الفصل الثالث عشر

كونور الإنجليزي

نُشرت للمرة الأولى في مجلة «توينتي ستوري»، عدد يناير ١٩٢٨.

***

جلس رجال العدالة الثلاثة على العشاء وقتًا أطول من المعتاد. كان بويكارت ثرثارًا وجادًّا على غير عادته.

تحدَّث إلى مانفريد الصامت قائلًا: «الحقيقة يا عزيزي جورج هي أننا نعبث بالأشياء. لا تزال ثَمة جرائم لا يمسُّ القانون مُرتكبها، والموت هو العقاب الوحيد والمنطقي لها. لا أنكر أننا نقوم ببعض الأعمال الخيرة، ولا أنكر أننا نصحِّح بعض الأخطاء، ولكن ألا تستطيع أي وكالة تحقيقات نزيهة أن تحقِّق ما نحقِّقه؟»

همهم ليون جونزاليس: «بويكارت رجلٌ جامح لا يريد التقيد بالقانون، إنه يريد العودة إلى أصله. ثَمة بريقٌ دموي في عينيه!»
[العودة إلى الطريق الذي تربَّى عليه. قارِن «كان يعود إلى أصله باستمرار وهو بين الأهالي …» روديارد كيبلينج، «سائس الآنسة يوجال»، «حكايات بسيطة من التلال»، ١٨٨٨.]

ابتسم بويكارت بانشراح صدر.

«نحن جميعًا نعرف أن هذا حقيقي. أعرف ثلاثة رجال، وكل واحد منهم يستحق الموت. كانوا يُزهقون الأرواح، وصاروا مقيَّدين بالقانون. والآن، أرى أن …»

تركوه يتحدث ويتحدث، ورأى مانفريد في مخيِّلته صورة ميريل — رابع رجال العدالة الأربعة — الذي مات في بوردو، وبموته أكمل مهمته في الحياة. يومًا ما، قد تُروى قصة ميريل الرجل الرابع. تذكَّر مانفريد ليلةً دافئةً ساكنة عندما تحدَّث بويكارت بهذه الوتيرة نفسها. كانوا أصغر سنًّا في ذلك الوقت؛ مُتلهفين لتحقيق العدالة، ولديهم سرعةٌ رهيبة في توجيه الضربات.

قال ليون وهو ينهض: «نحن مُواطنون محترمون، وأنت تُحاول إفسادنا يا صديقي. أنا أرفض أن أكون فاسدًا!»

نظر إليه بويكارت من تحت جفنيه المُتهدلين. سأل بجدية: «من سيكون الأول في العودة إلى الطريق القديم؟»

لم يُجِب ليون.

كان هذا قبل شهر من ظهور شارات بيانات الجنود. وقعت الشارة إلى حوزة الرجال الأربعة بطريقةٍ عجيبة. كان بويكارت في برلين يبحث عن رجلٍ يُطلِق على نفسه اسم لوفيفر. في يومٍ مُشمِس بعد الظهيرة، بينما كان يتجول في شارلونبورج، دخل إلى متجر لبيع التحف، واشترى بعض الفخاريات التركية القديمة التي كانت معروضة للبيع. اشترى مزهريتين كبيرتين زرقاوين؛ ومن ثَم غلَّفهما وأرسلهما إلى المنزل ذي المثلَّث الفضي في شارع كيرزون.

كان مانفريد هو من عثر على الشارة الذهبية. كان يمرُّ بلحظاتٍ غريبة من الاهتمام بالشئون المنزلية، وقرَّر في أحد الأيام أن يغسل المزهريتين الفخاريتين. كانت المزهريتان محشوَّتين بشتى أنواع الأجسام الغريبة؛ فامتلأت واحدةٌ منهما حتى نصفها بقصاصاتٍ قديمة من الصحف السورية، واحتاجت إلى قدرٍ كبير من الصبر والتلمس بسلك التنظيف لإخراج تلك القصاصات. لما اقترب من نهاية المهمة سمع صوت رنين معدني؛ ومن ثَم قلب الجرة رأسًا على عقب، وسقط في حوض المطبخ سوارٌ ذهبي يحمل شارةً ذهبيةً مستطيلة، نُقِش على جانبيها كتابةٌ عربيةٌ دقيقة.

تصادَف أن كان السيد دوريان من إيفينينج هيرالد في المطبخ لما وقع هذا الاكتشاف المُثير للاهتمام، وكما يعلم الجميع فالسيد دوريان أكبر كاتب في مجال الشائعات والقيل والقال وطئت قدماه شارع فليت على الإطلاق. إنه رجلٌ يبدو في العشرينيات على الرغم من أنه في عمر الأربعين تقريبًا. يمكن أن تراه في ليالي العروض الأولى وفي المأموريات المختارة والمميزة، عند إزاحة الستار عن النُّصب التذكارية للحروب؛ فقد كان من جنود المدفعية الماهرين للغاية في أثناء الحرب. كان يأتي في بعض الأحيان ويبقى حتى موعد العشاء ليتحدث عن الأيام الخوالي في مجلة «ذا ميجافون»، ولكنه لم يسبق أن حقَّق أي مكاسب مهنية من زياراته. أخذ مانفريد يتفحَّص السوار حلقةً بحلقة، وقال: «لن يُبالي بويكارت، ولكن سيسعد ليون. الذهب بالطبع. يحب ليون الألغاز، وعادةً ما يصنع لغزًا بنفسه. سيدخل هذا اللغز صندوق قصصه الصغير.»

كان صندوق القصص الصغير يحتوي على مقتنياتٍ غريبة تخصُّ ليون. ولما كانت الخزانات والغُرف المنيعة لا تستهويه، فقد استقرَّ مُقام هذا الصندوق الفولاذي الرَّث تحت سريره. صحيحٌ أن الصندوق كان يحوي أشياء ليست ذات قيمة كبيرة في حد ذاتها؛ إذ كان يحوي مجموعةً من نثرياتٍ متنوعة تراوحت من تذاكر المُراهنين الممزَّقة إلى مقدار بوصتين من حبلٍ كان من المفترَض أن يُشنَق به مانفريد، وكان كل واحد من تلك المقتنَيات التافهة تحمل معها قصة.

اشتعل خيال الصحفي. أخذ السوار في يده وتفحَّصه.

سأل بفضول: «ما هذا؟»

كان مانفريد يفحص النقش.

«إن ليون يفهم العربية أفضل مني. يبدو شارة بيانات ضابط تركي. لا بد أنه — أو لا بد أنه كان — شخصٌ غاية في التأنق.»

قال دوريان مُتأملًا بصوتٍ عالٍ: «إنه مُثير للفضول.» هنا في لندن المليئة بالدخان اشتُريت جرة أو مزهرية من برلين، ولما قُلبت خرج منها شيء من الرومانسية الشرقية. تساءل إن كان بإمكانه تفحُّص النقش لغرض التأمل فيه، ولم يُبدِ جورج مانفريد اعتراضًا.

عاد ليون في ذلك المساء، طلبت منه الحكومة الأمريكية توفير معلومات دقيقة عن شحنةٍ عامة معيَّنة كانت تُشحَن على صنادل بحرية في ميناء لندن.

قال: «توجد موادُّ خام معيَّنة من الممكن أن تكون قد تسبَّبت في كثير من المشاكل لأصدقائنا في أمريكا.»

أخبره مانفريد عن اكتشافه.

«دوريان كان هنا، وأخبرته أن بإمكانه الكتابة عن هذا الاكتشاف إذا أحب.»

قال ليون وهو يقرأ النقش: «اممم! هل أخبرته بما تعنيه هذه الكتابة؟ ولكنك لا تفهم العربية، أليس كذلك؟ توجد كلمةٌ واحدة بحروفٍ رومانية، وهي «كونور»، هل رأيتها؟ «كونور»؟ والآن، ما معنى «كونور»؟» نظر إلى السقف. ««كونور الإنجليزي» كان ذلك هو صاحب هذه الشارة المُثيرة. كونور؟ عرفتها؛ «كونور»!»

في مساء اليوم التالي، وفي عمود «رجل في المدينة» الذي يكتبه السيد دوريان يوميًّا، قرأ ليون عن الاكتشاف، وانزعج بعض الشيء حين اكتشف أن السيد دوريان قد أشار إلى صندوق القصص. في الحقيقة لم يكن ليون يفتخر بصندوقه الصغير هذا؛ لأنه يعبر عن الرومانسية والعاطفة، وهما الصفتان اللتان كان ليون يسعد باعتقاده بغيابهما عن تكوينه الروحي.

قال مُتذمرًا: «لقد أصبحت وكيل دعاية مبتذلًا يا جورج. الشيء التالي الذي سيحدث هو أنني سأتلقَّى عروضًا رائعةً من إحدى الصحف التي تصدر يوم الأحد لكتابة سلسلة من المقالات عن «قصص من صندوق مقتنَياتي»؛ وهذا سيجعلني عابسًا لثلاثة أيام إذا فعلت.»

على الرغم من ذلك وُضع السوار في الصندوق الأسود، ورفض ليون أن يقول أي شيء عن مغزى النقش وعن علاقة «كونور الإنجليزي» به.

ومع ذلك بات واضحًا لرفيقي ليون أنه يسعى خلف تحقيق جديد في الأيام التالية. كان يتردد على شارع فليت ووايتهول، بل قام بزيارة إلى دبلن. ذات مرة استجوبه مانفريد بشأن ذلك، وابتسم ليون ابتسامةً لطيفة.

«القصة بكاملها مسلِّية إلى حدٍّ ما. كونور ليس حتى أيرلنديًّا، ربما ليس اسمه كونور، رغم أن المؤكَّد أنه حمل ذلك الاسم. عثرت على الاسم في سجل كتيبة أيرلندية رفيعة للغاية. أغلب الظن أنه من بلاد الشام. يملك آل ستيوارت، المصوِّرون الفوتوغرافيون في دبلن، صورةً له ضمن كتيبة مُحاربة؛ ولذلك ذهبت إلى أيرلندا كي أتحقَّق من الأمر. يوجد مُراهنٌ كبير في دبلن كان ضابطًا في الكتيبة نفسها، ويقول إن «كونور» كان يتحدث بلكنةٍ أجنبية.»

سأل مانفريد: «ولكن من هو كونور؟»

ضحك ليون ضحكةً مُبتهجةً عريضةً أبرزت أسنانه البيضاء المُتناسقة.

«إنه قصتي.» كان هذا كل ما قاله.

بعد ثلاثة أسابيع وجد ليون جونزاليس مغامرةً.

كان يتمتَّع ببعض صفات القطط؛ فهو ينام دون إحداث أي جلبة، حتى أكثر الآذان حدة لا بد أن تبذل جهدًا حتى تسمع أنفاسه، كما كان يستيقظ دون إحداث جلبة أيضًا. كان بإمكانه أن ينتقل من سُباتٍ تام إلى يقظةٍ تامة في لمح البصر. ومِثلما تفتح القطة عينيها وتصبح يقظةً في لمح البصر ودون تفكير، هكذا كان ليون أيضًا.

كانت لديه تلك القدرة النادرة على التفكير فيما حدث أثناء النوم وإعادة اكتشاف الأسباب، وعلِم دون أن يتذكَّر أن ما أيقظه ليس صوت نقرات أحدثتها حبال الستارة؛ إذ كان ذلك شيئًا عاديًّا مُلازمًا للنوم بسبب الرياح الليلية، بل كان صوت حركة إنسان.

كانت غرفة ليون كبيرةً بالنسبة إلى منزلٍ صغير، ولكن بسبب احتمال عدم وجود التهوية الكافية لليون كان يُثبت الباب بسنادته كي يُبقيه مفتوحًا إلى جانب النوافذ. كان يُخنفر على نحوٍ غريب مثل رجل يغطُّ في نومٍ عميق، ويُزمجر في خمول ويتقلب على السرير، ولكن لما انتهى من تقلُّبه كانت قدماه على الأرض، وكان يقف مُنتصبًا ويربط حزام منامته.

كان مانفريد وبويكارت يقضيان عطلة نهاية الأسبوع، وكان بمفرده في المنزل، وكان ذلك وضعًا مُرضيًا له؛ إذ كان ليون يفضِّل التعامل مع مثل هذه المواقف بمفرده.

ظل منتظرًا، ثم أمال رأسه وسمع الصوت مرةً أخرى. جاء الصوت في نهاية عصفة ريح هادرة لا بد أنها غطَّت على الصوت قبل أن يصبح مسموعًا، والذي كان صوت صرير واضحًا. حينئذٍ سُمع صوت صرير واضح على السُّلم سبع مرات. صدر الصوت هذه المرة من خطوات أقدام. رفع الروب من المشجب وتلمَّست قدماه الحافيتان طريقهما نحو خفَّيه، ثم خرج مُنسلًّا إلى البسطة وأضاء المصباح.

وجد رجلًا على بسطة الدرج؛ كان وجهه الشاحب المتَّسِخ في مواجهة وجه ليون. خالَج ليونَ مزيجٌ من مشاعر الخوف والمفاجأة والامتعاض البغيض.

قال ليون بهدوء: «أبعد يدك عن جيبك وإلا جعلت الرصاص يخترق معدتك. سيستغرق الأمر أربعة أيام كي تموت، وستندم على كل دقيقة فيها.»

وقف الرجل الآخر في منتصف السُّلم ساكنًا ولا يكاد يتحرك من الخوف. كان جسمه صغيرًا ونحيلًا. أشار ليون بفوهة مسدسه في اتجاهه، واستند صاحب الجسد الأصغر على الحائط مُنكمشًا من الخوف وصرخ.

ابتسم ليون. لم يقابل لصةً امرأة منذ سنوات.

قال آمرًا: «فليستدِرْ كلاكما، وانزلا من السُّلم. لا تُحاولا الهرب؛ فسوف يكون ذلك نهايتكما.»

أطاعا أمره، وكان الرجل مُتجهمًا، بينما الفتاة، كما خمَّن، لم تكد تستطيع الوقوف على قدميها.

نزلوا إلى الطابق الأرضي الآن.

قال ليون: «إلى اليسار.»

صعد ليون بسرعة إلى الرجل ووضع مسدسه في ظهره، ثم أدخل يده في جيب سترته. أخرج مسدسًا ذا ماسورة قصيرة ووضعه في جيب الروب الذي يرتديه.

«إلى المدخل، مفتاح المصباح على اليسار، شغِّله.» تبعهما إلى غرفة الطعام الصغيرة، وأغلق الباب خلفه. «والآن، اجلسا.»

كانت المواصفات التي استطاع تخمينها للرجل هي: سجينٌ عادي ذو ملامح غير مُتناسقة وبشرة سيئة؛ مخلوقٌ ذو عقلية وضيعة، قضى فترات حريته القصيرة يؤهِّل نفسه لدخول السجن مرةً أخرى.

لم تتكلم رفيقته؛ ومن ثَم لم يستطع ليون أن يحدِّد صفاتها إلى أن تحدَّثت.

«أنا آسفة للغاية. أنا من أتحمَّل المسئولية كاملةً.»

تهلَّل وجه ليون لما تحدَّثت.

كان صوتًا راقيًا يُوحي بأن صاحبته مثقَّفة؛ ذلك الصوت الذي يمكنك أن تسمعه في شارع بوند وهو يأمر السائق بأن يتجه إلى ريتز.

كانت جميلة، ولكن في ذلك الوقت كانت معظم النساء جميلات في عينَي ليون؛ فقد كان يحمل قدرًا كبيرًا من المحبة والإحسان في قلبه. كانت عيناها سوداوين، وقوسا حاجبيها دقيقين، وشفتاها حمراوين وممتلئتين نوعًا ما. كانت أصابعها المتوترة، التي التفَّت حول بعضها، بيضاء مُتناسقة، طُليت أظافرها على نحوٍ مُبالَغ نوعًا ما. كانت ثَمة بقعةٌ أرجوانيةٌ صغيرة على ظهر أحد أصابعها، مكان خاتم كبير كانت ترتديه.

قالت بصوتٍ مُنخفض: «هذا الرجل غير مسئول. لقد استأجرته. لي … لي صديقٌ اعتاد أن يُساعده، وأتى إلى المنزل في إحدى الليالي الأسبوع الماضي، وطلبت منه أن يقوم بهذا لي. هذه هي الحقيقة.»

«هل طلبت منه أن يسطو على منزلي؟»

أومأت الفتاة: «أرجو أن تتركه يرحل. يمكنني أن أتحدَّث إليك عندئذٍ، وأشعر بمزيد من الارتياح. هذا ليس ذنبه حقًّا. أنا المسئولة عن كل ما حدث.»

سحب ليون درج طاولة كتابة صغيرة، وأخرج ورقة ولوح التحبير. وضعهما أمام رفيق الفتاة ذي الوجه غير الحليق.

«ضع إصبعك وإبهامك على اللوح واضغط عليهما.»

«لماذا؟» كان صوت الرجل أجشَّ ومُتشككًا.

«أريد بصمات أصابعك حال اضطررت لتعقُّبك. هوِّن على نفسك!»

أطاع اللص الأمر على مضض؛ ومن ثَم طبع بصمات اليدين واحدةً تلو الأخرى. تفحَّص ليون البصمات على الورقة ورضي بذلك.

«سِرْ في هذا الاتجاه.»

ودفع الضيف إلى الباب المُطل على الشارع، وفتحه له ثم خرج وراءه.

قال: «لا يجب أن تحمل مسدسًا.» ولما كان يتحدث اندفع بقبضته نحو وجهه، وأمسك الرجل من تحت فكه، وخرَّ الرجل على الأرض.

نهض وهو يئن.

قال مُنتحبًا: «هي التي جرَّتني إلى ارتكاب هذا الفعل.»

قال ليون بمرح: «ثم أعطتك أجرك لكمةً في وجهك.» ثم أغلق الباب خلف الرجل الذي كان يُطلِق على نفسه اسمًا ليس به أي خيال: جون سميث.

لما رجع إلى غرفة الطعام وجد الفتاة قد وضعت عنها المعطف الثقيل الذي كانت ترتديه، وتتكئ على الكرسي شاحبةَ الوجه بعض الشيء، إلا أنها كانت هادئة تمامًا.

«هل ذهب؟ إنني سعيدة للغاية! ضربته، أليس كذلك؟ أظن أنني سمعتك. ما الذي تظنُّه عني؟»

قال ليون: «ما كنت لأفوِّت الليلة ولو بألف جنيه!» وكان صادقًا في ذلك.

لم تبتسم لأكثر من جزء من الثانية.

سألت بصوتٍ هادئ: «في رأيك، لماذا فعلتُ هذا الشيء المجنون الأحمق؟» هزَّ ليون رأسه.

«هذا بالضبط ما لا أستطيع التفكير فيه. ليس تحت يدنا قضيةٌ بالغة الأهمية، وجميع المستنَدات السرية التي تظهر في كل القصص المُثيرة منعدمة تمامًا. لا يسعني سوى الاعتقاد بأننا قسَونا على صديق لك، أو حبيب أو أب أو أخ.»

رأى شبح ابتسامة يظهر ويختفي.

«لا، الأمر لا يتعلَّق بالانتقام. لم تتسبَّبوا في أي أذًى لي، سواء بطريقةٍ مباشرة أو غير مباشرة. ولا توجد مستنَداتٌ سرية.»

«إذن القضية ليست قضية انتقام ولا قضية سطو. أعترف بهزيمتي!»

عندئذٍ ارتسمت ابتسامةٌ مُبهجة ورائعة على شفتَي ليون، وفي هذه المرة ابتسمت هي دون تحفُّظ.

قالت: «أعتقد أنه من الأفضل أن أخبرك بكل شيء، والأفضل أن أبدأ بأن أخبرك بأن اسمي لويس مارتن، أبي هو السيد تشارلز مارتن ويعمل جرَّاحًا، كما أنني سأتزوَّج من الميجور جون روتلاند من شرطة كيب في غضون ثلاثة أسابيع؛ وهذا هو السبب في سطوي على منزلك.»

كان ليون مُستمتعًا.

سأل بقدرٍ طفيف من السخرية: «هل كنت تبحثين عن هدية للزواج؟»

تفاجأ لما أومأت.

قالت: «هذا ما أتى بي إلى هنا. كنت سخيفة للغاية. لو كنت أعرفك جيدًا لأتيت إليك وطلبتها منك.»

لم تحوِّل عينيها عن ليون.

سأل: «حسنًا، ما هذه الهدية المُثيرة للاهتمام؟»

تحدَّثت ببطءٍ بالغ.

«سوار من الذهب وبه شارة بيانات لجندي.»

لم يتفاجأ ليون إلا من صراحة حديثها. دوَّن الأسماء التي ذكرتها له، ثم قال مُكررًا: «سوار ذهبي مملوك ﻟ…»

تردَّدت.

«أظن أنك يجب أن تعرف القصة كاملةً؛ فأنا بين يديك.»

أومأ ليون.

قال مسرورًا: «ما بين يديَّ كثير جدًّا. أظن لو أنك أخبرتني الآن فلن تشعري بالانزعاج الذي ستشعرين به عند شرح المسألة لمأمور شرطة.»

كان ليون هو اللطف ذاته، ولكنها — كشأن باقي النساء — استطاعت اكتشاف صلابة في نبرته جعلتها تخاف قليلًا.

قالت: «لا يعرف الميجور روتلاند شيئًا عن مجيئي إلى هنا. سيُصاب بالذعر إن علِم بإقدامي على هذه المخاطرة.»

تردَّدت في البداية، ولكنها أخبرته كيف قُتِل شقيقها الأكبر أثناء الحرب في أفريقيا.

قالت: «هكذا جاءت معرفتي بجاك. لقد كان في الصحراء هو الآخر. راسَلني منذ عامين من باريس وقال إن لديه بعض الأوراق تخصُّ فرانك المسكين. لقد أخذها من … من جسده بعدما قُتِل. بالطبع طلب منه أبي أن يحضر إلينا، وأصبحنا صديقَيْن حميمَيْن على الرغم من أن أبي لم يكن مُتحمسًا ﻟ… لزواجنا.»

ظلَّت صامتةً قليلًا ثم تابعت بسرعة:

«لا يرغب أبي في زواجنا على الإطلاق، والحقيقة أن مسألة زواجنا الوشيك هي سر. كما ترى يا سيد جونزاليس، أنا امرأةٌ ثرية نسبيًّا؛ فقد تركت لي أمي مبلغًا كبيرًا من المال، وسيصبح جون هو الآخر ثريًّا. خلال فترة سجنه في أثناء الحرب، اكتشف موقع منجم ذهب كبير في سوريا، وهذا هو فحوى النقش. لقد أنقذ جون رجلًا عربيًّا من الموت، ولكي يردَّ له الجميل كشف له عن مكان المنجم، وكل هذه المعلومات منقوشةٌ على شارةٍ ذهبيةٍ صغيرة باللغة العربية. فقد جون هذه الشارة في نهاية الحرب، ولم يسمع أي خبر عنها حتى قرأ في جريدة «إيفينينج هيرالد» عن اكتشافك. من الطبيعي أن ينزعج جون المسكين بشدةٍ من فكرة أن شخصًا ما قد يسبقه إلى هذه الثروة لو فكَّ شفرة هذه الشارة؛ ومن ثَم اقترحت عليه أن يذهب إليك ويراك ويطلب منك أن تُعيد إليه السوار، لكنه لم يستمع لي. بدلًا من ذلك تصاعَد قلقه وضيقه وتوتره أكثر وأكثر، وفي النهاية فكَّرت في هذه الخطة المجنونة. جاك لديه الكثير من المعارف من أوساط المُجرمين، وبحكم عمله ضابط شرطة، من الطبيعي تمامًا أن يعرف كيف يتعامل معهم، وقد فعل الكثير كي يساعدهم على الاستقامة. هذا الرجل الذي جاء إليك الليلة كان واحدًا منهم. أنا من قابلته، واقترحت فكرة اقتحام المنزل وأخذ السوار. علِمنا أنك تحتفظ به تحت سريرك.»

«هل أنت متأكدة من أنك من فكَّر في عملية السطو هذه وليس الميجور جون روتلاند؟»

تردَّدت مرةً أخرى.

«أظن أنه اقترح مازحًا ضرورة السطو على المنزل.»

سأل ليون بلطف: «وأنك من يجب أن تنفِّذي عملية السطو؟»

تحاشت النظر في عينيه.

«مازحًا، نعم. قال إن أحدًا لن يؤذيني، وإن بإمكاني دائمًا ادعاء أنها كانت مجرد مزحة. أعلم أنها كانت فكرةً حمقاء للغاية يا سيد جونزاليس، ولو علِم والدي …»

قال ليون بأسلوبٍ فظ: «بالضبط. لست بحاجة لأن تُخبريني بالمزيد، عن عملية السطو. كم تمتلكين من المال في البنك؟»

نظرت إليه في دهشة.

قالت: «أربعين ألف جنيه إسترليني تقريبًا. بِعت الكثير من السندات المالية مؤخرًا؛ فلم تكن تُدرُّ أرباحًا كثيرة.»

ابتسم ليون.

«وسمعت عن استثمارٍ أفضل، أليس كذلك؟»

كانت سريعة في استيعاب ما يرمي إليه.

قالت بهدوء: «أنت مُخطئ تمامًا يا سيد جونزاليس. لا يسمح لي جون بوضع أكثر من ألف جنيه في اتحاد مُمولي اكتشافه؛ فهو ليس متأكدًا إن كان سيحتاج إلى ألف أم إلى ثمانمائة جنيه إسترليني. لن يدعني أستثمر قرشًا إضافيًّا. إنه ذاهب إلى باريس ليلة الغد كي يضع أقدام هؤلاء الأشخاص على الطريق لبدء رحلة الاستكشاف، ثم سيعود كي نتزوج ونتبعهم.»

نظر إليها ليون مفكرًا.

«ليلة الغد، هل تقصدين الليلة؟»

نظرت إلى الساعة بسرعة وضحكت.

«بالطبع، الليلة.»

ثم انحنت على الطاولة وتحدَّثت بجدية.

«سيد جونزاليس، سمعت الكثير عنك وعن أصدقائك، وأنا متأكدةٌ من أنكم لن تُفشوا سرنا. لو كان لديَّ أي حكمة لأتيت إليك البارحة وطلبت منك الشارة، بل كنت على استعداد لدفع مبلغ كبير من المال كي أخلِّص جون من قلقه. هل تأخَّر الوقت الآن؟»

أومأ ليون: «تأخَّر كثيرًا. إنني أحتفظ بها كتذكار. لقد أخبرك الرجل الجريء الذي كتب تلك الفقرة بأنها جزء من مجموعة قصصي، وأنا لا أفرط أبدًا في تلك القصص. بالمناسبة، متى ستُعطينه الشيك؟»

ارتعشت شفتاها عند سماعها ذلك.

«أما زِلت تظن أن جون مُحتالٌ شرير؟ لقد أعطيته الشيك أمس.»

«ألف أم ثمانمائة جنيه؟»

قالت: «هو من سيقرِّر هذا الأمر.»

أومأ ليون ونهض.

«لن أُزعجك أكثر من ذلك. من الواضح أن السطو ليس تخصُّصكِ يا آنسة مارتن، وأنصحكِ بأن تتجنَّبي هذه المهنة في المستقبل.»

قالت مبتسمةً: «لن تزجَّ بي إلى السجن، أليس كذلك؟»

قال ليون: «ليس بعد.»

فتح لها الباب ووقف يُراقبها مرتديًا الروب. رآها تعبر الطريق إلى موقف سيارات الأجرة، وأخذت آخر مركبة متاحة، ثم أغلق الباب وعاد إلى سريره.

أيقظه المنبِّه في الساعة السابعة؛ ومن ثَم نهض مُبتهجًا وأمامه عمله الذي يستهوي قلبه. في الصباح ذهب إلى شركة للسياحة، واشترى تذكرة إلى باريس؛ فقد بدا له أنه سيُهدر الوقت لو ذهب إلى مكتب المفوِّض السامي لجنوب أفريقيا واطَّلع على السجلات المتاحة لشرطة كيب، ولكنه كان رجلًا دقيقًا يقظ الضمير. بعد الظهيرة ظلَّ يتسكع بالقرب من بنك نورثرن آند ساوذرن في شارع ثريدنيدل. وفي الساعة الثالثة إلا الربع حظي بثمار مراقَبته للمكان؛ إذ رأى الميجور جون روتلاند يترجَّل من سيارة أجرة ويدلف إلى البنك، ويخرج قبل دقائق من غلق الأبواب الكبيرة. بدا الميجور سعيدًا جدًّا بنفسه؛ فهو رجلٌ وسيم ونحيف إلى حدٍّ ما، وله شاربٌ عسكري قصير.

عاد مانفريد بعد الظهيرة، ولكن لم يُخبره ليون شيئًا عن عملية السطو. صعِد بعد العشاء إلى غرفته الخاصة، وأخذ من الدرج مسدسًا أوتوماتيكيًّا، ووضع فيه بضع قطرات من الزيت، ووضعه في جِرابه وحشاه بالطلقات بحرص. ومن صندوقٍ صغيرٍ أخذ كاتمًا للصوت وثبَّته في الفوهة. وضع المسدس في جيب معطفه، وأخذ حقيبته ونزل. كان جورج يقف في المدخل.

«هل ستخرج يا ليون؟»

قال ليون: «سأغيب ليومين.» فتح له مانفريد الباب دون طرح أي أسئلة كعادته.

كان ليون مُنزويًا في أحد أركان عربة قطار من الدرجة الأولى حين رأى الميجور روتلاند والفتاة يمرَّان، وكان خلفهما شخصٌ ثالث غير مرغوب فيه؛ كان رجلًا طويل القامة نحيف الوجه ذا شعر رمادي، وكان واضحًا أنه الجرَّاح. رآهما ليون من زاوية عينه، ولما تحرَّك القطار لمح الفتاة تلوِّح بيدها لحبيبها المسافر.

كانت ليلةً مُظلِمةً عاصفة؛ فقد أنذرت نشرة الأحوال الجوية المدونة بطبشور على لوحة في محطة السكة الحديد برحلةٍ غير سارَّة، وعندما استقلَّ السفينة في منتصف الليل وجدها تتمايل على صفحة الماء في اضطراب، حتى في مياه المرفأ الهادئة نسبيًّا.

اطَّلع سريعًا على القائمة لدى محاسب السفينة. أخذ الرائد روتلاند كابينة، وبعد أن بدأت السفينة في التحرك خارج الميناء حدَّد مكانها. كانت الكابينة الخلفية الفاخرة، ولم تكن جميلة لأن السفينة كانت قديمة.

انتظر حتى أتى مساعد المحاسب كي يأخذ تذكرته، ثم قال: «أخشى أنني فقدت تذكرتي.» ومن ثَم دفع ثمن التذكرة.

كانت التذكرة من دوفر إلى كاليه في جيبه، ولكن الميجور روتلاند لم يستقلَّ السفينة المتَّجِهة إلى كاليه، بل المتَّجِهة إلى أوستند. شاهَد مساعد المحاسب يذهب إلى الكابينة الفاخرة ونظر عبر النافذة بإمعان. كان الميجور مُضطجعًا على أريكة وقد أنزل قبعته على عينيه.

بعدما أخذ مساعد المحاسب التذكرة وغادَر، انتظر ليون نصف ساعة أخرى، ثم رأى الظلام يعمُّ الكابينة. تجوَّل حول السفينة، ورأى آخر ضوء لإنجلترا مُتلألئًا في الأفق الجنوبي الغربي. لم يكن ثَمة ركاب على سطح السفينة؛ فقد نزلت القلة التي تحملها السفينة إلى قعرها؛ إذ كانت تتمايل وتتخبَّط بين الأمواج بقوةٍ رهيبة. مرَّت ربع ساعة أخرى، ثم أدار ليون مقبض باب الكابينة الفاخرة، ودلف إلى الداخل، وتجوَّل بضوء كشَّافه الصغير في أرجاء الغرفة. من الواضح أن الميجور لم يُسافر بكمٍّ كبير من الأمتعة؛ فلم يكن بالغرفة سوى حقيبتين صغيرتين ولا شيء آخر.

أخذ ليون هاتين الحقيبتين إلى سطح السفينة، وسار نحو سور السفينة وقذفهما في الماء، ولاقت قبعة الرجل المصير ذاته. أعاد الكشَّاف إلى جيبه، ولما عاد إلى الكابينة للمرة الثانية هزَّ النائم برفق.

قال بصوتٍ أعلى من صوت الهمس قليلًا: «أريد أن أتحدَّث معك يا كونور.»

استيقظ الرجل على الفور. «من أنت؟»

«تعالَ إلى الخارج، أريد التحدث معك.»

تبعه «الميجور روتلاند» إلى سطح السفينة المُظلِم.

سأل: «إلى أين أنت ذاهب؟»

كانت مؤخرة السفينة محجوزةً لركاب الدرجة الثانية، وكان هذا الجزء مهجورًا أيضًا. اتَّجها إلى سور السفينة أعلى مؤخرة السفينة. كانا في ظلامٍ دامس.

«هل تعرف من أنا؟»

أتاه الرد في هدوء: «ليست لديَّ أدنى فكرة.»

قال ليون: «اسمي جونزاليس. اسمك بالطبع هو يوجين كونور، أو بيرجستوفت. في وقتٍ ما كنت ضابطًا في …» وذكر اسم الكتيبة، «في الصحراء، توجَّهت إلى العدو بترتيباتٍ نظَّمتها وكالة في القاهرة. أُعلنَ عن مَقتلك، لكنك في الواقع وُظِّفت جاسوسًا من قِبل العدو لصالحه. كنت مسئولًا عن الكارثة التي وقعت في المسجد. لا تُحاول أن تسحب هذا السلاح وإلا فستكون نهاية حياتك.»

قال الرجل وهو يلهث قليلًا: «حسنًا، ماذا تريد؟»

«أول شيء أريده هو المال الذي سحبته من البنك بعد ظهر اليوم. أعلم أن الآنسة مارتن أعطتك شيكًا على بياض، وأعلم يقينًا أنك ملأت هذا الشيك برصيدها كاملًا مِثلما ستكتشف في صباح الغد.»

ضحك كونور بغلظة وقال: «سرقة بالإكراه، أليس كذلك؟»

قال ليون بصوتٍ خافت للغاية: «المال، وبسرعة!»

استشعر كونور طرف المسدس في بطنه؛ ومن ثَم أطاع الأمر. أخذ ليون رزمة الأوراق السميكة من الرجل ووضعها في جيبه.

قال كونور: «أظن يا سيد ليون جونزاليس أنك ستُقحِم نفسك في مشاكل في غاية الخطورة. اعتقدت أنك على الأرجح ستفكُّ رمز …»

ليون: «لقد حللْتُ الشفرة دون أي متاعب على الإطلاق، إذا كنت تقصد الشارة الذهبية. تقول الشفرة إن «كونور الإنجليزي مسموح له بالدخول إلى خطوطنا في أي وقت من النهار أو الليل، ويُمنَح أي مساعدة يحتاج إليها.» وكانت الرسالة موقَّعة من قائد الجيش الثالث. نعم، أعرف كل شيء عن هذا الأمر.»

قال الرجل: «عندما أعود إلى إنجلترا …»

«أنت لا تنوي العودة إلى إنجلترا؛ فأنت مُتزوج. تزوَّجت في دبلن، وربما لا تكون هذه هي المرة الأولى التي تعدِّد فيها الزوجات. كم المبلغ الموجود هنا؟»

«ثلاثون أو أربعون ألف جنيه؛ لا داعي للاعتقاد بأن الآنسة مارتن سوف ترفع ضدي قضية.»

قال ليون بصوتٍ مُنخفض: «لن يرفع أحدٌ قضيةً ضدك.»

ألقى نظرةً سريعة من حوله ووجد سطح السفينة خاويًا.

«أنت خائن لبلدك، هذا إن كان لك بلد؛ رجلٌ أرسل آلاف الرجال كانوا رفاقه يومًا ما إلى حتفهم. هذه حقيقتك كاملةً.»

كانت هناك شعلةٌ من لهب في يده أسقطها في الماء! انزلقت ركبتا كونور تحته، ولكن قبل أن ينزل على الأرض أمسكه ليون جونزاليس من تحت ذراعيه، ورمى المسدس في الماء، ورفع الرجل دون أي جهد، وقذفه في البحر المُظلِم.

لما أصبح مرفأ أوستند في مرمى البصر، وذهب خادم السفينة كي يأخذ أمتعة الرائد روتلاند، لم يجد الأمتعة ولا صاحبها. غالبًا ما يكون الركاب بخلاء، ويحملون أمتعتهم الخاصة إلى سطح السفينة كي يوفِّروا أجرة حملها. هزَّ الخادم كتفيه ولم يفكر في الأمر كثيرًا.

أما ليون جونزاليس، فقد مكث في بروكسل يومًا واحدًا، وأرسل المبلغ الذي كانت قيمته ٣٤٠٠٠ جنيه إسترليني نقدًا دون تعليق إلى الآنسة لويس مارتن، وأخذ القطار المتَّجِه إلى كاليه، وعاد إلى لندن في تلك الليلة. نظر مانفريد لما دخل صديقه إلى غرفة المائدة.

سأله: «هل استمتعت بوقتك يا ليون؟»

ليون: «أيَّما استمتاع.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤