الفصل السابع

الالتزام بالمبادئ

يُشبه اجتماع فردَين الاتصال الكيميائي لمادتَين: إذا حدث أي تفاعل بينهما، فإن كِلَيهما يتحول.

كارل جوستاف يونج، ١٩٢٠
بعض الناس طهاة ماهرون بطبيعتهم، ويُضيفون القليل من هذا واليسير من ذاك، أما البقية منا فلا يملكون إلا الوصفات. نحن نُفضل الاتجاهات الواضحة التي تُوضح بتعابيرَ لا لبس فيها المكوناتِ المطلوبة، والمقاديرَ المطلوبة، وخطوات عمل المنتج المطلوب وعدد الوجبات المطلوب عملها. وفي حين تنتشر بعض الأفكار الدارجة عن أن الكيميائيين ينسجمون مع المجموعة التي تقوم بإضافة القليل من هذا واليسير من ذاك — وأنه يمكن إدخال قدر كبير من الإبداع والفنون على البحث الكيميائي — إلا أن الكيميائيين ينسجمون مع المجموعة الأخرى التي تتبع هي وصفة كيميائية.

وسوف نستهلُّ مناقشتنا عن الوصفات هذه عن طريق فحص اثنَين من المبادئ الرئيسية تُبنى عليهما الوصفات؛ وهما حفظ الكتلة وقانون النِّسب الثابتة. يُعرِّفنا قانون النسب الثابتة بقائمة المكونات، ويُخبرنا قانون حفظ الكتلة عن حجم الكعكة التي سوف نخبزها.

يُخبرنا قانون النسب أن مكوناتنا لها صيغة كيميائية محددة، فعلى سبيل المثال H2O هي الصيغة الكيميائية للماء. وتحوي الصيغة الكيميائية في جوهرها قائمة بالعناصر التي تُكون المادة وعدد ذرات كل عنصر مطلوب. ثمة بعض المرونة، لكن في ترتيب العناصر فقط، تمامًا مثل المرونة الموجودة في ترتيب العناصر في الجدول الدوري. ويمكن جمع كم معلومات من طريق الصيغة أكبر من جمعها من مجرد العدد ونوع المكونات.
فعلى سبيل المثال الصيغة الكيميائية لملح الطعام NaCl تظهر دائمًا في نفس الترتيب؛ فالصوديوم يُكتَب أولًا ثم الكلور من بعده، ويُبنى هذا الترتيب استنادًا إلى اتفاق بين الكيميائيِّين وهو أنه ينبغي أن يُذكَر الأيون الموجب لمركب أيوني أولًا، ويُعزَى ذلك إلى ميل الأيونات الفلزية إلى تكوين أيونات موجبة؛ ومن ثَم يُذكَر اسم الفلزات أولًا بشكلٍ عام يعقبها اللافلز، كما أصبح الأمر أيضًا ممارسة قياسية حيث نضع العنصر الذي يقع في مركز المجموعة المرتبطة معًا برابطة تساهمية في مقدمة المجموعة؛ ومن ثَم تكون صيغة النشادر — التي لديها ثلاث ذرات هيدروجين مرتبطة عن طريق رابطة تساهمية بذرة نيتروجين مركزية — هي NH3. ويملك ثاني أكسيد الكربون الذي تكون صيغته الكيميائية CO2، ذرة كربون مركزية وذرتي أوكسجين على كلا جانبَيها؛ ومن ثم فمجرد إلقاء نظرة على الصيغة الكيميائية للعنصر يُمكِّننا من معرفة أن هناك نواتَيْ أوكسجين بسبب وجود الرقم ٢ على الأوكسجين.
علاوة على أنه يُعتبَر ترتيب العناصر في المركب الكيميائي أمرًا ذا أهمية، وعليه يختلف المركب CH3CH2OH عن المركب CH3OCH3. تحوي كلتا المادتَين نواتَي كربون، وستَّ نوى هيدروجين، ونواة واحدة أوكسجين، إلا أن المادة الأولى هي الكحول الإيثيلي وأحيانًا يُطلَق عليها «كحول الحبوب»، والمادة الأخرى هي ثنائي ميثيل الإيثير، وهما مادتان خصائصهما الكيميائية مختلفة بلا ريب، ويُطلَق على المركبات التي لها نفس عدد ونوع العناصر لكنها مرتبة في ترتيب مختلف «الأيسوميرات».
ثمة ثلاثة مركبات أيسوميرية شهيرة؛ وهي الحامض الفلمينيك وحامض السيانيك والحامض الأيزوسيانيك. ويُستخدَم الحامض الفلمينيك (HONC)، في عمل المتفجرات واسمه مُشتق من الفعل fulminate الذي يعني «يثور لفظيًّا». وصيغة الحامض السياني: HOCN ويُستخدَم في عمل السيانات السامة. وصيغة الحامض الأيزوسياني: HCNO وهو أقل شيوعًا حيث إنه عادة ما يؤدِّي مهمته كمادة أساسية لعمل الكثير من المركبات العضوية، ولا ينفجر فيك أو يُسبب لك التسمم مباشرة!

ويذكر قانون النسب الثابتة ببساطة أن الصيغة الكيميائية لأي مركب واحد تكون ثابتة ولا تتغير، وأن أي تغيير في الصيغة الكيميائية يُفضي إلى مادة جديدة ذات خواصَّ جديدة (تمامًا مثلما يُؤدي تبديل المكونات في الزبد إلى الفرق بين كعكة الطبقات والكعكة المحلاة). وعندما يكون هناك تفاعلٌ يُؤدي إلى تغيير الصيغة، تُعطَى الوصف عن طريق معادلة كيميائية. وبالاتفاق معًا قرر الكيميائيون وضع المواد الأصلية، التي هي المتفاعلات، عن اليسار يعقبها سهم، ثم المواد التي انتهينا إليها أي النواتج عن اليمين؛ فعلى سبيل المثال:

التي تعني أن الكربون بالإضافة إلى الأوكسجين سوف يُكونان ثانيَ أكسيد الكربون.

إلا أن ثمة اختلافًا بين وصفات كتاب الطهو والتفاعلات الكيميائية؛ فليست كلُّ التفاعلات الكيميائية تنتهي إلى الاكتمال. ففي الكثير من التفاعلات الكيميائية، تظل كمية معينة من موادِّ التفاعل كما هي على طبيعتها الأصلية دون أن تشترك في التفاعل الكيميائي، مثل البودنج (حلوى تعد من دقيق أو أرز ولبن وبيض وفاكهة وسكر) غير المكتمل التسوية، فالبودنج الذي لم يُطبَخ تمامًا يكون بعضه بودنج وبعضه سائلًا. تُشبِه معظم التفاعلات الكيميائية البودنج غير المكتمل التسوية، فبعض نِسَب المواد المتفاعلة تتحول إلى نواتجَ والبعض الآخر لا يتحول. ويظل بقاء الكتلة كما هو بالنسبة إلى تفاعلات البودنج غير المكتملة، إلا أننا سنفترض مبدئيًّا أن كل التفاعلات تكتمل، أو بكلمات أخرى سنفترض أن كل المتفاعلات تتحول إلى نواتج وأن البودنج طُبِخ تمامًا، كل هذا من أجل التوضيح. عندما يكتمل التفاعل الكيميائي، يمكن التنبُّؤ التام بكمية النواتج عن طريق بقاء الكتلة: فإذا تضمَّنَت الوصفة الكيميائية رِطلَين من المتفاعلات فستكون كتلة النواتج رطلَين أيضًا.

قد يبدو مبدأ بقاء الكتلة أمرًا بديهيًّا. إذا حدث التفاعل الكيميائي، مثل ذلك التفاعل الذي في التجرِبة السابقة، فنحن نشعر بديهيًّا أن الكتلة قبل التفاعل ينبغي أن تظل كما هي دون تغيير بعد التفاعل. إلا أن الدليل على ذلك لا يتَّسم بالوضوح دائمًا. إذا قام أحد الطهاة المعاصرين بوزن كل مكونات عمل الفطيرة المحلاة قبل طهيها ثم قام بوزن الفطيرة بعد الطهي مباشرة، فإنه لن يندهش إذا ما وجد أن الكتلة أقل، فيُمكن مشاهدة الفقاعات أثناء طهي الفطير كعلامة على تصاعد الغاز من الناتج، وعلى أن الكعكة أصبحَت بعد طهيها ذاتَ قوام أكثر جفافًا، دليلًا على فقدان الماء، ولو كان هذا الطاهي قد وُلِد في وقتٍ ما قُبيل هذا الإدراك الواضح لتركيب الهواء وبخار الماء، لما استطاع هذا الطاهي أن يعرف سوى أن الفطيرة فقدت جزءًا من وزنها ولما خلص بالضرورة إلى أن الكتلة بقيت. وأحد الطهاة الذين لم يُخدَعوا في هذا الأمر هو الكيميائي لافوازيه.

لقد التقينا بلافوازيه من قبل في خضم مناقشتنا عن الأكسدة والاختزال، وسنُضيف الآن أن لافوازيه كان أيضًا ذا أثر في ترسيخ صلاحية مبدأ بقاء الكتلة، وقد استخدم التفاعل:

لكن على غرار نمط برجوازي لا غش فيه، استخدم لافوازيه الماس من مصدره الكيميائي وهو الكربون، واستخدم أشعة الشمس المُجَمعَة عبر عدسة ضخمة، وقام بإجراء التجرِبة في وعاء محكم الغلق، وبيَّن بواسطة اندفاع الهواء بعد التفاعل أن جزءًا من الهواء استُهلِك. إلا أنه قام بوزن الوعاء قبل كسره وفتحه، وأثبت أنه يزن بعد تفاعل احتراق الماس تمامًا مثل قبل التفاعل، أي إن الكتلة بقيت.

لكن ثمة بعض التحسينات الهامة التي كان يجب إدخالها قبل ترجمة عمل لافوازيه إلى تفاعلات كيميائية حديثة، ومن أبرزها وصف جون دالتون للذرات. ومع أن هذه الفكرة تحوم في الأجواء على الأقل منذ عصر الفلاسفة اليونانيين القدامى، أخذ دالتون الحظوة في طرح فكرة اختلاف ذرات العناصر المختلفة، وإحدى الخصائص التي تجعلها مختلفة هي الكتلة، فكل عنصر لديه ذراتٌ ذاتُ خصائصِ كتلة مختلفة. وقد أنارت هذه الفكرة الطريق لتحديد الكتلة — الكتلة الذرية — لكلٍّ من العناصر. وفي التفاعل السابق بين الماس والأوكسجين، تتضمَّن الصيغة الكيميائية تَكوُّن جزيء ثاني أكسيد الكربون عند اتحاد ذرَّتَي أوكسجين مع ذرة كربون. وتُؤكِّد لنا ذرات دالتون أيضًا بقاء الكتلة؛ حيث إنه يوجد ذرة كربون وذرتان أوكسجين عن اليسار، وكذلك ذرة كربون وذرتان أوكسجين عن اليمين، أي نفس عدد الذرات، بنفس الكتلة، مع اختلاف الترتيب فحسب. وإذا كان عدد الذرات ونوعها هما نفسهما في اليمين كما في اليسار، يُقال إن التفاعل متوازن.

ويُمكِن مضاهاة التفاعل ببائع الزهور؛ إذا قام بائع الزهور بوضع الزهرية على الميزان وإلى جانبها باقةٌ من الزهور، فإننا لن نتوقع أن تتغير قراءة الميزان بعد أن يلتقط بائع الأزهار كل الزهور ويُنسقها بداخل الزهرية. تُشبه التفاعلات الكيميائية التنسيق الجديد للزهور — ليست الزهور جديدة، ولكن التنسيق هو الذي يكون جديدًا — ومن ثَم تَكون الكتلة هي نفسها قبل وبعد تنسيق التفاعلات الكيميائية.

وتَنقل لنا التفاعلات الكيميائية المتوازنة معلوماتٍ جوهريةً بشأن كمية المتفاعلات التي سنحتاج إليها للحصول على كمية معينة من النواتج، أو بطريقة أخرى كمية النواتج الناجمة عن كمية معينة من المتفاعلات، ويُعتبَر هذا النوع من المعلومات مهمًّا عند التعامل مع تفاعلات تحدث في كئوس موضوعة على مائدة، لكن عند التعامل مع حمولات صهاريجَ من المواد الكيميائية في مُفاعِلات في حجم الصوامع، يكون هذا النوع من المعلومات في غاية الحساسية والخطورة، ومن حسن حظ الصناعات الكيميائية وجود كيميائيين مكرَّسين لدراسة أفضل الطرق للتعامل مع كافة أنواع المواقف الكيميائية الدقيقة والمتطلبة الحذر والبراعة من كميات الحرارة الهائلة إلى كميات المواد الهائلة إلى الحامض والقاعدة وتفاعلات الحالة الغازية؛ فهم مهندسون كيميائيون بارعون.

على سبيل المثال: الهندسة الكيميائية، هذا كل شيء

عندما يُفكِّر الناس في الصناعات الكيميائية، قد يأتي على أذهانهم صناعةُ المبيدات الحشرية أو الأدوية أو المذيبات أو مواد التشحيم أو عمليات معقَّدة نسبيًّا، ويندهش الكثير من الناس عندما يعلمون أن معظم صناعة الكيمياء ترتكز حول صناعة أربع موادَّ كيميائية بسيطة نسبيًّا، وهي: حامض الكبريتيك وحامض الفوسفوريك وهيدروكسيد الصوديوم وصديقنا القديم كلوريد الصوديوم.

ويُمثِّل حامض الكبريتيك هذا ومشتقاتُه الحجم الأكبر من الكيماويات المُنتِجة في العالم. ويأخذ حامض الكبريتيك قوام الشراب في شكله المركَّز (والمعروف بالأوليم oleum) وكان معروفًا في وقت ما بزيت الزاج؛ بسبب هذا المظهر. وحامض الكبريتيك مُسبِّب شديد للتآكل ويُهاجم البلاستيك والخشب والجلد والأغشية المخاطية ومعظم الفلزات في حالته المركزة، لكن يُمكِن تخزينه في زجاجات مصنوعة من الزجاج. ويُعتبَر حامض الكبريتيك المخفَّف جدًّا (كمية صغيرة من الحامض مخلوطة بكمية كبيرة من الماء) هو المادة الفعالة في المحلول المُخفَّف لقلوية مياه حوض السمك المقترح في «قائمة المشتريات والمحاليل». ويُعتبَر حامض الكبريتيك في شكل أكثر تركيزًا؛ هو محلول الحامض المستخدَم في بطاريات السيارات الحامضية الرَّصاصية، وتُصمَّم بطاريات السيارات هذه الأيام بطريقة محكمة الغلق بحيث لا يكون لدى المُستخدِم العادي للسيارة سببٌ لفحص البطارية أو تزويدها بالسائل. ويتسنَّى للسائق أن يستمتع بسرعة مُحرِّك عالية، دون الالتقاء بحامض الكبريتيك الذي في البطارية، لكن بالنسبة إلى الذين حدث ولامسوا حامضَ البطارية، فإن هذه التجربة لا يُمكِن أن ينسَوها؛ فهيجان البشَرة يكون مباشرًا وتأثيره على الملابس قويًّا ويتعذر إصلاحه.

لكن استخدام حامض الكبريتيك في بطاريات السيارات لا يُعلِّل إنتاجه بهذه الكميات المهولة، وأكبر استخدام فريد لحامض الكبريتيك هو في المخصِّبات؛ لا سيما في الخليط الذي يحوي حامض الكبريتيك وصخر الفوسفات والذي يُسمَّى بالسوبرفوسفات؛ لأن الفوسفات معدِن أساسي تحتاج إليه النباتات، ولأنه مكوِّن أساسي في العظام، فإن مسحوق العظام كان يشيع استخدامه في وقت ما كمُخصِّب، يُمكن في هذه الأيام استخدام الفوسفات الصخري المُعالَج بحامض الكبريتيك ليُصبِح أكثر قابلية للذوبان أيضًا.

ويُستخدَم هيدروكسيد الصوديوم أو اللي، NaOH، في إنتاج الصابون والأنسجة والمنتجات البترولية والصبغات والمنظفات والورق، وينتج هيدروكسيد الصوديوم عن طريق تشغيل تيار كهربائي عبر خليط من الماء وNaCl (ملح الطعام). وتُعتبَر المعادلة المتزنة الآتية مباشرة:
ويُشير الرقم الموجود أمام صيغة الماء وأيضًا أمام صيغة ملح الطعام إلى عدد وحدات كل منهما التي تدخل في التفاعل؛ فجُزيئا ماءٍ يتفاعلان مع وحدتَين من كلوريد الصوديوم ليكونا وحدة واحدة من هيدروكسيد الصوديوم وجزيء واحد من غاز الكلور Cl2، وجزيء واحد من غاز الهيدروجين H2. وبكلمات أخرى إذا كان علينا أن نكتب كل مُتفاعِل على حدة تكون المعادلة على الصورة الآتية:
وعدد ذرات الهيدروجين قبل التفاعل هو ذرتان في كل جزيء ماء، أي أربع ذرات هيدروجين. وإجمالي ذرات الهيدروجين بعد التفاعل ذرتان من غاز H2، الهيدروجين، بالإضافة إلى واحدة من كل جزيء هيدروكسيد الصوديوم (NaOH)، أو أربع ذرَّات. وعليه يكون لدينا نفس الكمية من الهيدروجين قبل وبعد التفاعل، لكنها تتواجد في مركبات مختلفة. الهيدروجين متزن، وعدد ذرات الأوكسجين قبل التفاعل ذرة واحدة من كل جزيء ماء، أي ذرتَا أوكسجين، ويكون عدد ذرات الأوكسجين بعد التفاعل ذرةً من كل جزيء هيدروكسيد الصوديوم (NaOH)، أو ذرتَي أوكسجين. الأوكسجين متزن، وعدد ذرات الصوديوم بعد التفاعل ذرة في كل جزيء هيدروكسيد صوديوم، وعليه الصوديوم متزن، وإجمالي الكلور هو ذرة في كل جزيء كلوريد صوديوم قبل التفاعل واثنان في الكلور (Cl2) بعد التفاعل.
إلا أن المشكلة في هذه الطريقة الخاصة لإنتاج هيدروكسيد الصوديوم بالنسبة إلى الهندسة الكيميائية لا تتمثَّل في توازن التفاعل، وإنما في التعامل مع النواتج الثانوية؛ فكِلا النواتج الثانوية لهذا التفاعل، الكلور (Cl2) والهيدروجين (H2)، هي غازات تحت الظروف العادية، والغازات تشغل حيزًا من الفراغ، رطل لكل رطل، أكبر من نظرائها في الحالة الصلبة. ويُعتبَر إنتاج نواتج ثانوية في حالة غازية هو الأساس في تجرِبة صاروخ الزجاجة، حيث تتفاعل بيكربونات الصودا مع الخل مكونة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتمدَّد ليشغل حيزًا كبيرًا جدًّا من الفراغ أكبر من حجم ذلك المفاعل مُجبرًا السدادة على الاندفاع بقوة. ويُقابل إنتاج كل طن من هيدروكسيد الصوديوم انبعاث نحو طن وثلاثة أرباع الطن من الغاز، أي إن إنتاج كل قدم مربعة من هيدروكسيد الصوديوم (NaOH)، يُقابله إنتاج ما يقرب من ألفَي قدم مربعة من الغاز، ويُشبه هذا التفاوت في الحجم تضخُّم جهاز تليفزيون حجمه سبع عشرة بوصة ليَملأ حجرتَين من البيت. فهذا مقدار كبير جدًّا من الحجم وقد يُمكنه أن يُسبب انفجارًا كبيرًا. وعليه يُمثل احتواء الغاز والتهوية والانبعاث تحديًا كبيرًا للعاملين في إنتاج المواد الكيماوية.

لكن مثلما يُؤدي الاستخفاف بمثل هذه المشكلات إلى تداعي مهنة المهندسين الكيميائيين، وتُؤدي المغالاة في هذا الأمر إلى نفقات غير ضرورية أيضًا، يجب أن يكون المهندس الكيميائي أيضًا على دراية بأن عملية التقدير تقوم على افتراض أن كل جزيء من الغاز يشغل حيزًا من الفراغ كما لو كان الشيء الوحيد الموجود في العالم. في واقع الأمر، ثمة انجذابات وتنافرات بين الجزيئات. ويُؤدي الانجذاب بين الجزيئات إلى تكثف الغازات إلى سوائل. ويزيد التنافر بين الجزيئات من صعوبة ضغطها حيث يتضاءل الحجم أكثر وأكثر، ويجب أن يأخذ المهندسون الكيميائيون هذا الانجذاب والتنافر اللذَين يُطلَق عليهما معًا «القوى البينجزيئية»، بعين الاعتبار، فتُعتبَر أيضًا هذه القوى البينجزيئية الأساس لخصائص عديدة مثيرة نلحظها للمواد، وهو ما سنتعرض له الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤