بداية مغامرة

لم يُعلِّق أحدٌ على ما قالَتْه «لوزة» فمضت المُغامِرة الصغيرة وقد احمرَّ وجهها تُكْمل قصتها المثيرة: وقد استنتج هذ الشخص … وهو ولدٌ صغير … أن الأمور ليست عادية … لأنه يعرف «سماء» فالتقط رقم السيارة.

قال «عاطف» محاولًا إطفاء حماسة «لوزة»: إن هذا دليلٌ قليل الأهمية … فأكثر أرقام السيارات التي يستخدمها اللصوص وعصابات الخطف تكون مُزيَّفة … أو تكون هذه السيارات مسروقةً من أصحابها الأصليين.

لم ينطفئ حماس «لوزة» ومضت تقول: لقد وضَعتُ ذلك في اعتباري … وتوقَّعتُ أن يقول أحدكم هذا … ولكنَّ هناك دليلًا آخر في منتهى الأهمية!

وسكتَت «لوزة» لحظاتٍ وهي تدير عينَيها في وجوه المغامرين الأربعة ثم مضت تقول: لقد عثر هذا الولد على ورقةٍ سقطَت من يد «سماء» وهي خارجة من السينما.

ودون أن تنتظر تعليقًا على هذا الكلام، مدَّت يدها في جيبها ثم أخرجَت الورقة ولوَّحتْ بها أمامهم، وقالت: وهذه هي الورقة.

وتعلَّقتِ العيون كلها بالورقة، ودون أن تنظر فيها «لوزة» مدَّت يدها بها إلى «تختخ» وقالت: وعليكم الآن أن تجدوا في هذه الورقة دليلًا يقودنا إلى طَرفِ الخيط في هذه القضية الغامضة.

أمسك «تختخ» بالورقة في يديه لحظات، ثم رفعها أمام عينَيه … وظل لحظاتٍ ينظر إليها … ثم أدارها ونظر في ظهرها، ثم عاد ينظر إليها مرةً أخرى، ثم قال بصوتٍ بائس: ليس في الورقة شيء يمكن أن يكون دليلًا.

هبط حماس «لوزة» إلى درجة الصفر … ونظَرتْ إلى «تختخ» غير مُصدِّقة ومدت يدها قائلة: لقد كان عليها بضع كلمات!

تختخ: آسف … لقد هبط الظلام والضوء ليس كافيًا في الحديقة … هيا ندخل إلى الكشك الصيفي.

وأسرع الجميع يدخلون، وأضاء «عاطف» ضوء المصباح القوي المُدلَّى من السقف، ودار الجميع حول «لوزة» التي أمسكَت الورقة تحت الضوء، وأخذَت تحاول معرفة ما هو مكتوب عليها … كانت هناك بعض خطوطٍ مكتوبة باللون الأسود … غليظ ولكنه خفيف … وواضح أنها مكتوبة بيدٍ مرتعدة … وبأداة ليست قلمًا على الإطلاق … وأحسَّت «لوزة» بقلبها يدُق في عنف … ليس هناك في الورقة ما يمكن قراءته … ولكن «تختخ» تَدخَّل سريعًا، وأمسك بالورقة، وفردها جيدًا بين أصابعه ثم رفعها إلى الضوء، واستمر يُحدِّق فيها لحظات، ثم قال: هناك ثلاث كلمات يمكن قراءتها.

واستعادت «لوزة» حماسها، وقالت: اقرأها …

قال «تختخ»: هناك كلمة يمكن أن تكون … ركن …

نوسة: ركن … أي زاوية.

تختخ: والكلمة الثانية يمكن أن تكون … ﺣﻠ … حلو …

صاح «محب»: حلوان … ركن حلوان …

تختخ: بالضبط … ركن حلوان!

صاحت «لوزة» بفرحة: ركن حلوان … إن العصابة هناك!

عاطف: ما هي الكلمة الثالثة …

تختخ: ربما تكون … ساعة.

لوزة: إنها تُحدِّد الوقت.

تختخ: ولكن بعد ذلك لا شيء، خطٌّ واحد … ثم انتهى.

لوزة: لعلَّها لم تتمكن من تكملة الكلمة.

وضع «تختخ» الورقة على أنفه وشمَّها بقوة ثم قال: هل تعرفون القلم الذي كُتبَت به هذه الورقة؟

لم يَرُد أحد … فمضى «تختخ» يقول: إنه قطعةٌ صغيرة محروقة من الفول السوداني، لقد كانت «سماء» تأكل الفول السوداني الذي تُحبه، واستعملت حبةً محروقة من الفول لتكتب هذه الكلمات.

نوسة: يا لها من فتاةٍ ذكية!

تختخ: لحسن الحظ أن الورق أبيضُ فساعَد على ظهور الكلمات!

لوزة: هل يكفي هذا الدليل لنبدأ العمل؟

تختخ: سنحتاج لبعض التفكير … يجب أن نحاول استنتاجَ ما حدث في دار السينما، حتى نتمكن من متابعةِ ما حدث بعدها.

وساد الصمت بعد هذه الجملة … وكان كلٌّ من المغامرين الخمسة يحاول أن يتصوَّر ماذا يمكن أن يحدث في ظلام دار السينما … وكيف تم خطف «سماء» وبالطبع لم يكن في إمكانهم معرفة سبب الخطف مطلقًا … إلا إذا كانت عصابةٌ تُريد فديةً من أُسرة «سماء» وذلك لن يتضح إلا بعد أن تتصل العصابة بأُسرة «سماء» …

تحدَّثتْ «نوسة» قائلة: إننا بالطبع لا نستطيع تحديد الهدف من خطف «سماء» ولكني أتصوَّر طريقة الخطف … من خلال الوصف الذي قدَّمه الولد الصغير لحالها وهي خارجة، يمكن أن أتصوَّر أن الخاطفين قاموا بتخديرها!

عاطف: ولكن كيف يمكن تخدير شخص دون مقاومة؟

تختخ: ذلك أمرٌ سهل … فمن الممكن بواسطة حقنة تُعطَى فجأة وبها كميةٌ كبيرة من المخدر أن يُصاب الشخص بالتخدير في دقائقَ قليلة!

عاطف: في هذه الحالة فإن تصوُّر «نوسة» لخطف «سماء» هو التصوُّر الوحيد الممكن.

تختخ: إن ما أُفكِّر فيه هو … هل كانت العصابة تتبع «سماء» حتى دخولها السينما ثم قامت بخطفها؟

محب: وهل هناك احتمالٌ آخر …؟

تختخ: نعم … يمكن أن يكونوا قد خطفوها بالمصادفة.

التفت الجميع إلى «تختخ» مندهشين، وقالت «لوزة»: كيف يتم الخطف بالمصادفة؟ … إن عملية الاختطاف عادةً عمليةٌ مُدبَّرة.

تختخ: هذا صحيح في ٩٩٪ من الحالات … ولكن حالة «سماء» هذه تبعث على الحَيْرة بسبب أن الخاطفين قاموا بخطفها من قلب السينما وحولهم مئات من الناس … كلٌّ منهم يمكن أن يُنقِذ الفتاة، ولو اكتُشِف أمر الخاطفين داخل السينما لما استطاع أحدٌ منهم الفِرار … فيكفي إغلاق الأبواب، وإضاءة الأنوار للقبض عليهم … خاصة أن أحد رجال الشرطة دائمًا موجودٌ بدار السينما للمحافظة على النظام.

كان حديث «تختخ» منطقيًّا جدًّا … وبدا للمغامرين بعد هذا التحليل أن عملية الخطف فعلًا تمَّت بالمصادفة، خاصة بعد أن عاد «تختخ» يقول: إنني أعتقد أن هؤلاء الرجال الذين خطفوا «سماء» قد خطفوها مُضطَرِّين.

علَت الدهشة وجوه المغامرين «الخمسة» … كيف يمكن أن يقوم شخصٌ بخطف شخصٍ آخر مضطرًّا؟!

وكأنما أدرك «تختخ» ما يدور في أذهانهم فقد أجاب على الفور: ربما رأت «سماء» شيئًا أو سَمِعَت شيئًا لم يكن لها أن تسمعه … واضطُرت العصابة إلى خطفها لهذا السبب حتى لا ينكشف سرهم.

بدا هذا التوضيح معقولًا … إلا في حالةٍ واحدة، إذا اتصل الخاطفون بأُسرة «سماء» وطلبوا فدية … وهكذا تنهار هذه النظرية من أساسها.

قال «محب» مندفعًا بشعور المُغامِر: إننا نُضيِّع وقتنا في تحليل الحادث … المهم الآن أن نتحرك … فعندنا مكانٌ يجب أن نذهب إليه.

تختخ: أتقصد ركن حلوان؟

محب: طبعًا … لا بُد أن في هذا الركن شيئًا دفع «سماء» إلى أن تكتب هذه الرسالة.

لوزة: معك حق يا «محب» المهم الآن ركن حلوان!

تختخ: أعتقد أننا لن نذهب ليلًا.

محب: على العكس … إن الليل والظلام خيرٌ لنا من النهار.

تختخ: ولكن يجب إبلاغ …

وقبل أن يتم «تختخ» جملته دَقَّ جرس التليفون، كان المتحدِّث هو المفتِّش «سامي» وتحدَّث «تختخ» إليه … قال المفتش: حتى الآن لم تتصل عصابة المختطفين بأُسرة «سماء»، ويبدو لي أن الاختطاف تم لأمرٍ آخر غير الفدية.

تختخ: هذا ما توقَّعناه.

المفتش: هل وصلَتكُم معلوماتٌ عن حادث الاختطاف غير ما نعرفه؟

تختخ: نعم … هناك معلومات على جانبٍ كبير من الأهمية … فقد استطاعت «لوزة» العثور على شخصٍ شاهد «سماء» وهي خارجة من داخل السينما إلى سيارة سوداء.

المفتش: مدهش … إن هذه المغامرة الصغيرة لا مثيل لها!

تختخ: أكثر من هذا … لقد حصلَت منه على رقم السيارة التي نُقِلَت إليها «سماء» وعلى ورقةٍ صغيرة سقطت من يد «سماء»، مكتوبة بحبة من الفول السوداني المحروق ورقم السيارة هو ٢٨٩٦٩ ملاكي جيزة.

المفتش: وماذا في الورقة؟

تختخ: ثلاث كلمات … ركن حلوان الساعة … ثم لا شيء.

المفتش: إنها معلومات على جانبٍ كبير من الأهمية … وأريد أن أراكم غدًا صباحًا لمناقشة هذه المعلومات … وأرجو أن تحتفظوا بالورقة، وأن تُبلغ «لوزة» تحياتي وإعجابي، وبالطبع سنبدأ البحث فورًا بناءً على هذه المعلومات.

وانتهت المكالمة. وقالت «نوسة»: إن الشرطة سوف تتولَّى كل شيء … ولم يعُد لنا ما نفعله.

تختخ: طبعًا … إن رجال المفتش «سامي» سوف ينتشرون في كل مكانٍ للبحث عن السيارة وبالطبع سيُحاصِرون ركن حلوان.

محب: إن ظهور رجال الشرطة هناك سوف يُنبِّه العصابة، وأعتقد أنهم سيتصرَّفون بحيث يبتعدون عن الركن بأسرعِ ما يمكن.

تختخ: لا أعتقد أن المفتش «سامي» سيكون من السذاجة بحيث يكشف عن وجود رجاله هناك، ولا بُد أنهم سيرتدون الملابس العادية حتى لا ينكشف أمرهم.

محب: الآن ما هي خطَّتنا؟

تختخ: لا خطَّة حتى نلتقي غدًا بالمفتِّش «سامي» هنا … فقد طلب أن نعقد اجتماعًا غدًا لمناقشة الموقف من جميع جوانبه.

وأحَسَّ الجميع أن الاجتماع قد انتهى عند هذا الحد … وبدءوا ينصرفون … وقام «زنجر» يتثاءب خلف «تختخ» الذي ركب درَّاجتَه ومضى … ولكن بدلًا من أن يتجه إلى منزله … وجد نفسه يستدير ناحية منزل «سماء». كان في ذهنه خطةٌ غامضة … أحد أبطالها «زنجر» وعندما وصل إلى الفيلا الصغيرة الحزينة توقَّف أمامها لحظاتٍ وهو يُفكِّر، ثم أدار بدَّالَ درَّاجتِه واتجه إلى باب الحديقة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤