الفصل السادس

أسبابٌ أفضل لتقبيل ضفدع

خلال الفترة التي كنتُ فيها طالبَ دكتوراه نَهِمًا للمعرفة، كنَّا نحضر حلقاتٍ دراسيةً نظرية، تتضمن عروضًا تقديمية طويلةً بعض الشيء عن موضوعاتٍ ربما تكون بعيدةً كلَّ البُعْد عن الاهتمامات المعتادة لمجال بحثنا. وأذكرُ أحدَ المتحدثين وهو يعلن أنه سيتكلَّم عن الببتيدات المأخوذة من جلد الضفادع، وأذكرُ بوضوحٍ شديد أنني كنتُ أتساءل: «عمَّ يتحدَّث؟!» ولكن بنهاية الحلقة الدراسية، نجح في إقناعي بأن هذه الببتيدات تستحقُّ الدراسةَ فعلًا؛ لذلك عندما اكتُشِفت ببتيدات مماثِلة في جلد الإنسان بعد بضع سنوات، كنتُ مستعدًّا لها.

لقرون طويلة، وصف السكان الأصليون الواسعو المعرفة في كلٍّ من أفريقيا وأمريكا الجنوبية علاجاتٍ مصنوعةً من جلد الضفادع لمقاوَمةِ الكثيرِ من الأمراض، وبوسعنا أن نفهم السببَ الآن. تحتوي جلودُ الضفادع والعلاجيم على مجموعةٍ من العناصر الفعَّالة دوائيًّا، بما في ذلك المضادات الحيوية. وفي نهاية ثمانينيات القرن العشرين، اكتشَفَ فريق مايكل زاسلوف أولَ مضاد حيوي واسع المفعول يتم إنتاجه من مصدر حيواني، وذلك في جلد العُلجوم ذي المخالب «القيطم الأفريقي»، وقد اتضح أنه ببتيد قصير يُسمَّى ماجانين (يعني: الغطاءَ الواقي في اللغة العبرية). وقد كان يُظَن في البداية أن الثدييات، ومن بينها الفئران والبشر، تفتقر إلى هذا الغطاء الواقي.

في الوقت الحاضر، اكتشف العلم مجموعتين من الببتيدات المضادة للبكتيريا موجودتين أيضًا في جلد الثدييات، وهما البيتا ديفينسينات والكاثيليسيدينات. تُنتِج خلايا معيَّنة في الجلد والجهاز المناعي هذه الببتيدات عن طريق قصِّها من بروتينات طليعية أكبر حجمًا، إلا أن الملاحظة التي تفيد بأنها تقتل البكتيريا في أنابيب الاختبار لا تُعتبَر دليلًا دقيقًا على وظيفتها البيولوجية بصفتها مضادًّا حيويًّا في الجلد. أُثبِتَتْ هذه الوظيفة الثانية لأول مرة في عام ٢٠٠١.

ركَّزَ ريتشارد جالو وفريقه بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو اهتمامَهم على بروتين موجود في الفئران اسمه «سي آر إيه إم بي» CRAMP، وكان معروفًا بأنه الأكثر شبهًا بالبروتين البشري «إل إل-٣٧» LL-37، وكلاهما ينتمي لعائلة الكاثيليسيدينات. لدراسة دور هذا البروتين في التفاعل الذي يتمُّ بين الفأر والبكتيريا التي يُحتمَل أن تكون ضارة، أجرى الباحثون دراساتٍ متماثِلةً على نحوٍ متناسِق تنطوي على التبديل الجيني للفأر في إحدى التجارب، والبكتيريا في تجربة أخرى.

في البداية، استولدوا فئرانًا خالية تمامًا من هذا الجين (مُنتقَصَة جينيًّا)، وعند نمو هذه الفئران في بيئة معقَّمة، فإنها تكون سليمةً ومعافاة، إلا أن هذه الفئران الخالية من بروتين «سي آر إيه إم بي» بعد إصابتها عمدًا بأحد الأشكال الاصطناعية لعدوى المكورات العقدية، تكون إصابتها أخطرَ من إصابة الفئران العادية في المجموعة الضابطة من النمط البري. وفي التجربة المُكملة، أنتج الباحثون بكتيريا مقاوِمة لبروتين «سي آر إيه إم بي»، فوجدوا كما هو متوقَّع أن بكتيريا المكورة العقدية المحوَّرة جينيًّا تتسبَّب في إصابة الفئران الطبيعية بالمرض أكثر من البكتيريا الحسَّاسة لبروتين «سي آر إيه إم بي».

اكتشف باحثون آخَرون مضادًّا حيويًّا ببتيديًّا جديدًا، لا هو ديفينسين ولا هو كاثيليسيدين، ينتجه الجلد أيضًا ولكن ينتهي به المطاف إلى وجوده في العرق؛ حيث بدأ فريق بيرجيت شيتيك من جامعة توبينجين الألمانية بفحص خصائص جينٍ مأخوذٍ من الجينوم البشري، لم يعرفوا وظيفته، وبعدما فحصوا العشرات من الأنسجة البشرية دون أن يعثروا على أيِّ نشاط لهذا الجين، وجدوا أخيرًا أنه مُعبَّر عنه حصريًّا في نوع محدَّد من الغدد العرقية؛ فهو يشفِّر بروتينًا صغيرًا يبلغ طوله ١١٠ أحماض أمينية فقط، وأسماه الباحثون ديرميسيدين. إلا أنهم لم يجدوا في العرق سوى مقطع من الطرف الكربوكسي لهذا البروتين، وهو بقية ببتيدية طولها ٤٧ أطلقوا عليها اسم «دي سي دي-١» DCD-1.

قاموا بتخليق نظير «دي سي دي-١»، وفحصوا آثاره البكتيرية مقارَنةً بمقطع الطرف الأميني في الديرميسيدين وببتيدٍ غير ذي صلة، فأثبت نظير «دي سي دي-١» وحده قدرته التدميرية وفاعليته، ليس فقط في مقاومة بكتيريا مثل «الإشريكية القولونية» أو «إنتروكوكس فيكالس»، ولكن أيضًا في مقاومته فطر «كانديدا ألبيكانس» المُعدي الواسع الانتشار؛ مما يوحي بنشاط استثنائي واسع المدى. أظهر النظيرُ هذا النشاطَ في كلٍّ من المحلول المنظم الاختباري المعياري والسائل المصمَّم لمحاكاة التركيب الكيميائي للعرق البشري.

لا تزال تفاصيلُ التركيب الجزيئي والدور البيولوجي للببتيد المأخوذ من العرق قيدَ الاستكشاف، وربما يلعب دورًا في السيطرة على الفلورا الميكروبية الموجودة على بَشرتنا، أو قد يقتصر دوره على حماية الغدد العرقية من غزو الميكروبات الجلدية. عندما يعرف الباحثون تسلسُلَه الجيني، فسوف يتمكَّنون من رصد العناصر ذات الصلة التي ربما لم تُكتشَف حتى الآن. وبالنظر إلى الدور المهم الذي يلعبه الجلد في صدِّ الغزو الميكروبي القادم من العالم الخارجي — ناهيك عن المجهود الذي كرَّسَتْه القدرة الإبداعية للإنسان لكي يظهر هذا الجلد بمظهر جذَّاب وصحي — علينا أن نهتم بأن نفهم جيدًا ما يجري في هذا الشأن.

أحدث التطورات

في عام ٢٠٠٦، صمَّم باحثون من إسرائيل نوعًا جديدًا من الببتيدات المصغَّرة المضادة للميكروبات، تجمع بين سمات نوعين مختلفين من مضادات الميكروبات في تصميم بسيط. تحتوي العوامل الجديدة على بقايا أربعة أحماض أمينية فقط، ممتزجةً مع حمض دهني.

صمَّم ياشيل شاي وزملاؤه بمعهد وايزمان في رحوفوت بإسرائيل «ببتيدًا شحميًّا فائق القِصَر» كبديلٍ مُصنَّع لمجموعتين من مضادات الميكروبات الموجودة في الطبيعة، وتحديدًا الببتيدات المضادة للميكروبات «إيه إم بي»، التي تضمُّ عادةً ما بين ١٢ و٥٠ حمضًا أمينيًّا وتحمل شحنة موجبة صافية، بالإضافة إلى الببتيدات الشحمية التي تجمع بين سلسلة أليفة الشحم وببتيد أنيوني قصير مكوَّن من ست أو سبع بقايا من الحمض الأميني.

عند استكشاف الحد الأدنى من المتطلبات الخاصة بهذه الببتيدات التي لم تزل تعكس نشاطًا مضادًّا للميكروبات، فُوجِئ الباحثون بأنه حتى مع الببتيدات المكوَّنة من أربعة أحماض أمينية فقط، فإنها تُظهِر نشاطًا مقاوِمًا للبكتيريا و/أو الفطريات عند دمجها مع حمض دهني يبلغ طول سلسلته ما بين ١٢ و١٦ ذرة كربون. على سبيل المثال، ببتيد تسلسُلُه ليسين-جليسين-جليسين-دي-ليسين، مع حمض الهيكساديكانويك أو النخليك (١٦ ذرة كربون)، ومرتبط بالطرف الأميني، اتضح أنه المركب الأكثر فاعليةً. وبما أن الرابطة بين الجزء الأليف الشحم والببتيد هي مجرد رابطة ببتيدية أخرى، فيمكن تحضير المركب كله بمُصنِّع ببتيد تجاري باستخدام الإجراءات المعروفة.

على الرغم من صِغَر حجم هذه الجزيئات، قرَّرَ الباحثون تمزيقَ غشاء الخلية بطرقٍ مشابِهة لببتيدات «إيه إم بي» والببتيدات الشحمية الأكبر حجمًا. على سبيل المثال، من خلال امتصاص صبغة فلوروسنت خضراء عبر الغشاء غير النافذ طبيعيًّا يُستدَلُّ على الضرر الذي يصيب الغشاء بسبب الببتيدات الشحمية.

المثير للاهتمام أنه يمكن استخدام كلٍّ من اختيار الأحماض الأمينية وطول السلسلة الشحمية لتحسين نوعية العوامل.

قراءات إضافية

  • C. L. Bevins and M. Zasloff, Annu. Rev. Biochem., 1990, 59, 395–414.
  • V. Nizet et al., Nature, 2001, 414, 457.
  • B. Schittek et al., Nature Immunol., 2001, 2, 1133–1137.
  • A. Makovitzki, A. Avrahami, and Y. Shai, Proc. Natl. Acad. Sci. USA, 2006, DOl 10.1073/pnas.0606129103.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤