من كتاب الحجاب

قال أبو عثمان:

أطال الله بقاك، وجعلني من كلِّ سوءٍ فداك، وأسعدك بطاعته، وتُولَّاك بكرامته، ووالى إليك مَزيدَه.

اعلم أنه يقال — أكرمك الله — إن السعيد من وُعظ بغيره، وإن الحكيم من أحكمته تجاربه. وقد قيل: كفاك أدبًا لنفسك ما كَرِهتَ من غيرك. وقيل: كفاك من سُوءِ الفعل سماعه. وقيل: إن من يقظة الفهم للواعظ ما يدعو النفس إلى الحذَر من الخطأ والعقل إلى تصفيته من القَذى. وكانت الملوك إذا أتت ما يَجِل عن المُعاتَبة عليه ضُربت لها الأمثال وعُرِّض لها بالحديث. وقال الشاعر:

الْعَبْدُ يُقْرَعُ بِالعَصَا
وَالحُرُّ تَكْفِيهِ المَلَامَة

وقال آخر: «ويَكفِيك سَوءاتِ الأُمورِ اجتِنابُها.» وقال عبد المسيح المتلمس:

لِذِي الحِلْمِ قَبْلَ اليَوْمِ مَا تُقْرَعُ العَصَا
ومَا عُلِّمَ الإنْسَانُ إلَّا لِيَعْلَمَا

وقال بعضهم: في خَفِيِّ التعريض ما أغنى عن شنيعِ التصريح.

وقد جَمعتُ في كتابي هذا ما جاء في الحجاب من خبر وشعر ومُعاتَبة وعَذْل وتصريح وتعريض. وفيه ما كفى وبالله التوفيق. وقد قلت:

كَفَى أَدَبًا لِنَفْسِكَ مَا تَرَاهُ
لِغَيْرِكَ شَائِنًا بَيْنَ الأَنَامِ
ما جاء في الحجاب والنهي عنه: رُوي عن النبي أنه قال: ثلاثٌ من كُنَّ فيه من الولاة اضطَلع بأمانته وأمره! إذا عدل في حُكمه، ولم يحتجب دون غيره، وأقام كتاب الله في القريب والبعيد. ورُوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه وجَّه عليَّ بن أبي طالب إلى بعض الوجوه، فقال له فيما أوصاه به: إنِّي قد بعثتُك وأنا بك ضَنِينٌ، فابرُزْ لِلناس، وقَدِّمِ الوضيع على الشريف، والضعيف على القوي، والنساء قبل الرجال، ولا تُدخِلَن أحدًا يَغلِبك على أمرك، وشاوِرِ القرآن فإنه إمامُك. وكان عمر بن الخطاب إذا استعمل عاملًا شرط عليه أربعًا: لا يركب بِرذَونًا، ولا يتخذ حاجبًا، ولا يَلبَس كتَّانًا، ولا يأكل درمكًا. ويوصي عُمَّاله فيقول: إياكم والحجاب، واظهَروا بالبَراز، وخذوا الذي لكم وأَعطُوا الذي عليكم؛ فإنَّ امرأً ظُلِم حَقَّه مضض حتى يَغدُوَ به مع الغَادِين. وكتب عمر إلى معاوية وهو عامله على الشام:

أما بعدُ، فإني لم آلُك في كتابي إليك ونفسي خيرًا. إيَّاك والاحتجاب دون الناس، وأْذن للضعيف وأَدنِه حتى ينبسط لسانه ويجترئ قلبه، وتعهَّد الغريب فإنه إذا طال حبسه وضاق إذنه ترك حقَّه وضعُف قلبه، وإنما أَتوَى حقه من حَبَسه. واحرِص على الصلح بين الناس ما لم يَستبِن لك القضاء، وإذا حضر الخَصمان بالبينة العادلة والأيمان القاطعة فأَمضِ الحُكم، والسلام. وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: آسِ بين الناس في نَظرك وحِجابك وإذنك حتى لا يَطمعَ شريفٌ في حَيفِك ولا ييأس ضعيفٌ من عدلك، واعلم أن أسعد الناس عند الله تعالى يوم القيامة من سَعِد به الناس، وأشقاهم من شَقُوا به.

وروى الهيثم بن عدي عن ابن عباس قال: قال لي عبيد الله بن أبي المخترق القيني: استعملني الحجَّاج على الفَلُّوجَة العليا، فقُلتُ: أههنا دهقان يُعاش بعقله ورأيه؟ فقيل لي: بلى، هنا جميل بن يصبهري. فقلت: عليَّ به. فأتاني، فقلت: إن الحجَّاج استعملني على غَيرِ قرابة ولا دالةٍ ولا وسيلة، فأشِر عليَّ! قال: لا يكون لك بوَّابٌ حتى إذا تذكر الرجل من أهل عملك بابك لم يخف حجابك، وإذا حضرك شريف لم يتأخر عن لقائك، ولم يحكم مع شرفك حاجبك، وليَطُل جلوسك لأهل عملك تَهَبْك عمالك، ويتقى مكانك، ولا يختلف لك حُكمٌ على شريف ولا وضيع. ليكن حُكمُك واحدًا على الجميع يَثقِ الناس بعقلك، ولا تَقبلْ من أحدٍ هدية؛ فإن صاحبها لا يرضى بأضعافها مع ما فيها من الشهرة!

من عهد إلى حاجبه: قال موسى الهادي لحاجبه: لا تَحجُب الناس عني فإن ذلك يزيل التزكية، ولا تُلقِ إليَّ أمرًا إذا كَشفتُه وَجدتُه باطلًا؛ فإن ذلك يوقع (في) الهلكة. وقال بعض الخلفاء لحاجبه: إذا جلست فأذن للناس جميعًا عليَّ، وأَبرِز لهم وجهي وسَكِّن عنهم الأحراس، واخفض الجناح، وأَطِل لهم بِشرَكَ، ولِن لهم في المسألة والمنطق، وارفع لهم الحوائج، وسوِّ بينهم في المراتب، وقُدْهم على الكفاية والغَناء لا على الميل والهوى. وقال آخر لحاجبه: إنك عيني التي أنظر بها، وجُنَّتي التي أستنيم إليها، وقد وَليتُك بابي فما تراك صانعًا برعيتي؟ قال: أنظر إليهم بعينك، وأحملهم على قدر منازلهم عندك، وأضعهم لك في إبطائهم عن بابك ولزومهم خدمتك مواضع استحقاقهم في رُتَبهم حيث وضعهم ترتيبك، وأُحسِن إبلاغك عنهم وإبلاغهم عنك. قال: قد وَفيتَ بما عليك قولًا إن وفيتَ به فعلًا، والله وَليُّ كفايتك ومعونتك.

وعَهِد أمير إلى حاجبه فقال: إن أداء الأمانة في الأعراض أوجب منها في الأموال؛ وذلك أن الأموال وقايةٌ للأعراض، وليست الأعراض بوقايةٍ للأموال. وقد ائتمنتُك على أعراض الغاشِين لبابي، وإنما أعراضهم أقدارهم، فصُنها لهم ووفرها عليهم، وصُن بذلك عرضي. فلعمري إن صيانتك أعراضهم صيانةٌ لعرضي ووقايتك أقدارهم وقايةٌ لقَدْري؛ إذ كُنتَ الحظيَّ بزين إنصافهم إن أنصفوا، والمُبتلى بشَينِ ظلمهم إن ظُلموا في غَشَيانهم بابي وحضورهم فنائي، أوفِ كل امرئٍ قدْره ولا تجاوز به حدَّه، وتَوقَّ الجَور في ذلك التوقِّي كله، أَقبِل على من تحجُب بإبداءِ البِشرِ وحلاوةِ العُذرِ وطلاقةِ الوَجهِ ولِينِ القَولِ وإظهارِ الوُدِّ، حتى يكون رضاه عنك لِما يرى من بَشاشَتِك به وطَلَاقَتِك له كرِضَا من تأذن له عنك لِما يَمنَحه من التكريم ويَحويه من التعظيم، فإن المنع عند الممنوع في لِينِ المقالة يكاد يكون كالنَّيل عند العظماء في نَفْع المَقَالة. أَنهِ إليَّ حاجاتِ كلِّ من يَغشَى بابي من وجيهٍ وخاملٍ وذي هيئةٍ وأخي رثاثةٍ فيما يحضرون له بابي ويَتعلَّقون به من إتياني، فربما بَزَّ مثله بمخبره من يروق العيون بمنظره. إنك إن نَقصتَ الكريم ما يستحقه من مال لا يغضب بعد أن تستوهبه منه، وإن نقصته من قدْره أسخطته أشد الإسخاط؛ إذ كان يريد دنياه ليصون بها قدْره ولا يريد قدْره ليتقي به دنياه، لكنه لتحيُّف عرضه أَشدُّ توقيًا منه لتحيُّف ماله. إن المحجوب وإن كان عَدلُنا في حجابه كعَدلِنا على المأذون له في إذنه يتداخله انكسارٌ إذا حُجب ورأى غيره قد أُذن له، فاختصَّه لذلك من بشاشتك به وطلاقتك له ما يَتحلَّل به عنه انكساره. فلعمري لو عرف أن صوابنا في حجابه كصوابنا في الإذن لمن أذنَّا له ما احتجنا إلى ما أوصيناك به من اختصاصه بالبِشر دون المأذون له. إن اجتمع في داري الأَعلَون والأوسطون والأدنَون فدعوتَ بواحدٍ منهم دون من يعلوه في القدْر لأمرٍ لا بدَّ من الدعاء به له، فأَظهِر العذر له في ذلك لئلَّا تَخبُث نفس من علاه، فإن الناس تتغالب لمثل ذلك عليهم سُوءُ الظنون، والواجب على من سَاسَهُم التوقِّي على نفسه من سُوءِ ظُنونِهم وعليه تَقويمُ نفوسهم؛ إذ هو كالرأس يألم لألم الأعضاء، وهم كالأعضاء يَألَمُون لألم الرأس.

قال المدائني: قال زياد بن أبيه لحاجبه: يا عجلان، قد وَلَّيتُك بابي وعزلتك عن أربعة: طارقِ ليلٍ فشرٌّ ما جاء به أو خيرٌ، ورسولُ صاحبِ الثغر فإنه إن تأخَّر ساعة بطل به عملُ سنة، وهذا المنادي بالصلاة، وصاحب الطعام فإن الطعام إذا تُرك برد وإذا أُعيد عليه التسخين فسد.

سبب الحجاب: الهيثم بن عدي قال: قال خالد بن عبد الله القسري لحاجبه: لا تَحجُبن عني أحدًا إذا أَخذتُ مجلسي؛ فإن الوالي لا يحتجب إلا عن ثلاث: إما رجلٌ عيٌّ يكره أن يطلع على عيه، وإمَّا رجلٌ مُشتملٌ على سَوءة، أو رجلٌ بخيلٌ يكره أن يدخل عليه إنسان يسأله شيئًا.

أنشدني محمود الوراق لنفسه في هذا المعنى:

إذَا اعْتَصَمَ الوَالِي بِإغْلَاقِ بَابِهِ
وَرَدَّ ذَوِي الحَاجَاتِ دُوْنَ حِجَابِهِ
ظَنَنْتُ بِهِ إحْدَى ثَلَاثٍ وَرُبَّمَا
نَزَعْتُ بِظَنٍّ واقِعٍ بِصَوَابِهِ
فَقُلْتُ بِهِ مَسٌّ مِنَ العِيِّ ظَاهِرٌ
فَفِي إذْنِهِ لِلنَّاسِ إظْهَارُ مَا بِهِ
فإنْ لَمْ يَكُنْ عَيَّ اللِّسَانِ فَغَالِبٌ
مِنَ البُخْلِ يَحْمِي مَالَه عَنْ طِلَابِهِ
فإنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا ولَا ذَا فَرِيبَةٌ
يُصِرُّ عَلَيْهَا عِنْدَ إغْلَاقِ بَابِهِ

وأنشدني بعض المحدثين في ابن المدبر:

لَوْلَا مُقَارَفَةُ الرِّيَبْ
مَا كُنْتَ مِمَّنْ يَحْتَجِبْ
أوْ لَا فَعِيٌّ مِنْكَ أوْ
بُخْلٌ على أهْلِ الطلَبْ
فاكْشِفْ لَنَا وَجْهَ الحِجَـ
ـابِ وَلا تُبَالِي مَنْ عَتَبْ
من ينبغي أن يُتخذ للحجاب: قال المنصور للمهدي: لا ينبغي أن يكون الحاجب جهولًا ولا عييًّا ولا غبيًّا ولا ذَهولًا ولا مُتشاغلًا ولا خاملًا ولا مُحتقرًا ولا جهمًا ولا عبوسًا. فإنه إن كان جهولًا أدخل على صاحبه الضرر من حيث يقدر المنفعة، وإن كان عييًّا لم يؤد إلى صاحبه ولم يؤد عنه، وإن كان غبيًّا جَهِل مكان الشريف فأَحلَّه غير منزلته وحطِ عن مرتبته وقدم الوضيع عليه وجهل ما عليه وما له، وإن كان ذهولًا متشاغلًا أخلَّ بما يحتاج إليه صاحبه في وقته وأضاع حقوق الغاشِين لبابه واستدعى الذمَّ من الناس له وأذن عليه لمن لا يحتاج إلى لقائه ولا ينتفع بمكانه، وإذا كان خاملًا محتقرًا أحل الناس صاحبه في محله وقضَوا عليه به، وإن كان جهمًا عبوسًا تلقى كل طبقة من الناس بالمكروه، فترك أهل النصائح نصائحهم وأَخلَّ بذوي الحاجات في حوائجهم وقَلَّت الغاشية لباب صاحبه فرارًا من لقائه.

روى الهيثم بن عدي عن الشعبي أن عبد الملك بن مروان قال لأخيه عبد العزيز حين ولَّاه مصر: إن الناس قد أكثروا عليك، ولعلك لا تحفظ، فاحفظ عني ثلاثًا. قال: قُل يا أمير المؤمنين. قال: انظر من تجعلُ حاجِبَك ولا تَجعلْه إلا عاقلًا فهِمًا مُفهمًا، صَدوقًا لا يُورِد عليك كَذِبًا، يُحسِن الأداء إليك والأداء عنك، ومُرْ ألَّا يقف على بابك أحدٌ من الأحرار إلا أخبرك حتى تكون أنت الآذِن له أو المانع، فإن لم تفعل كان هو الأمير وأنت الحاجب، وإذا خَرجتَ إلى أصحابك فَسلِّم عليهم يأنسوا بك، وإذا هَممتَ بعقوبةٍ فتأنَّ فيها فإنك على استدراكها قبل فَوتِها أَقدرُ منك على انتزاعها بعد فوتها.

وقال سهل بن هارون للفضل بن سهل: إن الحاجب أحدُ وجهَي المَلِك يعتبر عليه برأفته ويَلحقه ما كان في غِلظته وفظاظته، فاتخذ حاجبك سهل الطبيعة معروفًا بالرأفة مألوفًا منه البر والرحمة، وليكن جميل الهيئة حسن البسطة ذا قَصدٍ في نيَّته وصالحِ أفعاله، ومُرْه فليَضعِ الناس على مراتبهم وليأذنْ لهم في تفاضُلِ منازلِهم وليُعطِ كلًّا بَسطةً من وجهه ولْيَستعطِفْ قلوب الجميع إليه حتى لا يغشى الباب أحدٌ وهو يخاف أن يقصر به عن مَرتبتِه ولا أن يُمنَع في مدخلٍ أو مجلسٍ أو موضعِ إذنٍ شيئًا يستحقه، ولا يمنع أحدًا مَرتبتَه وليَضعْ كُلًّا عند منزلته وتعهده، فإن قَصَّر مُقصِّر قام بحُسنِ خلافتِه وبتزيينِ أمره.

وقال كسرى أنو شروان في كتابه المُسمَّى «شاهي»: ينبغي أن يكون صاحب إذن الخاصَّة رجلًا شريف البيت بعيد الهِمة بارع الكرم متواضعًا طَلْقًا مُعتدِل الجسم بهي المنظر ليِّن الجانب، ليس ببذِخ ولا بطِر ولا مرِح، ليِّن الكلام طالبًا للذكر الحَسن مشتاقًا إلى مُحادَثة العلماء ومُجالَسة الصلحاء، مُحبًّا لكل ما زيَّن عمله، مُعاندًا للسعاة، مُجانبًا للكذابين، صدوقًا إذا حدَّث، وفيًا إذا وعد، متفهمًا إذا خُوطب، مُجيبًا بالصواب إذا رُوجع، منصفًا إذا عامل، آنسًا مؤانسًا، محبًّا للأخيار، شديد الحُنو على المملكة، أديبًا له لطافة في الخدمة وذكاء في الفهم وبسطة في المنطق ورفق في المحاورة وعلم بأقدار الرجال وأخطارها. وقال في حاجب العامَّة: ينبغي أن يكون حاجب العامَّة رجلًا عبْد الطاعة، دائم الحراسة للملكة، مَخُوف اليد حسن الكلام مروعًا غير باطش إلا بالحق، لا أنيس ولا مأنوس، دائم العُبوس شديدًا على المُريب، غيرَ مُستخِف بخاصَّة الملك ومن يهوى ويُقرِّبه من بطانته.

محل الحاجب وموضعه ممن يحجبه: قال عبد الملك لأخيه عبد العزيز حين وجَّهه إلى مصر: اعرف كاتبك وحاجبك وجليسك. فإن الغائب يخبره عنك كاتبك، والمُتوسم يعرفك بحاجبك، والخارج من عقدك يعرفك بجليسك. وقال يزيد بن المهلب لابنه مخلَّد حين ولاه جرجان: استظرف كاتبك، واستعقل حاجبك. وقال الحجاج: حاجب الرجل وَجهُه، وكاتِبه كُله. وقال ابن أبي زرعة: قال رجل من أهل الشام لأبي الخطاب الحسن بن محمد الطائي يعاتبه في حِجابه:
هَذَا أَبُو الخَطَّابِ بَدْرٌ طَالِعٌ
مِنْ دُوْنِ مَطْلَعِهِ حِجَابٌ مُظْلِمُ
ويُقَالُ وَجْهُ المَرْءِ حَاجِبُهُ كَمَا
بِلِسَانِ كَاتِبِهِ الفَتَى يَتَكَلَّمُ
أَدْنَيْتَ مِنْ قَبْلُ اللِّقَاءَ وبَعْدَهُ
أَقْصَيْتَ هَلْ يَرْضَى بِذَا مَنْ يَفْهَمُ؟
وإذَا رَأَيْتُ مِنَ الكَرِيمِ فَظَاظَةً
فَإلَيْهِ مِنْ أخْلَاقِهِ أَتَظَلَّمُ

وقال الفضل بن يحيى: إن حاجب الرجل عاملُه على عرضه، وإنه لا عِوَض لحُر من نفسه، ولا قيمة عنده لحريته وقدْره. وأنشدني ابن أبي كامل في هذا المعنى:

وَاعْلَمَنْ إنْ كُنْتَ تَجْهَلَهُ
أنَّ عِرْضَ المَرْءِ حَاجِبُهُ
فَبِهِ تَبْدُو مَحَاسِنُهُ
وبِهِ تَبْدُو مَعَايِبُهُ
من عُوتب على حجابه أو هُجي به: روى إسحاق الموصلي عن ابن كُناسة قال: أُخبِرتُ أن هانئ بن قبيصة وفد على يزيد بن معاوية فاحتجب عنه أيامًا، ثم إن يزيد ركب يومًا فتَلقَّاه هانئ فقال: يا يزيد، إن الخليفة ليس بالمُحتجِب المُختلي ولا المُتطرِّف المُنتحي، ولا الذي ينزل على الغُدران والفَلَوات ويخلو للذَّات والشهوات، وقد وليت أمرنا فأقم بين أَظهُرنا وسَهِّل إذننا واعمَل بكتاب الله فينا، فإن كُنتَ قد عَجَزتَ عمَّا ههنا فاردُد علينا بَيعَتنا لنبايع من يعمل بذلك فينا ويُقِيمه لنا، ثم عليك بخلواتك وصيدك وكلابك! قال: فغضب يزيد وقال: والله لولا أن أسُنَّ بالشام سُنة العراق لأَقمتُ أَوَدك. ثم انصرف وما هاجه بشيء وأَذِن له ولم تتغيَّر منزلته عنده وترك كثيرًا مما كان عليه.

الموصلي قال: كان سعيد بن سلم واليًا على إرمينية، فورد عليه أبو دُهمان الغلابي فلم يصل إليه إلا بعدَ حين، فلما وصل قال وقد مثل بين السِّماطَين: والله إني لأعرف أقوامًا لو علموا أن سَفَّ التراب يُقيم من أَوَد أصلابهم لجعلوه مُسكةً لأرماقهم، إيثارًا للتنزُّه عن العيش الرقيق الحواشي، والله إني لبَعيدُ الوثبة بَطيءُ العَطفة، إنه والله ما يثنيني عليك إلا مثل ما يصرفني عنك، ولأن أكون مملقًا مقربًا أَحبُّ إليَّ من أن أكون مكثرًا مبعدًا، والله ما نسأل عملًا لا نضبطه ولا مالًا إلا ونحن أَكثرُ منه، وإن الذي صار في يدك قد كان في يد غيرك فأمسَوا والله حديثًا إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر، فتَحبَّبْ إلى عباد الله بحُسن البشر ولِين الحِجاب فإن حُبَّ عبادِ الله موصولٌ بحب الله وهم شهداء الله على خلقه وأمناؤه على من اعوجَّ عن سبيله.

إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: استبطأني جعفر بن يحيى وشكا ذلك إلى أبي، فدَخلتُ عليه — وكان شديد الحجاب — فاعتَذرتُ إليه وأعلمته أنني أَتيتُ إليه مرارًا للسلام فحجبني نافذٌ غلامُه. فقال لي وهو مازح: متى حجَبك فنله. فأتيته بعد ذلك للسلام فحجبني، فكَتبتُ إليه رقعة فيها:

جُعِلْتُ فِدَاءَكَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ
إلى حُسْنِ رَأْيكَ أشْكُو أُناسًا
يَحُولُون بَيني وبَيْنَ السَّلَامِ
فَمَا إنْ أُسَلِّمُ إلَّا اخْتِلاسًا
وأَنْفَذْتُ أمْرَكَ فِي نَافِذٍ
فَمَا زَادَهُ ذَاكَ إلَّا شِماسًا

وسألتُ نافذًا أن يُوصلَها ففعل، فلما قرأها ضَحِك حتى فَحَص برجلَيه وقال: لا تحجُبه أيَّ وقتٍ جاء. فصِرتُ لا أُحجب.

وحُجب أحمد بن أبي طاهر ببابِ بعضِ الكتاب فكتب إليه: ليس الحر من نفسه عِوض، ولا من قدْره خطر، ولا لبذل حريته ثمن، وكلُّ ممنوع فمُستغنًى عنه بغيره، وكلُّ مانع ما عنده ففي الأرض عِوضٌ عنه ومندوحةٌ عنه. وقد قيل: أرخص ما يكون الشيء عند غلائه. وقال بشار: «والدُّرُّ يُترك من غلائه.» ونحن نعوذ بالله من المطامع الدنيَّة والهمة القصيرة، ومن ابتذال الحرية، فإن نفسي والله أبيَّة ما سقطت وراء همة، ولا خذلها ناصرٌ عند نازلة، ولا استرقَّها طمع، ولا طُبعت على طَبَع، وقد رأيتك ولَّيتَ عِرضك من لا يصونه، ووكَّلْت ببابك من يَشِينه، وجعلتَ ترجُمان كرمك من يُكثر من أعدائك، وينقص من أوليائك، ويسيء العبارة عن معروفك، ويُوجِّه وفود الذم إليك، ويُضغِن قلوب إخوانك عليك؛ إذ كان لا يعرف لشريف قدْرًا، ولا لصديق منزلةً، ويُزيل المراتب عن جهاتها ودرجاتها، فيحُط العلي إلى مرتبة الوضيع، ويرفع الدنيء إلى مرتبة الرفيع، ويقبل الرُّشا، ويُقدم على الهوى، وذلك إليك منسوبٌ وبرأسك معصوب، يَلزمُك ذنبه ويَحِل عليك تقصيره. وقد أنشدني أبو علي البصير:

كَمْ مِنْ فَتًى تُحْمَدُ أَخْلَاقُهُ
وَتَسْكُنُ الأَحْرَارُ فِي ذِمَّتِهْ
قَدْ كَثَّرَ الحَاجِبُ أَعْدَاءَهُ
وأَحْقَدَ النَّاسَ عَلَى نِعْمَتِهْ

وأنشدت لبعضهم:

يَدُلُّ عَلَى سَرْوِ الفَتَى واحْتِمَالِهِ
إذَا كَانَ سَهْلًا دُونَهُ إذْنُ حَاجِبِهْ
وقَدْ قِيلَ مَا البَوَّابُ إلَّا كَرَبِّهِ
إذَا كَانَ سَهْلًا كَانَ سَهْلًا لِصَاحِبِهْ

وقال الطائي:

حَشَمُ الصَّدِيقِ عُيُونُهُمْ بَحَّاثَةٌ
لِصَدِيقِهِ عَنْ صِدْقِهِ ونِفَاقِهِ
فَلْيَنْظُرَنَّ المَرْءُ مَنْ غُلْمَانُهُ
فَهُمُ خَلَائِفهُ عَلَى أَخْلَاقِهِ

وقال آخر:

اعْرَفْ مَكَانَكَ مِنْ أَخِيـ
ـكَ ومِنْ صَدِيقِكَ بِالحَشَمْ

قال ابن أبي عيينة:

إنَّ وَجْهَ الغُلَامِ يُخْبِرُ عَمَّا
فِي ضَمِيرِ المَوْلَى مِنَ الكِتْمَانِ
فإذَا مَا جَهِلْتَ وُدَّ صَديقٍ
فَامْتَحِنْ مَا أرَدْتَ بالغِلْمَانِ

وقال آخر:

ومِحْنَةُ الزَّائِرِينَ بَيِّنَةٌ
تُعْرَفُ قَبْلَ اللِّقَاءِ بِالحَشَمِ

وأنشدني عبد الله بن أحمد المهر في علي بن الجهم:

أَعَلِيُّ دُونَكَ يَا عَلِيُّ حِجَابُ
يُدْنَى البَعِيدُ ويُحْجَبُ الأصْحَابُ؟
هَذَا بِإذْنِكَ أمْ بِرَأْيِكَ أمْ رَأَى
هَذَا عَلَيْكَ العَبْدُ والبَوَّابُ؟
إنَّ الشَّرِيفَ إذَا أُمُورُ عَبِيدِه
غَلَبَتْ عَلَيْهِ فَأَمْرَهُ مُرتَابُ

أخذه من قول الطائي:

أبَا جَعْفَرٍ وأُصُولُ الفَتَى
تَدُلُّ عَلَيْهِ بِأَغْصَانِهِ
أَلَيْسَ عَجِيبًا بَأَنَّ امْرَأً
رَجَاكَ لِحَادِثِ أَزْمَانِهِ
فَتَأْمُرُ أَنْتَ بِإعْطَائِهِ
ويَأْمُرُ فَتْحٌ بِحِرْمَانِهِ
ولَسْتُ أُحِبُّ الشَّرِيفَ الظَّرِيـ
ـفَ يكونُ غُلَامًا لِغِلْمَانِهِ

وحُجب ابن أبي طاهر بباب بعض الكُتاب، فكتب إليه: إنه من لم يرفعه الإذن لم يضعه الحجاب، وأنا أرفعك عن هذه المنزلة وأربأ بقدْرك عن هذه الخليقة، وما أحد أقام في منزله — عظُم أو صغُر قدْره — إلا ولو حاول حجاب الخليفة عنه لأمكنه، فتأمَّل هذه الحالة وانظر إليها بعين النُّصْفة تراها في أقبحِ صورةٍ وأدنى منزلة. وقد قلت:

إذَا كُنْتَ تَأْتِي المَرْءَ تُعْظِمُ حَقَّهُ
ويَجْهَلُ مِنْكَ الحَقَّ فَالهَجْرُ أَوْسَعُ
فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وفِي العِزِّ رَاحَةٌ
وفِي اليَأْسِ عَمَّنْ لَا يُوَاتِيكَ مَطْمَعُ
وإنَّ امْرَأً يَرْضَى الهَوَانَ لِنَفْسِهِ
حَرِيٌّ بِجَدْعِ الأَنْفِ والجَدْعُ أشْنَعُ
فَدَعْ عَنْكَ أفْعَالًا يَشِينُكَ فِعْلُهَا
وسَهِّلْ حِجَابًا إذْنُهُ لَيْسَ يَنْفَعُ

وحدَّثني عبد الله بن أبي مروان الفارسي قال: ركبت مع ثُمامة بن أشرس إلى أبي عباد الكاتب في حوائج كتب إليَّ فيها أهل أرمينية من المعتزلة والشيعة، فأتيناه فأعظم ثُمامة وأَقعدَه في صَدر المجلس وجلس قُبالته — وعنده جماعةٌ من الوجوه — فتَحدَّثْنا ساعةً ثم كلمه ثُمامة في حاجتي وأَخرجتُ كُتب القوم فقرأها — وقد كانوا كتبوا إلى أبي عباد كُتبًا وكانوا أصدقاءه أيام كونه بأرمينية — فقال لي: بكِّر إليَّ غدًا حتى أكتب جواباتها إن شاء الله. فقلتُ: جعلني الله فِداك، تأمر الحاجبَ إذا جئتُ أن يأذن لي. فغَضِب من قولي واستشاط مني فقال: متى حُجِبتُ أنا؟ أَوَلي حاجب أو لأحد عليَّ حجاب؟ قال عبد الله: وقد كنت أتيته فحجبني بعض غلمانه، فحلف بالأيمان المُغلَّظة أن يقلع عينَي من يحجُبني، ثم قال: يا غلام، لا تُبقِ في الدار غلامًا ولا مُنقطِعًا إلينا إلا أحضَرتُمونيه الساعة. فأتى بغلمانه وهم نحوٌ من ثلثمائة، فقال: أَشِر إلى من شئت منهم. فغمزني ثُمامة. فقلتُ: جُعلتُ فِداك، لا أعرف الغلام بعينه. فقال: ما كان لي حاجبٌ قط ولا احتَجبتُ؛ وذلك لأنه سبق مني قول، لأني كنت وأنا بالري وقد مات أبي وخلَّف لي بها ضياعًا فاحتَجتُ إلى ملاقاة الرجال والسلطان فيما كان لنا، فكنت أنظر إلى الناس يدخلون ويصلون وكنت أُحجَب أنا وأُقصَى، فتتقاصر إليَّ نفسي ويضيق صدري، فآليتُ على نفسي إن صِرتُ إلى أَمرٍ من السلطان ألَّا أحتجب أبدًا.

وحدَّثني الزبير بن بكار قال: استأذن نافع بن جبير بن مطعم على معاوية فمنعه الحاجب فدَقَّ أنفه، فغضب معاوية — وكان جُبير عنده — فقال معاوية: يا نافع، أتفعل هذا بحاجبي؟ قال: وما يمنعني منه وقد أساء أدبه وأسأتَ اختياره، ثم أنا بالمكان الذي أنا به منك؟ فقال جُبير: فَضَّ الله فاك، ألا تقول وأنا بالمكان الذي أنا به من بني عبد مناف …! فتبسم معاوية وأعرض عنه.

ووفد رجل من الأساورة على بعض ملوكهم فأقام ببابه حَولًا لا يصل إليه، فكلم الحاجب فأوصل له رقعةً فيها أربعةُ أسطر، الأول فيه: الأمل والضرورة أقدماني عليك. وفي الثاني: ليس على المُعدِم صبرٌ على المطالبة. وفي الثالث: رجوعٌ بلا فائدة شماتة العدو والقريب. وفي الرابع: إمَّا «نعم» مُثمِرة، وإمَّا «لا» مُؤيِسَة. ولا مَعنًى للحجاب بينهما. فوقَّع تحت كلِّ سطرٍ منها. وأنشد الوليد بن عبيد البحتري في ابن المدبر يهجو غلامه بشرًا:

وكَمْ جِئْتُ مُشْتَاقًا عَلَى بُعْدِ غَايَةٍ
إلَى غَيْرِ مُشْتَاقٍ وكَمْ رَدَّنِي بِشْرُ
فَمَا بَالُهُ يَأْبَى دُخُولِي وقَدْ رَأَى
خُرُوجِي مِنْ أبَوابِهِ ويَدِي صِفْرُ

وأنشدت لبعضهم:

لَعَمْرِي لَئِنْ حَجَبَتْنِي العَبِيـ
ـدُ بِبَابِكَ مَا يَحْجُبُوا القَافِيَةْ
سَأَرْمِي بِها مِنْ وَرَاءِ الحِجَا
بِ جَزَاءَ قُرُوضٍ لَكُم وَافِيَةْ
تُصِمُّ السَّمِيعَ وتُعْمِي البَصِيـ
ـرَ ويُسْأَلُ مِنْ أجْلِهَا العَافِيَةْ

وأنشدني أحمد بن أبي فنن بن محمد بن حمدون بن إسماعيل:

ولَقَدْ رَأَيْتُ بِبَابِ دَارِكَ جَفْوَةً
فِيهَا لِحُسْنِ صَنِيعَةٍ تَكْدِيرُ
مَا بَالُ دَارِكَ حِينَ تَدْخُلُ جَنَّةً
وبِبَابِ دَارِكَ مُنْكَرٌ ونَكِيرُ

وأنشدني أبو علي الدرهمي اليمامي في أبي الحسن علي بن يحيى:

لَا يُشْبِهُ الرَّجُلُ الكَرِيمُ نِجَارُهُ
ذَا اللَّبِ غَيْرَ بَشَاشَةِ الحُجَّابِ
وبِبَابِ دَارِكَ مَنْ إذَا مَا جِئْتُهُ
جَعَلَ التَّبَرُّمَ والعَبُوسَ ثَوَابِي
أَوْصَيْتَهُ بِالإذْنِ لِي فَكَأَنَّمَا
أَوْصَيْتَهُ مُتَعَمِّدًا بِحِجَابِي

وأنشدني أبو علي البصير فيه أيضًا:

فِي كُلِّ يَوْمٍ لِي بِبَابِكَ وَقْفَةٌ
أَطْوِي إلَيْهَا سَائِر الأَبْوَابِ
فإذَا حَضَرْتُ رَغِبْتُ عَنْكَ فَإنَّهُ
ذَنْبٌ عُقُوبَتُهُ عَلَى البَوَّابِ

وأنشدني أبو علي اليمامي، وعاتب بعض أهل العسكر في حاجته فلم يأذن له الحاجب بعد ذلك، فكتب إليه:

صَارَ العِتَابُ يَزِيدُنِي بُعْدًا
ويَزِيدُ مَنْ عَاتَبْتُهُ صَدًّا
وإذَا شَكَوْتُ إلَيْهِ حَاجِبَهُ
أَغْرَاهُ ذَاكَ فَزَادَنِي رَدًّا

وأنشدني العجيبي في بعض أهل العسكر يُعاتبه في حِجابه ويهجو حاجبه:

إنَّمَا يَحْسُنُ المَدِيحُ إذَا مَا
أَنْشَدَ المَادِحُ الفَتَى المَمْدُوحَا
وأَرَانِي بِبَابِ دَارِكَ عُمِّرْ
تُ طَوِيلًا مُقْصًى مُهَانًا طَرِيحًا
إنَّ بِالبَابِ حَاجِبًا لَكَ أَمْسَى
مُنْكَرٌ عِنْدَهُ ظَرِيفًا مَلِيحًا
مَا سَأَلْنَاهُ عَنْكَ قَطُّ وَإلَّا
رَدَّ مِنْ بُغْضِهِ مَرَدًّا قَبِيحًا

وأنشدت لبعضهم في هجاء حاجب:

سَأَتْرُكُ بَابًا أنْتَ تَمْلِكُ إذْنَهُ
ولَوْ كُنْتُ أَعْمَى عَنْ جَمِيعِ المَسَالِكِ
فَلَوْ كُنْتَ بَوَّابَ الجِنَانِ تَرَكْتُهَا
وحَوَّلْتُ رَحْلِي مُسْرِعًا نَحْوَ مَالِكِ

وكتب بعض الكتاب إلى الحسن بن وهب:

قَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أنَّ طَرْفَكَ مَلَّنِي
ورُمِيتُ مِنْكَ بِجَفْوَةٍ وعَذَابِ
فإذَا هَوَاكَ عَلَى الَّذِي قَدْ كَانَ لِي
وإذَا بَلِيَّتُنَا مِنَ البَوَّابِ
فاعْلَمْ — جُعِلْتُ فِدَاكَ — غَيْرَ مُعَلَّمٍ
أنَّ الأَدِيبَ مُؤَدَّبُ الحُجَّابِ

قال رزين العروضي لجعفر بن محمد الأشعث:

إنْ كُنْتَ تَحْجُبَنِي لِلذِّئْبِ مُزْدَهِيًا
فَقَدْ لَعَمْرِي أبُوكُمْ كَلَّمَ الذِّيبَا
فَكَيْفَ لَوْ كَلَّمَ اللَّيْثَ الهَصُورَ إذًا
تَرَكْتُمُ النَّاسَ مَأْكُولًا ومَشْرُوبًا
هَذَا السُّنَيْدِيُّ مَا سَاوَى إتَاوَتَهُ
يُكَلِّمُ الفِيلَ تَصْعِيدًا وتَصْوِيبًا
اذْهَبْ إلَيْكَ فَمَا آسِي عَلَيْكَ ومَا
أُلْفَى بِبَابِكَ طَلَّابًا ومَطْلُوبًا

المدائني قال: كان يزيد بن عمر الأسيدي على شرطة البصرة فأتاه الفرزدق في جماعة فوقف ببابه فأبطأ عليه إذنه، فقال — وكان عمر يُلقب بالوقاح:

ألَمْ يَكُ مِنْ نَكْسِ الزَّمَانِ عَلَى اسْتِهِ
وُقُوفِي عَلَى بَابِ الوَقاحِ أُسَائِلُهُ
فإنْ تَكُ شُرْطِيًّا فإنِّي لِغَالِبٍ
إذَا نَزَلتْ أرْكَانَ فَخٍّ مَنَازِلُهْ

وقال أبو علي البصير، وحجبه محمد بن غسان، بعد أُنسٍ كان بينهما:

قَدْ أَتَيْنَا لِلْوَعْدِ صَدْرَ النَّهَارِ
فَدُفِعْنَا مِنْ دُونِ بَابِ الدَّارِ
فَأَحَطْنَا بِكُلِّ مَا غَابَ مِنْ شَأْ
نِكَ عَنَّا خُبْرًا بِلَا اسْتِخْبَارِ
فَإذَا أَنْتَ قَدْ وَصَلْتَ صَبُوحًا
بِغَبُوقٍ ودُلْجَةً بِابْتِكَارِ
وإذَا نَحْنُ لَا تُخَاطِبُنَا الغِلْمَا
نُ إلَّا بِالجَحْدِ والإنْكَارِ
فانْصَرَفْنَا وطَالَمَا قَدْ تَلَقَّوْ
نَا بِأُنْسٍ مِنْهُمْ وبِاسْتِبْشَارِ
ذَاكَ إذْ كَانَ مَرَّةً لَكَ فِينَا
وَطَرٌ فانْقَضَى مِنَ الأوْطَارِ
حِينَ كُنَّا المُقَدَّمِينَ عَلَى النَّا
سِ وكُنَّا الشِّعَارَ دُونَ الدِّثَارِ
كَمْ تَأَنَّيْتُ وانْتَظَرْتُ فَأَفْنَيْـ
ـتَ تَأَنِّيَّ كُلَّهُ وَانْتِظَارِي
فَعَلَيْكَ السَّلَامُ كُنَّا مِنَ الْـ
أَهْلِ فَصِرْنَا مِنْ جُمْلَةِ الزِّوَّارِ

وله إليه أيضًا:

قَدْ أَطَلْنَا بِالبَابِ أَمْسَ القُعُودَا
وجُفِينَا بِه جَفَاءً شَدِيدًا
وذَمَمْنَا العَبِيدَ حَتَى إذَا نَحْـ
ـنُ بَلَوْنَا المَوْلَى عَذَرْنَا العَبِيدَا
وعَلَى مَوْعِدٍ أتَيْنَاكَ مَعْلُو
مٍ وأَمْرٍ مُؤَكَّدٍ تَأْكِيدًا
فأَقَمْنَا لا الإِذْنُ جَاءَ ولَا جَا
ءَ رَسُولٌ قَالَ انْصَرِفْ مَطْرُودًا
وصَبَرْنَا حَتَّى رَأَيْنَا قُبَيْلَ الظُّهْرِ
بِرْذَوْنَ بَعْضِهِمْ مَرْدُودًا
واسْتَقَرَّ المَكَانُ بِالقَوْمِ والـ
ـغِلْمَانُ فِي ذَاكَ يَمْنَحُونَا صُدُودًا
ويُشِيرُونَ بالمُضِيِّ فَلَمَّا
أُحْرِجُوا جَرَّدُوا لَنَا تَجْرِيدًا
فَانْصَرَفْنَا فِي سَاعَةٍ لَوْ طَرَحْـ
ـتَ اللَّحْمَ فِيهَا نَيْئًا كُفِيتَ الوَقُودا
فلَعَمْرِي لَوْ كُنْتَ تَعْتَدُّ لِي ذَنْـ
ـبًا عَظِيمًا وكُنْتَ فَظًّا حَقُودًا
وطَلَبْتَ المَزِيدَ لِي في عَذَابٍ
فَوْقَ هَذَا لَمَا وَجَدْتَ مَزِيدًا
كَانَ ظَنِّي بِكَ الجَمِيلَ فَأَلْفَيْـ
ـتُكَ مِنْ كُلِّ مَا ظَنَنْتُ بَعِيدًا
فَعَلَيْكَ السَّلَامُ تَسْلِيمَ مَنْ لَا
يُضْمِرُ الدَّهْرَ بَعْدَهَا أنْ يَعُودَا

وله في أحمد بن داود البستي، وقصد إليه بكتاب إسحاق بن سعد الكاتب:

يَا ابْنَ سَعْدٍ إنَّ العُقُوبَةَ لَا تَلْـ
ـزَمُ إلَّا مَنْ نَالَه الإعْذَارُ
وابْنُ دَاوُدَ مُسْتَخِفٌّ وقَدْ
وافَتْهُ مَشْحُوذَةً عَلَيْهِ الشِّفَارُ
فَاهْدِهِ لِلَّتِي يَكُونُ لَهُ مِنْـ
ـهَا مَفَرٌ مَا دَامَ يُنْجِي الفِرارُ
سَامَنِي أحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ أَمْرًا
مَا عَلَى مِثْلِهِ لَدَيَّ اصْطِبَارُ
لِي إلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جَدِيدٍ
رَوْحَةٌ مَا أُغِبُّهَا وابْتِكَارُ
ووُقُوفٌ بِبَابِهِ أُمْنَعَ الإذْ
نَ عَلَيْهِ وتَدْخُلُ الزُّوَّارُ
خُطَّةٌ مَنْ يُقِمْ عَلَيْهَا مِنَ النَّا
سِ فَفِيهَا ذُلٌّ لَه وصَغَارُ
لَوْ يُنَالُ الغِنَى لَمَا كَانَ فِي ذَا
لِكَ حَظٌّ يَنَالُهُ مُخْتَارُ
عَزُبَ الرَّأْيُ فِيهِ عَنْهُ وَغَرَّ
تْهُ أنَاةٌ طَوِيلَةٌ وانْتِظَارُ

وحُجب بباب بعض الكُتاب فكتب إليه:

أَقَمْتُ بِبَابِكَ فِي جَفْوَةٍ
يُلَوِّنُ لِي قَوْلَهُ الحَاجِبُ
فيُطْمِعُنِي تَارَةً فِي الوُصُو
لِ ورُبَّتَمَا قَالَ لِي رَاكِبُ
فَأَعْلَمُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الكَلَا
مِ وتَخْلِيطِهِ أنَّهُ كَاذِبُ
وأَعْزِمُ عَزْمًا فَيَأْبَى عَلَيَّ
إمْضَاءَهُ رَأْيِيَ الثَّاقِبُ
وإنِّي أُرَاقِبُ حَتَّى يَثُوبَ
لِلْحُسْنِ مِنْ رَأْيِهِ ثَائِبُ
فإنْ تَعْتَذِرْ تُلْفِنِي عَاذِرًا
صَفُوحًا وذَاكَ هُوَ الوَاجِبُ
وإلَّا فإنِّي إذَا مَا الحِبَا
لُ رَثَّتْ قُوَاهَا لَهَا قَاضِبُ

وقال لعلي بن يعقوب الكاتب وقد حجبه ببابه:

قَدْ أَتَيْنَاكَ لِلسَّلَامِ فَصَادَفْـ
ـنَا عَلَى غَيْرِ مَا عَهِدْنَا الغُلَامَا
وسَأَلْنَاهُ عَنْكَ فَاعْتَلَّ بالنَّوْ
مِ وَمَا كَانَ مُنْكَرًا أنْ تَنَامَا
غَيْرَ أنَّ الجَوَابَ كَانَ جَوَابًا
سَيِّئًا يُعْقِبُ الصَّدِيقَ احْتِشَامًا
فانْصَرَفْنَا نُوَجِّهُ العُذْرَ إلَّا
أنَّ فِي مُضْمَرِ القُلُوبِ اضطِرَامًا
يا ابْنَ يَعْقُوبَ لَا يَلْومَنَّ إلَّا
نَفْسَهُ بَعْدَ هَذِهِ مَنْ لَامَا

وقال لعلي بن يحيى المُنجِّم وقد حجبه غلامه:

لَيْسَ يَرْضَى الحُرُّ الكَرِيمُ وَإنْ
أَقْطَعْتَهُ الأَرْضَ أنْ يَذِلَّ لِعَبْدِ
فَعَلَيْكَ السَّلَامُ إلَّا عَلَى الطُّرْ
قِ وَحُبِّي كَمَا عَلِمْتَ وَوُدِّي

وقال أبو هَفان لعلي بن يحيى يعاتبه في حِجابه:

أبَا حَسَنٍ وَفِّنَا حَقَّنَا
بِحَقِّ مَكَارِمِكَ الوَافِيَةْ
أَأُحْجَبُ دُونَكَ شَرَّ الحجا
بِ وتَدْخُلُ دُونِي بَنُو العَافِيَةْ
أَعُوذُ بِفَضْلِكَ مِنْ أنْ أُسَا
ءَ وأَسْأَلُ رَبِّي لَكَ العَافِيَةْ
فإنِّي امْرُؤٌ تَتَّقِينِي المُلُو
كُ وتَدْخُلُ فِي حِلْفِيَ الصَّافِيَةْ
كَتَبْتُ عَلَى نَفْسِ مَنْ رَامَنِي
بِبَعْضِ الأَذَى لِلرَّدَى قَافِيَةْ

وأَنشدتُ لبرقوق الأخطل، وقد حُجب بباب بعض الكُتاب:

قَدْ حُجِبْنَا وكَانَ خَطْبًا جَلِيلًا
وقَلِيلُ الجَفَاءِ لَيْسَ قَلِيلًا
لَمْ أَكُنْ قَبْلَهَا ثَقِيلًا وَهَلْ يَثْـ
ـقُلُ مَنْ خَافَ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا
غَيْرَ أنِّي أَظُنُ لَا زَالَ هَذَا
الظَّنُّ يَنْقَادُ أنْ يَكُونَ مَلَالًا

أخذه من قول الآخر:

لَمَّا تَحَاجَبْتَ وقَدْ خِفْتَ أَنْ
تَدْنُو مَنْ وَدَّكَ بِالمَقْبَلِ
أقْلَلْتُ مِنْ إتْيَانِكُم إنَّهُ
مَنْ خَافَ أنْ يَثْقُلَ لَمْ يَثْقُلِ

وأنشدني أبو عبد الرحمن العطوي:

لِأبِي بَكْرٍ خَلِيلِي
حُسْنُ رَأْيٍ فِي الحِجَابْ
يَا أبَا بَكْرٍ سَقَاكَ اللَّـ
ـهُ مِنْ صَوْبِ السَّحَابْ
لَنْ تَرَانِي بَعْدَهَا مِنْ
بَعْدِهَا قَارِعَ بَابْ
إنْ يَنُبْ خَطْبٌ فَفِي
الرُّسْلِ بَلَاغٌ والكِتَابْ

ولخالد الكاتب في جعفر بن محمود:

احْتَجَبَ الكَاتِبُ فِي دَهْرِنَا
وكَانَ لَا يَحْتَجِبُ الكَاتِبُ
الْقَوْمُ يَخْلُونَ بِحُجَّابِهِمْ
فيُنْكَحُ المَحْجُوبُ والحَاجِبُ

ولأبي سعيد المخزومي في الحسن بن سهل:

تَرَهَّبَ بَعْدَكَ الحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ
وأَغْلَقَ بَابَهُ دُوْنَ المَدِيحِ
كَذَبْتُ لَه ولَمْ أَكْذِبْ عَلَيْهِ
كَمَا كَذَبَ النَصَارَى لِلمَسِيحِ

وأنشدني البلاذري في بعض كتاب أهل العسكر:

أَيَحْجُبُنِي مَنْ لَيْسَ مِنْ دُونِ عِرْسِهِ
حِجَابٌ وَلَا مِنْ دُونِ وَجْعَائِهِ سِتْرُ
ومَنْ لَوْ أَمَاتَ اللهُ أَهْوَنَ خَلْقِهِ
عَلَيْهِ لَأَضْحَى قَدْ تَضَمَّنَهُ قَبْرُ؟

وأنشدني حبيب بن أوس في موسى بن إبراهيم أبو المغيث:

أمُوَيسُ لا يُغْنِي اعْتِذَارُكَ طَالِبًا
وُدِّي فَمَا بَعْدَ الهِجَاءِ عِتَابُ
هَبْ مَنْ لَهْ شَيْءٌ يُرِيدُ حِجَابَه
مَا بَالُ لَا شَيْءٍ عَلَيْهِ حِجَابُ؟
مَا إنْ سَمِعْتُ ولَا أرَانِي سَامِعًا
يَوْمًا بِصَحَرَاءٍ عَلَيْهَا بَابُ
مَنْ كَانَ مَفْقُودَ الحَيَاءِ فَوَجْهُهُ
مِنْ غَيْرِ بَوَّابٍ لَهُ بَوَّابُ

ولآخر:

بَخِلَ الأَمِيرُ بِإذْنِهِ
فَجَلَسْتُ فِي بَيْتِي أَمِيرًا
وتَرَكْتُ إمْرَتَهُ لَهُ
واللهُ مَحْمُودٌ كَثِيرًا

وأنشدني الزبير بن بكار لبعض الشعراء:

سَأَتْرُكَ هَذَا البَابَ مَا دَامَ إذْنُهُ
عَلَى مَا أَرَى حَتَّى يَلِينَ قَلِيلًا
إذَا لَمْ نَجِدْ لِلْإذْنِ عِنْدَكَ سُلَّمًا
وَجَدْنَا إلَى تَرْكِ المَجِيءِ سَبِيلًا

الزبير بن بكار قال: وفد ابن عمٍّ لداود بن يزيد المهلبي عليه فحجبه وجعل يَمطُله بحاجته، فكتب إليه:

أَبَا سُلَيْمَانَ وَعْدًا غَيْرَ مَكْذُوبِ
اليَأْسُ أَرْوَحُ مِنْ آمَالِ عُرْقُوبِ
أَرَى حَمَامَةَ مَطلٍ غَيْرَ طَائِرَةٍ
حَتَّى تُنَقِّبَ عَنْ بَعْضِ الأَعَاجِيبِ
لَا تَرْكَبَنَّ بِشِعْرِي غَيْرَ مَرْكَبِهِ
فَيَرْكَبَ الشِّعْرُ ظَهْرًا غَيْرَ مَرْكُوبِ
لَئِنْ حُجِبْتُ فَلَمْ تَأْذَنْ عَلَيْكَ فَمَا
شِعْرِي إذَا سَارَ عَنْ إذْنٍ بِمَحْجُوبِ
إنْ ضَاقَ بَابُكَ عَنْ إذْنٍ شَدَدْتُ غَدًا
رَحْلِي إلَى المَطَرِيِّينَ المَنَاجِيبِ
قَوْمٌ إذَا سُئِلُوا رَقَّتْ وُجُوهُهُمُ
لُا يَسْتَفِيدُونَ إلَّا لِلمَوَاهِيبِ

وللأحوص بن محمد الأنصاري في أبي بكر بن حزم:

أَعَجِبْتَ أَنْ رَكِبَ ابْنُ حَزْمٍ بَغْلَةً
فَرُكُوبَهُ فَوْقَ المَنَابِرِ أَعْجَبُ
وعَجِبْتَ أَنْ جَعَلَ ابنُ حَزْمٍ حَاجِبًا
سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ ابْنَ حَزْمٍ يُحْجَبُ

وأنشدت لابن حازم يعاتب رجلًا في حجابه:

صَحِبْتُكَ إذْ أنْتَ لَا تُصْحَبُ
وإذْ أنْتَ لَا غَيْرُكَ المرْكَبُ
وإذْ أنْتَ تَفْرَحُ بِالزَّائِرِيـ
ـنَ ونَفْسُكَ نَفْسُكَ تُسْتَحْجَبُ
وإذ أنْتَ تُكْثِرُ ذَمَّ الزَّمَا
نِ ومَشْيُكَ أضْعَافُ مَا تَرْكَبُ
فَقُلْتُ كَرِيمٌ لَهُ هِمَّةٌ
يَنَالُ فَأدْرَكَ مَا يَطْلُبُ
وَأَصْبَحْتُ عَنْكَ إذَا مَا أَتَيْـ
ـتُ دُونَ الوَرَى كُلِّهُم أُحْجَبُ

وأنشدني أبو تمام الطائي:

ومُحَجَّبٍ حَاوَلْتُهُ فَوَجَدْتُهُ
نَجْمًا عَنِ الرَّكْبِ العُفَاةِ شَسُوعًا
لَمَّا عُدِمْتُ نَوَالَهُ أَعْدَمْتُهُ
شُكْرِي فَرُحْنَا مُعْدِمِينَ جَمِيعًا

ووقف العتبي بباب إسماعيل بن جعفر يطلب إذنه، فأعلمه الحاجب أنه في الحمام، فقال:

وأَمِيرٍ إذَا أرَادَ طَعَامًا
قَالَ حُجَّابُهُ أَتَى الحَمَّامَا
فَيَكُونُ الجَوَابُ مِنِّي لِلْحَا
جِبِ مَا إنْ أَرَدْتُ إلَّا السَّلَامَا
لَسْتُ آتِيكُمْ مِنَ الدَّهْرِ إلَّا
كُلَّ يَوْمٍ نَوَيْتُ فِيه الصِّيَامَا
إنَّنِي قَدْ جَعَلْتُ كُلَّ طَعَامٍ
كَانَ حِلًّا لَكُمْ عَلَيَّ حَرَامَا

وأنشدني إسحاق بن خلف البصري له:

أيَحْجُبُنِي أبُو الحَسَنِ
وهَذَا لَيْسَ بِالحَسَنِ
ولَيْسَ حِجَابُهُ إلَّا
عَلَى الزَّيْتُونِ والجُبْنِ

وأنشدني بعضهم:

لَا تَتَّخِذْ بَابًا ولَا حَاجِبًا
عَلَيْكَ مِنْ وَجْهِكَ بَوَّابُ
أَنْتَ ولَوْ كُنْتَ بِدَوِّيَّةٍ
عَلَيْكَ أبْوَابٌ وحُجَّابُ

ولعلي بن جَبَلَة في الحسن بن سهل:

اليَأْسُ عِزٌّ والذِّلَّةُ الطَّمَعُ
يَضِيقُ أَمْرٌ يَوْمًا ويَتَّسِعُ
لَا تَسْتَرِيبَنَّ إذْنَ مُحْتَجِبٍ
إنْ لَمْ تَكُنْ بِالدُّخُولِ تَنْتَفِعُ
أَحَقُّ شَيْءٍ بِطُولِ مَهْجَرِهِ
مَنْ لَيْسَ فِيهِ رِيٌّ ولَا شِبَعُ
قُلْ لِابْنِ سَهْلٍ فَإنَّنِي رَجُلٌ
إنْ لَمْ تَدَعْنِي فإنَّنِي أَدَعُ
اليَأْسُ مَالِي وجُبَّتِي كَرَمٌ
والصَّبْرُ وَالٍ عَلَيَّ لَا الجَزَعُ

ولأبي تمام الطائي في أبي المغيث:

لَا تَكْلَفَنَّ وَأرْضِ وَجْهَكَ وَجْهَهُ
مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ مُئونَةَ حَاجِبِ
لَا تَمْتَهِنِّي بِالحِجَابِ فَإنَّنِي
فَطِنُ البَدِيهَةِ عَالِمٌ بَمَآرِبِي

ولبعض الشعراء في العباس بن خالد، وخُبِّرت أنه لابن الأعمش:

أَتَحْجُبُنِي ولَيْسَ لَدَيْكَ نَيْلٌ
وقَدْ ضَيَّعْتَ مَكْرَمَةً ومَجْدًا
وفِي الآفَاقِ أبْدَالٌ وَرِزْقٌ
وفِي الدُّنْيَا مَرَاحٌ لِي ومَغْدًا

وأنشدني أبو الخطاب لدعبل في غسان بن عباد:

لَقَطْعُ الرِّمَالِ ونَقْلُ الجِبَالِ
وشُرْبُ البِحَارِ الَّتِي تَصْطَخِبْ
وكَشْفُ الغِطَاءِ عَنِ الجِنِّ أَوْ
صُعُودُ السَّمَاءِ لِمَنْ يَرْتَقِبْ
وإحْصَاءُ لُؤْمِ سَعِيدٍ لَنَا
أَوِ الثَّكْلُ فِي وَلَدٍ مُنتَخَبْ
أَخَفُّ عَلَى المَرْءِ مِنْ حَاجَةٍ
تَكَلَّفَ غَسَّانَها مُرْتَقِبْ
لَهُ حَاجِبٌ دُونُهُ حَاجِبٌ
وحَاجِبُ حَاجِبِهِ مُحْتَجِبْ

ولمرواس بن حزام الأسدي في بشير بن جرير بن عبد الله:

أَتَيْتُ بَشِيرًا زَائِرًا فَوَجَدْتُهُ
أَخَا كِبْرِيَاءٍ عَالِمًا بِالمَعَاذِرِ
فَصَدَّ وأَبْدَى غِلْظَةً وتَجَهُّمًا
وأَغْلَقَ بَابَ العُرْفِ عَنْ كُلِّ زَائِرِ
حِجَابًا لِحُرٍّ لَا جَوَادًا بِمَالِهِ
ولَا صَابِرًا عِنْدَ اخْتِلَافِ البَوَاتِرِ

وحُجب أبو العتاهية بباب أحمد بن يوسف الكاتب فكتب إليه:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ الفَقْرَ يُرْجَى لَهُ الغِنَى
وأَنَّ الغِنَى يُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الفَقْرِ
فَإنْ نِلْتَ تِيهًا بِالَّذِي نِلْتَ مِنْ غِنًى
فإنَّ غِنَائِي بِالتَّكَرُّمِ والصَّبْرِ

وله أيضًا فيه:

إنْ أَتَيْتُكَ لِلسَّلَامِ
تَكَلُّفًا مِنِّي وحُمْقًا
فَصَدَدْتَ عَنِّي نَخْوَةً
وتَجَبُّرًا ولَوَيْتَ شِدْقًا
فَلَوَ انَّ رِزْقِي فِي يَدَيْـ
ـكَ لَمَا طَلَبْتُ الدَّهْرَ رِزْقًا

ولأحمد بن أبي طاهر:

لَيْسَ العَجِيبُ بِأَنْ أَرَى لَكَ حَاجِبًا
ولَأَنْتَ عِنْدِي مِنْ حِجَابِكَ أَعْجَبُ
فَلَئِنْ حَجَبْتَ لَقَدْ حَجَبْتَ مَعَاشَرًا
مَا كَانَ مِثْلُهُمُ بِبَابِكَ يُحْجَبُ

وله في بعض الكتاب:

رَدَّنِي بِالذُّلِّ حَاجِبُهُ
إذْ رَأَى أَنِّي أُطَالِبُهُ
لَيْسَ كَشْخَانًا فَأَشْتُمَهُ
إِنَّمَا الكَشْخَانُ صَاحِبُهُ

وله أيضًا في علي بن يحيى يعاتبه في بعض قصائده:

أَصَوَابًا تَرَاهُ أَصْلَحَكَ اللهُ
فَمَا إنْ رَأَيْتُهُ بِصَوَابٍ
صِرْتُ أَدْعُوكَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ
ولَقَدْ كُنْتَ حَاجِبَ الحُجَّابِ

أتى أبو العتاهية بباب أحمد بن يوسف الكاتب في حاجة فلم يُؤذن له فقال:

لَئِنْ عُدْتُ بَعْدَ اليَوْمِ إنِّي لَظَالِمُ
سَأصْرِفُ وَجْهِي حَيْثُ تُبْغَى المَكَارِمُ
مَتَى يَنْجَحُ الغَادِي إلَيْكَ بِحَاجَةٍ
ونِصْفُكَ مَحْجُوبٌ ونِصْفُكَ نَائِمُ

ولآخر:

رَأَيْتُكَ تَطْرُدَنَا بِالحِجَا
بِ عَنْكَ يَرُوقُكَ طَرْدًا جَمِيلًا
ولَكِنَّ فِي طَمَعِ الطَّامِعِيـ
ـنَ والحُرُّ مِنْ ذَا يَفُكُّ العُقُولَا
فَهَلْ لَكَ فِي الإذْنِ لِي بِالرَّحِيلِ
فَقَدْ أَبَتِ النَّفْسُ إلَّا الرَّحِيلَا

وحدثني أبو علي البصير قال: حدَّثني محمد بن غسان بن عباد قال: كنت بالرقة وكان بها موسوس يقول الشعر المُحال والمُنكسِر، فغدَّيته يومًا معي احتسابًا للثواب، فأتاني من غَدٍ وعندي جماعةٌ من العمال فحجبه الغلام، فلما كان من غدٍ وقف على الباب وصاح:

عَلَيْكَ إذْنٌ فَإنَّا قَدْ تَغَدَّيْنَا
نَعُودُ لِلأَكْلِ إنَّا قَدْ تَعَدَّيْنَا
يَا أَكْلَةً سَلَفَتْ أبْقَتْ حَرَارَتُهَا
دَاءً بِقَلْبِكَ مَا صُمْنَا وصَلَّيْنَا

قال: وما عَلِمته قال شعرًا على استواءٍ غيره، ولكني وُعِظت به فوقع مكروهي على لسانه. وأنشدت لحماد عجرد يعاتب بعض الملوك:

إذَا كُنْتَ مُكْتَفِيًا بِالحِجَا
بِ دُونَ اللِّمَامِ تَرَكْتُ اللِّمَامَا
وإلَّا فأَوْصِ هَدَاكَ المَلِيـ
ـكُ بَوَّابَكُمْ بِي وأَوْصِ الغُلَامَا
فإنْ كُنْتُ أُدْخِلْتُ فِي الزَّائِرِيـ
ـنَ إمَّا قُعُودًا وإمَّا قِيَامًا
وإنْ لَمْ أكُنْ مِنْكَ أهْلًا لِذَاكَ
فَلَا لَوْمَ لَسْتُ أُحِبُّ المَلَامَا
فإنِّي أَذُمُّ إلَيْكَ الأَنَا
مَ أَخْزَاهُمُ اللهُ رَبِّي أنَامَا
فإنِّي وَجَدْتُهُمُ كُلَّهُمْ
يُمِيتُونَ مَجْدًا ويُحْيُونَ ذَامَا

ولأبي الأسد الشيباني يعاتب أبا دُلَف في حجابه:

لَيْتَ شِعْرِي أَضَاقَتِ الأَرْضُ عَنِّي
أَمْ نَفِيٌّ مِنَ البِلَادِ طَرِيدُ
أَمْ قُدَارٌ أَمِ الحَبَابَةُ أَمْ
أَحْمَرُ لَاقَتْ بِهِ البَلَاءَ ثَمُودُ
أَمْ أنَا قَانِعٌ بِأَدْنَى مَعَاشٍ
هِمَّتِي القَوْدُ والقَلِيلُ الزَّهِيدُ
مِقْوَلِي قَاطِعٌ وسَيْفِي حُسَامٌ
ويَدِي حُرَّةٌ وقَلْبِي شَدِيدُ
رُبَّ عِزٍّ مَنْ رَامَ مِنْ بَابِكَ اليَوْ
مَ عَلَيهِ عَسَاكِرٌ وجُنُودُ
قَدْ وَجَدْنَاهُ دَاخِلِينَ غُدُوًّا
ورَوَاحًا وأَنْتَ عَنْهُ مَذُودُ
فاكْفُفِ اليَوْمَ مِنْ حِجَابِكَ إذْ
لَسْتَ أمِيرًا ولَا خَمِيسًا تَقُودُ
لَنْ يُقِيمَ العَزِيزُ فِي البَلَدِ الهُوْ
نِ ولَا يَكْسَدَ الأَدِيبُ الجَلِيدُ
كُلُّ مَنْ فَرَّ مِنْ هَوَانٍ فإنَّ
الرُّحْبَ يَلْقَاهُ والفَضَاءُ العَتِيدُ

ولعلي بن جَبَلة في بعض الملوك:

حِجَابُكَ ضَيِّقٌ ونَدَاكَ نَزْرٌ
وإذْنُكَ قَدْ يُرَادُ عَلَيْهِ أَجْرُ
وذُلٌّ أَنْ يَقُومَ إلَيْكَ حُرٌّ
وتَطْلَابُ الثَّوَابِ لَدَيْكَ نَقْرُ

وأنشدني الثمامي في أبي الصقر إسماعيل بن بُلْبُلٍ يعاتبه في حجابه:

لِكُلِّ مُؤَمِّلٍ جَدْوَى كَرِيمٍ
عَلَى تَأْمِيلِهِ يَوْمًا ثَوَابُ
وأَنْتَ الحُرُّ مَا خَانَتْكَ نَفْسٌ
ولَا أَصْلٌ إذَا وَقَعَ انْتِسَابُ
وشُكْرِي ظَاهِرٌ ورَجَايَ جَزْلٌ
فَفِيمَ جَزَايَ مِنْ ذُلٍّ حِجَابُ
وحَقِّي أَنْ تُكَافِيَنِي مَزِيدًا
بِشُكْرِي إذْ بِهِ نَزَلَ الكِتَابُ

وأنشدت لأبي مالك الأعرج:

عَلَّقْتُ عَيْنِي بِبَابِ الدَّارِ مُنْتَظِرًا
مِنْكَ الرَّسُولَ فَخَلِّصْهَا مِنَ البَابِ
لمَّا رَأَيْتُ رَسُولِي لَا سَبِيلَ لَهُ
إلَى لِقَائِكَ مِنْ دَفْعٍ وحُجَّابِ
صَانَعْتُ فِيكَ بِمِثْلَي مَا أُؤَمِّلُهُ
فِيمَا لَدَيْكَ وهَذَا سَعْيُ خُيَّابِ

ولبشار بن برد في عبيد الله بن قَزَعة:

إذَا سُئِلَ المَعْرُوفَ أَغْلَقَ بَابَهُ
فَلَمْ تَلْقَهُ إلَّا وأَنْتَ كَمِينُ
كَأَنَّ عُبَيْدَ اللهِ لَمْ يَرَ مَاجِدًا
ولَمْ يَدْرِ أَنَّ المكْرُمَاتِ تَكُونُ
فَقُلْ لِأَبِي يَحْيَى مَتَى تُدْرِكُ العُلَى
وفِي كُلِّ مَعْرُوفٍ عَلَيكَ يَمِينُ

وأنشدت لأبي زرعة — رجل من أهل الشام — في أبي الجهم بن سيف:

ولَكِنْ أَبُو الجَهْمِ إنْ جِئْتَهُ
لَهِيفًا حُجِبْتَ عَنِ الحَاجِبِ
ولَيْسَ بِذِي مَوْعِدٍ صَادِقٍ
ويَبْخَلُ بِالمَوْعِدِ الكَاذِبِ

وحُجب سعيد بن حميد بباب الحسن بن مخلد فكتب إليه:

رُبَّ بَشْرٍ يُصَيِّرُ الحُرَّ عَبْدًا
لَكَ غَالَتْهُ جَفْوَةُ الحُجَّابِ
وفَتًى ذِي خَلَائِقٍ مُعْجَبَاتٍ
أَفْسَدَتْهَا خَلَائِقُ البَوَّابِ
وكَرِيمٍ قَدْ قَصَّرَتْ بِأَيَادِيـ
ـهِ عَبِيدٌ تُسِيءُ بِالآدَابِ
لَا أَرَى لِلْكَرِيمِ أنْ يَشْتَرِي
الدُّنْيَا جَمِيعًا بِوَقْفَةٍ فِي البَابِ
إنْ تَرَكْتَ العَبِيدَ والحُكْمَ فِينَا
صَارَ فَضْلُ الرُّءوسِ للأَذْنَابِ
فأَحَلُّوا أَشْكَالَهُمْ رُتَبَ الفَضْـ
ـلِ وحُطَّ الأَحْرَارُ عَفْرَ التُّرَابِ

وأنشدت لعبد الله بن العباس:

أنَا بِالبَابِ وَاقِفٌ مُنْذُ أصْبَحْـ
ـتُ عَلَى السِّرْجِ مُمْسِكًا بِعِنَانِي
وبِعَيْنِ البَوَّابِ كُلُّ الَّذِي بِي
ويَرَانِي كَأَنَّهُ لَا يِرَانِي

وأنشدت لابن أبي عيينة المهلبي، واسمه عبد الله بن محمد، يعاتب رجلًا من قومه:

أَتَيْتُكَ زَائِرًا لِقَضَاءِ حَقٍّ
فَحَالَ السِّتْرُ دُونَكَ والحِجَابُ
ولَسْتُ بِسَاقِطٍ فِي قِدْرِ قَوْمٍ
وإنْ كَرِهُوا كَمَا يَقَعُ الذُّبَابُ
ورَائِي مَذْهَبِي عَنْ كُلِّ نَاءٍ
بِجَانِبِه إذَا عَزَّ الذَّهَابُ

وأنشدني ابن أبي فنن:

مَا ضَاقَتِ الأَرْضُ عَلَى رَاغِبٍ
فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ولَا رَاهِبِ
بَلْ ضَاقَتِ الأَرْضُ عَلَى صَابِرٍ
أَصْبَحَ يَشْكُو جَفْوَةَ الحَاجِبِ
مَنْ شَتَمَ الحَاجِبَ فِي ذَنْبِهِ
فَإنَّمَا يَقْصِدُ لِلصَّاحِبِ
فارْغَبْ إلَى اللهِ وإحْسَانِهِ
لَا تَطْلُبِ الرِّزْقَ مِنَ الطَّالِبِ

قال المدائني: أتى عويف القوافي باب عمر بن عبد العزيز فحُجب أيامًا، ثم استأذن له حبيش صاحب إذن عمر، فلما قام بين يديه قال:

أَجِبْنِي أبَا حَفْصٍ لَقِيتَ مُحَمَّدًا
عَلَى حَوْضِهِ مُسْتَبْشِرًا بِدُعَاكَا

فقال عمر: أقول: لبيك وسعديك. فقال:

وأَنْتَ امْرُؤٌ كِلْتَا يَدَيْكَ طَلِيقَةٌ
شِمَالُكَ خَيْرٌ مِنْ يَمِينِ سِوَاكَا
عَلَامَ حِجَابِي زَادَكَ اللهُ رِفْعَةً
وفَضْلًا ومَاذَا لِلْحِجَابِ دَعَاكَا؟

فقال: ليس ذاك إلا لخير. وأمر له بصلة.

وقال المدائني: أقام عبد العزيز بن زرارة الكلابي بباب معاوية حينًا لا يؤذن له، ثم دخل عليه فقال:

دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ حَرْبٍ
وكُنْتُ وقَدْ يَئِسْتُ مِنَ الدُّخُولِ
رَأَيْتُ الحَظَّ يَسْتُرُ كُلَّ عَيْبٍ
وأَيْهَاتَ الحُظُوظُ مِنَ العُقُولِ

قيل لِحُبَّةَ المدنية: ما الجرح الذي لا يندمل؟ قالت: حاجة الكريم إلى اللئيم ثم لا يُجدي عليه. قيل لها: فما الذل؟ قالت: وقوف الشريف بباب الدنيء ثُم لا يؤذن له. قيل لها: فما الشرف؟ قالت: اعتقاد المنن في أعناق الرجال تبقى للأعقاب في الأحقاب.

وقيل لعروة بن عُدَي بن حاتم وهو صبي في وليمةٍ كانت لهم: قف بالباب فاحجب من لا تعرف وأدخل من تعرف. فقال: والله لا يكون أول شيء أستكفيه منع الناس من الطعام. وأنشدت لابن أبي عيينة المهلبي:

بُلْغَةٌ تَحْجُبُ الفَتَى عَنْ دَنَاءَةٍ
وعِقَابٌ يُخَافُ أَوْ لَا يُخَافُ
هُوَ خَيْرٌ مِنَ الرُّكُوبِ إلَى بَا
بِ حِجَابٍ عُنْوَانُهُ الانْصِرَافُ
بِئْسَ لِلدُّوْلَةِ الَّتِي تُرْفَعُ الـ
ـسِّفْلَةُ فِيهَا وتَسْقُطُ الأَشْرَافُ

وأنشدت لموسى بن جابر الحنفي:

لَا أشْتَهِي يَا قَوْمِ إلَّا مُكْرَهًا
بَابَ الأَمِيرِ ولَا دِفَاعَ الحَاجِبِ
ومِنَ الرِّجَالِ أَسِنَّةٌ مَذْرُوبَةٌ
ومُزَنَّدُونَ شُهُودُهُمْ كَالغَائِبِ
مِنْهُم أُسُودٌ لَا تُرَامَ ومِنْهُمُ
مِمَّا قَمَشْتَ وضَمَّ حَبْلُ الحَاطِبِ

وأنشدني بعض أصحابنا:

إنِّي امْرُؤٌ لَا أَرَى بِالبَابِ أَقْرَعُهُ
إذَا تَنَمَّرَ دُونِي حَاجِبُ البَابِ
ولَا أَلُومُ امْرَأً فِي وُدِّ ذِي شَرَفٍ
ولَا أُطَالِبُ وُدَّ الكَارِهِ الآبِي

وأنشدني ابن أبي فنن:

الْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنْ طُولِ الوُقُوفِ عَلَى
بَابٍ عَلَيَّ لِبَوَّابٍ عَلَيْهِ يَدُ
مَا لِي أُقِيمُ عَلَى ذُلِّ الحِجَابِ كَأَنْ
قَدْ مَلَّنِي وَطَنٌ أَوْ ضَاقَ بِي بَلَدُ

وأنشدني الزبير بن بكار لجعفر بن الزبير:

إنَّ وُقُوفِي مِنْ وَرَاءِ البَابِ
يَعْدِلُ عِنْدِي قَلْعَهُمْ أَنْيَابِي

وأنشدت لمحمود الوراق:

شَادَ المُلُوكُ حُصُونَهُمْ وتَحَصَّنُوا
مِنْ كُلِّ طَالِبِ حَاجَةٍ أَوْ رَاغِبِ
عَالُوا بِأَبْوَابِ الحَدِيدِ لِعِزِّهَا
وتَنَوَّقُوا فِي قُبْحِ وَجْهِ الحَاجِبِ
فَإذَا تَلَطَّفَ لِلدُّخُولِ عَلَيْهِمُ
رَاجٍ تَلَقَّوْهُ بِوَعْدٍ كَاذِبِ
فَاضْرَعْ إلَى مَلِكِ المُلُوكِ ولَا تَكُنْ
بَادِي الضَّرَاعَةِ طَالِبًا مِنْ طَالِبِ

وأنشدني أبو موسى المكفوف:

لَنْ تَرَانِي لَكَ العُيُونُ بِبَابٍ
لَيْسَ مِثْلِي يُطِيقُ ذُلَّ الحِجَابِ
قَاعِدًا فِي الخَرَابِ يُحْجَبُ عَنَّا
مَا سَمِعْنَا إِمَارَةً فِي خَرَابِ

وأنشدني أبو قَنبر الكوفي:

ولَسْتُ بِمُتَّخِذٍ صَاحِبًا
يُقِيمُ عَلَى بَابِهِ حَاجِبًا
إذَا جِئْتُهُ قِيلَ لِي نَائِمٌ
وإِنْ غِبْتُ أَلْفَيْتُهُ عَاتِبًا
ويُلْزِمُ إخْوَانَهُ حَقَّهُ
ولَيْسَ يَرَى حَقَّهُمْ وَاجِبًا
فَلَسْتُ بِلَاقِيهِ حَتَّى المَمَا
تِ إنْ أنَا لَمْ ألْقَهُ رَاكِبًا

وأنشدني أبو بكر محمد بن أحمد — من أهل رأس العين — لنفسه في بعض بني عمران بن محمد الموصلي:

أأبَا الفَوَارِسِ أَنْتَ أَنْتَ فَتَى النَّدَى
شَهِدَتْ بِذَاكَ ولَمْ تَزَلْ قَحْطَانُ
فَلِأَيِّ شَيءٍ دُونَ بَابِكَ حَاجِبٌ
مِنْ مَسِّهِ يَتَخَبَّطُ الشَّيْطَانُ
فإذَا رَآنِي مَالَ عَنِّي مُعْرِضًا
فَكَأنَّهُ مِنْ خَوْفِه سِرْطَانُ
من عاتب على حجابه والإذن لغيره: قال الأشهب بن رُمَيْلة:
وأَبْلِغْ أبَا دَاوُدَ أَنِّي ابْنُ عَمِّهِ
وأنَّ البُعَيْثِي مِنْ بَنِي عَمِّ سَالِمِ
أَتُولِجُ بَابَ المُلْكِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ
ورِيشُ الذُّنَابَى تَابِعٌ لِلقَوَادِمِ؟

وقال عاصم الزِّمَّاني من بني زِمَّان:

أبْلِغْ أبَا مِسْمَعٍ عَنِّي مُغَلْغَلَةً
وفِي العِتَابِ حَيَاةٌ بَيْنَ أقْوَامِ
أَدْخَلْتَ قَبْلِي رِجَالًا لَمْ يَكُنْ لَهُمُ
فِي الحَقِّ أنْ يَلِجُوا الأبْوَابَ قُدَّامِي

وقال هشام بن أبيض من بني عبد شمس:

ولَيْسَ يَزِيدُنِي حُبِّي هَوَانًا
عَلَيَّ ولَا تَرَانِي مُسْتَكِينَا
فإنْ قَدَّمْتُمُوا قَبْلِي رِجَالًا
أرَانِي فَوْقَهُمْ حَسَبًا ودِينَا
ألَسْنَا عَائِدِينَ إذَا رَجَعْنَا
إلَى مَا كَانَ قَدَّمَ أَوَّلُونَا؟
فأرْجِعُ فِي أَرُومَةِ عَبْشَمِيٍّ
يَرَى لِي المَجْدَ والحَسَبَ السَّمِينَا

وقال دينار بن نعيم الكلبي:

وأَبْلِغْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ ودُونَهُ
فَرَاسِخُ يُطْوَى الطَّرْفُ وَهْوَ حَدِيدُ
بأَنِّي لَدَى عَبْدِ العَزِيزِ مُدَفَّعٌ
يُقَدَّمُ قَبْلِي رَاسِبٌ وسَعِيدُ
وإنِّي لَأَدْنَى فِي القَرَابَةِ مِنْهُمَا
وأشْرَفُ إنْ كُنْتَ الشَّرِيفَ تُرِيدُ

وقال المدائني: أتى ابن فضالة بن عبد الله الغنوي باب قتيبة بن مسلم فأساء إذنه فقال:

كَيْفَ المُقَامُ أبَا حَفْصٍ بِسَاحَتِكُمْ
وأنْتَ تُكْرِمُ أصْحَابِي وتَجْفُونِي
أرَاهُمُ حِينَ أغْشَى بَابَ حُجْرَتِكُمْ
يَدْعُوهُمُ النَّقَرَى دُونِي ويَقْصُونِي
كَمْ مِنْ أمِيرٍ كَفَانِي اللهُ سَخْطَتَهُ
مُذْ ذَاكَ أَوْلَيْتُهُ مَا كَانَ يُولِينِي
إنِّي أبَى لِيَ أنْ أرْضَى بِمَنْقَصَةٍ
عَمٌّ كَرِيمٌ وخَالٌ غَيْرُ مَأْفُونِ
خَالِي كَرِيمٌ وعَمِّي غَيْرُ مُؤْتَشِبِ
ضَخْمُ الجُمَالَةِ أبَّاءٌ عَلَى الهُونِ

وقال المدائني: كان مسلمة بن عبد الملك تزوج ابنة زفر بن الحارث الكلابي، وكان ببابه عاصم بن زيد الهلالي، والهذيل وكوثر ابنا زفر، فكان يأذن لهما قبل عاصم. فقال:

أمَسْلَمُ قَدْ مَنَّيْتَنِي وَوَعَدْتَنِي
مَوَاعِدَ صِدْقٍ إنْ رَجَعْتَ مُؤَمَّرَا
أيُدْعَى هُذَيْلٌ ثُمَّ أُدْعَى وَرَاءَهُ
فَيَا لَكَ مَدْعًى مَا أذَلَّ وأحْقَرَا
وكَيْفَ ولَمْ يَشْفَعْ لِي اللَّيْلَ كُلَّهُ
شَفِيعٌ وقَدْ أَلْقَى قِنَاعًا ومِئْزَرَا
فَلَسْتُ بِرَاضٍ عَنْكَ حَتَّى تُحِبَّنِي
كَحُبِّكَ صِهْرَيْكَ الهُذَيْلَ وكَوْثَرَا

وقال الأصحم — أحد بني سعد بن مالك بن صعصعة بن قيس بن ثعلبة — يذكر خالد بن عبد الله القسري وأبان بن الوليد البجلي، وحَجَبَه خالدٌ:

ومَنْزِلَةٍ لَيْسَتْ بِدَارِ مَثَابَةٍ
أطَالَ بِهَا حَبْسِي أبَانُ وخَالِدُهْ
فإنْ أنَا لَمْ أتْرُكْ بِلَادًا هُمَا بِهَا
فَلَا سَاغَ لِي مِنْ أعْذَبِ المَاءِ بَارِدُهْ
إذَا مَا أَتَيْتُ البَابَ صَادَفْتُ عِنْدَهُ
بَجِيلَةَ أمْثَالَ الكِلَابِ تُرَاصِدُهْ
عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الخَزِّ تَبْكِي كَمَا بَكَتْ
كَرَاسِيُّهُ مِنْ لُؤْمِهِ ووَسَائِدُهُ
ويُدْعَوْنَ قُدَّامِي ويُجْعَلُ دُونَنَا
مِنَ السَّاجِ مَسْمُورًا تَئِطُّ حَدَائِدُهْ

وقال المدائني: كان تميم بن راشد مولى باهلة حاجبًا لقتيبة بن مسلم في خراسان، فكان يأذن لسويد بن هوبر النهشلي ومخفر بن حرب الكلابي قبل الحصين بن المنذر الرقاشي، فقال الحصين:

وإنِّي لَأَلْقَى مِنْ تَمِيمٍ وبَابِهِ
عَنَاءً ويَدْعُو مُخْفَرًا وابْنَ هَوْبَرَا
نَزِيعَينِ مِنْ حَيَّيْنِ شَتَّى كَأَنَّمَا
يَرَى بِهِمَا البَوَّابُ كِسْرَى وقَيْصَرَا

وقال عبيد الله بن الحر الفاتك لعبد الله بن الزبير — وشكا إليه مصعبًا وحجبه — فقال:

وأَبْلِغْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ نَصِيحَتِي
فَلَسْتُ عَلَى رَأْيٍ قَبِيحٍ أُوَارِبُهْ
أَفِي الحَقِّ أنْ أُجْفَى ويَجْعَلُ مُصْعَبٌ
وَزِيرًا لَهُ مَنْ كُنْتُ فِيهِ أُحَارِبُهْ
ومَا لِامْرِئٍ إلَّا الَّذِي اللهُ سَائِقٌ
إلَيْهِ ومَا قَدْ خَطَّ فَي الزُّبْرِ كَاتِبُهْ
إذَا مَا أَتَيْتُ البَابَ يَدْخُلُ مِسْلَمٌ
ويَمْنَعُنِي أنْ أَدْخُلَ البَابَ حَاجِبُهْ
لَقَدْ رَابَنِي مِنْ مُصْعَبٍ أنَّ مُصْعَبًا
أَرَى كُلَّ ذِي غِشٍّ لَنَا هُوَ صَاحِبُهْ

وقال يحيى بن نوفل لخالد بن عبد الله القسري، وقد حجبه:

فَلَوْ كُنْتُ عُوتِيًّا لَأَدْنَيْتَ مَجْلِسِي
إلَيْكَ أَخَا قَسْرٍ ولَكِنَّنِي فَحْلُ
رَأَيْتُكَ تُدْنِي نَاشِئًا ذَا عَجِيزَةٍ
بِمَحْجَرِ عَيْنَيْهِ وحَاجِبِهِ كُحْلُ
فوَاللهِ مَا أدْرِي إذَا مَا خَلَوْتُمَا
وأَرْخَيْتُمَا الأَسْتَارَ أيكُمَا الفَحْلُ

وقال عمرو بن الوليد في عقبة بن أبي مُعيط:

أَفِي الحَقِّ أنْ نُدْنَى إذَا مَا فَزِعْتُمُ
ونُقْصَى إذَا مَا تَأْمَنُونَ وَنُحْجَبُ
ويُجْعَلَ فَوْقِي مَنْ يَوَدُّ لَوَ انَّكُمْ
شِهَابٌ بِكَفَّي قَابِسٍ يَتَلَهَّبُ
فَإنْ أنْتُمُ دَاوَيْتُمُ الكلْمَ ظَاهِرًا
فَمَنْ لِكَلُومٍ فِي الصُّدُورِ تُحَوَّبُ
فَقُلْتُ وقَدْ أَغْضَبْتُمُونِي بِفِعْلِكُمْ
وكُنْتُ امْرَأً ذا مِرَّةٍ حِينَ أَغْضَبُ
أَمَا لِيَ فِي أَعْدَادِ قَوْمِيَ وَاحِدٌ
ولَا عِنْدَ قَوْمِي إنْ تَعَتَّبْتُ مَعْتَبُ؟

المدائني قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج أن يستعمل سبع بن مالك على سجستان، فوَلَّاه إيَّاها، فأتاه الضحاك بن هشام فلم يُنله خيرًا وأقصاه، فقال:

ومَا كُنْتُ أَخْشَى يَا ابْنَ كَبْشَةَ أَنْ أَرَى
لِبَابِكَ بَوَّابًا ولِاسْتِكَ مِنْبَرَا
ومَا شَجَرَ الوَادِي دَعَوْتُ ولَا الحَصَى
ولَكِنْ دَعَوْتُ الحُرْقَتَيْنِ وجَحْدَرَا
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ فَلَمْ نَدَعْ
لِعَيْنَيْكَ فِي آفَاقِهَا الخُضْرِ مَنْظَرَا
من مُدح برفع الحجاب: قال أيمن بن خريم في بشر بن مروان:
ولَوْ شَاءَ بِشْرٌ كَانَ مِنْ دُونِ بَابِهِ
طَمَاطِمُ سُودٌ أوْ صَقَالِبَةٌ حُمْرُ
ولَكِنَّ بِشْرًا سَهَّلَ البَابَ لِلَّتِي
يَكُونُ لَهُ مِنْ دُونِهَا الحَمْدُ والشُّكْرُ
بَعِيدُ مَرَادِ الطَّرْفِ مَا رَدَّ طَرْفَهُ
حذَارَ الغَوَاشِي بَابُ دَارٍ ولَا سِتْرُ

وله أيضًا في عبد العزيز:

لِعَبْدِ العَزِيزِ عَلَى قَوْمِهِ
وغَيْرِهِمُ مِنَنٌ ظَاهِرَةْ
فَبَابُكَ أَلْيَنُ أَبْوَابِهِمْ
ودَارُكَ مَأْهُولَةٌ عَامِرَةْ
وكَلْبُكَ أَرْأَفُ بِالمُعْتفِينَ
مِنَ الأُمِّ بِابْنَتِهَا الزَّائِرَةْ
وكَفُّكَ حِينَ تَرَى السَّائِلِيـ
ـنَ أَنْدَى مِنَ اللَّيْلَةِ المَاطِرَةْ
فَمِنْكَ العَطَاءُ ومِنَّا الثَّنَاءُ
بِكُلِّ مُحَبَّرَةٍ سَائِرَةْ

ولآخر أيضًا:

مَا لِي أَرَى أبْوَابَهُمْ مَهْجُورَةً
وكَأَنَّ بَابُكَ مَجْمَعُ الأَسْوَاقِ
إنِّي رَأَيْتُكَ لِلمَكَارِمِ عَاشِقًا
والمَكْرَمَاتُ قَلِيلَةُ العُشَّاقِ

وللتميمي:

يَزْدَحِمُ النَّاسُ عَلَى بَابِهِ
والمَنْهَلُ العَذْبُ كَثِيرُ الزِّحَامْ

ولأشجع بن عمرو السلمي:

عَلَى بَابِ ابْنِ مَنْصُورٍ
عَلَامَاتٌ مِنَ البَذْلِ
جَمَاعَاتٌ وحَسْبُ البَا
بِ جُودًا كَثْرَةُ الأَهْلِ

وأنشدت لعمارة بن عقيل في خالد بن يزيد:

تَأْبَى خَلَائِقُ خَالِدٍ وفِعَالُهُ
إلَّا تَجَنُّبَ كَلِّ أمْرٍ عَائِبِ
وإذَا حَضَرْنَا البَابَ عِنْدَ غَدَائِهِ
أذِنَ الغَدَاءُ بِرَغْمِ أَنْفِ الحَاجِبِ

وأنشدت لبعضهم:

أبْلَجُ بَيْنَ حَاجِبَيْهِ نُوْرُهُ
إذَا تَغَدَّى رُفِعَتْ سُتُورُهُ

ولثابت قطنة في يزيد بن المهلب:

أبَا خَالِدٍ زِدْتَ الحَيَاةَ مَحَبَّةً
إلَى النَّاسِ أنْ كُنْتَ الأمِيرَ المُتَوَّجَا
وحَقٌّ لَهُمْ أنْ يَرْغَبُوا فِي حَيَاتِهِمْ
وبَابُكَ مَفْتُوحٌ لِمَنْ خَافَ أوْ رَجَا
يَزِيدُ الَّذِي يَرْجُو نَدَاكَ تَفَضُّلًا
وتُؤْمِنُ ذَا الإِجْرَامِ إنْ كُنْتَ مُحْرَجَا
فيمن أُمل حجابه ولم يذم عليه: المدائني قال: حضر أبو سفيان بن حرب باب عثمان بن عفان فحُجب عنه، فقال له رجل يغريه به: حجبك أمير المؤمنين يا أبا سفيان! فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء أن يحجبني حجبني. وأنشدني الطائي في إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
يَا أيُّهَا المَلِكُ المَأْمُولُ نَائِلُهُ
وَجُوُدُهُ لِمَرَاعِي جُودِهِ كَثَبُ
لَيْسَ الحِجَابُ بِمُقْصٍ عَنْكَ لِي أَمَلًا
إنَّ السَّمَاءَ تُرَجَّى حِينَ تَحْتَجِبُ

وله في مالك بن طوق:

قُلْ لِابْنِ طَوْقٍ رَحَى سَعْدٍ إذَا خَبَطَتْ
حَوَادِثُ الدَّهْرِ أَعْلَاهَا وأَسْفَلَهَا
أَصْبَحْتَ حَاتمَهَا جُودًا وأَحْنَفَهَا
حِلْمًا وكَيِّسَهَا عِلْمًا ودَغْفَلَهَا
مَا لِي أَرَى القُبَّةَ الفَيْحَاءَ مُقْفَلَةً
عَنِّي وقَدْ طَالَمَا اسْتَفْتَحْتُ مُقْفَلَهَا
كَأَنَّهَا جَنَّةُ الفِرْدَوْسِ مُعْرَضَةً
ولَيْسَ لِي عَمَلٌ زَاكٍ فَأدْخُلَهَا

ولأبي عبد الرحمن العطوي في ابن المدبر:

إذَا أنْتَ لَمْ تُرْسِلْ وجِئْتُ فَلَمْ أصِلْ
مَلَأْتُ بِعُذْرٍ مِنْكَ سَمْعَ لَبِيبِ
قَصَدْتُكَ مُشْتَاقًا فَلَمْ أَرَ حَاجِبًا
ولَا نَاظِرًا إلَّا بِعَيْنٍ غَضُوبِ
كَأَنِّي غَرِيمٌ مُقْتَضًى أَوْ كَأَنَّنِي
طُلُوعُ رَقِيبٍ أوْ نُهُوضُ حَبِيبِ
فَقُمْتُ وقَدْ فَكَّ الحِجَابُ عَزِيمَتِي
عَلَى شُكْرِ سَبْطِ الرَّاحَتَيْنِ وَهُوبِ
عَلَيَّ لَهُ الإخْلَاصُ مَا رَدَعَ الهَوَى
أَصَالَةُ رَأْيٍ أوْ وَقَارُ مَشِيبِ

وأنشدني الخثعمي:

كَيْفَ مَا شِئْتَ فَاحْتَجِبْ يَا أبَا اللَّـ
ـيْثِ ومَنْ شِئْتَ فَاتَّخِذْ بَوَّابًا
أَنْتَ لَوْ كُنْتَ دُونَ أعْرَاضِ قَحْطَا
نٍ وأَسْبَلْتَ دُونَهُ الأَبْوَابَا
لَرَأيْنَاكَ فِي مَرَايَا أيَادِيـ
ـكَ يَقِيِنًا ولَوْ أَطَلْتَ الحِجَابَا

وأنشدني البلاذُري في عبيد الله بن يحيى بن خاقان:

قَالُوا اصْطِبَارُكَ لِلحِجَابِ وذُلِّهِ
عَارٌ عَلَيْكَ مَدَى الزَّمَانِ وعَابُ
فَأَجَبْتُهُمْ ولِكُلِّ قَوْلٍ صَادِقٍ
أوْ كَاذِبٍ عِنْدَ الكَرِيمِ جَوَابُ
إنِّي لَأَغْتَفِرُ الحِجَابَ لِمَاجِدٍ
لَيْسَتْ لَهُ مِنَنٌ عَلَيَّ رِغَابُ
قَدْ يَرْفَعُ المَرْءُ اللَّئِيمُ حِجَابَهُ
ضَعَةً ودُونَ العُرْفِ مِنْهُ حِجَابُ
والحُرُّ مُبْتَذَلُ النَّوَالِ وإنْ بَدَا
مِنْ دُونِهِ سِتْرٌ وأُغلِقَ بَابُ

يقول حسن بن أحمد السندوبي جامع هذه الرسائل وكاشفها: قد نقلت هذه الرسالة عن الشهاب الخفاجي، وفي نفسي من نسبتها إلى الجاحظ شيء ربما بَيَّنتُه في قولٍ خاص.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤