الفصل السادس

الشيك ذو العلامات

لا يوجد سجل بسابق نشرها تحت هذا العنوان.

***

كان الرجل الذي حضر إلى المنزل الصغير في شارع كيرزون غاضبًا ومُتلهفًا لقول شيء من شأنه أن يؤذي مخدومه الراحل.

كان للرجل أيضًا شكوى شخصية ضد السيد جينس، كبير الخدم.

قال: «وظَّفني السيد ستورن خادمًا ثانيًا لديه، وبدت الوظيفة جيدة، ولكني لم أتكيَّف مع باقي العاملين، ولكن هل كان من العدل أن أُطرَد من دون سابق إنذار لمجرد أنني تفوَّهت بكلمة باللغة العربية؟»

سأل ليون جونزاليس مُتفاجئًا: «باللغة العربية؟ هل تتحدث العربية؟»

ابتسم تانلي الخادم المفصول.

«حوالَي عشر كلمات؛ كنت في الجيش في مصر بعد الحرب، والتقطت بضع عبارات. كنت ألمِّع الفضة في الردهة، وتصادف أن قلت «هذا جيد» بالعربية، وسمعت صوت السيد ستورن خلفي.

وجدته يقول: «أنت مطرود.» وقبل أن أعرف ما الذي حدث، وجدت نفسي خارج المنزل ومعي راتب شهر.»

أومأ جونزاليس.

قال: «أمرٌ مُثير للاهتمام للغاية، ولكن لماذا أتيت إلينا؟»

كان قد طرح السؤال ذاته مراتٍ عديدةً على أشخاصٍ تافهين جاءوا إلى مقر وكالة سيلفر تريانجل، بشكاواهم التافهة.

قال الرجل بغموض: «لأن ثَمة لغزًا في المسألة.» ربما كان قد هدأ الآن قليلًا، وكان ينتابه شعور بعدم الارتياح وقتئذٍ. «لماذا طردني بسبب تفوُّهي بكلمةٍ عربية؟ وما معنى الصورة التي في غرفة ستورن الخاصة؛ صورة الرجال المعلَّقين على المشنقة؟»

اعتدل ليون في جلسته. «رجال معلقون على المشنقة؟ ما هذا؟»

«إنها صورةٌ فوتوغرافية. لا يمكنك إخراجها؛ لأنها موضوعة داخل الإطار، ويجب أن تفتح أحد جوانب الإطار، ولكني دخلت في أحد الأيام وكان قد ترك لوح البرواز مُواربًا. ثلاثة رجال معلقين على مشنقة من نوعٍ ما، ومن حولهم أتراكٌ كُثُر ينظرون إليهم. شيءٌ غريب أن يمتلك رجلٌ مثل هذه اللوحة في بيته.»

التزم ليون الصمت لوهلة.

«هذه ليست جريمة على حد علمي، ولكنه أمرٌ غريب بالتأكيد. هل هناك ما يمكنني فعله لك؟»

لم يكن يوجد شيء على ما يبدو، وغادر الرجل وهو خجلٌ بعض الشيء، ونقل ليون الأخبار لشريكه. وتذكَّر فيما بعدُ أنه لم يسمع شيئًا عن شكوى الرجل ضد كبير الخدم.

«الشيء الوحيد الذي عرفته عن ستورن هو أنه بخيل بدرجةٍ غير عادية، وأنه يُدير منزله في بارك لين بأقل عدد ممكن من الخدم، ويدفع لهم أقل رواتب ممكنة. إنه من أصلٍ أرميني، وجمع ثروته من حقول البترول التي استولى عليها بطُرقٍ مشبوهة إلى حدٍّ كبير.

أما بالنسبة إلى الثلاثة المعلقين على المشنقة، فهذا أمرٌ مروِّع، ولكن قد يكون به ما هو أسوأ. لقد رأيت صورًا فوتوغرافية في منزل الثري الكسول تجعل شعر رأسك يقف من الرعب يا عزيزي بويكارت. على أي حال، فالاهتمام المرَضي لدى المليونير بإعدام رجل تركي ليس شيئًا استثنائيًّا.»

قال مانفريد: «لو كنت أرمينيًّا لباتت هذه هوايتي الرئيسة، ولكان لديَّ مَعرِضٌ كامل لتلك الصور!»

وإلى هنا انتهت قصة المليونير المهووس الذي يعيش عيشة تقتير ويبخس خدمه أجورهم.

في بداية أبريل، قرأ ليون في الجريدة أن السيد ستورن غادَر إلى مصر لقضاء عطلة قصيرة.

في كل مناسبة، كان فرديناند ستورن صديقًا مرغوبًا فيه؛ فقد كان رجلًا فاحش الثراء، وكان ذا جاذبية على المستوى الشخصي بأنفه الطويل الداكن، كما كان يستطيع التحدث في الفن والشئون المالية ببراعةٍ مُتساوية لأولئك الذين كانوا يُقابلونه ويرونه عن قرب، وكان هؤلاء قلة. وبحسب ما كان معروفًا لم يكن له خصوم. كان يعيش في بيرسون هاوس، ببارك لين، وهو مَسكنٌ صغيرٌ جميل اشتراه من المالك، لورد بيرسون، مقابل ١٥٠٠٠٠ جنيه إسترليني. كان يقضي معظم وقته إما هناك وإما في فيلفري بارك، منزله الريفي الجميل الكائن في ساسيكس. كان مقر اتحاد شركات النفط الفارسي والشرقي — الذي كان يرأسه — في مبنًى رائع في شارع مورجيت، واعتاد أن يُوجَد فيه من الساعة العاشرة صباحًا إلى الساعة الثالثة بعد الظهر.

على الرغم من وجود مجلس إدارة للاتحاد كان يُدار على نحوٍ أحادي، وكان يُدير أعمال المصرفيين، من بين أشياء أخرى. استحوذ ستورن على غالبية الأسهم، وكان من المفترض — كما شاع — أنها تدرُّ عليه دخلًا يبلغ حوالَي ربع مليون في السنة. حظي بقليل من الأصدقاء الشخصيين ولم يسبق له الزواج.

بعدما اطَّلع ليون على هذه الأخبار بشهر، توقَّفت سيارةٌ كبيرة عند باب وكالة تريانجل، ونزل منها رجلٌ قوي البنية، وتبدو عليه مظاهر الثراء، ودق الجرس. لم يكن معروفًا لليون، الذي تحاوَر معه، وبدا مُترددًا في الكشف عن عمله؛ لأنه كان يُراوغ في الحديث ويطرح أسئلة، حتى سأله ليون، بعدما نفد صبره، سؤالًا مباشرًا عن هُويته وهدفه من الزيارة.

قال الرجل القوي البنية: «سأخبرك يا سيد جونزاليس. أنا المدير العام لاتحاد النفط الفارسي.»

سأل ليون وقد أُثيرَ اهتمامه: «شركة ستورن؟»

«شركة ستورن. أظن أنني يجب أن أذهب بشكوكي إلى الشرطة، ولكنَّ لي صديقًا يؤمن كثيرًا بقدراتك وبمن يُسميهم رجال العدالة الثلاثة؛ ما دفعني للاعتقاد بأن من الأفضل أن ألتقيك أولًا.»

ليون: «هل الأمر متعلِّق بالسيد ستورن؟»

أومأ السيد، الذي تبيَّن أنه السيد هوبرت جري، المدير العام للاتحاد.

«كما ترى يا سيد جونزاليس، فأنا في منصبٍ مرموق. السيد ستورن رجلٌ صعب للغاية، وسأفقد وظيفتي إذا تسبَّبت في وضعه في موقفٍ سخيف.»

سأله ليون: «إنه بالخارج، أليس كذلك؟»

وافَقه الآخر في رصانة وجدية: «نعم، إنه خارج البلاد. في الحقيقة، لقد غادَر البلاد على نحوٍ غير متوقَّع تمامًا؛ بمعنى أن الشركة لم تتوقَّع سفره هذا. في واقع الأمر، لقد كان سيعقد اجتماعًا مهمًّا مع مجلس الإدارة في اليوم الذي سافر فيه، ولكني تلقَّيت خطابًا منه في الصباح يقول فيه إنه اضطرَّ إلى الذهاب إلى مصر في مسألةٍ تمسُّ شرفه الشخصي. طلب مني ألَّا أتواصل معه، أو حتى أعلن مغادرته لندن. ولكن لسوء الحظ أن أحد المساعدين لديَّ، بحماقةٍ شديدة، أخبر صحفيًّا حضر في ذلك اليوم بأن السيد ستورن قد غادَر.

بعد أسبوع من مغادرته، أرسل لنا خطابًا من فندق في روما مُرفَقًا به شيك بقيمة ثلاثة وثمانين ألف جنيه، ووجَّه بسداد هذا الشيك بمجرد حضور رجل ما، والذي جاء بالفعل في اليوم التالي.»

سأل ليون: «رجلٌ إنجليزي؟»

هزَّ السيد جري رأسه. «لا، كان أجنبيًّا؛ كان رجلًا ذا بشرةٍ سمراء. وقد دُفع المال له.

بعد بضعة أيام، تلقَّينا خطابًا آخر من السيد ستورن مرسَلًا من فندق دي روسي، في روما. أخبرنا في هذا الخطاب أن شيكًا آخر أُرسلَ إلى السيد كرامان وينبغي سداده. كانت قيمة هذا الشيك مائة وسبعة آلاف جنيه وبضعة شلنات. وأعطانا تعليمات بشأن كيفية دفع المبلغ، وطلب منا إرسال برقية له على فندق في الإسكندرية لحظةَ صرف الشيك. وهذا ما فعلته. في اليوم التالي مباشرة، ورد خطابٌ آخر مرسَل من فندق ميديترانيو في نابولي — سأُطلِعك على نُسخٍ من كل هذه الخطابات — يُخبرنا فيه بصرف شيك ثالث من دون تأخير، ولكن لرجلٍ مختلف يُدعى السيد ريزيو، والذي من المقرَّر أن يأتي إلى المكتب. كان هذا الشيك بمبلغ مائة واثنَي عشر ألف جنيه، وهو ما استنفد الرصيد النقدي للسيد ستورن تقريبًا، على الرغم من امتلاكه أرصدةً ضخمة في البنك بالطبع. يمكنني القول إن السيد ستورن رجلٌ غريب الأطوار في مسألة الودائع الاحتياطية الضخمة؛ فهو لا يجمد سوى قدر قليل من أمواله في صورة أسهم. انظر هنا.» وأخرج محفظة جيب من جيبه وأخرج منها شيكًا: «لقد دُفعت هذه الأموال، ولكني أحضرت الشيك كي تطَّلع عليه.»

أخذه ليون في يده. كان مكتوبًا بخطٍّ مميز، وتفحَّص التوقيع.

«ألا يوجد أي شك في أن يكون هذا الشيك مزوَّرًا؟»

قال جري مؤكدًا: «لا يوجد أدنى شك. والخطاب أيضًا مكتوب بخط يده، ولكن ما يحيِّرني في أمر الشيك هو العلامات الغريبة التي على ظهره.»

لم يتمكن ليون من التعرف على تلك العلامات حتى أخذ الشيك إلى النافذة، وحينئذٍ رأى صفًّا من علاماتٍ باهتة بقلم رصاص بطول الجزء السفلي من الشيك.

سأل ليون: «أعتقد أنه لا يمكنني الاحتفاظ بهذا الشيك لمدة يوم أو يومين، أليس كذلك؟»

«بالتأكيد، كما ترى، صار التوقيع مُلغًى وتم صرف المبلغ.»

تفحَّص ليون الشيك مرةً أخرى. حُرِّر الشيك على بنك النفط العثماني، الذي كان فيما يبدو منشأةً خاصةً مملوكة لشركة ستورن.

سأل: «ما الذي حدث في اعتقادك؟»

«لا أعرف، ولكني قلِق.»

تبيَّن كم هذا القلق في تقطيبة وجه جري المُضطربة.

«لا أعرف سببًا لهذا القلق، ولكنَّ بداخلي شعورًا غير مُريح بأن ثَمة احتيالًا في الأمر.»

«هل أرسلت برقية إلى الإسكندرية؟»

ابتسم السيد جري: «بالطبع، وتلقَّيت ردًّا. خطر لي أنه ربما كان لك وكلاء في مصر، وهو ما قد يسهِّل عليك اكتشاف ما إذا كانت هناك أي مشكلة. أهمُّ ما في الأمر أنني لا أرغب في أن يعرف السيد ستورن أنني كنت أُجري تحريات بخصوص هذه المسألة. سأتكفَّل بأي تكاليف معقولة تتكبَّدها، وأنا متأكد تمامًا من أن السيد ستورن سيُقرُّ بأنني قد فعلت الصواب.»

بعد مغادرة الضيف تحاوَر ليون مع مانفريد.

قال جورج بصوتٍ منخفض: «بالطبع قد تكون قضية ابتزاز، ولكن سيكون عليك البدء من بدايات شركة ستورن إذا كنت تريد حل أي لغز في هذه القضية.»

قال جونزاليس: «أعتقد ذلك.» وخرج من المنزل بعد بضع دقائق.

لم يعُد حتى منتصف الليل، وعاد بكمٍّ هائل من المعلومات عن السيد ستورن.

«منذ ما يقرب من اثنتَي عشرة سنة، كان موظفًا في شركة «توركو تليجراف». إنه يتحدث ثماني لغات شرقية، وكان ذائع الصيت في إسطنبول. هل تُخبرك هذه المعلومات بشيء يا جورج؟»

هزَّ مانفريد رأسه.

«لا تُخبرني بأي شيء حتى الآن، ولكني أنتظر الإثارة.»

«لقد امتزج مع الحشد الثوري — الأتباع الذين أمسكوا بزمام الأمور في عهد السلطان عبد الحميد — ولا شك في أنه حصل على امتيازه من خلال هؤلاء الأشخاص.»

سأل مانفريد: «أي امتياز؟»

«قِطعٌ كبيرة من الأراضي النفطية. عندما تولَّت الحكومة الجديدة السلطة صِيغت عقود الامتياز، على الرغم من أنني أشكُّ في أن صديقنا قد دفع مبالغ باهظة للحصول على هذا الامتياز، ولكن شركاءه الخمسة كانوا أقل حظًّا. اتُّهم ثلاثة منهم بخيانة الحكومة، وحُكِم عليهم بالإعدام شنقًا.»

أومأ مانفريد: «الصورة الفوتوغرافية. ما الذي حدث مع الاثنين الآخرين؟»

«كان الاثنان الآخران إيطاليين، وحُكِم عليهما بالسجن مدى الحياة في آسيا الصغرى. عندما جاء ستورن إلى لندن، جاء بصفته المالك الوحيد للامتياز، الذي طرح أسهمه للاكتتاب محقِّقًا من وراء ذلك أرباحًا بقيمة ثلاثة ملايين جنيه إسترليني.»

غادر ليون المنزل في وقتٍ مبكر من صباح اليوم التالي، وفي الساعة العاشرة كان يدقُّ جرس الباب لمنزل بيرسون.

نظر إليه كبير الخدم ذو اللُّغد الغليظ بارتياب، إلا أنه أظهر له الاحترام.

«السيد ستورن بالخارج، ولن يعود قبل بضعة أسابيع يا سيدي.»

سأل ليون بأسلوبه الدمث: «هل يمكنني مقابلة سكرتيرة السيد ستورن؟»

«السيد ستورن لا يعيِّن أي سكرتيرة له في منزله؛ ستجد السيدة الشابَّة في مقر اتحاد النفط الفارسي.»

أدخل ليون يده في جيبه وأخرج بطاقة.

قال: «أنا واحد من سكان بيرسون، وفي الحقيقة وُلِد والدي هنا. عندما كنت في لندن منذ بضعة أشهر سألت السيد ستورن إن كان يسمح لي بتفقُّد المنزل.»

تضمَّنت البطاقة سطرًا مكتوبًا من دون عناية، وموقَّعًا باسم «فرديناند ستورن»، ويُعطي الإذن لحاملها بأن يرى المنزل في أي ساعة «عندما أكون خارج المدينة». لقد استغرق منه الأمر أكثر من نصف ساعة كي يزوِّر هذا التصريح.

قال كبير الخدم وهو يمنعه من الدخول: «لا يمكنني السماح لك بالدخول يا سيدي. أخبرني السيد ستورن ألا أسمح للغُرباء بالدخول.»

سأل ليون فجأةً: «في أي يوم نحن؟»

قال الرجل: «الخميس يا سيدي.»

أومأ ليون وقال: «اليوم العالمي للجبن.»

ارتبك الرجل لجزء من الثانية.

قال بنبرةٍ خشنة: «لا أعرف ما الذي تقصده يا سيدي.» وأغلق الباب في وجه الزائر.

طاف جونزاليس حول المنزل. كان قائمًا مع منزلٍ آخر على جزيرة.

عندما انتهى، ذهب إلى المنزل وهو مُبتهج ومُتحمس، وأعطى التعليمات لرايموند بويكارت الذي — من بين مؤهِّلاته الأخرى — كان لديه دائرةٌ واسعة من الأصدقاء المُجرمين. لم يكن يوجد عصابةٌ كبيرة في لندن إلا ويعرفها. كان على دراية بالحانة العامة في لندن حيث مُلتقى المُحتالين وسارقي الخزائن، كان يمكنه في أي لحظة التعرفُ على ما يدور في السجون، وربما كان أعلم بالأخبار السرية لعالم الجريمة من أي رجل في سكوتلاند يارد. أرسله ليون في مهمةٍ لجمع الأخبار، وفي حانةٍ عامةٍ صغيرة بعد مَمْشى لامبيث، علِم بويكارت بفاعل الخير المجهول الذي وجد وظيفة لثلاثة على الأقل من أصحاب السوابق.

كان ليون جالسًا بمفرده عندما عاد؛ إذ عكف على فحص العلامات الغريبة على ظهر الشيك باستخدام عدسة مكبِّرة قوية.

قبل أن يُدلي بويكارت بالأخبار التي لديه، مد ليون يده إلى دليل الهاتف.

لما توقَّف إصبعه عند إحدى الصفحات قال: «بالطبع ترك جري مكتبه، ولكن هذا عنوانه الخاص ما لم أكن مُخطئًا.» رد خادم على مكالمته. أجابه بأن السيد جري موجودٌ في المنزل. وبعد قليل، جاءه صوت المُدير العام.

«سيد جري، من الذي يصرف الشيكات التي تلقَّيتها من ستورن؟ أقصد من المسئول؟»

جاء الرد: «المُحاسِب.»

«أأنت من عيَّن المحاسب في وظيفته تلك؟»

توقَّف لبرهة.

«لا، السيد ستورن. كان يعمل في شركة إيسترن تليجراف، وقابله السيد ستورن بالخارج.»

سأل ليون بلهفة: «وأين يمكنني العثور على المحاسب؟»

«إنه في إجازته. غادَر قبل وصول الشيك الأخير، ولكن يمكنني الوصول إليه.»

ضحك ليون ضحكةً نابعة من بهجةٍ غامرة.

قال: «لا تشغل بالك. لقد علمت أنه ليس موجودًا في المكتب.» ثم أنهى المكالمة مع المُدير المُندهش.

«الآن، ماذا وجدت يا عزيزي بويكارت؟»

ظل مُنصتًا حتى انتهى صديقه، ثم قال: «لنذهب إلى بارك لين، وأحضِرْ مسدسًا معك. سنمرُّ بمقر سكوتلاند يارد في طريقنا.»

كانت الساعة العاشرة عندما فتح كبير الخدم الباب. وقبل أن يسأل عن شيء، أمسك محققٌ ضخم الجثة بتلابيبه وسحبه إلى الشارع.

اندفع الضباط الأربعة الذين رافقوا ليون في ملابس مدنية إلى الصالة. أُلقيَ القبض على خادمٍ ذي وجه عابس قبل أن يُطلِق أي صيحة إنذار. على سطح المنزل، في شقةٍ صغيرة بلا نوافذ كانت تُستخدم مخزنًا فيما مضى، وجدوا رجلًا هزيلًا ناحلًا، لدرجة أن مُديره العام، حين استُدعي على عجل إلى مسرح الأحداث، لم يستطع التعرف عليه بوصفه المليونير. لم يُبدِ الرجلان الإيطاليان اللذان كانا مكلَّفين بحراسته، وكانا يُراقبانه عبر ثقب في جدار غرفة مُجاورة، أي مقاوَمة.

كان أحدهما صريحًا جدًّا، وهو من زرع منزل بيرسون بالخدم من أصحاب السوابق بعناية وحرص.

قال: «هذا الرجل خاننا، وكان لا بد أن نعدمه شنقًا مثل حاتم أفندي والشيري وماروبولوس اليوناني، وما فعلنا شيئًا سوى أن رشَينا الشهود. كنا شركاء في حقول النفط، وكي يسرقنا لفَّق أدلةً بأننا كنا نتآمر ضد الحكومة. هربت أنا وصديقي من السجن وعُدنا إلى لندن. وقرَّرت أنه لا بد أن يدفع لنا الأموال التي يدين بها لنا، وأدركت أننا لن نتمكن من الحصول عليها برفع قضية أمام المحكمة.»

لما جلس ليون على مائدة العشاء في تلك الليلة، أوضح قائلًا: «كانت مسألةً غاية في البساطة، وأنا خجِلٌ من نفسي حقًّا لأنني لم أفهم تلك العلامات على ظهر الشيك من النظرة الأولى. صديقنا الإيطالي كان واحدًا من المجموعة التي حصلت على الامتياز. عاش سنوات في لندن وربما سيثبت أن له شُركاء في الجريمة. على أي حال، لم يُواجه صعوبة في جمع مجموعة من الخدم في المنزل، ويتصرف بناءً على معرفته بشخصية ستورن. عرض كل هؤلاء الرجال أن يعملوا لدى ستورن مقابل مبالغ يترفَّع الخادم العادي أن يقبل بها. استغرق الأمر ما يقرب من عامٍ كي يمتلئ منزل صاحبنا بأصحاب السوابق هؤلاء. تتذكر أن الخادم الذي جاءنا منذ بضعة أشهر قال إن ستورن نفسه هو من وظَّفه، وليس كبير الخدم. كانوا سينتهزون أول فرصة للتخلص منه. لم يفعل الرجل شيئًا سوى أن استخدم لفظًا عربيًّا من دون قصد، ولكن طرده ستورن شرَّ طِرْدة؛ إذ كان يتشكك في وجود جواسيس، وربما كان يتوقَّع عودة الرجال الذين خانهم.

في اليوم الذي كان من المفترض أن يُغادر فيه ستورن إلى مصر، أمسك به الإيطاليان وحبساه في غرفة، وأجبراه على كتابة تلك الخطابات والتوقيع على تلك الشيكات حسبما أملياه، ولكن في نهاية ذلك اليوم تذكَّر أن المُحاسب كان يعمل في شركة تلغراف؛ ومن ثَم كتب على ظهر الشيك رسالةً بشفرة مورس، بواسطة علامات بالقلم الرصاص، مُستخدمًا الرموز القديمة التي كانت تُستخدم وقت شيوع استخدام الآلة الكاتبة.»

أخرج من جيبه الشيك ووضعه على المائدة، ومرَّر إصبعه بطول علامات القلم الرصاص مُشيرًا إلى شفرة:
SOSPRSNRPRKLN.

«إنها تعني «سجين في بارك لين». كان المُحاسب في إجازته؛ ومن ثَم لم يقرأ الرسالة.»

أخذ مانفريد الشيك وقلَّبه وتفحَّصه.

سأل مُتهكمًا: «كم أتعابك التي سيُرسلها لك هذا المليونير؟»

لم تأتِ الإجابة حتى مرَّت بضعة أيام بعد المحاكَمة في أولد بايلي. وجاءت في هيئة شيك بقيمة خمسة جنيهات إنجليزية.

همهم ليون بإعجاب: «خداع حتى النهاية!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤