الفصل العشرون

نحو مستشعر حيوي مثالي

كيفين بلاكسكو هو صديق قديم منذ بداية مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة أكسفورد، وربما يكون واحدًا من العالِمين أو الثلاثة النابغين الذين أعرفهم من جيلي. وخلال عامَيْ ٢٠٠٣ و٢٠٠٦، ابتكر نوعًا رائعًا حقًّا من المستشعرات المعتمِدة على فكرة طي البروتين. وقد كتبتُ بضعة مقالات عن هذه المستشعرات التي صمَّمها، والتي يُعتبَر المقال التالي أكثرها شموليةً.

في البداية، كانت هناك مسألة طي البروتين؛ إذ تدرس فِرَقٌ بحثية عديدة حول العالم عمليةَ طيِّ البروتين (أو أحيانًا الحمض النووي الريبي)، أحيانًا بخلفية تكنولوجية حيوية أو للتعرُّف على الأنظمة البيولوجية، ولكن أحيانًا لمجرد التحدِّي الفكري الناتج عن معرفة الكيفية التي تُطوَى بها جزيئات السلاسل في شكل بنية ثلاثية الأبعاد شديدة التخصُّص بسرعةٍ وفاعليةٍ هائلتين، ولمعرفة السبب وراء ذلك.

أمضى كيفين بلاكسكو عدة سنوات من حياته المهنية في أبحاث الطي حتى كوَّنَ فريقه البحثي الخاص في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا. ولأنه كان يبحث عن شيء مفيد يوظِّف فيه خبرته في طي البروتينات، واتَتْه فكرة استخدام عمليات الطي في المستشعرات، وكان أول جهاز يصمِّمه فريقه عبارة عن مستشعر جيني يُسمَّى «إي-دي إن إيه» E-DNA، ويحتوي على تسلسل مِسبار حمض نووي مطويٍّ، لن يتمدَّد إلا عندما يظهر التسلسُلُ المطابِق المستهدف. وعندما يتمدَّد الحمض النووي، فإنه يزيل علامةَ الفيروسين المثبتة بأحد طرفَيْه من سطح الذهب الذي يُثبَّت فيه الطرف الآخَر، وبالتالي يكبت الإشارة الكهروكيميائية التي سُجِّلت من قبلُ.

يمكن استخدام الحمض النووي لأغراض عديدة (كما سبق أن شرحتُ في الفصل الذي يتحدَّث عن سوء استغلال الحمض النووي)، بما في ذلك التعرُّف الجزيئي على أنواع أخرى من الجزيئات المستهدَفة. تُعرَف جزيئات الحمض النووي، التي تتمتَّع بخواص ارتباط عالية التخصُّص ومنتقاة من مستودع ضخم للتسلسلات العشوائية؛ بالأبتاميرات. ومنذ اكتشاف هذا المفهوم عام ١٩٩٠، أُعلِن عن الأبتاميرات ذات التخصُّصات العديدة المختلفة، التي كانت تُستخدَم في العديد من التطبيقات، بما في ذلك المستشعرات المعتمدة على التألق الفسفوري، المعروفة باسم إشارات الأبتاميرات. وفي عام ٢٠٠٥، استعان فريق بلاكسكو، بالتعاون مع زميلهم آلان هيجر المنتمي لنفس الجامعة والحائز جائزة نوبل، بأحد هذه الأبتاميرات ذي الفعالية الخاصة ضد عامل تجلُّط الدم المتمثِّل في الثرومبين، لتحويل مستشعر «إي-دي إن إيه» إلى مستشعر إلكتروني معتمِد على الأبتامير (إي-إيه بي) الخاص بهذا العامل.

أثبت هذا المستشعر الكهروكيميائي الأول المعتمِد على الأبتامير تخصصيةً عالية للغاية؛ إذ لم يكن من الممكن تحفيزُ تغيُّر الإشارة إلا بواسطة طيِّ أبتامير الحمض النووي حول جزيء الثرومبين المستهدف، وهو حدث أكثر تخصُّصًا من عمليات الالتحام البسيطة. ومثل مستشعر «إي-دي إن إيه»، فإنه كان يتميَّز بكونه مستشعرًا يفتقر إلى المادة الكاشفة؛ مما يوحي بأن هذه التكنولوجيا يمكن تطويرها لتصميم جهاز بسيط محمول باليد، لن يضطر المستخدِم معه إلا إلى غمس الجهاز في العيِّنة لتحليلها. يقول بلاكسكو: «تحويل الإشارات الجزيئية إلى إلكترونيَّة له تأثير كبير على ملاءمتها. ونظرًا لأن الخلفية الكهروكيميائية لعيِّنة فعلية نمطية مثل مصل الدم تُعتبَر أصغر بعدة قيم أسية من خلفيتها الاستشعاعية، تستطيع المستشعرات الكهروكيميائية أن تعمل في عينات غير نقية بالمرة.»

fig26
شكل ٢٠-١: أمثلة لمستشعر أبتامير منطفئ الإشارة (بالأعلى) ومستشعر أبتامير مفتوح الإشارة للكشف عن الثرومبين. في حالة المستشعر المنطفئ الإشارة، يؤدِّي ارتباطُ جزيء الثرومبين إلى تكوين بنية ثانوية في أبتامير الحمض النووي؛ مما يجعله صلبًا بحيث لا يقترب من السطح بالقدر الذي يكفي لنقل الإلكترون. وعلى العكس من ذلك، ففي حالة المستشعر المفتوح الإشارة، ينطلق الحمض النووي ببنية اللولب المزدوج. ويشغل التعرُّف على الجزيء المستهدف جديلة حمض نووي واحدة؛ مما يترك الجديلة الثانية حرَّةً لتتحرك وتنتج إشارةً كهروكيميائيةً.

ومع هذا، يعيب كلًّا من مستشعر الثرومبين ومستشعر «إي-دي إن إيه» الأصلي أنهما مستشعران «منطفِئا الإشارة»، أيْ إن الإشارة المسجَّلة في غياب الجزيئات المستهدفة تضعف عندما يتم رصد هذه الجزيئات. وهنا يتفوق الفريق المنافس بقيادة سيارا أوسوليفان من جامعة روفيرا إي فيرجيلي في مدينة تاراجونا بإسبانيا؛ فقد ابتكروا أيضًا مستشعِرَ ثرومبين معتمِدًا على الأبتامير، إلا أن الاختلافات الكيميائية المعقدة التي تميِّز تصميمَ تسلسل الأبتامير قد أتاحت لجهازهم أن يعمل في وضع «الإشارة المفتوحة» المطلوب.

كان على فريق بلاكسكو بذل مجهود إضافي في مستشعر «إي-إيه بي» لتمكينه من العمل في وضع الإشارة المفتوحة (انظر الشكل ٢٠-١)؛ وهو ما أدَّى إلى تحسين حساسيته بمقدار عشرة أضعاف. ويشرح بلاكسكو ذلك قائلًا: «عندما نجعل مستشعرنا يعمل بنمط الإشارة المفتوحة، فإننا ننتقل من ضعف بنسبة ٣٠٪ في قوة الإشارة عند التشبُّع إلى زيادة بنسبة ٣٠٠٪ في قوتها.»

علاوة على ذلك، صمَّمَ فريق سانتا باربرا جهازًا عاليَ الحساسية للكشف عن الكوكايين حتى في السوائل البيولوجية وفي البيئات التي يُخفَى فيها وجوده عن عمدٍ. ويصف أحدثُ أبحاثهم مستشعرًا للكشف عن عامل النمو المشتق من الصفائح الدموية الحسَّاس بدرجةٍ تجعله مفيدًا في تشخيص السرطان. وعلى عكس المستشعرات المعتمِدة على التألُّق الفسفوري التي صمَّمَتْها فِرَق بحثية أخرى لنفس الغرض، فإن هذا الجهاز الكهروكيميائي يمكن استخدامه مباشَرةً مع مصل الدم، شريطةَ أن يُخفَّف مصل الدم بمقدار ضِعفين لتقليل القوة الأيونية للعيِّنة.

(٢٠٠٦)

أحدث التطورات

في أكتوبر ٢٠٠٧، أعلن فريق بقيادة جوزيف وانج من جامعة ولاية أريزونا، في مدينة تيمبي، عن نظام استشعار معتمِد على الأبتامير وذلك باستخدام أبتاميرين، وتقع حساسيته في نطاق الفيمتومولار (١٠−١٥ مول للتر).

قراءات إضافية

  • Y. Xiao et al. Angew. Chem. Int. Ed. 2005, 44, 5456.
  • Y. Xiao et al., J. Am. Chem. Soc. 2005, 127, 17990.
  • A.-E. Radi et al., J. Am. Chem. Soc. 2006, 128, 117.
  • B. R. Baker et al., J. Am. Chem. Soc. 2006, 128, 3138.
  • R. Y. Lai et al., Anal. Chem. 2007, 79, 229.
  • Y. Xiang et al., Angew. Chem. Int. Ed. 2007, doi 10.1002/anie.200703242.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤