الفصل السابع عشر

الفلك يساعد في رصد أسماك القرش الحيتانية

(نُشِر هذا المقال لأول مرة بقلم مايكل جروس في مجلة «كرنت بيولوجي» عام ٢٠٠٦، المجلد ١٦، العدد ١، آر٣-آر٤ ستلر إنسايتس.)

في السنوات الأخيرة كتبتُ بعضَ المقالات عن المشروعات البحثية التي يدعمها معهدُ إيرث ووتش الخيري، الذي ينظِّم مشاركةَ المتطوعين الذي يدفعون اشتراكات في مشروعات حول العالم. مع أن جميع مشروعاتهم ممتعة بطريقة أو بأخرى، فإن أكثرها إثارةً هو المشروع الفلكي المختص بالأحياء المائية، وتحديدًا أسماك القرش الحيتانية، الذي سأعرضه هنا.

ربما تكون الأبحاثُ المتعددة الاختصاصات شائعةً للغاية، ولكن لا يزال من الصعب العثورُ على وسائل فلكية لاستخدامها في أبحاث حماية البيئة. ومع هذا، تعاوَنَ كلٌّ من الباحث زافِن أرزومانيان من وكالة ناسا الفضائية، وعالِم الأحياء البحرية براد نورمان من جامعة مردوخ الأسترالية لتنفيذ ذلك.

فقد عدَّلَا معًا ما يُطلَق عليه اسم خوارزمية جروث، التي يستعين بها علماءُ الفلك لمقارَنةِ الأنماط المثلثة في صور سماء الليل، من أجل تهيئتها لمهمة التعرُّف على الحيوانات المرقطة مثل «أسماك القرش الحيتانية»، التي تُعتبَر أكبرَ سلالات الأسماك الموجودة. وعلى غرار ما يراه المرءُ في سماء الليل، يتباهى القرش الحوتي بانتشارٍ رائعٍ للبُقَع المضيئة على خلفية سوداء (انظر الشكل ١٧-١).
fig10
شكل ١٧-١: أسماك القرش الحيتانية حيوانات مسالِمة. شكلها المميَّز ذو البُقَع المضيئة على خلفية سوداء يتيح للباحثين التعرُّفَ على حيوانات بعينها.
إن التعرُّفَ على حيوانات بعينها مهمة ضرورية في أبحاث حماية البيئة، ولكنها صعبة. ولكن عندما يستطيع الباحثون التعرُّفَ على أسماك القرش من أنماط البقع المنتشرة على أجسامها، فلن توجد حاجة إلى اتخاذِ المزيد من الإجراءات التشريحية والمستهلكة للوقت. وقد أوضَحَ الباحثان أن الطريقة «الفلكية» تتيح لنا التعرُّف على الحيوانات بدقة عالية، وبمساعدة خبير البرمجيات جيسون هولمبِرج، أدخلا بالفعل الطريقة الجديدة في مكتبةٍ على الإنترنت للتعرُّف البصري (http://photoid.whaleshark.org)، تعمل على أرشفة الصور الرقمية لأسماك القرش الحيتانية.

يفتخر براد نورمان بأداء وسيلته البحثية الجديدة، ويعبِّر عن حماسه تجاهها قائلًا: «لقد طابَقَ البرنامج بين صورٍ لم ألحظها في البداية، ونجح منذ ذلك الحين في مطابقة ١٠٠ صورة تمَّ التحقُّقُ منها يدويًّا فيما بعدُ. ولم نَعُدْ بحاجةٍ الآن إلى بعثرة جميع الصور على الأرض.»

بمساعدة معهد إيرث ووتش الخيري المتخصِّص في الأبحاث البيئية، صار بمقدور نورمان الآن تطبيق هذه التقنية على نطاق واسع، ويستطيع أيُّ شخص الانضمامَ إليه فعليًّا. لقد بادَرَ معهد إيرث ووتش بتقديم طرق جديدة تضمُّ متطوعين يسدِّدون رسومًا في المشروعات البحثية التي لم تكن لتنجح دون ذلك؛ بسبب نقص الأيدي العاملة. أُنشِئ معهد إيرث ووتش عام ١٩٧١ في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، وهو يستعين الآن ﺑ ٣٥٠٠ متطوع سنويًّا يعملون على ١٤٠ مشروعًا مختلفًا حول العالم.

يهدف مشروع براد نورمان «أسماك القرش الحيتانية في شعاب نينجالو» برعاية معهد إيرث ووتش؛ إلى التعرُّف على تأثير السياحة وظروف المحيط على حياة أسماك القرش الحيتانية وهجرتها، تلك الأسماك التي تتغذَّى عن طريق ترشيح ماء البحر، ولا تُعتبَر مؤذيةً إطلاقًا. ما بين شهرَيْ أبريل ويونيو من عام ٢٠٠٦، عملَتْ ثماني فِرَق مكوَّنة من ستة إلى ثمانية متطوِّعين، تعمل كلٌّ منها أسبوعًا واحدًا، على ملاحظة هذه الحيوانات وتصويرها في حديقة نينجالو البحرية، الواقعة بالقرب من ساحل أستراليا الغربية، حيث أصبحت أسماك القرش هذه وغيرها من حيوانات المحيطات أساسَ السياحة البيئية المزدهرة.

صُمِّمَ البحثُ خصوصًا لتحديدِ معدل عودة هذه الحيوانات إلى المنطقة وإلى أجزاء معينة من الشِّعاب، ومعرفة أي مواقع مفضَّلة بالنسبة إلى أفراد تلك الحيوانات، ومعدلات نموها، وسلوكها، وذلك تحت ضغط مجال السياحة المتنامي (على الرغم من أن هذا الأمر لقي استحسانًا على نطاق واسع بصفته مثالًا للسياحة البيئية «السليمة»). وحتى الآن، فإن ما يعوق مجهودات حماية هذه السلالة المهدَّدة هو غياب المعلومات الضرورية للغاية، بما في ذلك أعداد هذه السلالة على مستوى العالم، وتاريخ الحياة النمطي لأفرادها. ولكن عن طريق تزويد مشروع الرصد بالمتطوعين خلال موسم أسماك القرش وعلى مدار عدة سنوات، يأمل نورمان في زيادة المعرفة بهذه المجالات؛ ومن ثَمَّ المساعدة في جهود إنقاذ هذه السلالة.

مع أن المنهجية صُمِّمت خصوصًا من أجل مشروع أسماك القرش الحيتانية، فإن الباحثين يؤكِّدون أنها صالحة للتطبيق إلى حدٍّ كبير على سلالات أخرى أيضًا، ما دامت سلالاتٍ مرقطة. ويوضِّح روجر ميتشِل، كبير العلماء بمعهد إيرث ووتش (أوروبا) أن «الأُسُودَ، على سبيل المثال، تتمتع ببقع سوداء صغيرة في مواضع التقاء شواربها بأنوفها، وهذه السمة المميزة قد تساعد في تقفِّي أثرِها في المستقبل القريب.»

أتساءل إن كانت أسماك القرش الحيتانية تنظر إلى سماء الليل، وبمَ تفسرها؟

(٢٠٠٦)

أحدث التطورات

لقد أصبح برنامج التعرُّف على الأنماط شائعًا للغاية في الأبحاث المعنِيَّة بحماية البيئة خلال السنوات الأخيرة. ففي عام ٢٠٠٧، أعلن المركز القومي البريطاني لإحلال الحيوانات وتنقيحها واختزالها في الأبحاث عن تمويلِ العديد من المشروعات، بما في ذلك مشروعٌ يستخدِم منهجًا مماثِلًا للتعرُّف على ضفادع معيَّنة في المعمل. والمعضلة الجوهرية التي ينوي مات جيل من جامعة بورتسموث تناوُلَها من خلال بحثه، هي أن الضفادع يجب أن توجد في جماعات كبيرة كي تعيش حياة طبيعية، ولكن يجب في الوقت نفسه تمييزُ كلٍّ منها على حدة. ومع أن جميع طرق التعرُّف الحالية تشريحيةٌ أو ضارةٌ إلى حدٍّ ما، فإن جيل يأمل في التوصُّل إلى طريقةٍ «تقيس النمطَ الموجود على ظهور الحيوانات وأقدامها باستخدام التصوير الرقمي، وبالتالي لا تضر الضفدع. وإذا نجحَتْ هذه التقنيةُ، فسيتم تسويقها تجاريًّا.»

قراءات إضافية

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤