تمهيد

الرومُ عند العرب قبل الإسلام وبعده هم الرومان وخلفاؤهم البيزنطيون، والبيزنطيون عند أنفسهم روم؛ أي رومان، وعاصمتُهُم «رومة الجديدة»؛ أي القسطنطينية، ولا يزال الروم الأرثوذكس يدعون القسطنطينية مركز البطريرك المسكوني «رومة الجديدة» حتى يومنا هذا.

واللفظ روم في نقوش الصفا اسم بلاد واسم شعب، فقد جاء في أحد نقوش الصفا أن: «عثمن بن طمثن بن عضضة نَفَرَ من «روم».» وجاء في نقش آخر أن «محوَّر بن غطفن بن أذنة صيَّرَ بفنجة سنة حَرَبَ الجدي «آل روم» ببصره.»١ وجاءَ في القرآن الكريم في سورة الروم: غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.

وأَنفع التواريخ تاريخ الفكر، وأَلمع فصل في تاريخ الفكر البشري تاريخ الفكر عند اليونان الأقدمين، وأفضل فضائل هؤلاء عنايتهم بالإنسان وسعيهم لإسعاده سعادةً حقيقيةً، وأكبر خدمةٍ قدمها الرومان أنهم تبنوا ثقافة اليونان وقالوا بها، وفضل الروم على البشرية أنهم حملوا هذه الثقافة وحموها في عصر الظلمات فحفظوها لنا في نصوصها الأصلية وأضافوا إليها. ولا سبيل لفهم تاريخ العرب فهمًا كاملًا إلا بالاطلاع على تاريخ الروم، فما جرى في سوريا والعراق ومصر في السياسة والحرب والحضارة والثقافة تأثر كثيرًا بما كان يجري في القسطنطينية وغيرها من أُمَّهات مُدُن الروم.

والمراجع الأولية لتاريخ الروم متنوعةٌ: منها التواريخ التي صُنفت في الأزمنة المعاصرة لوقوع الحوادث، أو بعدها بقليل، ومنها الرسائل الدبلوماسية التي تُبودلت في تلك العصور بين الروم وغيرهم من الشعوب والدول، ومنها القوانين التي اشترعت والنقوش الكتابية التي نُصبت والنقود التي سُكَّتْ. ومنها كذلك ما صنف خصوصًا للبحث في أخبار الكنيسة.

وما تبقى من التواريخ محفوظٌ في مجموعة نيبور — إذا جاز هذا التعبير — التي نشرت في تسعة وأربعين مجلدًا في بون ما بين السنة ١٨٢٨ والسنة ١٨٧٨،٢ ونصوص هذه التواريخ نفسها محفوظةٌ أيضًا في مجموعة مين في مائة وواحد وستين مجلدًا، وقد نشرت هذه المجموعة في باريز ما بين السنة ١٨٥٧ والسنة ١٨٦٦،٣ ولا يستغني الباحث عن الرجوع إلى مجموعة توبنر للوقوف على بعض هذه النصوص التاريخية نفسها؛ لأنها جاءت في هذه المجموعة أَدَقَّ وأَضْبَط،٤ وقد يضطر الباحث إلى مراجعة مجموعتي دندورف٥ ومولِّر٦ أو إلى نصوص بيوري،٧ وقد لا يستغني عن الاستعانة بسير القديسين فيعود عندئذٍ إلى مجموعة الآباء البولنديين التي بدأتْ تظهر منذ السنة ١٦٤٣.٨
وما تبقى من الرسائل الديبلوماسية التي تُبودلت بين حكومة القسطنطينية والحكومات المعاصرة محفوظٌ في مجموعة ميكلوسيخ ومولِّر،٩ ومجموعة تافل وتوماس،١٠ وقد جاءت المجموعة الأولى في مجلداتٍ ستةٍ، نُشرت في فيينة بين السنة ١٨٦٠ و١٨٩٠، وجاءت المجموعةُ الثانية في ثلاثة مجلدات نُشرت في فيينة أيضًا في السنة ١٨٥٦-١٨٥٧، وجمع جافي رسائل الباباوات فنشرها في برلين في مجلدين ما بين السنة ١٨٨٥ والسنة ١٨٨٨،١١ وتعاون أساتذة فيينة ومونيخ في ضبط هذه الرسائل وإعادة نشرها، فظهر في السنوات ١٩٢٤–١٩٣٢ مصنف دولغر في ثلاثة مجلدات،١٢ وظهر في السنة ١٩٣٢ الكراس الأول من مجموعة الأب غرومل لبيانات ورسائل البطريركية المسكونية،١٣ وأفضل ما يرجع إليه في التشريع والقوانين مجموعة مومسن وكروغر وشول في شرائع يوستنيانوس — وقد طُبعت في برلين في مجلدات ثلاثة ما بين السنة ١٨٧٢ والسنة ١٨٩٥١٤ — ومجموعة زخريا لنغنتال في شرائع الأباطرة المتأخرين، وقد ظهرت هذه المجموعة في سبعة مجلدات في ليبزيغ ما بين السنة ١٨٥٦ والسنة ١٨٨٤.١٥
ولا بد للباحث في تاريخ الكنيسة من الرجوع دائمًا إلى مجموعة منسي في المجامع، وقد نشرت هذه المجموعة لأول مرة في فلورنزة والبندقية في واحد وثلاثين مجلدًا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر (١٧٥٩–١٧٩٨)، ثم أُعيد طبعها ما بين السنة ١٩٠١ والسنة ١٩٢٧، فظهرت في ثلاثة وخمسين مجلدًا،١٦ هذا ولا يخفى أن مجموعة الآباء اليونان Patrologia Graeca المشار إليها آنفًا تتضمن نصوصَ أشهر مؤلفات الآباء.
وليس لدينا في نقوش الروم مجموعة كاملة، وأفضل ما يرجع إليه مصنف ميله في نقوش جبل أثوس١٧ وكتاب ليففر في نقوش مصر المسيحية١٨ ومجموعة غريغوار في نقوش آسية الصغرى المسيحية.١٩
وأقدم المصنفات العصرية في النقود البيزنطية كتاب سباتييه الإفرنسي٢٠ الذي ظهر في باريز في مجلدين في السنة ١٨٦٢، وأحدثها عهدًا وأكملها كتاب روث٢١ في مجموعة النقود البيزنطية في المتحف البريطاني، وقد ظهر هذا أيضًا في مجلدين ولكن في السنة ١٩٠٨، وليس لدينا في الأختام البيزنطية سوى مؤلف شلومبرجه.٢٢
والمؤلفات الحديثة التي تبحث في تاريخ الروم كثيرةٌ متنوعةٌ، تُعَدُّ بالمئات، والمقالات التي دبجت في نواحٍ معينة من تاريخ الروم وحضارتهم ونُظُمهم كثيرة أيضًا، وأَولاها بعناية الباحث مؤلف كارل كرومباخر الألماني في تاريخ آداب الروم؛ فإنه على الرغم من قِدم عهد هذا المصنف لا يزال مفيدًا جدًّا في كمية معلوماته ودقتها،٢٣ ولا يزال تاريخُ سقوط الإمبراطورية الرومانية لإدوارد غيبون مفيدًا موقظًا؛ لأنه تاريخٌ كبيرٌ لمؤرخٍ عظيم،٢٤ ولنا في كتاب تاريخ الروم حتى نهاية القرن العاشر الذي صنفه المؤرخُ الفرنسي غوستاف شلومبرجه قصةً مفصلةً جَذَّابَةً، ظهرتْ في مجلدات ثلاثة في باريز ما بين السنة ١٨٩٦ والسنة ١٩٠٥،٢٥ وللأستاذ بيوري الإنكليزي مصنفان لائقان بالاهتمام أولهما في تاريخ الروم ما بين السنتين ٨٠٢ و٨٦٧، وهو أفضل ما صنف في تاريخ هذه الحقبة، والثاني في تاريخ الروم ما بين السنة ٣٩٥ والسنة ٥٦٥، وقد ظهر في لندن في مجلدين في السنة ١٩٢٣، وهو مصنف عادي،٢٦ على أن أفضل المصنفات في تاريخ الروم العام أربعة: أولها العالم الشرقي ثم أوروبة الشرقية للعلماء الإفرنسيين شارل ديل وجورج مارسه ورينه غروسه وغيرهم، وقد ظهرت في مجموعة غلوتز في السنتين ١٩٤٤ و١٩٤٥،٢٧ وثانيها العالم البيزنطي للمؤرخ الإفرنسي لويس براهيه، وقد جاء هذا في مجلدات ثلاثة في مجموعة تَطَوُّر الإنسانية التي يُشرف عليها المؤرخ هنري بر،٢٨ وثالثها كتاب البحاثة أوستروغورسكي الذي ظهر في مونيخ سنة ١٩٤٠،٢٩ ولا يخفى ما لهذا العالم من أبحاث في اقتصاديات الروم واجتماعياتهم، ورابعها وأحدثها جميعًا من حيث إعادة النظر والتنقيح؛ كتاب العلامة الروسي ألكسي فزيلييف، الذي ظهر أولًا بالروسية ثم نقل إلى الإنكليزية والإفرنسية، وقد أُعيد طَبْعُهُ بالإنكليزية بإشراف مؤلفه الذي يُجيد هذه اللغة في السنة ١٩٥٢،٣٠ وذلك في مديسن من أعمال ولاية وسكونسن الأمريكية.

وهنالك أبحاث عديدة هامة في مواضيع خصوصية متنوعة أُشير إليها في هامش هذا الكتاب، فلتراجعْ في محلات وقوعها.

وفي الختام لا بد لي — قضاءً لِحَقِّ الصنيعة — من إسداء عاطر الشكر لحضرة الأديب المدقق الأستاذ رئيف خوري الذي بذل بسخاء من وقته لمطالعة مخطوطة هذا الكتاب كلمةً كلمةً وحرفًا حرفًا، فأبدى ملاحظات قيمةً في المعنى والمَبنى، وكذلك لا بد لي من الاعتراف بفضل حضرة الأديب الشيخ فؤاد حبيش؛ الذي شجعني على نشر هذا الكتاب.

ولن أنسى عطف مؤرخ بيروت الأكبر العلامة الأب رينه موترد اليسوعي، وتشجيع صديقي الأستاذ فؤاد إفرام البستاني رئيس الجامعة اللبنانية، ومعونة زملائي فيها؛ الأستاذ بطرس البستاني والأمير موريس شهاب والدكتور بطرس ديب. وقد لقيت في شخص رئيس دائرة التاريخ في جامعة بيروت الأمريكية الدكتور نقولا زيادة وفي الأستاذين الدكتورين جبرائيل جبور وأنيس فريحة أصدقاء مخلصين مُضَحِّينَ. وهل أنسى ما عانته زوجتي وشريكة حياتي من مشقة في تأمين راحتي وانقطاعي لهذا العمل زهاء سنتين كاملتين!

وكان الفراغ من تأليفه في رأس بيروت، في الثالث والعشرين من تشرين الأول سنة ١٩٥٥.

أسد رستم
١  Dussaud, R., Mission dans la Syrie Moyenne, 251, 547, 554.
٢  Corpus Scriptorum Historiae Bysantinae.
٣  Patrologia Graeca, Ed. Migne; Indices, Cavallera, 2 Vols., Paris, 1912.
٤  Teubner, Bibliotheca Scriptorum Graecarum et Latinarum.
٥  Dindorf, Historici Graeci Minores, 2 Vols., Leipzig, 1870-1871.
٦  Muller, Frangmenta Historicorum Graecarum, Vols. IV, V, Paris, 1868–1870.
٧  Bury, Byzantine Texts, Vols. 1–5, London, 1868.
٨  Acta Sanctorum.
٩  Miklosich, F., et Muller, J., Acta et Diplomata Graeca Medii Aevi.
١٠  Tafel, G. L. F., et Thomas, G. M., Urkunden zur Alteren Handels und Staatsgeschichte der Republik Venedig.
١١  Jaffe, P., Regesta Pontificum Romanorum.
١٢  Dolger, Franz., Regesten von Kaiserurkerden des Ostromischen Reiches von 565–1453.
١٣  Grumel, V., Regestes des Actes du Patriarcat de Constantinople.
١٤  Mommsen, Kruger, Scholl, Corpus Juris Civilis.
١٥  Zachariae de Lingenthal, Jus Graeco Romanum.
١٦  Mansi, Joannes Dominicus, Sacrorum Conciliorum Nova et Amplissima Collectio.
١٧  Millet, G., Inscriptions Chrétiennes de l’Athos, Paris, 1904.
١٨  Lefèvre, G., Inscriptions Chrétiennes d’Egypte, le Caire, 1907.
١٩  Grégoire, H., Inscriptions Chrétiennes d’Asie Mineure, Paris, 1922.
٢٠  Sabatier, Description Générale des Monnaies Byzantines.
٢١  Wroth, W., Catalogue of Byzantine Coins in the British Museum.
٢٢  Schlumberger, G., Sigillographie de l’Empire Byzantin, Paris, 1884.
٢٣  Krumbacher, K., Geschichte der Byzantinichen Litteratur von Justinian bis zum Ende des Ostromischen Reiches, Munshen, 1891, 2 éd., 1897.
٢٤  Gibbon, E., Decline and Fall of the Roman Empire, Ed. J. B. Bury, 7 Vols., London, 1897–1902.
٢٥  Schlumberger, G., l’Epopée Byzantine à la Fin du Dixième Siècle.
٢٦  Bury, J. B., History of the Eastern Roman Empire from the Fall of Irene to the Accession of Basil I, (802–867); Hist. of the Later Roman Empire from Arcadius to Irene, (395–565).
٢٧  Diehl, Ch., et Marçais, G., Le Monde Oriental; Diehl, Ch., Oeconomos, L., Guilland, R., Grousset, R., l’Europe Orientale.
٢٨  Bréhier, L., Le Monde Byzantin.
٢٩  Ostrogorsky, G., Geschichte des Byzantinischen Staates.
٣٠  Vasiliev, A. A., The Byzantine Empire.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤