطة بالشكوك، فإن نظرية الشعور الخالص تشير فيما يبدو إلى أن العواطف أيضًا لا يمكن الحكم عليها بكونها عقلانية أو لا عقلانية.

ولكن يبدو واضحًا أننا دائمًا ما نصنِّف المشاعر بأنها عقلانية أو لا عقلانية. تأمَّل شخصية ياجو الشكسبيرية، ذلك الرجل الذي يتَّهم زوجته إميليا بالخيانة، على الرغم من عدم امتلاكه أيَّ دليلٍ ماديٍّ على أية خيانة من جانبها. إنَّ هذه الغيرة تُصنَّف بشكلٍ طبيعيٍّ للغاية بأنها غير منطقية أو لا عقلانية. أو فكِّر في شخصٍ ما يشعر بفرحة كبيرة لشيء تافه للغاية؛ مثل اكتشاف أن لديه اثني عشر منديلَ جيبٍ متبقية في درجه، وليس أحد عشر فقط. إن هذا الفرح المبالغ يبدو أيضًا أنه يُصنَّف بشكل طبيعي تمامًا بأنه غير منطقي أو لا عقلاني.

تأمَّل حالةً أخرى. في أحد الأيام تُفِيد الجريدة المحلِّية برصد أسدٍ جبليٍّ في منطقة شبه سكنية، ينقضُّ على حيوانات أليفة صغيرة تُرِكت بالخارج طوال الليل. من المحتمل أن تثير قراءةُ هذا الخبر مشاعرَ كثيرةً؛ الخوفَ من الحيوان الخطير الطليق، الإشفاقَ على الأُسَر التي فقدَتْ كلابها أو قططَها الصغيرة، والقلقَ بشأن قطتنا الجميلة القابعة بالخارج في الفناء. ولكن هَبِ الآن أنَّ في اليوم التالي تفيد الجريدة أنَّ جميع المشاهدات التي رصدت الأسود الجبلية ثَبَتَ أنها كاذبة، وأنَّ جميع حالات الاختطاف للحيوانات الأليفة وُجِد أنها قد ارتُكبت مِنْ قِبَل طلاب بالمرحلة الثانوية على سبيل المزاح، وأن جميع الحيوانات المفقودة عادت الآن إلى أصحابها سالمة دون أن تُمَسَّ بأي أذًى. في هذه الحالة سيصبح أي خوف لا نزال نشعر به من الأسدِ الجبليِّ غير مبرر ولا عقلاني. فلا معنى للخوف من الأسد الجبلي الذي يَجُول خِفية في أرجاء المدينة، وقد صرنا الآن نعرف أنه لا يوجد أي أسود.7
في محاولته لحلِّ مفارقة الخيال عن طريق إنكار شرط العاطفة، كان رادفورد يزعم أن خوفنا من سموج أشبه بالخوف غير العقلاني من الأسد الجبلي. ففي ظلِّ علمنا بأن سموج لا وجود له، فإن خوفنا منه لا عقلاني. يرى رادفورد أن كلَّ المشاعر التي نخابرها عند قراءة «الهوبيت» — وكلَّ المشاعر التي نخابرها عند قراءة أيِّ أعمال أدبية في الواقع — غير عقلانية في هذا المقام: «إنَّ تأثُّرنا بطُرُقٍ مُعَيَّنة بالأعمال الفنية، وإن كان «طبيعيًّا» للغاية بالنسبة إلينا وفي غاية الوضوح في هذا المقام، إنما يدخلنا في تناقض؛ ومن ثَمَّ عدم اتساق.»8
ثمة سببٌ قويٌّ للشكِّ في رفض رادفورد لشرط العاطفة ينبثق من الفروق التي نُوجِدها بين ردود الأفعال العاطفية التي نُصْدِرها تجاه الخيال؛ ولا شكَّ أنه لا يمكن أن تُرفَض «جميعًا» باعتبارها غير منطقية. فعلى الرغم من أنه لن يكون من الملائم الخوف من الجني إلروند الطيِّب، فإن ردَّ فعلنا المشوب بالخوف تجاه سموج يُعَدُّ مسألةً مختلفةً تمامًا. فسموج، رغم كلِّ شيء، كما يخبرنا ثورين، «دودة في غاية الجشع، والقوة والخبث.»9
وتقدِّم لنا الفيلسوفة المعاصرة مارثا نوسباوم طريقةً مثمرةً للدفاع عن عقلانية استجاباتنا للخيال بالدفع بأن مثل هذه الاستجابات تمكِّننا من غرس وتنمية شخصية أخلاقية. فمن خلال الاندماج مع الخيال والأعمال الأدبية، نتزوَّد برؤًى ثاقبة في خبرات الآخرين عادةً ما لا يكون لدينا مدخل إليها بشكل آخر؛ ومن ثمَّ نصبح أكثر قدرة على تطوير مشاعرنا الأخلاقية. ويبدو من غير المنطقي أن نُغفِل ردود أفعالنا العاطفية تجاه الخيال باعتبارها لا عقلانية، بالنظر إلى الدور المهم الذي تلعبه في تربيتنا الأخلاقية.10

(٣) الحيرة الظاهرية

الاستراتيجية الثانية لإنكار شرط العاطفة تتأتَّى من تبنِّي نظريةٍ قد نطلق عليها «اللاواقعية العاطفية».11 تقضي هذه النظريةُ بأنه على الرغم من أن لا ريب في أننا نخابر وابلًا من المشاعر — الخوف، والقلق، والشفقة، والفرح — عندما نقرأ عن بيلبو، فإننا مخطئون. فكل ما نخابره ونشعر به ما هو إلَّا «شبه مشاعر».
المناصر الأول للاواقعية العاطفية هو كندال والتون، وهو فيلسوف خلَّف تأثيرًا عميقًا وبالغًا في الجماليات — فلسفة الفن — على مدى الأربعين عامًا الأخيرة أو نحو ذلك. بحسب والتون، فإنَّ قبول شرط العاطفة يعني «أن تُجِيز الغموض وتتقبَّل الإرباك.»12 وعلى الرغم من أننا بطبيعة الحال نشير إلى ما يصيبنا من هلع من تجسيد تقدُّم قوات الأورك-هاي التابعة لسارومان على الشاشة أثناء معركة هيلمز ديب، فلا ينبغي أن تُؤخَذ هذه الإشارة بمعنًى حرفيٍّ. فقلوبنا قد تخفق بلا هوادة، وقد نعرق ونلهث، وقد تبيضُّ براجم أصابعنا بينما نتشبَّث بمساند الذراع في مقاعد السينما التي نجلس عليها، ولكن — على الرغم من ذلك — من الخطأ أن نَصِف هذه الاستجابات اللاإرادية بأنها دلالة على هلعٍ حقيقيٍّ. فلما كنا نفتقر إلى اعتقادٍ بأن الأورك-هاي يتقدَّمون حقًّا نَحْوَنا، لا يمكننا أن نشعر بالرعب منهم. وأفضل وصف لردود أفعالنا تجاه الفيلم هي أنها مماثلة لردود أفعالنا حين نلعب ألعاب التظاهر التقليدية.
ودعمًا لهذه النقطة، يطالبنا والتون بأن نتخيَّل صبيًّا صغيرًا يلعب إحدى ألعاب الوحوش مع والده:
يتسلَّل الأب، متظاهرًا بأنه وحش مفترس، بدهاء ومكر وراء الطفل، وفي لحظة حاسمة، يندفع نحوه بضراوة. يهرب الطفل إلى الغرفة المجاورة وهو يصرخ. إنَّ الصرخة تخرج بشكل لا إراديٍّ بدرجة ما، وكذلك الهروب. ولكن الطفل … على وعيٍ تامٍّ بأن هذا الأب «يلعب» لا أكثر، وأنَّ الأمر برُمَّته «مجرد لعبة»، وأن وجود وحشٍ ضارٍ وراءه ما هو إلَّا ادعاء زائف. إنه ليس خائفًا بحق.13

ومثلما تحثُّنا الأفلام والروايات على تخيُّل شخصيات بعينها والتظاهر بأن الأحداث المجسَّدة حقيقية، فهي تحثُّنا أيضًا على التظاهر بأن لدينا تلك المشاعر ذات الصلة.

بالإضافة إلى تقديم حلٍّ لمفارقة الخيال، تقوم اللاواقعية العاطفية، على نحو لطيف، بحلِّ لغزٍ متصلٍ بشأن استجاباتنا العاطفية للخيال. فالمشاعر عادةً ما تحضُّنا على الفعل. على سبيل المثال، حين نشعر بالخوف من شيءٍ ما، نَمِيل للقيام بشيء لمحاولة تفاديه أو منعه من الحدوث. ولكنَّ خوفَنا الظاهريَّ من تقدُّم جيش سارومان لا يحفِّزنا إلى اتخاذ أيِّ إجراءات أو تحرُّكات على الإطلاق. بل نجلس فحسب بشكلٍ سلبيٍّ دون حراك على مقاعدنا. غير أنَّ هذا الخوف لو كان مجرد ادِّعاء فحسب، فإن لدينا تفسيرًا لطيفًا لسلبيَّتنا، وهو أننا ليس لدينا مبرر لاتخاذ أي إجراء إذا كنَّا لا نشعر بخوفٍ حقيقيٍّ.

ولكن على الرغم من حقيقة أنَّ اللاواقعية العاطفية يمكن أن تقدِّم حلولًا لهذه المعضلات الفلسفية، فإن هذا الأمر محاط بالشكوك إلى حدٍّ كبير. فحين تشاهد فيلم بيتر جاكسون «رفقة الخاتم» وتشعر بالألم والفاجعة لسقوط جاندالف من جسر خازاد دوم، فإن تذكيرك بأنه مجرد شخصية خيالية لا يقلِّل من حزنك؛ كما لا يُحدِث التذكير أيَّ فارق في شعورك بالحزن ولا يجعله أقل واقعية. والخوف والقلق اللذان نشعر بهما حين نقرأ رواية «الهوبيت» «يبدوان» بالتأكيد خوفًا وقلقًا حقيقيين بالنسبة إلينا، لدرجة أننا نخلط بين الأول والأخير.

ردًّا على ذلك، يرفض أنصارُ اللاواقعية العاطفية، أمثال والتون، التشابهَ الظاهريَّ لانطباعاتنا الذاتية، ذاهبين إلى أننا لا ينبغي أن نُضلَّل بعجزنا عن تمييز الخوف الزائف من الخوف الحقيقيِّ. قد لا نستطيع تمييز كيلي من فيلي من على بُعْد، ولكن لا ينبغي أن نستخلص أيَّ استنتاجات عن هويتيهما من حقيقة أننا لا نستطيع التمييز بينهما. فالخوف الظاهري يبدو لنا كالخوف الحقيقي، ولكن هذا في حدِّ ذاته ليس كافيًا لجعله شعورًا حقيقيًّا.

من الصعب أن تشعر برضًا كامل بذلك الردِّ. حين يقترب بيلبو من الوطن في رحلة عودته، يصل إلى مكان «حيث كانت أشكال الأرض والأشجار معروفة جيِّدًا له كيديه وأصابع قدميه.»14 ويبدو أننا نعرف مشاعرنا بنفس الشكل؛ لذا من الصعب تقبُّل نظرية توحي بأننا مخطئون بشكلٍ منهجيٍّ بشأن صنوف الخبرات والتجارب التي نمر بها حين نندمج مع الخيال.

علاوة على ذلك، يمكن أن تظهر مشكلات أخرى أمام المؤيِّد للاواقعية العاطفية من خلال فحصٍ أدقَّ لقياس والتون على ألعاب التظاهر. فحين نندمج مع الخيال، نعجز بشكلٍ لافتٍ عن السيطرة على استجابتنا العاطفية. كيف يمكن أن نُخفِق في التأثر بمغامرة بيلبو؟ نحن لا نملك اختيارًا حقًّا سوى الشعور بالاشمئزاز من جولوم، والخوف من الوارج البريين، والفرح بعودة بيلبو سالمًا إلى وطنه.

على النحو نفسه، لا يمكننا للأسف أن نحمل أنفسنا على الخوف من هوبيت الشاير. في ألعاب التظاهر، نكون أكثر حرية في استجاباتنا العاطفية. وكما جادل نويل كارول، لو كانت استجاباتنا العاطفية تجاه الخيال مجرد نتاج للتظاهر والادعاء، فلا بدَّ إذن أنها قادرة على أن يتمَّ «الانخراط فيها حسب الرغبة»، ولا بد أن لدينا القدرة على إثارتها وإخمادها حسبما نشاء.15

وهكذا يبدو أننا ينبغي أن نفضِّل حلًّا لمفارقة الخيال يتيح لنا إدراك استجاباتنا العاطفية لخيالٍ باعتبارها استجابات حقيقية. فمن غير المنطقيِّ لغايةٍ أن نرفضها باعتبارها نتاجًا للتظاهر. ونحن بحاجة إلى النظر إلى بدائلنا الأخرى المتاحة لحلِّ مفارقة الخيال.

(٤) الخروج من المقلاة إلى النار

لسوء الحظ، لا يبدو أنَّ إنكار شرط التصديق — أي عدم تصديقنا لوجود بيلبو — مُجْدٍ هو الآخر. فمن الصعب الاقتناع بفكرة أننا نصدِّق أن الأحداث المُجسَّدة من خلال «الهوبيت» حقيقيةٌ، وأننا بشكلٍ ما نسيءُ فهمَها باعتبارها قصة رحلة واقعية. حتى عندما نغرق كليًّا في نَثْرِ تولكين الساحر، لا نصدِّق أنَّ بيلبو له وجودٌ حقيقيٌّ. غير أنَّ ما يشير إليه بعضُ الفلاسفة أننا «شبه نصدِّق» أنه موجود بحقٍّ. فرغم كلِّ شيء، تجدنا نتحدَّث عن «استغراقنا» في الخيال، و«الانهماك» فيما نقرؤه،16 بل قد يكون مثل هذا الحديث ملائمًا بشكلٍ خاصٍّ حين يكون عن الأعمال الخيالية، والذي من خلاله «نهرب» إلى العالم الخياليِّ الذي تخلقه.
يشير تولكين نفسه إلى شيءٍ مشابهٍ في مقاله «عن قصص الجنيات». فمن خلال الدفع بأن الهروب يُعَدُّ واحدًا من وظائف الخيال الأساسية، يشير تولكين إلى أنَّ كاتب الخيال الناجح «يصنع عالمًا موازيًا يمكن لعقلك الولوج فيه. وبداخل هذا العالم، يكون ما يسرده «حقيقيًّا»؛ فهو يتوافق مع قوانين ذلك العالم. ولذلك تصدِّقه بينما تكون بداخله.»17 وبحسب ذلك الأسلوب في النظر إلى الأمور، يمكننا تمييز اعتقاداتنا داخل القصة من اعتقاداتنا الطبيعية. وعلى الرغم من أننا لا نصدِّق بطبيعة الحال أنَّ بيلبو له وجود، يمكننا أن نصدِّق ذلك داخل القصة.

إنَّ نجاح هذه الاستجابة للمفارقة يرجع إلى ما إذا كان بوسعنا أن نحظى بفهمٍ كافٍ لفكرة الاعتقاد داخل القصة، أو شبه الاعتقاد، حتى لو استطعنا، قد يرجع نجاحها إلى ما إذا كان يمكن أن تنجز العملَ الفلسفيَّ الذي نريدها أن تفعله. فإذا كان لدينا معتقدات حقًّا — حتى لو كانت معتقدات واهية أو شبه معتقدات — بشأن الأعمال الخيالية التي نندمج معها، حينئذ يبدو أن هذه المعتقدات سوف تتجلَّى في سلوكنا.

أثناء مشاهدة المشاهد الأولى من «رفقة الخاتم»، على سبيل المثال، هل كنَّا حقًّا سنجلس بشكلٍ سلبيٍّ على مقاعدنا لو كان لدينا الاعتقاد — أو حتى شبه الاعتقاد — بأنَّ الفرسان السُّود مُقْبِلون نَحْوَنا؟ ذهب والتون، على نحوٍ مُقْنِعٍ، إلى أنَّ حتى وجود مجرد اعتقادٍ متردِّدٍ أو مجرَّد ظنٍّ بأن الفرسان السُّود في طريقهم «من شأنه أن يدفع أيَّ شخصٍ طبيعيٍّ بشكلٍ جادٍّ للتفكير في الاتصال بالشرطة أو الحرس وتحذير عائلته.»18 حتى أقل المغامرين منَّا سوف يفعلون «شيئًا» بالتأكيد، ولو حتى مجرد الجري والاختباء.
بالنظر إلى صعوبة رفض شرط التصديق أو شرط العاطفة، حاوَلَ فلاسفةٌ آخرون، بدلًا من ذلك، رفْضَ شرط الاتساق؛ أي ضرورة أنَّ التصديق بأن شيئًا ما له وجودٌ فعليٌّ لكي تتولَّد لدينا استجابة عاطفية تجاهه. غير أننا قد نلحظ أن الحُجَّة المقامة لصالح شرط الاتساق عادةً ما تُقام باعتبارات المشاعر، مثل الإشفاق والخوف. فحين ننظر بعين الاعتبار إلى المشاعر الأخرى، تكون الحُجَّة أقل إقناعًا بكثير. ويدعونا بيريز جوت للتأمُّل في مشاعر الاشمئزاز لدينا:
من الغريب القول بأنَّ على المرء أن يعرف ما إذا كان شيءٌ ما قد وقع حقًّا إذا كان سيشعر بالاشمئزاز من مجرد التفكير فيه. فلو وصفت لك بأسلوبٍ قويٍّ ومُفصَّلٍ شطيرةَ المربى والفأر الحي التي تناولتها على الإفطار منذ بضعة أيام، قد تشعر بالاشمئزاز دون افتراض أنني أقول الحقيقة.19

من الطبيعيِّ تمامًا هنا أن ترغب في القول بأن مجرد التفكير في الشطيرة يُثِير اشمئزازنا، وهذا يتسبب في ظهور نظريةٍ كثيرًا ما يُشار إليها ﺑ «نظرية الفكر». بشكل عام، يزعم واضعو نظرية الفكر أن مجرد الأفكار، وليس معتقدات الوجود، كافيةٌ لتفسير الاستجابات العاطفية. فمثلما يكون التفكير في الشطيرة كافيًا لإثارة شعور بالاشمئزاز حتى على الرغم من أننا لا نصدِّق أنها موجودة بالفعل، يمكن للتفكير في بيلبو أن يثير شعورًا بالشفقة عليه حتى على الرغم من أننا لا نُصَدِّق أنَّ له وجودًا حقيقيًّا.

ويؤيد بيتر لامارك نسخةً من نظرية الفكر في إطار «التمثيلات الذهنية»؛ إذ «يمكن للتمثيلات الذهنية أو محتويات الفكر أن تكون السبب في مشاعر مثل الخوف والشفقة، بعيدًا تمامًا عن المعتقدات التي قد نحملها بشأن كوننا في خطرٍ شخصيٍّ أو بشأن وجود معاناةٍ حقيقية أو ألمٍ حقيقيٍّ.»20 وهكذا يشير لامارك إلى أننا بصدد تعديل شرط الاتساق. فلِكَيْ يكون لدينا استجابات حقيقية وعاطفية تجاه شخصٍ ما، لسنا بحاجة للتصديق بأنه موجود بالفعل؛ كلُّ ما نحتاج لفعله هو أن نشكِّل تمثيلات ذهنية لموقفه.

على عكس شرط الاتساق الأصلي، يتيح لنا هذا الشرطُ المعدَّلُ فهْمَ اندماجنا مع الخيال. فحين نقرأ «الهوبيت»، نتخيَّل المغامرة الموصوفة في القصة والشخصيات المشاركة فيها، ونستخدم خيالنا لتكوين تمثيلات ذهنية (صور ذهنية) للشخصيات المُجسَّدة. علاوة على ذلك، تُعَدُّ هذه التمثيلات الذهنية، بالنسبة إلى لامارك، مصدر مشاعرنا؛ فحين نشعر بالشفقة والخوف تجاه الشخصيات الخيالية، تكون التمثيلات الذهنية هي ما نوجِّه مشاعرنا نحوه. ومن ثم تقدِّم نظرية الفكر حلًّا لمفارقة الخيال.

ولكن هل ينبغي علينا أن نَقْبَل نظرية الفكر؟ من ناحية، يبدو أن هناك شيئًا صحيحًا بشأن ذلك. فنحن نندمج مع الأعمال الأدبية عبر الخيال، ويبدو منطقيًّا أن تخيُّلاتنا تلعب دورًا في تفسير المفارقة. على الجانب الآخر، حين نفكر بشكل أكثر إمعانًا بشأن ما تلزمنا به نظرية الفكر بالضبط، يصبح القبول بالنظرية أصعب. إن الحل الذي يقدِّمه لامارك لمفارقة الخيال يعتمد على الزعم الجريء بأن «الخوف والشفقة اللذين نشعر بهما تجاه الشخصيات الخيالية هما في الحقيقة موجهان لأفكار في عقولنا.»21

حين نطالع رواية «الهوبيت»، لا تكون استجاباتُنا العاطفيةُ استجاباتٍ لشخصية بيلبو نفسه — فهو في النهاية شخصية خيالية نعرف أنها لا وجود لها — ولكن للصور الذهنية التي قمنا بتكوينها له عند القراءة عن مآثره. بالمثل، يُعَدُّ خوفي من سموج هو في الواقع خوفًا من صورتي الذهنية لسموج.

ولكن رغم أنَّ التنانين (لو كان لها وجود) ستكون مرعبة، فإن الصور الذهنية للتنانين ليست كذلك (أو لا داعي لأن تكون كذلك). فالصورة الذهنية للتنين، في النهاية، ليست هي ما ينفث النار، بل التنين نفسه هو من ينفث النار. لذا فأنا لستُ قلقًا من أنَّ صورتي الذهنية لسموج سوف تقتل صورتي الذهنية لبيلبو بهدير عنيف. إنما قلقي من أن يُقْدِم سموج نَفْسُه على قتل بيلبو نَفْسِه بهديرٍ عنيفٍ.

تنشأ مفارقة الخيال الأساسية لأننا لا نستطيع الإجابة عن أسئلة كهذه: «ما» الذي نخافه؟ «من» نشفق عليه؟ إن المشاعر، على عكس الحالات المزاجية، دائمًا ما تكون موجَّهة لشيء بعينه؛ فدائمًا ما يكون لها أهداف. وكما يوضِّح جوت: «إن أية حالة مزاجية، مثل السعادة أو الحزن، لا تحتاج لأن يكون لها هدف مقصود؛ فبإمكان أحدهم أن يكون سعيدًا أو حزينًا ببساطة دون أن يكون سعيدًا أو حزينًا «لأي شيء». أما الشعور، في المقابل، فله هدف مقصود؛ فأنا أخاف شخصًا ما، وأشفق على شيء ما.»22

ولكن ما هو ذلك «الشيء» في حالة الخيال؟ لا يوجد هدف قائم ليخدم هذه المهمة. ولكن واضِعِي نظرية الفكر يُقدِّمون مثل هذا الهدف: الأفكار (أو بشكل أكثر تحديدًا، التمثيلات أو الصور الذهنية). فتفكيري في بيلبو، على عكس بيلبو ذاته، هو شيء قائم وموجود حقًّا. ولكن لسوء حظِّ واضع نظرية الفكر، لا يبدو أن هذا الشيء من النوع الملائم من الأشياء ذات الوجود لفهم ردود أفعالنا العاطفية تجاه الخيال.

(٥) التعايش مع الحيرة

حين واجه بيلبو أحد ألغاز جولوم، «راوَدَه شعورٌ بأن الإجابة كانت مختلفة تمامًا وأنَّ عليه أن يعرفها، ولكنه لم يستطع التفكير فيها.»23 قد نشعر بشيء مشابه إزاء مفارقة الخيال. فمن ناحية، بالنظر إلى مدى ما تتسم به ردود أفعالنا العاطفية من طبيعية واعتيادية، يبدو تفسيرها مسألةً هيِّنةً حتمًا. على الجانب الآخر، يظل العثور على حلٍّ مُرْضٍ للغز مسألة مراوغة.

عند هذه النقطة، أعتقد أنَّ خيارنا الأمثل هو إلقاء نظرة ثانية على شرط الاتِّساق. رأينا فيما سبق أن محاولة واضع نظرية الفكر لتعديل هذا الشرط قد واجهت مأزقًا. ولكن ربما كان من الخطأ محاولة التشبث بالشرط من الأساس، حتى في شكل مُعدَّل. ربما كان الأحرى بنا أن نرفض كليًّا. فعلى الرغم من أنه قد يكون صحيحًا أن المشاعر كثيرًا ما يكون لها أساس في معتقدات الوجود، فإن هذا لا يعني أنها لا بدَّ «دائمًا» أن تكون مؤسسة بهذا الشكل.

في مقالٍ مؤثِّرٍ، أشار ريتشارد موران إلى أنَّ الخيال ليس الحالة الوحيدة التي نُصْدِر فيها استجابات عاطفية دون معتقدات الوجود المتَّصلة بها. فما إن نفكر مليًّا في النطاق الهائل لمخزوننا العاطفي العادي، «يبدو الأمر كما لو كان قَدْرًا يسيرًا نسبيًّا من انتباهنا العاطفي يصب في اتجاه الأشياء أو الأهداف الموجودة في الواقع الفعلي.»24 إنني أكنُّ لتولكين كلَّ الإعجاب، على الرغم من أنني أعلم تمام العلم أنه لم يَعُد على قيد الحياة، ربما أيضًا أشعر بالأسى لأن الكثير من أقرب أصدقاء تولكين قد قضوا نَحْبَهم في الحرب العالمية الأولى، وقد أشعر بالأسف لعدم نشره المزيد من أعماله في حياته.

وكما يشير موران، فإن المشاعر مثل الندم والأسف تتعلق بالماضي؛ ومن ثم كثيرًا ما تكون موجَّهة إلى أشياء ليست موجودة في الوقت الحالي. غير أننا لا نعتبر هذه المشاعر محيَّرة على الإطلاق. وقد نوجه مشاعرنا أيضًا إلى أشياء أو أحداث مستقبلية ليس لها وجود حاليًّا؛ على سبيل المثال، قد أخشى الفيضانات التي ستأتي من ذوبان الصفائح الجليدية القطبية، بل قد يكون لديَّ مشاعر إزاء أشياء لا يمكن أن يكون لها وجود، مثل رحلة إلى الماضي للجلوس في اجتماع لمجموعة النقاش الشهيرة الخاصة بتولكين في أكسفورد، الإنكلينج.

بالإضافة إلى ذلك، مثلما يمكن لمجرد التفكير في شيء ما أن يولِّد الاشمئزاز منه، يبدو أنَّ هناك فئةً كاملةً من المشاعر التي لا ترتبط بمعتقدات الوجود. ويقدِّم لنا موران العديدَ من الأمثلة:
أيًّا كانت لمحة التناقض التي قد تتواجد في فكرة الشفقة أو الخوف الموجهين إلى ما يُعتبَر مجرد شخصيات، ما من شيء على الإطلاق في فكرة الجذل والبهجة الموجهين لأحداثٍ تَعْلَم أنها ستُجسَّد على المسرح، أو لقصص تتعلَّق بباعة ودجاج لم يكن لهم وجود حقًّا على الإطلاق.25

ويضيف فيما بعد للقائمة المتعة، والملل، والاضطراب، والترقب. وكلُّ هذه الاستجابات تبدو مستقلة تمامًا عن معتقدات الوجود ذات الصلة.

لحلِّ مفارقة الخيال، كنا سنحتاج بالتأكيد لبعض التفسير الإضافي لمسألة لماذا يبدو لنا شرط الاتساق منطقيًّا إلى هذا الحد، ولكان من اللطيف أيضًا لو كان لدينا تفسير بديل للعلاقة بين مشاعرنا ومعتقداتنا. ولكن التفكير مليًّا في اعتبارات مثل تلك التي يعرضها موران إنما يوفر لنا على الأقل حلًّا ما للمفارقة التي نحن فيها. قد نظل في حيرة وارتباك، ولكن على الأقل يمكن أن تتوافر لدينا بعض الثقة في أن الحيرة والارتباك اللذين نشعر بهما حقيقيَّان برغم كلِّ شيء.

هوامش

(1) Colin Radford, “How Can We Be Moved by the Fate of Anna Karenina?” Proceedings of the Aristotelian Society 49 (1) (1975): 67–80; and Kendall Walton, “Fearing Fictions,” Journal of Philosophy 75 (1) (1978): 5–27. Other influential discussions of the puzzle appear in Gregory Currie, The Nature of Fiction (Cambridge, UK: Cambridge University Press, 1990); and Nöel Carroll, The Philosophy of Horror, or, Paradoxes of the Heart (London: Routledge, 1990). For a very clear overview of the paradox and various proposals for dealing with it, see Steven Schneider, “The Paradox of Fiction,” Internet Encyclopedia of Philosophy, http://www.iep.utm.edu/f/fict-par.htm.
(2) My formulation of the argument is indebted to Tamar Szabó Gendler and Karson Kovakovich, “Genuine Rational Fictional Emotions,” in Aesthetics and the Philosophy of Art, ed. Matthew Kieran (Oxford, UK: Blackwell, 2006), 241–53.
(3) Radford, “How Can We Be Moved by the Fate of Anna Karenina?”, 68.
(4) J. R. R. Tolkien, The Hobbit: or, There and Back Again (New York: Del Rey/Ballantine Books, 2001), 55.
(5) David Hume, A Treatise of Human Nature (Oxford, UK: Clarendon Press, 1985), 416.
(6) William James, “What Is an Emotion?” Mind 9 (1884): 188–205.
(7) Perhaps in some situations your residual fear is not irrational. For example, you might never have realized before that mountain lions came down from the hills into populated areas, or you might have forgotten this fact; now, having been alerted to or reminded of that possibility, you fear that one of the mountain lions living in the hills will make its way down into town. This fear might not be irrational, but notice that it’s not the fear of a nonexistent mountain lion roaming about town; rather, it’s the fear of an actual mountain lion not yet roaming about town.
(8) Radford, “How Can We Be Moved by the Fate of Anna Karenina?”, 78.
(9) Tolkien, The Hobbit, 23.
(10) Martha Nussbaum, The Fragility of Goodness (Cambridge, UK: Cambridge University Press, 1986); see also Gendler and Kovakovich, “Genuine Rational Fictional Emotions,” 252.
(11) The term emotional irrealism comes from Berys Gaut, “Reasons, Emotions, and Fiction,” in Imagination, Philosophy, and the Arts, ed. Matthew Kieran and Dominic McIver Lopes (London: Routledge, 2003), 15.
(12) Walton, “Fearing Fictions,” 6.
(13) Ibid., 13.
(14) Tolkien, The Hobbit, 302.
(15) Carroll, The Philosophy of Horror, 74. Carroll makes his argument about works of horror, but they seem to apply equally well to works of fantasy.
(16) Schneider, “The Paradox of Fiction.”
(17) J. R. R. Tolkien, “On Fairy-Stories,” in Poems and Stories (New York: Houghton Mifflin, 1994), 167.
(18) Walton, “Fearing Fictions,” 7.
(19) Gaut, “Reasons, Emotions, and Fiction,” 17.
(20) Peter Lamarque, “How Can We Fear and Pity Fictions?” British Journal of Aesthetics 21 (4) (1981): 296.
(21) Ibid., 293.
(22) Gaut, “Reasons, Emotions, and Fiction,” 16.
(23) Tolkien, The Hobbit, 78.
(24) Richard Moran, “The Expression of Feeling in Imagination,” Philosophical Review 103 (1) (January 1994): 78; see also Gendler and Kovakovich, “Genuine Rational Fictional Emotions,” 249.
(25) Moran, “The Expression of Feeling in Imagination,” 81. Tolkien tells us that “it is a strange thing, but things that are good to have and days that are good to spend are soon told about, and not much to listen to; while things that are uncomfortable, palpitating, and even gruesome, may make a good tale, and take a deal of telling anyway.” Tolkien, The Hobbit, 51. Perhaps this explains why philosophers worrying about the paradox of fiction have focused so much on fear and pity rather than mirth and merriment.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤