دِمْنَةُ وَشَتْرَبَة

الثَّوْرُ فَرْحانُ.

الثَّوْرُ شَبْعانُ.

الثَّوْرُ أَكَلَ حَتَّى شَبِعَ.

الثَّوْرُ غَنَّى لَمَّا شَبِعَ.

الثَّوْرُ لا يَعْرِفُ أَنَّ صَوْتَهُ مُنْكَرٌ شَنِيعٌ.

الثَّوْرُ لا يَعْرِفُ أَنَّ غِناءَهُ مُزْعِجٌ فَظِيعٌ.

أَسَدُ الْغابَةِ سَمِعَ صِياحَ الثَّوْرِ.

أَسَدُ الْغابَةِ قالَ: «هذَا صَوْتٌ مُزْعِجٌ غَرِيبٌ! صَوْتُ مَنْ هذا يا تُرَى؟»

أَسَدُ الْغابَةِ لَمْ يَسْمَعْ صِياحَ الثَّوْرِ قَبْلَ هذا الْيَوْمِ.

أَسَدُ الْغابَةِ لَمْ يَرَ الثَّوْرَ قَبْلَ هذا الْيَوْمِ، وَلَمْ يَسْمَعْ صَوْتَهُ.

الثَّوْرُ لَمْ يَرَ الْأَسَدَ قَبْلَ هذا الْيَوْمِ.

أَسَدُ الْغابَةِ قالَ لِوَزِيرِهِ ابْنِ آوَى: «أَنا سَمِعْتُ صَوْتًا مُزْعِجًا غَرِيبًا فِي هذا الصَّباحِ؛ صَوْتًا لَمْ أَسْمَعْهُ قَبْلَ الْيَوْمِ. اسْمَعْ يا «دِمْنَةُ»: ها هُوَ الصَّوْتُ يَتَرَدَّدُ فِي الْغَابَةِ. صَوْتُ مَنْ هذا يا دِمْنَةُ؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «هذا صَوْتُ شَتْرَبَةَ.»

أَسَدُ الْغابَةِ قالَ: «مَنْ «شَتْرَبَةُ» هذا؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «هُوَ ثَوْرٌ حَضَرَ إِلَى الْغابَةِ مُنْذُ أَيَّامِ. أَنَا أُحْضِرُهُ إِلَيْكَ، إِذا أَمَرْتَنِي بِذلِكَ.»

أَسَدُ الْغابَةِ قالَ: «أَسْرِعْ بِإِحْضارِهِ إِلَيَّ.»

«دِمْنَةُ» سَمِعَ صَوْتَ «شَتْرَبَة».

ماذَا يَقُولُ «شَتْرَبَةُ»؟

«شَتْرَبَةُ» كانَ يَقُولُ: «حَمْدًا لَكَ — يا رَبِّ — عَلَى ما أَنْعَمْتَ. أَنا حَضَرْتُ إِلَى الْغابَةِ جَوْعانَ عَطْشانَ. أَنا وَجَدْتُ فِي الْغابَةِ طَعامِي وَشَرابِي. أَنا أَكَلْتُ حَتَّى شَبِعْتُ وَشَرِبْتُ حَتَّى ارْتَوَيْتُ. أَنا غَنَّيْتُ، لَمَّا شَبِعْتُ وَارْتَوَيْتُ. أَنا كُنْتُ جَوْعانَ فَأَصْبَحْتُ شَبْعانَ. أَنا كُنْتُ عَطْشانَ فَأَصْبَحْتُ رَيَّانَ. حَمْدًا لَكَ — يا رَبِّ — عَلَى ما أَعْطَيْتَ».

«دِمْنَةُ» قالَ للِثَّوْرِ: «أُسَامَةُ سَمِعَ صَوْتَكَ. «أُسَامَةُ» سَأَلَنِي عَنْكَ. أَنْتَ حَضَرْتَ إِلَى الْغابَةِ وَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَى أُسَامَةَ! كَيْفَ فَعَلْتَ ذلِكَ؟ «أُسامَةُ» أَمَرَنِي أَنْ أُحْضِرَكَ إِلَيْهِ لَتُسَلِّمَ عَلَيْهِ.»

الثَوْرُ قالَ: «مَنْ «أُسَامَةُ» يا تُرَى؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «أُسَامَةُ» هُوَ أَسَدُ الْغابَةِ. «أُسَامَةُ» حاكِمٌ عادِلٌ يُحِبُّهُ سُكَّانُ الْغابَةِ جَمِيعًا. يُحِبُّهُ النَّمِرُ
وَالْقُنْفُذُ
وَالْدُّبُّ
وَالْكَرْكَدَّنُ
وَالْفِيلُ
وَالْقِرْدُ وَالْقنْغَرُ،
كَما يُحِبُّهُ الثَّعْلَبُ
وَالذِّئْبُ
وَالضَّبْعُ
وَالشَّغْبَرُ (ابْنُ آوَى)

الْأَسَدُ فَرِحَ بِلِقاءِ الثَّوْرِ.

الثَّوْرُ فَرِحَ بِلِقاءِ الْأَسَدِ.

الْأَسَدُ سَلَّمَ عَلَى الثَّوْرِ.

الثَّوْرُ سَلَّمَ عَلَى الْأَسَدِ.

الْأَسَدُ كانَ كَرِيمَ النَّفْسِ طَيَّبَ الْقَلْبِ.

الثَّوْرُ كانَ كَرِيمَ النَّفْسِ طَيَّبَ الْقَلْبِ.

الْأَسَدُ اخْتارَ الثَّوْرَ وَزِيرًا لَهُ.

الْأَسَدُ وَالثَّوْرُ أَصْبَحا صَدِيقَيْنِ مُنْذُ ذلِكَ الْيَوْمِ.

الْأَسَدُ أُعْجِبَ بِعَقْلِ الثَّوْرِ كَما أُعْجِبَ الثَّوْرُ بِعَقْلِ الْأَسَدِ.

الشَّغْبَرانِ يَتَحَدَّثانِ.

«كَلِيلَةُ» سَأَلَ أَخاهُ: «لِماذَا أَنْتَ حَزِينٌ؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «أَنا عَرَّفْتُ الْأَسَدَ بِالثَّوْرِ. الْأَسَدُ أُعْجِبَ بِالثَّوْرِ، وَالثَّوْرُ أُعْجِبَ بِالْأَسَدِ. الْأَسَدُ وَالثَّوْرُ أَصْبَحا صَدِيقَيْنِ لَا يَفْتَرِقانِ. أَنا لَا بُدَّ أَنْ أُفَرِّقَ بَيْنَهُما.»

«كَلِيلَةُ» سَأَلَ أَخاهُ: «ماذَا يَضُرُّكَ مِنْ صَداقَتِهِما؟ لِماذَا تُرِيدُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَهُما؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «كانَ أُسامَةُ يَفْضِّلُنِي عَلَى كُلِّ أَصْحابِهِ. فَلَمَّا عَرَفَ «شَتْرَبَةَ» نَسِيَنِي وَفَضَّلَهُ عَلَيَّ».

«كَلَيْلَةُ» قالَ: «إِيَّاكَ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَهُما فَتَنْدَمَ أَشَدَّ النَّدَمِ».

«دِمْنَةُ» حَزِيِنٌ.

«أُسامَةُ» قالَ: «لِماذَا أَنْتَ حَزِيِنٌ؟

«دِمْنَةُ» قالَ: «عَلِمْتُ الْآنَ أَنَّ «شَتْرَبَةَ» خَائِنٌ غَدَّارٌ»

«أُسامَةُ» قالَ: «كَيْفَ عَلِمْتَ ذلِكَ».

«دِمْنَةُ» قالَ: «سَمِعْتُ «شَتْرَبَةَ» يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحابِهِ أَنا أَقْوَى مِنْ «أُسامَةَ». أَنا أَحَقُ بِالْمَمْلَكَةِ مِنْ «أُسامَةَ». أَنا أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ «أُسَامَةَ» لِأُصبِحَ مِلِكًا عَلَى سُكَّانِ الْغَابَةِ.»

«أُسَامَةُ» قالَ: «وَيْلٌ لِلْخائِنِ الْغَدَّارِ! لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ «شَتْرَبَةَ».»

«دِمْنَةُ» زَعْلَانٌ.

«شَتْرَبَةُ» قالَ: «لِماذا أَنْتَ زَعْلانٌ؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «عَلِمْتُ الْآنَ أَنَّ «أُسامَةَ» غَادِرٌ مَكَّارٌ.

«شَتْرَبَةُ» قالَ: «كَيْفَ عَلِمْتَ ذلِكَ؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «سَمِعْتُ «أُسَامَةَ» يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحابِهِ: «شَتْرَبَةُ» سَمِينٌ وَلَحْمُهُ لَذِيذٌ. أَنا مُشْتاقٌ لِأَكْلِهِ.»

«شَتْرَبَةُ» خافَ.

«شَتْرَبَةُ» أَرادَ أَنْ يَهْرُبَ.

«دِمْنَةُ» قالَ: «إِيَّاكَ أَنْ تَهْرُبَ، إِذا حاوَلْتَ الْهَرَبِ طَمِعَ «أُسَامَةُ» فِيكَ. لا تَخَفْ مِنْ «أُسَامَةَ». انْطَحْ «أُسَامَةَ» بِقَرنَيْكَ. أَنْتَ أَقْوَى مِنْ «أُسَامَةَ».»

الْأَسَدُ وَالْثَّوْرُ تَقَابَلَا.

الثَّوْرُ شاف الْأَسَدَ ثائِرًا غَضْبانَ.

الثَّوْرُ ظَنَّ أَنَّ الْأَسَدَ يَسْتَعِدُّ لِقَتْلِهِ.

الثَّوْرُ صَدَّقَ كَلَامَ «دِمْنَةَ» المَكَّارِ.

الثَّوْرُ خافَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْأَسَدُ.

الثَّوْرُ اسْتَعَدَّ لِلدِّفَاعِ عَنْ نَفْسِهِ.

الْأَسَدُ شافَ الثَّوْرَ يَسْتَعِدُّ لِلْقِتَالِ.

الْأَسَدُ صَدَّقَ كَلَامَ «دِمْنَةَ».

الْأَسَدُ أَقْوَى مِنَ الثَّوْرِ.

الْأَسَدُ قَتَلَ الثَّوْرَ.

«كَليلَةُ» قالَ: «ماذا صَنَعْتَ يا أَخِي. لَكَ الْوَيْلُ يا «دِمْنَةُ». أَنْتَ خَدَعْتَ «أُسَامَةَ». أَنْتَ السَّبَبُ فِي قَتْلِ الثَّوْرِ الْبَرِيءِ. هَيْهاتَ أَنْ تَهْرُبَ مِنْ عِقابِ اللهِ.»

«دِمْنَةُ» قالَ: «لَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ غَيْرُكَ أَنَّنِي خَدَعْتُ «أُسَامَةَ».»

«كَليلَةُ» قالَ: «اللهُ — سُبْحانَهُ — يَعْلَمُ أَنَّ الثَّوْرَ طاهِرٌ بَرِيِءٌ. اللهُ — سُبْحانَهُ — يَعْلَمُ أَنَّكَ غَادِرٌ مُسِيءٌ. هَيْهاتَ أَنْ تُفْلِتَ مِنْ عِقابِ اللهِ.»

الشَّغْبَرانِ كانا يَتَحَدَّثَانِ.

النَّمِرُ كانَ يَسْمَعُ ما يَقُولُ الشَّغْبَرانِ.

النَّمِرُ تَعَجَّبَ مِمَّا قالهُ الشَّغْبَران.

النَّمِرُ ذَهَبَ إِلَى الْأَسدَةِ.

النِّمْرُ أَخْبَرَ الْأَسدَةَ بِما قالَهُ الشَّغْبَرانِ.

الْأَسدَةَ أَخْبَرَتْ وَلَدَها «أُسامَةَ» بِما قالَهُ النِّمْرُ.

النِّمْرُ أَخْبَرَ «أُسَامَةَ» بما قالَهُ الشَّغْبَرانِ.

الْأَسَدُ قالَ: «أَنْتَ خَدَعْتَنِي يا دِمْنَةُ. النِّمْرُ سَمِعَ حَدِيثَكَ مَعَ أَخِيكَ لَيْلَةَ أَمْسِ. النِّمْرُ أَخْبَرَنِي بِما سَمِعَ. لَا بُدَّ مِنْ حَبْسِكَ، حَتَّى يَنْظُرَ الْقاضِي فِي أَمْرِكَ.»

«دِمْنَةُ» صَرَخَ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ.

«دِمْنَةُ» قالَ: «أَنا مَظْلُومٌ. أَنا بَرِيءٌ.»

«كَلِيلَةُ» بَكَى لَمَّا شافَ أَخاهُ مَسْجُونًا مُقَيَّدًا.

«كَلِيلَةُ» أَقْبَلَ عَلَى «دِمْنَةَ» يُعاتِبُهْ عَلَى ما فَعَلَ.

«دِمْنَةُ» بَكَى نَادِمًا عَلَى قَتْلِ الثَّوْرِ البَرِيء.

الْفَهْدُ كانَ قَرِيبًا مِنْهُما يَسْمَعُ حَدِيثَهُما.

الْفَهْدُ أَخْبَرَ السَّجَّانَ بِما قالَهُ الشَّغْبَرانِ.

السَّجَّانُ أَخْبَرَ الْقاضِي بِما قالَهُ الْفَهْدُ.

فِي الْيَوْمِ التَّالِي عَلِمَ «دِمْنَةُ» أَنَّ أَخاهُ ماتَ مِنَ الْغَمِّ.

«دِمْنَةُ» بَكَى لِمَوْتِ أَخِيهِ.

«مَيْمُونُ» قَاضِي الْغَابَةِ سَأَلَ النِّمْرَ عَمَّا قالَهُ الشَّغْبَرانِ.

النِّمْرُ أَخْبَرَ قَاضِيَ الْغابَةِ بِما قالَهُ الشَّغْبَرانِ.

قاضِي الْغابَةِ سَأَلَ الْفَهْدَ عَمَّا قالَهُ الشَّغْبَرانِ.

الْفَهْدِ أَخْبَرَ قاضِيَ الْغابَةِ بِما قالَهُ الشَّغْبَرانِ.

قَاضِي الْغابَةِ قالَ: «أَنْتَ مُذْنِبٌ يا دِمْنَةُ».

«دِمْنَةُ» قالَ: «أَنا مَظْلُومٌ. أَنا بَرِيءٌ.»

قاضِي الْغابَةِ حَكَمَ بَشَنْقِ «دِمْنَةَ».

«دِمْنَةُ» نَادِمٌ حَزِيِنٌ.

«دِمْنَةُ» شافَ «شَتْرَبَةَ» فِي الْمَنامِ.

«دِمْنَةُ» قالَ: «أَنا نادِمٌ عَلَى ما فَعَلْتُ.»

«شَتْرَبَةُ» قالَ: «لا فائِدَةَ مِنَ النَّدَمِ عَلَى ما فاتَ. النَّدَمُ لا يَرُدُّ الْحَيَاةَ إِلَى مَنْ ماتَ.»

«دِمْنَةُ» شافَ «شَتْرَبَةَ» يُرِيدُ أَنْ يَنْطَحَهُ.

«دِمْنَةُ» صَحِيَ مِنْ نَوْمِهِ، مَرْعُوْبًا مِمَّا شافَ فِي حُلْمِهِ.

«مَيْمُونٌ» سَأَلَ «دِمْنَةَ»: «بِماذَا تُوَصِي قَبْلَ مَوْتِكَ؟»

«دِمْنَةُ» قالَ: «وَصِيَّتِي أَنْ تَكْتُبُوا قِصَّتِي، لِيَقْرَأَها الْأَحْياءُ بَعْدَ مَوْتِي.»

«مَيْمُونٌ» كَتَبَ قِصَّةَ «دِمْنَةَ»، وَأَرْسَلَها إِلَى «أُسامَةَ».

«مَيْمُونٌ» خَتَمَ الْقِصَّةَ بِقَوْلِهِ: «مِسْكِينٌ أَنْتَ يا «دِمْنَةُ»! كَيْفَ أَضَلَّكَ الْحَسَدُ وَأَغْوَاكَ، وَحَيَّرَ عَقْلَكَ وَأعْماكَ، فَظَلَمْتَ نَفْسَكَ، وَخَدَعْتَ «أُسامَةَ»، وَغَدَرْتَ بِصاحِبِكَ، وَأَهْلَكْتَ أَخاك؟ كُنْتَ يا «دِمْنَةُ» بارِعًا ذَكِيًّا. وَكانَ عَيْشُكَ سائِغًا هَنِيًّا. ثَمَّ غَيَّرَكَ الْحَسَدُ، فَبَدَّلَ ذَكَاءَكَ غَباءً، وَسَعادَتَكَ شَقاءً، فَأَصْبَحْتَ تاعِسًا شَقِيًّا.»

«أُسامَةُ» قَرَأَ ما كَتَبَهُ «مَيْمُونُ».

الْقِصَّةُ أَعْجَبَتْ «أُسامَةَ»، فأَرْسَلَها إِلَيَّ، لأَقُصَّها عَلَيْكَ، وَأُهْدِيَها إِلَيْكَ.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤