«لوزة» تحصُل على لغز

قضى المغامرون الخمسة فترةً طويلة بلا «مغامرةٍ» واحدة يشتركون فيها … أو لُغز يحاولون حلَّه … وكان ذلك بالنسبة لهم شيئًا لا يمكن احتمالُه … ولكنْ لا المغامراتُ ولا الألغازُ شيءٌ يمكن شراؤه … وما على المغامر إلا الانتظار … لهذا فإن مكالمةً تليفونية ذات مساء ﻟ «لوزة» … كانت هديةً من السماء للمغامرين …

والحكاية بدأَت ذات مساءٍ صيفي حار … وكانت «لوزة» تجلس في حديقة المنزل قُرب الكُشك الصيفي الذي اعتاد المغامرون الجلوس فيه … ولم يكن «عاطف» موجودًا … فقد ذهب مع والده ووالدته إلى نادي «الجود شوط» … وفضَّلتْ «لوزة» البقاء على أمل أن يحدُث شيء … وكأنما كان أنفها، الذي يشُم المغامرات والألغاز، قد شمَّ رائحةَ لُغزٍ من بعيد … وقد جاء اللغز … فقد دقَّ جَرَس التليفون الذي كانت تَضعُه بجوارها ورفَعَت السماعة … وعلى الطرف الآخر سمِعَت صوت صديقةٍ لها تُدعى «بسمة»، وكانت «بسمة» كاسمِها تتحدَّث بهدوء … وتتصرَّف بهدوء … حتى أثناء حصة الألعاب كانت تلعب بهدوء … ولم تكن «بسمة» زميلة ﻟ «لوزة» في المدرسة الآن … فقد كانت قد انتقلَت إلى مدرسةٍ أخرى.

وجاء صوت «بسمة» عَبْر التليفون هادئًا كالنسمة في أُمسيات الصيف، وتبادلَت الصديقتان التحيات ثم قالت «بسمة» ﻟ «لوزة»: ألَمْ تمُر عليكِ أمسِ أو اليومَ صديقتُنا «سماء»؟

أخذت «لوزة» تتذكر «سماء» … كانت معهما فعلًا في المدرسة الابتدائية، ثم انتقلَت مع «بسمة» إلى المدرسة الجديدة … وبَقِيَت «لوزة» في مدرستها القديمة القريبة من منزلها … تذكَّرتْها وقالت تَرُد على «بسمة»: نعم … بل إنني لم أَرَها منذ أكثر من شهر.

ساد الصمت لحظاتٍ ثم قالت «لوزة» وقد تنبَّهَت غريزة المغامرة فيها: لماذا سَكتِّ يا بسمة، هل هناك شيء؟

ردَّت «بسمة» في حزنٍ واضح: نعم … إنها لم تعُد إلى منزلها منذ أمسِ ليلًا! قالت «لوزة» بلهفة: أمسِ ليلًا … شيءٌ غريب!

بسمة: … إن أهلها في غاية الحزن والألم … بل إن والدتَها أُصيبَت بغيبوبة مرتَين!

أحسَّت «لوزة» بقلبها يدُق سريعًا، ثم سألَت: ولكن كيف حدَث هذا؟

ردت «بسمة»: إنها حكايةٌ طويلة!

لوزة: ولكنِّي أُحب أن أسمعها، لماذا لا تأتين الآنَ لزيارتي؟

بسمة: للأَسفْ … إن والدي منعَني من الخروج بعد اختفاء «سماء».

لوزة: معه حق … ما رأيُكِ لو أتيتُ أنا لزيارتكِ؟

بسمة: سيُسعِدني هذا جدًّا!

لوزة: سآخذ درَّاجَتي وأَمُرُّ عليكِ بعد عَشْر دقائق … انتظريني في الحديقة. ولم تكد «بسمة» تضع سماعة التليفون، حتى أدارت «لوزة» القُرص وطَلبَت «تختخ»، ورَدَّ عليها المغامر البدين قائلًا: إنكِ بالطبعِ تسألين عن لُغزٍ أو مغامرة!

لوزة: لا … إنني عثرتُ على اللغز المطلوب!

تختخ: لُغزٌ لحل الكلمات المتقاطعة في الجريدة؟

لوزة: لُغزٌ حقيقي … فيه شخصٌ مختفٍ!

تختخ: غريبٌ جدًّا … أين عثرتِ على هذا اللغز؟

لوزة: وصلَني عن طريق أسلاك التليفون … وسأذهبُ فورًا.

تختخ: للبحث عن الشخص المختفي؟

لوزة: لا … ولكن لسماع القصة كلِّها … هل تذكُر «بسمة»؟

فكَّر «تختخ» قليلًا ثم قال: أتذكَّرها … هذه الفتاة الهادئة ذات العينَين الخَضْراوَين.

لوزة: بالضبط … إنها هي التي تعرف.

تختخ: وهل تذهبينَ وحدكِ؟

لوزة: نعم … إلا إذا شئتَ أن تأتي معي.

تختخ: ليس عندي ما يشغلُني، ولكني لا أعرف العنوان.

لوزة: سأمُر عليكَ بعد دقائق، كن مستعدًّا على دراجتكَ أمام الباب.

وضعَت «لوزة» السمَّاعة وفي رشاقة الغزال قفَزتْ إلى درَّاجتها، وانطلقَت كالصاروخ في طريقها إلى منزل «تختخ»، وَجدَته فعلًا مُنتظِرًا … ولم تكد تقترب منه حتى رفع يدَيه بتحيةٍ سريعة، ثم انطلقا معًا … وفي الطريق روت «لوزة» ﻟ «تختخ» ما سَمِعَته من «بسمة». كانت «بسمة» تسكُن في الحي الجديد من المعادي … وسرعانَ ما كان المغامران يقطعان الطريق إلى الفيلا الصغيرة التي تسكُنها «بسمة» مع والدَيها وشقيقها «عزيز».

وعندما وصلا إلى باب الحديقة الصغيرة، وجداهما في انتظارهما … وتبادَلَ الجميع التحيات فقد التقَوا معًا أكثر من مرة في الرحلات.

ودخلوا الحديقة … ولاحَظ «تختخ» أنها حديقةٌ بديعة رائعة التنسيق برغم صِغَرها فأبدى إعجابه في كلماتٍ قليلة، ثم جلس الجميع … ولم تُضيِّع «لوزة» وقتًا؛ فقد انطلَقَت إلى هدفها قائلة: احكي لنا يا «بسمة» ما حدث.

قالت «بسمة»: اعتادت «سماء» أن تذهَب مع والدَيها كلَّ يومِ خميسٍ إلى السينما ليلًا … وأمسِ الخميس خرجَت «سماء» مع والدها ولم تذهب والدتُها معها؛ فقد كانت مرتبطةً بموعد مع صديقةٍ لها … لأن السينما كانت تعرض فيلمًا ناجحًا فقد وجداها مزدحمةً جدًّا … ولم يجدا مَقعدَين مُتجاورَين. وبعد محاولاتٍ استطاعا الحصول على تذكرتَين ولكن غير متجاورتَين … وكادا يعودان، ولكن «سماء» ألحَّت على والدها في الدخول … وجلس الأب … وجَلسَت «سماء» وحدَها.

بدا الاهتمامُ على وجه «لوزة» و«تختخ» ومضت «بسمة» تَرْوي: دخلا بعد أن بدأ العرض، وقام الرجل المسئول عن التذاكرِ بإجلاسِهِما في أماكنهما … وفي الاستراحة قام والد «بسمة» وذهب إليها في مقعدها … وأحضر لها جيلاتي … ثم عاد إلى مقعده.

وصَمتَت «بسمة» لحظاتٍ ثم مضت تقول: ومضى الفيلم الذي كان عن الحرب العالمية الثانية … حَفَل بالطبع بطلقات المدافع والرصاص … وانهمك الجميع في المشاهدة … ثم انتهى الفيلم ووَقعَت في نفس الوقت مشاجرةٌ بين بعض الأشخاص في نفس المكان الذي كانت تجلس فيه «سماء»، وعندما أسرع والدها إلى المكان الذي كانت تجلس فيه لم يَجدْها في مكانها … وتوقَّع أنها قامت بالانصراف للابتعاد عن المشاجرة … ونظَر حولَه في كل مكان … ولم يَجدْها، فخرج من السينما وهو متوقِّع أن يجد «سماء» في انتظاره … ولكنه للأسف لم يَجدْها … فخرج إلى الشارع، ولكنه لم يعثر لها على أثَر.

وتوقَّفتْ «بسمة» عن الحديث قليلًا … وتنهَّدتْ ثم مضت تقول: وعاد الوالد إلى داخل السينما … وأحضر بعض موظَّفي السينما وأخذوا يُفتِّشون في كل مكان … بين المقاعد وفي دورة المياه … ولكن لم يكن هناك أثَرٌ ﻟ «سماء»!

ونظَرتْ «بسمة» إلى «لوزة» التي كانت قد أَرهفَت أُذنَيها للسمع … وعادت تقول: وعاد الأب إلى البيت وكلُّه أمل أن يجدها قد سبقَتْه إلى هناك … ولكنه لم يَجدْها في المنزل أيضًا.

وتنهَّدتْ «بسمة» مرةً أخرى ثم قالت: وحتى الآن اختفت «سماء» ولم تظهر؟

وساد الصمت بعد هذه الجملة … ثم تحدَّث «تختخ» قائلًا: هل أبلَغ الشرطة؟

بسمة: بالطبع أَبلغ.

تختخ: وما هي النتائج؟

بسمة: حسب القانون يبدأ البحث عن المختفين بعد ٢٤ ساعة من اختفائهم؛ لهذا فإن الشرطة ستبدأ البحث هذا المساء.

تختخ: ألم يسبق أن تحدَّثتْ «سماء» معكِ أو مع أصدقائكما، أو مع والديها عن أخطارٍ مجهولة تتعرَّض لها؟

بسمة: مطلقًا … حتى آخر لحظةٍ رأيتُها فيها كانت مرحةً كعادتها، وكل شيءٍ يمضي على ما يُرام.

تختخ: هل انفضَّت المشاجرة أثناء وجود الوالد هناك؟

بسمة: لا أدري.

وطلب «تختخ» من «بسمة» صورة «سماء» … وعنوانها … ثم وقف قائلًا: سيقوم المغامرون الخمسة بالبحث عن «سماء» … إنها قصةٌ مُشوِّقة ومؤلمة معًا … وسنبذل غاية ما في وُسْعنا.

بسمة: أشكُركَ يا توفيق … لقد حقَّق المغامرون الخمسة دائمًا نتائجَ باهرة في كل المغامرات التي اشتركوا فيها؟

تختخ: للأسف فإن المعلومات قليلةٌ جدًّا … واختفاء «سماء» … تَمَّ بطريقةٍ غريبة لم يسبق لها مثيل!

وقام «تختخ» و«لوزة» وخَرجَت «نسمة» وشقيقها لتوديعهما عند باب الحديقة، ولم يكد الأربعة يَصِلون إلى هناك حتى كانت في انتظارهم مفاجأة … فقد توقَّفتْ درَّاجةٌ قديمة ونزل من عليها الشاويش «علي» الشهير باسم «فرقع» ولم يكَد يرى «تختخ» و«لوزة» حتى اهتَز شاربه … واحمرَّ وجهه … وبدا عليه الغضب ثم قال فجأة: ماذا تفعلان هنا؟ أدار «تختخ» وجهَه إلى «لوزة» وقال: ماذا كنا نفعل هنا؟

قالت «لوزة»: كنا نزور صديقنا.

قال «تختخ» مُوجِّهًا حديثه إلى الشاويش: هل الزيارة ممنوعة بحكم القانون يا حضرة الشاويش؟

قال الشاويش بعصبية: أنتَ تعرف أن القانون لا يمنع زيارة شخصٍ لآخر.

تختخ: إذن لم يحدُث شيءٌ في حدود اختصاصاتك.

الشاويش: بل حدَث … لقد جئتُما هنا لتسألا عن سر اختفاء «سماء».

لمعَت عينا «تختخ» وابتسم قائلًا: مدهش جدًّا يا شاويش … إنه استنتاجٌ بارع حقًّا … لقد وقعنا في يدك!

الشاويش: طبعًا ولكن هذه المرة لن أفعل شيئًا ضدكما.

تختخ: ومتى تفعل؟

الشاويش صائحًا: سيأتي اليوم الذي تقع فيه في يدي.

تختخ: حتى ذلك اليوم السعيد … دعنا نذهب … ففي انتظارك مهمةٌ شاقَّة حقًّا … أرجو لك فيها التوفيق.

وقفز «تختخ» فورًا على درَّاجتِه … وكذلك قفَزتْ «لوزة» وانطلقا إلى منزل «عاطف» …

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤