ماذا يحدث تحت الأرض؟

كانت الغرفة واسعةً ومضاءةً بإضاءةٍ قويةٍ، وتأكَّد «أحمد» أن فتحات التهوية تحتوي على آلات تصوير تليفزيونية، وأنهم مراقبون جيدًا من العصابة، وعندما نظر إلى «قيس» و«عثمان» أدرك أنهما فَهِما كل شيءٍ … وكان بالغرفة خمسة أسرَّةٍ ومكتب في طرفها، بالإضافة إلى الدواليب، وفي جانب منها باب صغير فتحه «أحمد» … كان يؤدي إلى دهليز قصيرٍ ثم دورة المياه.

دخل «أحمد» دورة المياه … وتوقف في وسطها، لقد سمع شيئًا ما ملفتًا للانتباه، وتوقف في الصمت المسدل على المكان يستمع … كان هناك شيءٌ يهدر بهدوء، من الممكن أن يكون محركًا … أو ربما تيار من الماء ينحدر من مكانٍ مرتفعٍ … فهل قاعدة الجبل قريبة من إحدى الأنهار؟ أم هي ماكينة تُدار لغرض ما؟!

كانت فتحة التهوية الوحيدة في دورة المياه في منتصفها تمامًا … فأدرك «أحمد» أنه إذا وقف في جانب بعيدٍ فلن تستطيع عين الكاميرا أن تراه … وكان ذهنه يعمل سريعًا … توقف بجوار الحائط الصخري، وأخذ يتأمله لحظاتٍ، ثم مدَّ يده وأخذ يتحسس الجدار … وعرف على الفور أن الصخور قد تم تقويتها حديثًا بطبقة من الأسمنت، وهذا يعني أن الجدار في هذه المنطقة ضعيفٌ … وهذا ما كان يتمناه.

اغتسل «أحمد» ثم دخل الغرفة … كان «قيس» و«عثمان» كلٌّ منهما قد تمدَّد على سرير … وعندما دخل «أحمد» التفتا إليه، ونظر إليهما نظرة ذات مغزى، وبدون كلمة واحدة دخل «عثمان» دورة المياه، أمضى فيها بعض الوقت ثم عاد، ونظر إلى «أحمد» … ثم دخل «قيس» أيضًا وعاد … وتلاقَتْ عيون الثلاثة في نظرات متفاهمة، لقد أدركوا أنهم مراقبون بالكاميرات، ولكن في الإمكان الإفلات من هذه الرقابة في دورة المياه، وهكذا ببساطةٍ اتَّجه «أحمد» إلى هناك، ثم لحق به «عثمان»، ووقفا في جانب بعيدًا عن فتحة التهوية التي تحوي جهاز التصوير التليفزيوني … وقال «أحمد» هامسًا: هل سمعت الصوت الذي يهدر بجوارنا؟

ردَّ «عثمان»: نعم سمعت … صوت محرك، أو مياه متدفقة!

أحمد: هذا ما فكرت فيه بالضبط … وأنا أعتقد أنه صوت شلال مياه قريب، ضع يدك على الجدار.

وضع «عثمان» يده على الجدار وتحسَّس البلاط الجديد الذي ما زال رطبًا … وقال «أحمد»: إن هذا الموضع من الجدار ضعيف … ومن الممكن ببعض الجهد إحداث فتحة فيه.

عثمان: إذا كان هذا ممكنًا، فمن الأفضل أن نبدأ في الحفر من الآن.

أحمد: إننا لن نهرب، فإن المخاطرة بحياتنا نحن الثلاثة ليست هي القرار الصحيح … بل ما أفكر فيه هو أن ننفِّذ ما تريده «المجموعة X» أو هذا المغرور «كيرش». إن وجود أحدنا حرًّا مسألةٌ هامةٌ … وبالطبع سوف يحاول من تُفرج عنه العصابةُ أن يساعد الاثنين الباقيين.

عثمان: إذن ما قيمة الفرار من الجدار؟

أحمد: إنني أتصوَّر أنه في حالة فشل من سيخرج في إنقاذ الاثنين الآخرين، فعليهما القيام بمحاولة الفرار عن طريق هذا الجدار، إن الشلال قريبٌ، وتدفق المياه يؤثر في الجدار؛ لهذا وضعوا هذا البلاط، ولكنه لن يصمد طويلًا؛ لأنه لن يجف.

عثمان: فهمت … وعلينا أن نقرِّر من سيخرج منا.

أحمد: اخرج أنت …

عثمان: لا … أنت أفضل!

أحمد: اذهب، وأرسل لي «قيس» لأتفاهم معه.

عاد «عثمان» إلى الغرفة، وجاء «قيس» وحدثه «أحمد» نفس الحديث الذي دار بينه وبين «عثمان» … وقال «قيس»: إنني أوافق على أن تخرج أنت.

أحمد: إن ذلك يُلقي عليَّ مسئولية ضخمةٍ؛ فأنا بالطبع لن أُحضِر لهم نسخة الفيلم المطلوبة … ولكن سأحاول إنقاذكما.

قيس: وما هي خطتك؟

أحمد: حتى الآن … لا أدري، في الأغلب سوف أقابل رقم «صفر» وأحدِّثه بما جرى، وهو وحده صاحب الحق في التصرُّف.

انتهى الحديث، وعاد الاثنان إلى الغرفة، ولم تمضِ دقائق حتى جاء أحد الحراس وفتح الباب، ودعاهم لتناول الطعام.

•••

قضى الشياطين الثلاثة ليلة هادئة … تمتعوا فيها بنومٍ عميقٍ … فلم يكن الموقف ميئوسًا منه ﻓ «أحمد» سوف يخرج إلى العالم، يبذل جهدًا لإطلاق سراح زميليه، كما أن هناك فكرة ثقب جدار دورة المياه.

وهكذا استيقظ الثلاثة في الصباح في منتهى النشاط، وبعد أن اغتسلوا اتجهوا مرة أخرى إلى غرفة الطعام؛ لتناول الإفطار، وجاء «كيرش» فتناوله معهم … وبعد أن انتهى أخذوا يحتسون الشاي، وتحدث «كيرش» قائلًا: هل اتفقتم على من سيذهب لإحضار نسخة الفيلم؟

ردَّ «عثمان»: نعم!

كيرش: عظيم … من هو؟

قال «أحمد»: أنا …

كيرش: عظيم … أريد أن أوضِّح لك أهمية عودتك بالفيلم … إن حياتي معلقة بعودتك؛ فإنني، كما أوضحت لكم، مندوبٌ لمنظمةٍ كبرى، وهذه العملية من اختصاصي باعتباري مندوب المنظمة في الشرق الأقصى … وفشلي فيها يكلِّفني حياتي.

وسكت لحظات ثم قال: وبالطبع فإنني لا أنوي أن أخسر حياتي مقابل لا شيء.

كان تحذيرًا واضحًا بأن أي تلاعب من جانب الشياطين يعني القضاء على «عثمان» و«قيس» فورًا … وكان «أحمد» بالطبع يضع هذا في حسبانه.

وعاد «كيرش» يقول: لقد أعددنا للمسافر كل شيءٍ … تذاكر السفر والإقامة ليومٍ في روما ثم القاهرة … إنني لا أدري ما هو مقرُّ المنظمة التي تتبعونها، ولكن من المؤكد ما دمتم من العرب أن يكون محور الارتكاز هو القاهرة باعتبارها أكبر عاصمة عربية.

لم يرد أحدٌ من الشياطين الثلاثة … فقد كان واضحًا أن «كيرش» يحاول الحصول على معلوماتٍ عن مقر الشياطين اﻟ «١٣».

قال «أحمد» مبتعدًا عن موضوع المكان: لقد اختارني الزميلان للسفر.

نظر «كيرش» إليه في إمعان، ثم قال: بعد ساعة ستحملك السيارة إلى المطار. ثم قام واقفًا … والتفت مرة أخرى إلى «أحمد» وقال: لا أريد أن أكرِّر تحذيراتي لك، ولكن يجب أن تعلم أن حياة زميلَيْك رهن بعودتك بالفيلم … هذه المرة بدون ألاعيب، فلن يخرج أحدٌ من هذا المكان إلا بعد طبع الفيلم، والتأكُّد من صحة المعلومات التي طلبناها.

ومشى «كيرش»، وجلس الشياطين يتحدَّثون في همسٍ … وبعد ساعةٍ بالضبط، ظهر أحد الرجال، ووقف باحترامٍ قائلًا: إن السيارة جاهزةٌ.

وتبادل الشياطين الثلاثة السلام … كان هناك احتمالٌ قويٌّ بألَّا يرى أحدهما الآخر بعد ذلك … ولكنهم كانوا يبتسمون.

أسرع «أحمد» إلى السيارة، كانت عيناه تراقبان كل ما حوله … فقد كانت أية معلومةٍ — مهما كانت ضئيلةً — مهمةً للأيام القادمة، وقطعت السيارة الطريق التي أتَتْ منه، ثم خرجت من الريف الأخضر والجبال العالية إلى الطريق الرئيسي فأطلق السائق لها العنان، وسرعان ما كانوا يسيرون بمحاذاة مدينة «طوكيو» متجهين إلى المطار. تمَّت الإجراءات بسرعة، واتجه «أحمد» إلى الطائرة التابعة لشركة الخطوط الجوية البريطانية، وسرعان ما كان يجلس في مقعده، يربط الحزام، وينظر من النافذة، وكان الحراس الثلاثة الذين صحبوه في السيارة واقفين … وعرف على الفور أنهم يُريدون التأكُّد من أنه استقل الطائرة وأنه ذاهبٌ إلى «روما».

بعد نصف ساعةٍ بدأَت الطائرة تهدر على أرض المطار، ثم تطوي عجلاتها وتنطلق في الجو … واستسلم «أحمد» للتفكير العميق … إن أمامه مهمةً صعبةً لا يدري بالضبط مداها … هل يعود مرةً أخرى من «روما» إلى «طوكيو» ليحاول تخليص «عثمان» و«قيس»؟ هل هذا ممكن أم أنه يغامر بحياته وحياة زميليه؟ هل يذهب إلى مقر الشياطين اﻟ «١٣» ويعرض الأمر كله على رقم «صفر» ويترك له حرية التصرف؟ إن المسألة في هذه المرة ليست كما كانت في مرات كثيرةٍ سابقةٍ … مسألة حياة أو موت … وقراره في هذه المرة لا يتعلق به وحده، ولكن يتعلق بحياة «عثمان» و«قيس».

أخذت الأفكار تتسابق في رأسه، ولم يدرِ كيف يستقرُّ على واحدةٍ منها … وقرَّر أن يخرج الحقيبة اليدوية الصغيرة التي أعطوها له، وفيها برنامج رحلته إلى «روما» واسم الفندق، وموعد الإقلاع من مطار «روما» … وعندما فتح الحقيبة فوجئ بمظروفٍ أسود اللون مغلق … أخذ يُقلِّب فيه لحظاتٍ ثم فتحه، فوجد تحذيرًا من المنظمة في جملةٍ قصيرةٍ حاسمةٍ …

لا تحاول اللعب، إن الموت هو الثمن.

وأحسَّ بضيقٍ خفيٍّ، ولكنه أخذ يقلِّب في بقية الأوراق … ولا يدري كم مضى من الوقت بعد أن تناول الغداء لكن فجأة أحسَّ بالطائرة تهتز … ونظر من النافذة فشاهد عاصفةً رعديةً تجتازها الطائرة، وتذكَّر أنه في مثل هذا الموسم يكون الطقس سيئًا فوق إيطاليا، ومعنى وجود الطائرة في العاصفة أنهم اقتربوا من «روما»، وفعلًا انطلق مكبر الصوت يعلن بصوتٍ ناعمٍ للركاب أن الطائرة تقترب من المطار.

اجتازَت الطائرة العاصفة وأخذَت تنزل تدريجيًّا في جوٍّ ممطر، وأخذ «أحمد» يرقب قطرات المطر وهي تتساقط على جناح الطائرة في ضوء البرق، ثم أخذت الطائرة تحوم فوق المطار … ثم انزلقَت على الأرض وتوقَّفت.

خرج «أحمد» مع الخارجين، وعندما وصل إلى صالة المطار تلفَّت حوله، فأدرك أن رحلته لن تتمَّ … كانت هناك بضعة وجوه يستطيع أن يقرأ ملامحها جيِّدًا، وجوه تلمع فيها عيونٌ شريرة ترقبه. وتنبهت فيه حواس المغامر، وأخذ يفكر، ولكن تفكيره لم يَطُل … إن هؤلاء الرجال لا بد أن يكونوا من أعوان «كوجانا»، ذلك المجرم الضخم الذي استولى على الفيلم من «إلهام» … ولكن «أحمد» استردَّه منه في «سنغافورة» … هؤلاء إذن هم رجال «كوجانا».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤