كنز في الثلاجة

عاد «تختخ» مُسرعًا إلى كوخ عمِّ «مفتاح»، فوجد الأصدقاء قد عادُوا جميعًا. أشار إليهم من بعيد، ثم ركب دراجته واتجه مسرعًا إلى منزله، وتبعه الأصدقاء حيث اجتمعوا في «غرفة العمليات».

طلب «تختخ» تقريرًا من الأصدقاء عما شاهَدُوه فقال «محب»: لقد وجدنا الرجل المطلوب، كان يَحمل سنارة يُحاول أن يَصطاد بها شيئًا من قاع النهر قرب الشاطئ، ومن الواضح أنه لم يكن يَصطاد سمكًا … وعندما أحسَّ أننا نُراقبه ابتعد بالقارب حتى اختفى عن أنظارنا، فعُدنا لانتظارك.

قال «تختخ»: عندي لكم مُفاجأة … لقد عثرتُ على الشيء الذي حرص الأستاذ «فاخر» على إخفائه عن كل الناس … الشيء الذي دخل اللص من أجله إلى منزل «فاخر» وقلبه رأسًا على عقب … الشيء الذي أخذه «فاخر» وأسرع يجري به وهو في ملابس النوم … ثم أخفاه في قاع النهر حتى لا يعثر عليه أحد.

حبس الأصدقاء أنفاسهم وهم يستمعون إلى «تختخ» ثم قالت «لوزة» متلهفة: ما هو هذا الشيء يا «تختخ»؟

تختخ: حاوِلُوا أن تَستنتجُوا!

لوزة: إنه كنز!

نوسة: مجموعة من الجواهر الثمينة.

عاطف: قطعة من الآثار القديمة الثمينة.

محب: خريطة سرية، أو خطة سرية.

تختخ: آسف جدًّا فلم يَعرف أحد منكم السر، ولا حتى اقترب منه، وليس هذا خطأكم … لأنَّ الشيء الهام جدًّا … ليس إلا ملابس حقيرة لعروسة صغيرة.

صاح الأصدقاء في نفَس واحد: ملابس عروسة؟!

تختخ: نعم ملابس عروسة، وقد أخفيتُها على الشاطئ تحت حجر كبير هناك حتى لا يراها أحد وهي معي، ولكني أحضرت منها جزءًا واحدًا، سيُذكِّركم بشيء آخر.

ثم مدَّ «تختخ» يده في جيبه، وأخرج القفاز الأحمر الصغير.

صمت الأصدقاء لحظات ثم قالت «لوزة»: إنه يُماثل القفاز الصغير الذي وجدتَه في منزل «فاخر» يا «تختخ».

تختخ: تمامًا ومن الواضح أن الفردة التي عثرنا عليها في المنزل سقطت من «فاخر» في أثناء إسراعه بالخروج من المنزل قبل أن يُقابل اللص … وعلينا الآن أن نعرف قيمة هذه الملابس التي لا تُساوي شيئًا، والتي يدور عليها الصراع بين اللص، وبين «فاخر»!

أحضر «تختخ» الفردة الأخرى، وقارَنَها بالتي عثر عليها في الحقيبة، فاتَّضح أنهما مُتماثِلتان تمامًا … ولكن ما قيمة كل ذلك؟

قضى الأصدقاء بقية النهار يتحدَّثون، ويضعون كافة الاستنتاجات والاحتمالات والخطط التي يُمكِن أن تُؤدي إلى حلِّ اللغز، أو مقابلة الرجل الأحول الذي كان على الشاطئ.

وأخيرًا قال «تختخ»: من المُمكن أن نَرتاح بقية اليوم وسوف أذهب بعد أن يَهبط الظلام لإحضار الحقيبة من الشاطئ لعلنا نعثر في بقية الملابس على ما يُبدِّد هذا الظلام الذي يُحيط باللغز … واللص … والملابس … والأستاذ «فاخر».

انصرف الأصدقاء جميعًا، وبقي «تختخ» وحده، وفي المساء خرج ومعه «زنجر» للذهاب إلى شاطئ النهر لإحضار الحقيبة الزرقاء، وبينما كان «تختخ» يمرُّ بالحديقة ليَخرُج من بابها الخلفي كما اعتاد أن يفعل، شعر شعورًا غامضًا أن هناك شخصًا ما في الخارج، وأن هذا الشخص يُراقبه ولكنه تصوَّر أن هذا مجرَّد وهم.

سار «تختخ» مُسرعًا عبر طرقات المعادي الهادئة وهو يُفكِّر فيما سيَفعل بالحقيبة، وما هي الأسرار المرتبطة بملابس عروسة صغيرة لا قيمة لها.

وفجأةً عاوَدَه الإحساس بأن شخصًا يسير خلفه، ويتبعه فقرَّر أن يدور حول أقرب ناصية منه وينتظر الشخص المجهول. وفعلًا استدار حول ناصية على اليمين، ووقف وقد تسارعت أنفاسُه في انتظار الشخص ومرَّ به فعلًا عدة أشخاص، ولكنه لم يتعرَّف على شخص يُمكن أن يكون الشخص الذي يتبعه.

استبعد «تختخ» الفكرة من رأسه، وقال لنفسه: ربما كانت هذه الأفكار من التوتُّر الذي أشعر به بعد هذا اليوم الحافل.

وصل «تختخ» إلى الكورنيش. واختار مكانًا مُظلمًا ثم قفَز منه إلى الشاطئ يتبعه «زنجر» حتى وصل إلى مكان الحقيبة فأخرجها.

اختار «تختخ» طريقًا آخر غير الذي أتى منه حتى يُضلِّل الشخص الذي يتبعه … إذا كان هناك شخص. ولكن ما كان يَخشى وقوعه … وقع … فبينما كان يسير في أحد الشوارع الخالية من المارة، سمع صوت سيارة تُقبِل مسرعة نحوه، ولولا أنه استطاع في اللحظة الأخيرة أن يُلقيَ نفسَه على الرصيف لداسته العربة وقضَت عليه، ولكن العربة تجاوزته ومضت مسرعة.

تأكَّد «تختخ» أن شخصًا أو أشخاصًا يتبعونه يُهمهم الحصول على الحقيبة الزرقاء، فقرَّر أن يقطع المسافة الباقية إلى البيت جريًا، وهكذا بدأ يجري و«زنجر» خلفه. ولم يتوقَّف حتى وصل إلى البيت.

كان والداه ما زالا في السينما، فلم يكن في المنزل سواه، والشغالة التي كانت نائمةً. تصور «تختخ» أن الرجل الذي يتبعه قد يُحاول السطو على البيت ليلًا، وهكذا أخذ يُفكِّر في مكانٍ يُخفي فيه الحقيبة، لا يستطيع اللص الوصول إليه، فدار في المنزل يفكر ثم استقر رأيه على أن يخفيها في الثلاجة حيث لا يتصور اللصُّ أنه يخفيها هناك.

صعد «تختخ» إلى غرفته وكان متعبًا من اليوم المرهِق، والجري الطويل وسرعان ما نام.

لم يعرف «تختخ» كم من الوقت مضى، لكنه استيقظ فجأةً على صوت «زنجر» يَنبح، ثم سمع حركة مُضطربة في الدور الأسفل، فغادَرَ فِراشه مسرعًا، وأضاء النور ثم قفز درجات السلم جريًا إلى الدور الأسفل، وكم كانت دهشته عندما وجد غرفة الصالون مفتوحة، وقد بدا أنَّ شخصًا قد عبث بها. وكذلك كانت الصالة، وغرفة مكتب والده، ثم سمع صوت أقدام على السلَّم، ورأى والديه يَنزلان وقد بدا عليهما الانزعاج الشديد.

قال والد «تختخ»: ماذا حدث؟ … لقد سمعنا «زنجر» ينبح بشدة، وسمعنا حركة.

تختخ: يبدو يا أبي أن لصًّا أو لصوصًا دخلوا المنزل في محاولة لسرقة شيء.

والدة «تختخ»: لقد بدا لي وأنا نائمةٌ أني أسمع صوت أقدام خفيفة في الطابق الأعلى، ولكنِّي كنت أعتقد أنني واهمةٌ.

تختخ: هل فتحتِ أدراج الدولاب، واطمأننتِ على مجوهراتِك؟ لم تكد والدة «تختخ» تسمع كلمة المجوهرات حتى صعدت مُسرعة إلى فوق وتبعها والده، وهذا ما كان يُريده «تختخ»؛ فقد أسرع إلى المطبخ وفتح الثلاجة … وكانت الحقيبة الزرقاء في مكانها!

ابتسم «تختخ»، لقد استطاع أن يَخدع اللص، ويُخفي الحقيبة في مكانٍ آخر … مكان لا يُمكن أن يتصور اللص أنه أخفاها فيه. عاد «تختخ» إلى الصالة، وكان والداه قد عادا من فوق، فقالت والدته: لم يُسرَق أي شيء … والفضل ﻟ «زنجر»، الذي استطاع أن يَكشِف اللص قبل أن يَصل إلى ما كان يبحث عنه.

تذكَّر «تختخ» «زنجر» فأسرع إلى الحديقة، وكان «زنجر» ما زال ينبح في إصرار فقال له: لا فائدة من النباح يا «زنجر» لقد قمتَ بواجبك تمامًا … ولا أظن أن اللص سيُحاول العودة هذه الليلة.

عاد «تختخ» إلى غرفته، وأخذ يُفكر فيما حدث … ويسأل نفسه عن أهمية هذه الحقيبة العجيبة التي دفعت اللصوص إلى محاولة قتلِه بالسيارة ثم اقتحامهم البيت ليلًا!

ظل «تختخ» يُفكِّر حتى غلبَه النوم فنام، ولم يستيقظ مرةً أخرى إلا في الصباح، فأسرع إلى المطبخ حيث أخرج الحقيبة التي كانت باردةً للغاية ثم صعد بها إلى غرفته، واتصل بالأصدقاء فحضروا جميعًا.

قصَّ «تختخ» عليهم كل ما حدث في الليل فقال «محب»: أقترح أن نُعاوِد فحص الحقيبة والثياب مرةً أخرى لعلنا نستطيع الوصول إلى شيء يكشف هذا الغموض العجيب.

ووافق الجميع على هذا الاقتراح. فأمسكوا الحقيبة الباردة، وأخرجوا الملابس التي بها، وفتَّشوا الحقيبة نفسها جيدًا بحثًا عن جيوب سرِّية بها، ولكنهم لم يجدوا فيها أي شيء. ثم أخذوا يُفتِّشون ثياب العروسة … البنطلون الأزرق، والبالطو … والشراب … والحذاء … لا شيء على الإطلاق … لا شيء في أيٍّ منها.

قالت «نوسة»: إنني أحسُّ كأنني في كابوس … فلم يَسبق لنا أن وجدنا لغزًا بهذا الغموض … فهذه ملابس حقيرة لا قيمة لها، ومع ذلك فهناك عصابة تُحاول الحصول عليها بأي ثمنٍ … وها هي ذي الملابس أمامنا لا نجد فيها أي شيء له أهمية …

لوزة: لنجرب «زنجر»؛ لعله يَستطيع حل اللغز. وضحكَ الجميع عندما وجدوا «لوزة» تُنفِّذ ما قالت وتُعطي الملابس لزنجر قائلة: والآن أيها البطل، حاول أن تجد حلَّ اللغز في هذه الملابس.

ولم يتردَّد «زنجر»، فأخذ يحمل كل قطعة من الملابس إلى ركن الحجرة، ويضعها هناك.

وبين ضحك الجميع وتعليقاتهم أخذ يعبث في الملابس بأسنانه وأظافره، حتى كاد يُمزِّقها فقال عاطف: «لوزة» … لا داعي للهزار في هذه المسألة، إن «زنجر» بالطبع لن يصلَ إلى أيِّ شيء … هاتي الملابس من فضلك، ودعينا نحاول مرة أخرى.

استطاعت «لوزة» أن تستعيد الملابس من «زنجر» بعد محاورة طويلة، وبقي الكلب الأسود مُمسكًا بالبالطو الصغير بين أسنانه وأظافره لا يريد تركه. حتى اضطرت «لوزة» في النهاية أن تجذبَه منه بقوة، فتمزقت ياقة البالطو … وأمام أعين الجميع … ولدهشتهم الشديدة بدا تحت ثنية الياقة منديل صغير جدًّا، لا يَزيد على حجم ورقة الكوتشينة، ومن الحرير الرقيق. مدَّ «تختخ» يده فأخرج المنديل، وفرَدَه جيدًا أمام أعين الأصدقاء الذين شاهدوا عليه حروفًا مكتوبة قرأها «تختخ» وكانت «أ. ر. و. ك. ل. ي. س».

نطقها «تختخ» حرفًا حرفًا ثمَّ نطقها مرةً واحدة «أروكليس» وردَّد الجميع: «أروكليس»!

نظر «تختخ» إلى الأصدقاء قائلًا: ما هذا … «أروكليس» … إنه اسم يونانيٌّ … ولكن ما معناه؟

لم يَردَّ أحد فردَّد «تختخ» الاسم مرةً أخرى في بطء، وهو يفكر جيدًا ثم صاح: عرفته … عرفته … يا له من دليل!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤