الفصل الرابع

المواد القاعدية

اطلب من آسيا كوبًا من الكريمة اللاذعة؛ فستكون كعكتُك خفيفة وبدون الكثير من الصودا، وهو ما لا أُحبِّذه.» كان هذا هو الطلبَ الأول. لقد اندفع ديمي إلى الطابق السفلي، ثم عاد بالكريمة بوجه عابث؛ لأنه تذوَّقها وهو في الطريق ووجدَها لاذعة جدًّا، حتى إنه توقع أن الكعكة ستكون غيرَ صالحة للأكل. اقتبسَت السيدة جو هذه الواقعة لتُلقي محاضرة قصيرة وهي على السُّلم عن الخواص الكيميائية للصودا، ولم تُنصِت إليها ديزي، لكن ديمي أصغى إليها وفَهِمها كما يتضح من ردِّه الذي كان مختصرًا لكنه شامل؛ إذ قال: «نعم، أنا أفهم؛ فالصودا تُحوِّل الأشياء اللاذعة إلى أشياءَ مذاقُها حلو، وإذا أخفقت في عملها فستكون خفيفة، فلنُشاهِدك وأنت تقومين بإعدادها يا ديزي.

الروائية لويزا ماي ألكوت في كتابها «رجال صغار»، ١٨٧١

يُعَد تفاعل ديمي اللاذعُ — الحلو في الاقتباس السابق تفاعل حامضي — قاعديًّا؛ فبيكربونات الصودا قاعدية (كما وجدنا في تَجرِبة دليل الكرنب الأحمر)، والكريمة اللاذعة هي خليط حامضي؛ فالكريمة اللاذعة تكون لاذعة بسبب النواتج الحامضية الناجمة عن فعل البكتيريا. وقد شاهدنا في تجرِبة صاروخ الزجاجة محلولًا حامضيًّا آخرَ وهو الخل الذي يلتقي ببيكربونات الصودا، ويُؤدِّي إلى تفاعل انفجاري، وما جعل كعكة ديزي خفيفة هو ذلك النوع من التفاعل نفسِه، لكن بمستوًى أبسط:

الحامض + بيكربونات الصودا حامض الكربونيك ثاني أكسيد الكربون (غاز) + ماء

يتفاعل الحامض مع بيكربونات الصودا، وينتج حامض الكربونيك الذي يتحول سريعًا إلى ثاني أكسيد الكربون وماء. وثاني أكسيد الكربون هو الغاز الذي تسبب في دفع السدادة في تجربة صاروخ الزجاجة، وهو الذي أحدث الفقاقيع في كعكتنا الصغيرة الرقيقة. والسبب الذي جعلنا نُنبهك لشراء بيكربونات الصودا في «قائمة المشتريات والمحاليل» بدلًا من البكينج بودر هو أن البيكينج بودر يَحوي مركبًا حامضيًّا مثل كريمة الطرطير. وتعمل كريمة الطرطير كعاملٍ للتخمير بمعنى أنها عندما تذوب في الماء مع بيكربونات الصودا فإنهما يتفاعلان ويُكوِّنان فقاقيع.

ولا تُنتج كل التفاعلات الحامضية القاعدية مثل هذه النواتج المتطايرة، ويُعَد الخل حامضًا يدل على ذلك تغير لونه إلى اللون الوردي عند إضافة دليل الكرنب الأحمر. أما النشادر فهو قاعدي بسبب تغير لونه إلى اللون الأزرق عند إضافة دليل الكرنب الأحمر، لكن عند إضافة الخل والنشادر معًا بدون إضافة الدليل، لا تظهر أمارات التفاعل الكيميائي المعتادةُ، فلا يكون هناك أدخنةٌ جديدة ولا رَغاوى ولا انبعاثٌ للحرارة أو للضوء، ولا تغيير في اللون ولا تكوين مواد صلبة، ولولا الرائحةُ النفاذة للخل والرائحة النفاذة للنشادر، لَبدا الأمر كأنه مجرد إضافة سائلَين مائيَّين شفافَين معًا، لكن إذا أُضيفَت ملعقة صغيرة (٥ مليلترات) من دليل الكرنب الأحمر إلى كوب (٢٤٠ مليلترًا) يحوي واحدًا منهما فقط قبل إضافتهما معًا، تكون النتيجة تغيُّر لون المحلول، ويُستخدَم الدليل ليُبين حدوث التفاعل الكيميائي عندما لا توجد علامات أخرى واضحة.

ما هي الأحماض وما هي القواعد إذن؟ الخل فعليًّا هو محلولٌ مُخفَّف لحامض الخليك في الماء، ما يقرب من ٥٪ محلول، لكنه يستطيع أن يُبرِز بدقةٍ الخواصَّ المميزة للحامض؛ فهو لاذع ويُحول دليل الكرنب الأحمر إلى اللون الأحمر أو الوردي، ويتفاعل مع القاعدة ليُكوِّن الماء. ويُبرز محلول بيكربونات الصوديوم بشدة العديدَ من الخواص المميزة للقاعدة؛ فهو مُر المذاق، ويُحول دليل الكرنب الأحمر إلى اللون الأزرق، ويتفاعل مع الحامض ليُكوِّن الماء. وتُعتبَر آخر خاصية مذكورة لكلٍّ منهما فيما يخص تفاعلهما معًا هي بالفعل الخاصية المحددة لكلٍّ منهما؛ لأن التفاعلات الحامضية القاعدية تحدث في الوقت نفسِه، شأنها في ذلك شأن تفاعلات الأكسدة والاختزال؛ فمادةٌ واحدة تتفاعل كحامض، ومادة واحدة تتفاعل كقاعدة، والحامض يُعادل القاعدةَ، والقاعدةُ تُعادل الحامض.

وقد أدرك الناسُ فكرة التعادل — إبطال خواصِّ إحدى المواد بخواص مادة أخرى — منذ أن وصَف أقدم دساتير الصيدلة قشر البيض المُحمص المسحوق كدواء مُريح لمشكلات المعدة. وقشرة البيضة هي في الأصل كربونات الكالسيوم، وهي نفس المادة التي تُكوِّن الطباشير، وهذه المادة لكونها قاعدية يُمكِنها أن تُلغِيَ تأثير الحموضة الزائدة في المعدة، وتنشأ هذه الحموضة طبيعيًّا في المعدة كي تُساعِد على هضم الطعام. وتُسمَّى المواد القاعدية أيضًا بالمواد القلوية، ويُعزى جزءٌ من هذه التسمية إلى التقاليد القديمة؛ فكلمة Alkali هي كلمة عربية الأصل «القلوي»، مثل غيرها من الكلمات العربية الأصل أيضًا مثل الخيمياء alchemy، والكحول alcohol، والجبر algebra، والقبة alcove، والخوارزمي algorithm، ويُعزى جزءٌ آخرُ إلى تجنب الارتباك، فعندما ندعو شيئًا «مادة أساسية» سيتبادر إلى أذهاننا أن المقصد أنه «مادة جوهرية» وليس شيئًا يتفاعل مع الحامض.

ويُمكن أن نجد كثيرًا من أمثلة التفاعلات الحامضية القلوية في الطهي، مثل تفاعل كريمة الصودا اللاذعة المذكور في «رجال صغار»، علاوة على أنه من النتائج المؤسِفة للأمطار الحامضية (التي سوف نُناقش تركيبها فيما بعد) أن الحامضَ في المطر يتفاعل مع الكربونات الموجودة في الحجر الجيري والرخام، وهو الأمر الذي يُسبِّب تآكل التماثيل التي تمكَّنَت من النجاة بدون صدأ أو تحلُّل لآلاف السنين قبل مجيء عصر الصناعة. (وقبل أن نُلقِيَ باللوم التام على عصر الصناعة ينبغي أن نتذكر أيضًا أن بكتيريا الطاعون الأسود، والجدري، والزهري قد تمكنَت من أن تنجوَ لعدة سنوات قبل أن تتمكن التكنولوجيا الحديثة من أن تُطيح بها.) وتبرز قدرة الأمطار الحامضية على إذابة الرخام خاصية أخرى مشتركة بين الأحماض والقلويات، ألا وهي أنها موادُّ مُسبِّبة للتآكل.

ويتناولُ اقتباس قصة «صاحب الظل الطويل» لجين ويبستر الذي ذكَرناه في المقدمة خاصيةَ التآكل، ونُكرره هنا نظرًا إلى ملاءمته للسياق.

عليَّ أن أذهب إلى المختبر وأُمعِن النظر في بعض المواد من أحماض وأملاح وقلويات، لقد أحدث حامض الهيدروكلوريك ثقبًا كبيرًا بحجم الطبق في معطف المختبر من الأمام. إذا نجحت هذه النظرية فسأكون قادرًا على معالجة هذا الثقب بالنشادر القوي، أليس كذلك؟

جين ويبستر في رواية «صاحب الظل الطويل»، ١٩١٢

والطريف في الأمر أن القاعدة تُعادل الحامض؛ لذا يفترض طلاب الكيمياء أن استعمال القاعدة سيُبطِل تأثير الحامض ويُعيد المادة المتلاشية من المعطف، ومن المثير أن تَلْحظ أن قراء أوائل القرن العشرين كان يُفترَض أنهم يفهمون المزحة دون الحاجة إلى شرحها، وأن طلاب الكيمياء في سنتهم الأولى في أوائل القرن العشرين كانوا يُشجعون على استخدام مواد كيميائية نشطة بدرجة كافية تجعلها تُؤدِّي إلى تآكُل المعطف، لكن مفهوم الحامضية أصبح مألوفًا تمامًا في القرن الحادي والعشرين، فنحن نتحدث عن اللسان اللاذع والنقد اللاذع. وتُمثِّل المحاليلُ الحامضية جزءًا من مطابخنا، فالخل هو محلول حامض الخلِّيك، والليمون هو محلول حامض السِّتريك، كما تحوي بيكربونات الصودا حامض الكربونيك. وتُعتبر المواد والمحاليل القاعدية أيضًا جزءًا من خبرتنا العامة؛ فالنشادر محلول قاعدي، ويُستخدَم اللي في إزالة الانسدادات من المصارف الصحية، وكثيرًا ما نستخدم المصطلحات الأقدم كالقلوي للإشارة إلى المواد القلوية مثل «البطاريات القلوية»، أو ضبط قلوية مياه حمامات السباحة. ومرض القلاء وهو حالة خطيرة تَزيد فيها نسبة القلوية في الدم؛ بسبب نقص ثاني أكسيد الكربون، يُمكن أن تُسبِّبه زيادة التهوية الرئوية.

وفي حقيقة الأمر لا يُمكن للجسم البشري ككلٍّ أن يُؤدِّيَ وظائفه بشكل جيد إلا ضمن نطاقٍ محدود جدًّا للقلوية والحامضية، لكن قبل أن تتخلص من الصلصة الساخنة، حرصًا على صحتك، عليك أن تطمئنَّ أن الجسم البشري قد ابتكر طريقةً لحفظ الدم عند مستوى القلوية الضروري المناسب للوظائف حتى إذا اسْتُخْدِمَ الخل في صلصة السلطة أو حتى إذا استنفدت المياه الغازية. فالدم سائلٌ مُنظِّم للقلوية، وهو محلول ذو نِسَب في غاية الدقة مكوَّن من أحماض ضعيفة وقواعدَ ضعيفة؛ ومن ثَم لن تُسبِّب إضافةُ النسب الضئيلة من الحامض أو القاعدة حدوثَ تغيير ملحوظ في درجة القلوية، وقد تكون أكياس الملاكمة تشبيهًا جيدًا للسوائل المنظمة؛ فقد يترنَّح الخَصم غيرُ المتزن إثر لكمةٍ واحدة في مكان مؤثِّر، في حين أن كيس الملاكمة المتزنَ يُمكِنه أن يمتص لكمات عديدة ويرجع إلى وضعه مرة أخرى لاستقبال المزيد. وكذلك يكون الحال مع المحلول المنظِّم الذي يُمكِنه أن يمتصَّ صدماتِ هجوم المزيد من الأحماض والقواعد، ثم يرتد مرةً أخرى إلى وضعه الأصلي تقريبًا، ويُمكن شرحُ هذا الموقف بسائل منظم آخر وهو اللبن.

خذ وعاءَين شفافَين صغيرَين مما هو مطلوبٌ في «قائمة المشتريات والمحاليل»، ثم أضف إلى كل منهما نصفَ كوب (١٢٠ مليلترًا) من اللبن الكامل الدسم، ويجب استخدام لبن كامل الدسم؛ لأن البقر لا يهتمُّ كثيرًا بشأن السعرات الحرارية، ويُوفِّر المحاليل المنظمة التي تُكوِّن اللبن الكامل الدسم وغير المقشود. خُذ وعاءَين شفافَين صغيرَين آخَرَين، ثم أضف إلى كلٍّ منهما نصفَ كوب (١٢٠ مليلترًا) ماء. أضف إلى كلٍّ من الأوعية الأربعة عيناتٍ من دليل الفينول الأحمر من عُبُوَّةِ اختبار قلوية ماء حمامات السباحة المطلوبة في «قائمة المشتريات والمحاليل»، ولا يصلح دليل الكرنب الأحمر لهذه التجربة؛ لأنك ستُضطَر أن تُضيف كمياتٍ كبيرةً منه حتى يُصبح اللون واضحًا، ويُؤدي المزيد من السائل إلى تخفيف اللبن؛ ومن ثم يحدث خلل في فاعلية السائل المنظم، أما عن دليل قلوية حمام السباحة، فإن إضافة المزيد منه تُؤدي إلى إكساب اللبن والماء لونًا أصفر باهتًا.

والآن أضِف قطرةً من محلول بيكربونات الصودا السائل الذي يعلو المادةَ الصُّلبة غير المذابة إلى إحدى عينات الماء وإحدى عينات اللبن، وإذا كانت القطَّارة المستخدمة للعين مُتاحة فذلك أيسرُ لك، وإلا يُمكنك أن تضع ماصَّة في المحلول وتُغطيَ طرف الماصة بإصبعك حتى يُمكِنك أن تجذب قطرة، ثم قَلِّب المحاليل. ينبغي أن يتحوَّل لون المحلول الذي يحوي الماء المضاف إليه بيكربونات الصودا إلى اللون الوردي الفاقع، في حين يظل لون المحلول الذي يحوي اللبنَ المضاف إليه بيكربونات الصودا كما هو؛ أصفرَ باهتًا دون أن يتغير.

وأفضل طريقة للمقارنة هي وضع الوعاءَين على فرخ ورق أبيضَ، والنظرُ مباشرة إلى الوعاء من أسفل، فثَمة اختلاف جليٌّ في لون المحلول الذي يحوي الماء والدليل قبل وبعد إضافة بيكربونات الصودا، في حين لا يتغيَّر لون المحلول الذي يحتوي على اللبن والدليل قبل وبعد إضافة بيكربونات الصودا؛ فاللبن نَظَّم تأثير بيكربونات الصوديوم أو عادَلَه.

وثاني أكسيد الكربون هو الذي يقوم بعملية التنظيم هذه في الدم، وتُعَد بيكربونات الصودا أحدَ محاليل حامض الكربونيك المتكون عندما يصبح الماء مُشبعًا بثاني أكسيد الكربون، ولقد شاهدنا في تجربة الكرنب الأحمر أن بيكربونات الصودا هي حامضية بمعدل ضئيل. ويتشبَّع دم الإنسان بثاني أكسيد الكربون؛ فهو الناتج النهائي لعملية الهضم، ويُكَوِّن ثاني أكسيد الكربون حامض الكربونيك في الدم. وبيكربونات الصوديوم أو صودا الخبيز قاعدية كما رأينا في تجربة الكرنب الأحمر. والبيكربونات المكونة عن طريق إزالة ذرة هيدروجين واحدة من حمض الكربونيك تنتجها الكُلْيتان لتعمل كمادةٍ قاعدية في الدم، ويستخدم ثاني أكسيد الكربون ليُكوِّن المواد الحامضية والقلوية في الدم، وعندما تزداد نسبة الحموضة في الدم ترتفع نسبة البيكربونات لتُعادل الزائدَ من الحامض. وعندما تزداد نسبة القلوية في الدم، يُعادل حامض الكربونيك الزيادة من القلوية، ولكن كما يتضح من إضافة محلول بيكربونات الصودا مباشرة إلى المحلول المكوَّن من اللبن والدليل، فإن لدى السوائل المنظمةِ قدرةً محدودةً لامتصاص الحامض أو القاعدة؛ فاللبنُ سيأخذ سريعًا ظلًّا ورديًّا من ذاته. وإذا كانت أطرافُ التوازن في الدم بعيدةً جدًّا بطريقة ما، فإنه من الممكن حدوثُ القلاء أو الحموضة، وهما حالتان طبِّيتان في غاية الخطورة.

ولا يُعتبَر الدم هو النظامَ الوحيد في الجسم الذي يستلزم وجود بيئة حمضية قلوية ثابتة بدرجة معقولة، فمادة الأسبرين المنظِّمة لسيولة الدم هي أسبرين عُدِّل كي لا يُصبِح شديدَ الحامضية فيُهيج المعدة. ويُخلَط الكثير من الشامبوهات والصابون على نحوٍ خاص، بحيث لا تختلف حموضتها كثيرًا عن حموضة البشرة أو الشعر. وإذا كان هناك اختلاف في خاصية الحموضة فإنها ستُسبب تفاعلًا حامضيًّا-قاعديًّا عند استخدامها، وقد يُسبِّب التفاعل الحامضي-القاعدي تلفًا للخلايا الحساسة للجلد أو العين، وهذا هو ما يجعلك تَحرص على استخدام القفاز ونظارةٍ واقية للعين عند إجراء هذه التجارِب.

وقد يُعلَن عن المنتجات المتوازنة حمضيًّا أو قاعديًّا تحت اسم «متعادلة pH»، وpH يُقصَد به الأُسُّ الهيدروجيني. ويُمكنك أن تستدل عليه بالعودة مرة أخرى إلى عدة اختبار قلوية حمام السباحة. فدليل الفينول الأحمر يُشار إليه باسم مؤشر الأُسِّ الهيدروجيني (pH) أيضًا، فيدل pH على مقياس مدى حامضية المحلول أو قاعديته، فهي مقياس صفة الحامضية في المحلول.
ولأن ثمة الكثيرَ من أزواج المواد التي تقوم إحداهما بتحسين الأخرى أو إبطال مفعولها، فثمة الكثير من المواد التي يُمكِن تصنيفُها على أنها أحماض وقواعد، لكن سيَنصبُّ تركيزنا على أكثر المجموعات شيوعًا وهي المواد التي تُنتِج أَيُونات الهيدرونيوم والهيدروكسيد المتعددة الذرات، وهما أساس الحامضية والقاعدية في الماء، وكلمة متعدِّدة تعني أنها تحوي أكثرَ من واحد؛ فالأيونات المتعددةُ الذراتِ هي أيونات تتألف من أكثرَ من ذرة، وينشأ أيون الهيدرونيوم من اتحاد أيون هيدروجين من الحامض مع الماء، ويكون للأيون الناتج المتعددِ الذرات شحنةٌ موجبة: H3O+، ويتكوَّن أيون الهيدروكسيد عندما تنتزع المادة القلوية ذرة هيدروجين من الماء، ويكون للأيون الناتجِ شحنةٌ سالبة OH. ويقيس الأس الهيدروجيني (pH) عددَ أيونات الهيدرونيوم الموجودة في عينة من المحلول؛ فالمحاليل الحامضية تحوي عددًا أكبر من أيونات الهيدرونيوم والمحاليل القلوية تحوي عددًا أقل. لاحظ أنه إذا كان من الممكن أن يتحد أيون هيدروكسيد مع أيون هيدرونيوم، فإن أيونَ الهيدروجينِ الزائدَ الموجودَ في أيون الهيدرونيوم يُمكن أن يتحد مع أيون الهيدروكسيد؛ ومن ثم يمكن أن تُلغِيَ الشحنة الموجبة الشحنة السالبة، ويكون الناتج جُزيئَين من الماء، فالحامض والقاعدة يُعادل أحدهما الآخر.

أو برموز أكثر اختصارًا:

يتدرَّج مقياس pH من ٠ إلى ١٤، فعندما تُساوي pH ٧ تكون متعادلة، ولا يُعتبر مقياس pH مقياسًا طوليًّا مثل المسطرة أو الترمومتر، لكنه نوع من أنواع المقياس اللوغاريتمي مثل مقياس ديسبل، فهو يُماثِل موقف جودزيلا مقابل الفأر الخارق الذي تعرَّضنا له من قبل عند عرض الانتشار النسبي للعناصر. وحتى نتمكن من أن نَقيس المحاليل الحامضية والقاعدية في نفس الرسم البياني، علينا أن نَنتقيَ مقياسًا غير خطي. ووفقًا للأُسِّ الهيدروجيني (pH) يُعتبَر المحلول الذي يُسجِّل ٣ تزيد قلويته ١٠ أضعاف المحلول الذي يُسجِّل ٢، والمحلول الذي يُسجل ٤ تزيد قلويته ١٠٠ مرة عن المحلول الذي يُسجل ٢. ولنقولها بشكل أكثر بساطة، كلما ازداد الأس الهيدروجيني (pH) زادت قلوية المحلول وقلت حامضيته.
لكن لماذا يوجد دليل الأس الهيدروجيني (pH) ضمن عدة اختبار ماء حمام السباحة؟ لماذا يجدر بنا أن نعرف مدى حامضيةِ ماء حمام السباحة أو قلويتِه؟ دعونا نَخُضْ أكثرَ في هذا الموضوع.

على سبيل المثال: الأس الهيدروجيني (pH) لماء حمام السباحة

تُعتبَر كيمياء حمام السباحة معقَّدة إلى حدٍّ ما، وسوف نخوض في تفاصيلَ أكثر ونحن نتناول هذا الموضوع، لكن قبل أن نغوص أكثرَ في هذا الموضوع، حريٌّ بنا أن ندرس أولًا مؤشر الأس الهيدروجيني، سندرس هنا الأسَّ الهيدروجيني (pH) لماء حمام السباحة، وكيفية تأثيره على كيمياء حمام السباحة.
وتُعزى أحدُ أسباب أهمية ضبط الأس الهيدروجيني (pH) لماء حمام السباحة في المحلول إلى أن الناس بالطبع لا يرغبون في أن يَسبحوا في محاليلَ حامضيةٍ مثلِ الخل، أو قلويةٍ مثلِ النشادر، وسبب آخر هو أن حمامات السباحة ستكون بِرَكًا كبيرة راكدة بدون كلِّ هذه المِضخَّات والمرشحات، فبدون هذه الأشياء ستكون معقلًا للطحالب والبكتيريا والبعوض. ولمكافحة هذا التكاثر الطبيعي غالبًا يُضاف الكلور إلى الماء في شكل هيبوكلوريت الصوديوم، وهو نفس المادة المستخدمة التي تُمثِّل المكوِّن النشط في مواد التبييض المنزلية، ويُعتبَر هيبوكلوريت الصوديوم قلويًّا ضعيفًا والكربونات كذلك. إلا أن حل مشكلة التكاثر الطبيعي لا يكون سهلًا مثل إلقاء القليل من مواد التبييض، فيجب أن تظل نسبة الكلور مرتفعة حتى تمنع نموَّ البكتريا من دون أن تهيج عين الفرد الذي يَسبح في الحمام وأنفه، ويجب أن تظل نسبة الكلور ثابتة إلى حد ما أثناء التعرُّض لأشعة الشمس، ولاختلاف درجات الحرارة وأسطح المعادن والبلاستيك والسيراميك.
ويُستخلَص أفضل تأثير لمكافحة البكتيريا من المادة المستخدمة في مواد التبييض عندما يكون ماء حمام السباحة حامضيًّا، لكن ليس جيدًا أن يسبح الفرد في ماء حامضي، كما أن المحلول الحامضي يُمكن أن يعمل على تآكُل التجهيزات المعدِنية المصنوع منها مواسير المياه والمرشحات والمضخَّات، وبالمثل يمكن أن يكون محلول مياه حمام السباحة المحتوية على نسبة زائدة من القلوية مادةً مسببة للتآكل أيضًا؛ ومن ثَم ينبغي تحقيق التوازن، فأيُّ فردٍ امتلك حمام سباحة أو كان لديه تجرِبةٌ مع صيانة حمام السباحة يَعي أهمية القيام بهذا العمل يوميًّا في أثناء الأوقات التي يتَزايد فيها استخدامُ حمام السباحة، بل حتى إنه ينبغي أن يكون هذا العمل كل ساعة إذا لم تُتَّخَذ الخطوات لتنظيم محلول حمام السباحة. يحدث الإجراء المنظم في حمامات السباحة عن طريق وجود الكميات الكافية من كلٍّ من مادة التبييض والحامض، ويُشار إلى «الكميات الكافية» في كُتيبات صيانة حمامات السباحة ﺑ «إجمالي القلوية»، وهي الكميات التي يجب قياسها وتنظيمها جنبًا إلى جنب مع الأسِّ الهيدروجيني (pH)، ومع نسبة الكلور في الحمام، ويمكن تعديل نسبة القلوية في الحمام بإضافة المادة القلوية الموصوفة في الكتيب، لكن إذا أُضيف الكثير جدًّا من المادة القلوية، تبزغ مشكلة أخرى؛ ألا وهي القشرة.

والقشرة هي طبقة صُلبة صخرية، يُمكن أن تتكون داخل الأنابيب والأوعية التي تُستخدَم مع الماء العَسِر، وقبل توافر عوامل تحويل الماء العسر إلى ماء يسر، كانت القشرة شيئًا معتادًا ومألوفًا. تتكون القشرة غيرُ القابلة للذوبان من أيونات الكالسيوم عند توافر أيون الكربونات. وتُبرِز هذه الحقيقةُ مرة أخرى تعددَ استعمالات الكربونات. ولقد رأينا أن ثانيَ أكسيد الكربون يُكوِّن الكربونات؛ ومِن ثَم حامضَ الكربونيك في الماء، واستخدمنا بيكربونات الصوديوم (بيكربونات الصودا) كمادةٍ قلوية، وأخيرًا أشرنا إلى أن البيكربونات يُمكِنها أن تكون موادَّ صلبة غير قابلة للذوبان إلى حد ما، وهذه المواهب المتعددة لأيون البيكربونات تجعل بيكربونات الصودا مفيدةً في أوجُه أخرى عديدة بخلاف الطهي؛ فبيكربونات الصودا يُمكن أن تكون مزيلًا جيدًا للروائح؛ لأنه في إمكانها أن تتفاعل مع كلٍّ من المركبات الحامضية والقاعدية ذات الرائحة الكريهة، وتكون مركبات غير متطايرة، عديمة الرائحة. ثمة الكثير من الكيمياء في صندوق صغير!

ويوجد بعض الكالسيوم والمعادن الأخرى في أي مياه تتخلل الأرض؛ لذا إذا تُرِكَت مياه حمام السباحة بنسَبٍ كبيرة من المادة القلوية، فإنها ستكون عكرة أكثر فأكثر، وفي أفضل حالاتها ستحوي جزيئاتٍ عالقةً من الأملاح غير القابلة للذوبان، أما في أسوأ الأحوال فستُكوِّن المزيد من القشرة. ويُسمَّى ظهور المادة الصلبة في المحلول السائل «بالترسيب» تمامًا مثلما تُسمَّى الأمطار بالترسيب أو الهطول؛ بسبب ميل المواد الصلبة إلى أن تبزغ من المحلول، تمامًا كما تبزغ الأمطار من السماء.

وسنرى في الفصل القادم بعض المحاليل الأخرى التي تتكون من الموادِّ الصلبة، بالإضافة إلى بعض الأسباب والتعليلات والاستخدامات المفيدة لتفاعلات الترسيب القشرية هذه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤