الفصل الثاني

الفونوجراف

هو آلة معدة لطبع الأمواج الصوتية عليها لتعيدها ثانيًا وهو يتركب كما في (شكل ٢-١) من أسطوانة من النحاس الأصفر ح محمولة على محور أفقي حـ هـ أحد نصفيه مقلوظ، ويمر في حلقة مقلوظة مثله كما ذلك مبين في الشكل ويوجد على سطح الأسطوانة ح ميزاب حلزوني خطوته تساوي خطوة القلاووظ الذي على المحور، فإذا أديرت حينئذ هذه الأسطوانة بواسطة اليد م فإنها تتقدم جهة اليمين أو جهة اليسار حسب الاتجاه الذي تدار فيه بمقدار خطوة القلاووظ الموجود عليها في كل دورة، وأخيرًا يوجد أمام الأسطوانة ح أسطوانة صغيرة ط على هيئة قمع محمولة على حامل ن وفي قاعها صفيحة رفيعة ي (شكل ٢-١) تشبه صفيحة التليفون وهذه الصفيحة تتكئ مباشرة على أنبوبة من الصمغ المرن ق متكئة على صفيحة مرنة د منتهية بسن مخروطي من الصلب موجود في مقابلة الميزاب الحلزوني من الأسطوانة.
figure7
شكل ٢-١
figure8
شكل ٢-٢
فلأجل طبع الاهتزازات الصوتية على هذه الآلة يُبتدأ بتغطية الأسطوانة ح بورقة من القصدير بحيث تكون موضوعة على الأجزاء البارزة بدون أن تدخل في الميزاب ثم مرتفع أمام فتحة الأسطوانة ط مع تدوير اليد م بحركة منتظمة ما أمكن، فالصفيحة الصلب ي تهتز طبقًا للصوت المتولد وتنتقل اهتزازاتها إلى الأسطوانة ق ومنها إلى الصفيحة د فيرسم حينئذ السن الموجود في هذه الصفيحة على ورقة القصدير انبعاجات عميقة كثيرًا أو قليلاً على حسب شدة الصوت — ولأجل إعادة ما ذكر أمام الآلة يبعد أولاً السن عن الأسطوانة، ثم تدار في اتجاه مضاد للذي أديرت فيه أولاً إلى أن تعود إلى وضعها الأصلي، ثم يقرب السن وبوضع طرفه على أول انبعاج، ثم تدار في الاتجاه الأول، فيرى أنها تعيد الجمل التي ذُكرت أمامها والذي يحصل عند ذلك هو عكس ما حصل عند التكلم أمام فتحة الأسطوانة القمعية، أي أن الانبعاجات الموجودة في صفيحة القصدير هي التي تحدث اهتزاز الصفيحة د بتأثيرها على السن الموجود فيها، فتنتقل — حينئذ — هذه الاهتزازات إلى الأسطوانة ق ومنها إلى الصفيحة ي فيحصل حينئذ في هذه الصفحة نفس الذبذبات التي حصلت فيها أول مرة، وبذلك تعيد الأصوات١.

ولنعد إلى الكلام على الصوت فنقول: الصوت يكون جوابًا لصوت آخر إذا كان عدد الذبذبات التي تقابله في زمن معين يساوي ضعف عدد الذبذبات التي تقابل الصوت الثاني في ذلك الزمن.

فإذا وجد صوت متولد عن ٥٢٢ ذبذبة في الثانية وآخر متولد عن ١٠٤٤ ذبذبة في الثانية فيقال للأول إنه قرار للثاني، ويقال للثاني إنه جواب للأول.

والأصوات التي تتولد عن ذبذبات محصورة القدر بين قرار وجواب معلومين تسمى أصواتًا متوسطة، مثاله: المعلوم قرار يتولد عن ٤٣٥ ذبذبة، وجوابه المتولد عن ٨٧٠ ذبذبة — فالأصوات التي تتولد عن عدد ذبذبات محصور بين ٤٣٥ و٨٧٠ كعدد ٤٧٨ و٥٢٢ و٦٠٠ إلخ تسمى أصواتًا متوسطة بين ما يعطى عن ٤٣٥ و٨٧٠.

والأصوات ثلاثة أنواع: أصوات حادة، وأصوات غليظة، وأصوات متوسطة.

فالأصوات الحادة — ويقال لها الأصوات الرقيقة أو العالية — هي التي تكون ذبذباتها سريعة وتحس بأنها رقيقة جدًا، مثاله: (صوت العصفور) و(صوت الولد الصغير).

والأصوات الغليظة، ويقال لها الأصوات التخينة أو الواطية هي التي تكون ذبذباتها بطيئة، وتحس بأنها غليظة جدًا، مثاله: (صوت الجمل) و(صوت الرجل الكبير).

والأصوات المتوسطة ما جاءت بينهما.

والذبذبات السريعة أو البطيئة؛ إما أن تكون واسعة، وإما أن تكون ضيقة، وأقرب الأمثال المشاهدة ذلك وتحققه هو رؤية الوتر حال حدوث الصوت منه — فإن ذبذبته تكون أولاً واسعة، ثم تضيق شيئًا فشيئًا إلى أن ينتهي الصوت.

وسعة الذبذبات وضيقها لا يؤثران في سرعتها إن كانت سريعة، ولا في بطئها إن كانت بطيئة.

نغمة الصوت — هي درجة ارتفاعه الخاصة به، فيقال لكل صوت حاد إنه من نغمة عالية — ولكل صوت غليظ إنه من نغمة واطية — ومن ذلك يرى أن لكل صوت درجة مخصوصة؛ بحيث لو ارتفع وعلا عنها أو نزل وهبط منها تتغير الدرجة — وبتغيير الدرجة يصير صوتًا آخر.

والمسافة الصوتية — هي الفرق الذي يوجد بين صوت وصوت آخر من درجة أخرى.

وطنة الصوت — هي مدة مكث الصوت في درجة واحدة.

ورنة الصوت، أو (رنينه) هي طبيعته التي تميزه عن غيره لا من جهة العلو والسفل بل من جهة الأصل والمنشأ، فإن كل ما يحصل منه صوت مثل الخشب والحديد والنحاس إلخ له في صوته صفة يمتاز بها عن صوت غيره — وتلك الصفة هي الرنة أو الرنين وفي المثل (تعرف الأحباب برنة أصواتها ولو لم يقع شخصهم تحت نظرة).

وتمتاز الرنات عن بعضها بالغلظ والرقة، فيقال: صوت زيد رقيق، وصوت عمرو غليظ.

الصوت واطيًا كان أو عاليًا، إما قوى وإما ضعيف — فيكون قويًا إن كانت ذبذباته واسعة — وضعيفًا إن كانت ذبذباته ضيقة — ونحس بالقوى أنه شديد جهوري يسمع ولو على بعد منه — ونحس بالضعيف أنه خفي خفيف لا يسمع إلا بعناية له والتفات إليه واقتراب منه.

والصوت في درجة عالية مثلاً يكون إمّا عاليًا شديدًا، وإما عاليًا ضعيفًا — وفي درجة واطية، يكون إمّا واطيًا شديدًا وإما واطيًا ضعيفًا، تبعًا لشدة القوة المؤثرة في إيجاد الصوت أو ضعفها٢.

والأصوات نوعان: حيوانية وغير حيوانية. وغير الحيوانية أيضًا نوعان: طبيعة وآلية، فالطبيعية كصوت الحجر والحديد والخشب والرعد والريح وسائر الأجسام التي لا روح فيها من الجمادات، والآلية كصوت الطبل والبوق والمزامير والأوتار وما شاكلها — والحيوانية نوعان: منطقية وغير منطقية، فغير المنطقية هي الأصوات التي لسائر الحيوانات الغير الناطقة، وأما المنطقية هي أصوات الناس وهي نوعان: دالة وغير دالة؛ فأما غير الدالة كالضحك والبكاء والصياح — وبالجملة كل صوت لا هجاء له — وأما الدالة فهي الكلام والأقاويل التي لها هجاء.

والأصوات تنقسم من جهة الكمية إلى متصلة ومنفصلة: فالمنفصلة التي بين أزمان حركات نقراتها زمان سكون محسوس. مثال نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان — وأما المتصلة من الأصوات، فهي مثل أصوات المزامير والنايات والرباب والدواليب والنواعير وما شاكلها.

والأصوات تنقسم من جهة الكمية إلى متصلة ومنفصلة: فالمنفصلة التي بين أزمان حركات نقراتها زمان سكون محسوس. مثل نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان — وأما المتصلة من الأصوات، فهي مثل أصوات المزامير والنايات والرباب والدواليب والنواعير وما شاكلها.

والأصوات المتصلة تنقسم إلى نوعين: حادة وغليظة، فما كان من النايات والمزامير أوسع تجويفًا وثقبًا كان صوته أغلظ — وما كان أضيق تجويفًا، وثقبًا كان أحدّ صوتًا — ومن جهة أخرى أيضًا ما كان من الثقب إلى موضع النفخ أقرب كانت نغمته أحد — وما كان أبعد كان أغلظ.

وأصوات الأوتار المتساوية في الغلظ والطول والحزق (الشد) إذا نفرت نفرة واحدة كانت متساوية — فإن كانت متساوية في الطول مختلفة في الغلط كانت أصوات الغليظ أغلظ وأصوات الدقيق أحد — وإن كانت متساوية في الطول والغلط مختلفة في الحزق كانت أصوات المحذوقة حادة وأصوات المسترخية غليظة — وإن كانت متساوية في الغلط والطول والحزق مختلفة في النقر كان أشدها نقرًا أعلاها صوتًا…

أسماء أصوات الإنسان وصفاتها الحسنة والقبيحة

(الشجي) هو أحسن الأصوات وأحلاها وأصفاها وأكثرها نغمًا. (المخلخل) وهو العالي الحاد النغم بحلاوة وجهارة. (المصهرج) الصيت الثقيل بلا ترجيع ولا نغمة. (الخادمي) ما كان غريب المواقع كأصوات العبيد. (الجهير) هو الغليظ الذاهب في الأسماع. (الأجس) هو الجهير ببحوحة مليحة ونغمة مفخمة. (الناعم) هو الصوت المليح الموقع الصافي النغم. (الأبح) على ثلاثة أوجه: خلقة وتعب وعلة وهو خلقة أحسن. (الكرواني) هو يشبه الكروانات دقة وصفاء وتسلسلاً. (الزوابدي) هو الذي تكون نغمته زائدة عن مقادير الغناء (المقمقع) هو الذي يشبه كلام البادية بلا حلاوة. (المصلصل) هو الدقيق اليابس المجيد بغير شجي. (الصرصوري) هو الدقيق الحاد القبيح الموقع. (المرتعد) هو الذي كأن صاحبه مقرور بالحمى. (الأغن) هو الذي فيه الغنة والحلاوة والنغم. (الرطب) هو ما كان كالماء الجاري بلا كلفة وفيه حلاوة. (الصياحي) هو الذي ينفر عن الوتر إلى زيادة ونقصان (اللقمي) هو الذي كأن في فم صاحبه لقمة من الطعام. (الأماس) هو المعتدل الصافي الخالي من النغم والترجيع. (المظلم) هو الذي ليس فيه نغمة ولا يكاد يسمع (الدقيق) الذي يضعف ويكاد يخفى. (السغب) هو الذي يصفو مرة ويسغب أخرى ولا يخلص نغمة. (الصدى) هو الذي يكون فيه ما يعطي نغمة ويكدرها. (المختنق) هو الذي كأن صاحبه يخنق «ويكثر تنحنحه». (المغتص) هو الذي يمتنع بلع ريقه ويتغير فيه الغناء. (الأخن) هو الذي كأن أنف صاحبه مسدود. (الرخو) هو الذي يتعجن فيه النغم ويتفرع. (المبلبل) هو الذي تختلف فيه النغم وتزول عن أماكنها. (النابي) هو الذي ينبو عن الأصوات في المراسلات. (القطيع) هو الذي لا يكاد يسمع بالجملة. ويوجد شيء آخر في عيوب الصوت يقال له: (الصبيح) وهو فلق الحلق عن الوتر وخروجه عنه إما إلى زيادة أو نقصان، فمنه ما يكون في الصوت من أوله إلى آخره — ومنه ما يكون في المواضع الشديدة — ومنه ما يكون عند الابتداء أو عند الانتهاء أو في موضع، وربما كان في الكلام وقد يكون هذا في المولد والطبع، وقد يكون عن علة، وربما كان من جهة المعلمين، فيكون في المعلم مثلاً شيء من هذا فأعدى المتعلم، وكذلك الخروج، فهو يعدي والانقطاع والعجلة والارتعاش كما تعدي الأمور الحسنة المطربة — فإذا ألف فما ينقلع إذا ثبت إلا بعد جهد، وربما لم ينقلع — ولا يدري أحد عِللها وأسماءها ولو علم لما استحسن منها القبيح واستقبح المستحسن.

في المساكن التي تلائم الأصوات وتحسنها — والتي تنقصها وتفسدها

الأصوات تزداد حسنًا وصفاء وحدة في المواضع المخصصة الجديدة — وفي المنازل المرتفعة التي تشرق فيها الشمس ذات الهواء النقي الخالي من الجراثيم المضرة الغير حامل للروائح الكريهة، وكذلك الحمامات وإن كانت دون ذلك لأجل رطوبة المياه إلا أن حر الحمام يذيب الرطوبة فتلطف لأجل ذلك الأصوات وتصفو صفاءً بيِّنًا على شرط المحافظة حين الخروج من الهواء، والأصوات تنحصر فيها، فيكون لها طنين بمجاوبة من الحيطان٣ والمواضع الضيقة أنفع للأصوات من الواسعة لاجتماعها فيها وحصرها لها — ولذلك نجد الصوت عاليًا في المراسح التياترية لحصره فيها.

ومما يضرها وينقصه ويتعبها ويذهب حسنها، ويغطي ملحها وشجاها المساكن الشعثة المتخربة الندية المنكشفة والبساتين والصحارَى والبحار والأنهار والبراري والمواضع المكسوة بالفراش، والمستورة والمواضع، المرخمة والمغاير والسراديب، وتنقص منها أيضًا الأزمنة واختلافها — أعني الشتاء والخريف — وينفعها زمان الصيف والربيع، والتحفظ في الصيف أجود منه في الشتاء لتفتح المسام وتخلل الأجسام.

الأشربة التي توافق الأصوات

أما ما يوافق الأصوات من الأشربة؛ فالماء الحار على الريق والزيت الحار وشراب الجلاب والبنفسج ودهن اللوز والغرغرة بماء بزر السفرجل المدقوق وماء الشعير وماء العُناب ودهن البنفسج ورب السوس وعوده أي (العرقسوس) ولعوق الكرنب وأكله، والسكر النبات وقصب السكر والعنب والكشجين الساذج للأصوات البلغمية، وحسو الخمر العتيق ذو الثمن المرتفع، واستعمال الليمون المملوح والحلو والأحسا المتخذة من النشا وشراب التوت وماء البقلا المثبوت ودهن الياقطين وكل ما يساعد على هضم الأكل كالكبابة الصيفية، واللبان الذكر والكراوية والقهوة وينفع أيضًا دهن الحبة السوداء، والخنتيت الخالي من الغش — والقطران بوجه الخصوص أخص بالذكر من أجناسه قطران جويو Goudron de Guyot.

الأطعمة التي توافق الأصوات

وأما ما يوافقها من الأطعمة؛ فاللحوم والأمراق الطيبة الدسمة والبيض التيمرشت والبقلي المسلوق والأخبصة والأرز باللبن والأطعمة الحلوة. وللأصوات البلغمية الملوحات حيث منها ما يقطع البلغم ويجلوها خلاف غيرها.

وأما ما يضرها فالتعب المفرط والخمار المفرط والمخللات القبيحة والبلح والطلع الغض، والفول السوداني والسمك والمشمش والنبق والخيار واللب والبطيخ وقشور الرمان وحب الآس والسفرجل والعقص والفشار والدوم — وجميع الحوامض، والماء المثلج الشديد، والترك للغناء والغناء مع القطيع من الرجال والنساء والأخذ عنهن والغناء دون الطبقة المعتادة، والمغنيات يضر أصواتهن الحمل والولادة والسمن المفرط والأكل في الحمامات والأدوية الشحمة مثل ما يستعملنه من القدحات والمركبات لأجل السمن والصحة وحمل ما يثقل عليهن والمسهلات الشديدة — والتكشف للهواء مضر للجميع على حد سواء.

الآلات التي تقطع الأصوات

وأما الآلات التي تقطع الأصوات هي الزمر على العموم والرقص والإحصار الشديد — فأما الرقص؛ فإنه سهر وتعب وأما الزمر، فإنه يفسد الآلة المصونة، والإحصار يضر بالرئة وهي أول شيء يجب على المغني الكامل أن يحافظ عليه فوق العادة، فإن أمراضه صعبة وبعيدة الشفاء — وكذلك طلوع الدرج.

ومما يضر بالأصوات أيضًا استنشاق الهواء الملوث بالتراب، فإنه في أكثر الأحيان يكون سببًا (للأنفزيميا) أو نفث نقط دم صغيرة مع البلغم في الصباح — وغناء الإنسان مع من هو أقل من طبقته والاختصار على أقل قدرته والمداومة على الجماع تضر بالأصوات ضررًا بليغًا وتضعفها ولو تظهر لأصحابها أنها قوية، والحقيقة أنها صارت رفيعة رقيقة غير مطلوَّة بالحلاوة المعهودة فيها، وخصوصًا إذا كان الجماع مع من يجب أي بشهوة متضاعفة، فإن ذلك يكون من الأسباب الموصلة إلى القبر بسرعة — وترك الجماع — ويضر بالصوت أيضًا الأمراض الناشئة عن علل كالنزلات الشعبية وضعف الدم «الأنيميا» والولادة والبلوغ والتعب والرجفة والسمن والعلة المزمنة والمداومة على شرب الخمر سيما إذا كان رديئًا وبدون غذاء كاف وشرب الدخان — والحشيش بوجه الخصوص؛ فإنه يطفئ نور العقل وبرهاني على ذلك أن أكثر المدمنين على شربه مختلو الشعور فضلاً على أنه أيضًا من الأسباب التي تسهل العدوى (بالسل الرئوي) لانتقال الجوزة من شخص إلى آخر.

هوامش

(١) نعم، وإن كانت هذه الآلة آية من آي الاختراع الحديث، وحسنة من حسنات الدهر غير أنها دون الغاية المطلوبة لأسباب: منها أنها تغير جوهر الصوت أي (رنينه) فتكسبه رنة المعدن المكونة منه. ومنها أنها تؤدي الغناء بغاية السرعة وتدغم الفواصل فلا تميَّز، والألفاظ فلا تفهم، فتضيع بذلك لذة السماع. وهب أن المغني كان ثابت الجأش، فلا بد أن يعتريه اضطراب لما تقتضيه ضرورة الأداء بأخذه وضعًا مخصوصًا من القيام أو الجلوس وتصويب الصوت على فوَّهة البوق — ورفعه زيادة عن مقدرته أو خروجه عن قواعد الفن المعلومة، مع محافظته ألبتة على مقدار الزمن الذي تملأ به الأسطوانة. وبالاختصار فهو مقيد ومحدود الحرية؛ لأن السرور لا يحدثه الصوت إلا إذا كان يباعث قلبي بهيئة الأنس فيظهره الصوت بأجلى معانيه فيلعب بالعقول تارة ويحكم على القلوب مرة أخرى، والحقيقة أن السماع به كالأكل على الأسنان المصنوعة.
(٢) أما المسافات الموسيقية والسلالم الإفرنجية والعربية فتجدها في مؤلفات حضرات بوارييه Poirier وجامن Jamin وإسماعيل بك حسنين وإبراهيم بك مصطفى. (طبيعة).
(٣) ترنم أحدهم في حمام وكان صوته فظيعًا، ولكن صفاه الحمام وصقله. فقال له أستاذ: يا شيخ، من أين لك كل يوم حمام تحمله إلى أذن الناس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤