بداية المتاعب

عاد «تختخ» إلى «منزله» وأزال تنكره، فوجد أصدقاءه الأربعة في انتظاره، وبعد دقائق انضم إليهم «جلجل»، وأخذ «تختخ» يروي مغامرته في الجراج دون أن يدري «جلجل» شيئًا عما يتحدث عنه.

وبعد أن انتهى «تختخ» من روايته، طلب من «جلجل» أن يذهب في منتصف الليل إلى الطاحونة للبحث عن المسروقات، حتى يُمكن بعد ذلك القبض على العصابة.

عاد «جلجل» إلى منزله، وظل ساهرًا لا ينام حتى لا يُضيِّع الموعد، وكان النوم يغالبه فقرر أن يقضي الوقت في تأليف الشعر واقفًا كما نصحه «تختخ».

وفعلًا وقف في وسط حجرته وأخذ يفكر ويفكر … كيف يَعثُر على بدايةٍ مناسبة وأخيرًا عثر على بداية:

وقف الرجل بين الأزهار.

وفكر في بيتٍ آخر، ولكن دون فائدة، وظل يردد نفس البيت طول الوقت:

وقف الرجل بين الأزهار.

وأخذ يُفكر ويفكر … ثم أخرج مفكرته، ووضعها على المائدة ليكتب فيها شعره، ولكن دون أن يفتح الله عليه ببيتٍ آخر.

وقف الرجل بين الأزهار.

وارتفع صوته وهو يقول هذا البيت من الشعر، فاستيقظ «الشاويش» فزعًا على الصوت المرتفع في منتصف الليل.

أسرع الشاويش إلى غرفة «جلجل» وصاح بصوتٍ أفزع الولد: «جلال»، ماذا تفعل في منتصف الليل؟

وكانت مفاجأة ثانية للشاويش أن وجد «جلجل» قد لبسَ ملابس الخروج، فقال له: ولماذا تلبس ملابسك الكاملة؟

ردَّ «جلجل» في اضطراب: لا شيء يا عمي، إنني فقط أفضل كتابة الأشعار وأنا واقف … في ملابسي الكاملة … في منتصف الليل.

لم يُصدِّق الشاويش كلام «جلجل»، وشاهد المفكرة على المكتب فمدَّ يده وأخذها، حاول «جلجل» أن يمنع عمه، ولكن الشاويش صاح فيه: لا تخف، إنني فقط أريد أن أقرأ أشعارك!

أخذ الشاويش المفكرة، ثم أغلق باب «جلجل» عليه، وعاد إلى غرفته يقرأ، وكم كان غضبه عندما قرأ الشعر الذي كتبه «تختخ» عنه، وشبَّهه فيه بالضفدعة … والبردعة … ثم قلب الصفحة ووقف عند هذه السطور: لقد حدثت السرقة يوم ٣٠ أغسطس، المسروقات مخبأة في الطاحونة … على «جلجل» أن يجد المسروقات.

أُصيب الشاويش بالذهول وهو يقرأ كل هذا، وأخذ يحدث نفسه، كيف عرف الأولاد بالسرقة … وكيف عرفوا مكان المسروقات؟

أسرع الشاويش عائدًا إلى غرفة «جلجل»، فوجده ما يزال واقفًا فصاح به: كيف تكتب هذا الشعر الوقح عني … أنا عمك؟

جلجل: أي شعر يا عمي؟ إنني لم أكتب عنك شعرًا مطلقًا!

ألقى الشاويش بالمفكرة في وجه ابن أخيه، ففتح «جلجل» الصفحات، فوجد الشعر الذي كتبه «تختخ»، وبرغم وقاحة الشعر فقد أعجبه، وقرأه سبع مرات، وفي كل مرة كان يزداد إعجابًا به، وشعر بالفخر لأنه «كتبه»، برغم أنه لم يذكر أنه كتبه في أي يومٍ، ثم قال لنفسه: ربما أكون أنا قد كتبته وأنا نائم، وهذا ما يَفعله العباقرة.

قال الشاويش: والآن سأتركك، وأحذرك أن تخرج من البيت وإلا ضربتك.

وخرج الشاويش بعد أن أغلق الأبواب على «جلجل»، الذي كان السهر قد أتعبه، فاستسلم للنوم.

ذهب الشاويش إلى الطاحونة باحثًا عن المسروقات، وقد شعر بأنه وقع على سرٍّ عظيم، سيكون سببًا في ترقيته، وربما أخذ مكافأة من المفتش «سامي».

دخل الطاحونة في الظلام، وأخذ يلف ويدور فيها، ولم يكن هناك سوى الظلام، والفئران، أين ذهبت المسروقات؟ وفجأة تعثَّر الشاويش في صفيحةٍ كبيرة، فاعتقد أن المسروقات فيها، كانت الصفيحة مغلقة فأخذ يضربها في الحائط حتى انفتحت، وكم كانت مفاجأته عندما وجدها ممتلئة بآلاف الصراصير، التي زحفت على جسمه، وأخذت تطير وتسقط على وجهه، فأصيب بالذهول والرعب، وأسرع يجري ويقع في الظلام حتى ابتعد عن الطاحونة، وقد أدرك أن «تختخ» اخترع كل هذه القصة ليُضلِّلَه، ويضحك عليه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤