الفصل الرابع

الوضع الوزاري والإداري في عصر الانحلال الثاني

ساء الوضع الإداري والوزاري في المملكة الإسلامية إبَّان هذا العهد سوءًا ظاهرًا فاضحًا؛ فقد كان الخلفاء ضعافًا كما رأينا، وكان السلاطين والمتغلبون يتحكمون بأهوائهم، وقلما نجد سلطانًا عاقلًا عادلًا، سواء في الأسَر التي حكمت استقلالًا عن العاصمة أو في العاصمة نفسها، وبذلك لقي الناس عنتًا ما بعده عنت، ففسدت الأمور وساءت أحوال البلاد. ونريد ها هنا أن نعرض للوزراء البارزين في هذه الفترة؛ أي منذ زمن الخليفة القاهر إلى زمن الخليفة القائم.

(١) عهد القاهر

استوزر القاهر أول الأمر محمد بن علي بن مقلة الكاتب الخطاط المشهور، وكان عالمًا مدبِّرًا إلا أنه كان طمَّاعًا استغل نفوذه كثيرًا، وتدخَّل في شئون الدولة تدخلًا معيبًا طمعًا في المال، ولكن على الرغم من ذلك، فإنه كان من الوزراء الأكفاء؛ فقد اضطربت أحوال الوزارة بعده في عهد القاهر، فقد كان أحمق سخيفًا، محبًّا للمال. ولما عزل ابن مقلة، استوزر محمد بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب، ولم يُبقِه إلا قليلًا، ثم قبض عليه ونكبه، ولم يَطُل عهده بعده كثيرًا.

(٢) عهد الراضي

أُعيد ابن مقلة إلى الوزارة للمرة الثالثة، وقد بذل خمسمائة ألف دينار حتى استوزره طمعًا في أن يجمع ضعفها، ولكنه لم يلبث أن شغب عليه الجند فعزله، واستوزر عبد الرحمن بن عيسى بن داود الحراج، واختلَّتِ الأمور في أيامه فاستعفى من الوزارة، فقبض عليه، ثم استوزر أبا جعفر محمد بن القاسم الكرخي، وفي عهده ازداد الأمر فسادًا واضطربت الأحوال، فاختفى، ثم اكتُشف أمره، وصُودر، وخلفه في الوزارة سليمان بن الحسن بن مخلد، فلم يستطِع أن يفعل شيئًا لتغلب الجند، واضطُر الخليفة أن يستميل ابن رائق أكبر الأمراء فسمَّاه أمير الأمراء وكلَّفه تدبير المملكة وإدارتها، فكان يجلس فوق الوزير يولِّي ويعزل ويتصرف، وليس للوزير إلا الاسم، قال ابن طباطبا (في الفخري، ص٢٤٨): «لم يبقَ للوزير — في ذلك العهد — سوى الاسم من غير حكم ولا تدبير، ومن تلك الأيام اضطُهدت الخلافة العباسية وخرجت الأمور منها، واستولى الأعاجم والأمراء وأرباب السيوف على الدولة، وجبوا الأموال وكفوا يد الخليفة، وقرروا له شيئًا يسيرًا وبُلغة قاصرة.» وقد أشار ابن رائق أن يعزل سلمان بن الحسن ويوليه أبا الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات ظنًّا منه أن يجتذب له الأموال، وكان ابن الفرات رجلًا متهورًا كما يقول ابن طباطبا (ص٢٤٩) ثم عزله الراضي وولَّاها سلمان بن الحسن مرة ثانية إلى آخر عهده.

(٣) عهد المتقي

تولى أمور الخلافة في عهده توزون الديلمي، وتولى الوزارة سلمان بن الحسن مدة أربعة أشهر، ثم عزله وولَّاها أحمد بن محمد بن ميمون، وكان ضعيفًا ليس له من الأمر شيء، ولم يطل عهده حتى قبض عليه واستوزر أبا عبد الله البريدي، وكان بعده أبو إسحاق محمد إبراهيم الإسكافي القراريطي، فلم يبقَ أكثر من أربعين يومًا، صرفه توزون بعدها، ثم أعاد البريدي ثانية، فلم يطل عهده لفساد سيرته، وفيه يقول أبو الفرج الأصبهاني قصيدته ومنها:

يا سماءُ اسقُطي ويا أرضُ ميدي
قد تولَّى الوزارةَ ابنُ البريدِي

ولما خُلع تولَّاها أحمد بن عبيد الله الأصفهاني، ولم يمكث أكثر من خمسين يومًا، وكان ضعيفًا أحمق جاهلًا، فعُزل وتولَّاها علي بن أبي علي بن مقلة، ولم يطل عهده حتى عُزل.

(٤) عهد المستكفي

أول وزرائه السامري أبو الفرج محمد بن علي، لم تطل أيامه حتى قُبض عليه، وفي أيامه اضطربت أمور الخلافة كثيرًا، وملك البويهيون، وصارت الوزارة لهم، وحل محل الوزير «كاتب» عيَّنه الخليفة الذي لم يبقَ له من الأمر شيء، على ما بيَّنا سابقًا.

(٥) عهد المطيع

الطائع، والقادر، والمقتدر، والقائم «لم يستوزروا أحدًا».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤