اللص يكسب جولة

أخذ الأصدقاء ينظرون إلى «تختخ» باستغرابٍ شديدٍ، وهم لا يعرفون ماذا عرف بالضبط. وما معنى كلمة «أروكليس» وأخيرًا قطعت «لوزة» الصمت متسائلة: ماذا عرفت يا «تختخ»، وأي دليلٍ هذا الذي عرفته؟

تختخ: أنتم تعرفون أني قضيت الشهور الماضية أتمرَّن على الحديث من البطن، وخلال تلك الشهور قرأتُ عديدًا من الكتب عن هذه الطريقة العجيبة … وقد قرأت اسم «أروكليس» في أحد هذه الكتب … وهو رجلٌ يوناني قديم، كان أشهر من تحدث من البطن قديمًا … ومن يومها أصبح كلُّ من يتحدث من البطن يحمل هذا الاسم.

عاطف: ولكن ما صلة كل هذا بالمنديل … وملابس العروسة … وسرقة شقة الأستاذ «فاخر»؟ إنني لا أرى أيَّ صلة.

تختخ: بالعكس … إن ملابس العروسة التي وجدْناها في قاع النيل أصغر من أن تكون ملابس طفلة حقيقية. وأكبر من ملابس العروسة التي يلعب بها الأطفال … إنها في الغالب ملابس عروسة من التي يَستعملها السحرة والحُواة في حِيَلهم لتسلية الناس … وبعض هؤلاء السحرة والحواة يُجيد الحديث من البطن، فصاحب هذه الملابس ساحر أو حاوٍ.

محب: معنى هذا أن الأستاذ «فاخر» حاوٍ أو ساحر؟

تختخ: لا أدري … ولكن في الإمكان معرفة ذلك، بأن نسأل عن مهنة الأستاذ «فاخر».

نوسة: فإذا فرضنا أننا وجدنا الأستاذ «فاخر» ساحرًا فعلًا، فما هو السرُّ في إخفاء الملابس بهذه الطريقة، ولماذا هرب من بيته ليلًا بالبيجامة؟ ثم لماذا رفض تدخل رجال الشرطة في حل لغز اللص؟ … إن المسألة أهم بكثير من مسألة ساحر أو حاوٍ، فلستُ أجد في هذه الملابس البسيطة ما يستحق كل هذا الغموض.

تختخ: معكِ الحق يا «نوسة»، ولكن ما دمنا قد أمسكنا بأول الخيط فسوف نستطيع الوصول إلى بقية حلِّ اللغز.

لوزة: أقترح أن نذهب إلى الكازينو حيث هواء النيل فقد نستطيع هناك أن نحل اللغز بطريقة أفضل.

تختخ: بالتأكيد. … فإنَّ طبقًا من الجيلاتي اللذيذ، سوف يُساعدنا على التفكير بطريقة أفضل.

وبعد لحظات، كان الأصدقاء الخمسة والكلب «زنجر» في طريقهم إلى الكازينو وقد استغرقوا في التفكير. وفي الكازينو طلبوا الجيلاتي المثلَّج، وجلسوا حوله يتبادَلون الحديث … ولكن حديثهم قطع فجأة عندما ظهر الشاويش «فرقع» أمامهم، وقد بدا مهمومًا وحزينًا كأنه يَحمل الدنيا على رأسه. ولكن الشاويش كان لطيفًا معهم على غير عادته فقد ألقى عليهم التحية ثم قال ﻟ «تختخ»: كيف حالك الآن؟

تختخ: شكرًا على سؤالك … إني كما ترى على ما يُرام، وليس هناك مشاكل هذه الأيام، ولا ألغاز لحلِّها.

بدا على الشاويش التردُّد لحظة، وكأنه لا يصدق ما يقوله «تختخ»، ثم سحب كرسيًّا وقال: أرجو أن تسمحوا لي بالجلوس معكم قليلًا. وقبل أن يسمع ردًّا، وضع الكرسي بجوارهم وجلس قائلًا: إن لي حديثًا معكم — كأصدقاء طبعًا — فهل تسمحون؟

أحسَّت «لوزة» بالحزن على الشاويش الذي تنازل فجأة عن كبريائه وجاء يرجوهم السماح له بالحديث معهم.

ومضى الشاويش: أستاذ «توفيق» هل تذكر يوم سرقة منزل الأستاذ «فاخر» عندما التقينا هناك؟

تختخ: أذكر طبعًا، منذ كنتُ أُحاول إنقاذ القطة الصغيرة.

الشاويش: لقد أرسلتُ تقريرًا للمفتش «سامي» بكل ما حدث في هذا اليوم، خاصة الأصوات الغريبة التي كانت ترنُّ في البيت؛ أصوات الحمير والجياد والقطط والكلاب وغيرها … هذه الحيوانات التي سمعنا معًا صوتها، ولكنَّنا لم نجدها … ألم يَحدُث ذلك؟

أحسَّ «تختخ» أنه يُريد أن يضحك … ويضحك … حتى يقع على الأرض لسذاجة الشاويش والمقلب الذي وقع فيه … ولكنه تذكَّر المفتش «سامي» وكيف سيغضب إذا علم بالخدعة … فهو لا يحبُّ تضليل رجاله، خاصَّة في هذه القضية الغامضة، وهكذا كتَم ضحكتَه وقال للشاويش: لقد حدث طبعًا يا حضرة الشاويش، وقد سمعتُ هذه الأصوات معك.

الشاويش: هذا ما أردتُ التأكُّد منه … فقد طلَبَني المفتش تليفونيًّا وأخذ يسخر منِّي ومن خيالاتي، وقال لي إنه لا يوجد عاقل واحد في الدنيا يصدق هذا الكلام الفارغ فاضطررتُ أن أقول له إنكَ كنت موجودًا، وسمعت هذه الأصوات معي، وسوف أطلبك للشهادة في أيِّ وقت، فأرجو أن تشهد بذلك.

غادَرَ الشاويش الكازينو وقد هدأت أعصابه، بينما جلس المغامرون الخمسة يضحكون، عدا «تختخ» الذي كان مُستغرقًا في تفكير عميق.

بعد فترة في الكازينو قرَّروا العودة إلى «غرفة العمليات» في منزل «تختخ» لفحص الملابس مرةً أخرى … ولكن عندما وصلوا إلى البيت … ودخلوا الغرفة كانت في انتظارهم مفاجأة قاسية.

كانت «غرفة العمليات» مقلوبة. وكل شيء فيها مبعثرًا … أما الصندوق الصغير الذي وضعُوا فيه ملابس العروسة فقد اختفى … اختفى تمامًا وبدا واضحًا أن اللص قد راقب المنزل حتى خرج الأصدقاء ثم دخل من باب الحديقة الخلفي وتسلَّق مواسير المياه، ودخل من نافذة الغرفة التي كانت مفتوحة!

صاح «تختخ» بغضب: يا لنا من أغبياء! لقد تركنا أهم دليل حصلنا عليه يقع في يد اللصِّ بمنتهى البساطة … إننا لا نصلح كمغامرين ولا أي شيء آخر … لقد ضاع منا اللغز … ضاع الحل …!

أخذ «تختخ» يدور في الغرفة ساخطًا غاضبًا، وكادت «لوزة» تبكي لأنها لم تره على هذه الدرجة من الغضب من قبل.

قال «محب»: ولكن هذا لصٌّ غير عادي … إنه لصٌّ شديد الجرأة حتى إنه يدخل البيوت نهارًا مُعرِّضًا نفسه للقبض عليه … ولا بد أن المسألة مهمة جدًّا.

تختخ: الآن فقط تبيَّنت أهميتها. إن وراء ملابس العروسة لغزًا خطيرًا … ربما أخطر لغز مرَّ بنا على الإطلاق.

نوسة: على كل حالٍ، بدلًا من إضاعة الوقت في الغضب والحزن … تعالوا نرتِّب الغرفة مرةً أخرى.

انهمَك الجميع في تنظيم الغرفة، بينما كان «زنجر» يدور تحت الكراسي يلعب بشيء صغير … فنظرت إليه «لوزة» ولكنَّها لم تهتمَّ به.

قال «تختخ»: سأنزل لأسأل والدتي عن شيء وأعود لكم.

أسرع «تختخ» إلى والدته التي كانت مشغولةً بتجهيز الغداء مع الشغالة فقالت له قبل أن يتحدث: إنك تُزعجنا كثيرًا بالتمارين التي تقوم بها للحديث من البطن، لقد سمعت أصواتًا غريبة في غرفتِك وكدت أصعد لأرى ما حدث، ولكنَّني تذكرت أنني سمعتُ هذه الأصوات من قبل، وأنك قلت لي إنك تتمرَّن على الكلام من البطن.

أدرك «تختخ» ما حدث؛ فقد سمعت أمه صوت أقدام اللص وحركته داخل الغرفة ولكنها ظنَّت أنه يتمرَّن على الحديث من البطن، فلم تهتمَّ ببحث المسألة … ولم يجد «تختخ» فائدةً في سؤالها؛ فقد كان يريد أن يسأل إذا كانت قد سمعت أصواتًا غريبة في غرفته.

استدار «تختخ» ليعود إلى الأصدقاء، ولكن والدته استمرت في الحديث قائلة: لقد اتَّصل بك المفتش «سامي» منذ لحظات، وهو يرجو أن تتصل به سريعًا …

أدرك «تختخ» أنه وقع في مأزقٍ سخيفٍ؛ فسوف يسأله المُفتِّش عما جاء في تقرير الشاويش، وسوف يُضطرُّ لأن يذكر له الحقيقة.

قرر «تختخ» ألا يتصل بالمفتش فورًا، حتى يتمالك أعصابه بعد أن فقد الملابس التي كانت المفتاح الوحيد لحل اللغز، وقبل أن يصعد دقَّ جرس التليفون مرةً أخرى، وكان المتحدث هو المفتش، ولم يجد «تختخ» مفرًّا من الرد عليه.

سمع «تختخ» صوت المفتش في التليفون يقول: أهلًا «تختخ»! أين أنت؟ لقد سألتُ عنك منذ لحظات!

تختخ: كنتُ في الكازينو.

المفتش: لقد وصلني أغرب تقرير قرأته في حياتي، تقرير كتبه الشاويش عن حادث سرقة وقع في المعادي في منزل الأستاذ «فاخر»، وقد جاء في التقرير أن المنزل تَصدُر منه أصوات حيوانات غريبة … ولكن هذه الحيوانات غير موجودة … وقد قال الشاويش إنكَ كنت موجودًا معه، وسمعت الأصوات فما هي الحكاية بالضبط!

لم يستطع «تختخ» أن يرد، وأخذ يُفكِّر فيما سيقوله للمفتش الذي قال: «تختخ» هل تسمعُني؟ لماذا لا ترد!

تختخ: إنني أسمعُكَ يا حضرة المفتش … ولكن …

المفتش: لكن ماذا! إني أشمُّ في المسألة رائحة لعبة. فهل لك صلة بهذه الأصوات!

لم يرد «تختخ» فصاح المفتش: «تختخ» ماذا هناك! لماذا لا ترد … إنك عادةً عندك كلام كثير لتقوله … فلماذا أنت صامت؟

تختخ: الحقيقة … الحقيقة يا حضرة المفتش …

المفتش: ما هي الحقيقة … ما هي؟!

تختخ: الحقيقة أنَّني كنت أتمرَّن على الكلام من البطن.

المفتش: تقول الكلام من ماذا؟!

تختخ: من البطن.

المفتش: آه … لقد فهمتُ كلَّ شيء الآن … فأنت الذي أصدرت هذه الأصوات وخدعتَ الشاويش … وأوقعته في المشاكل.

تختخ: الحقيقة يا حضرة المفتش إنني في مشكلة أنا الآخر … فإنَّني مع بقية المغامرين نبحث في حلِّ لغزٍ غامض … ونُفتِّش عن رجل يُدعى «أروكليس».

لم يردَّ المفتش فظن «تختخ» أنه قد أنهى المكالمة فصاح: يا حضرة المفتش … هل تَسمعُني!

جاء صوت المفتش خلال أسلاك التليفون هادئًا يحمل علامات الاهتمام والخطر، قائلًا: هل تقول «أروكليس»؟!

تختخ: نعم «أروكليس»، هل هناك شيء؟

المفتش: لا تقل كلمة أخرى … لا تَقُل أي شيء حتى أحضر لك … إنني قادم بأقصى سرعة.

وضع «تختخ» السماعة وقد دارت رأسه … ماذا حدث للمفتش! ولماذا هذا الاهتمام كله بهذا الاسم … «أروكليس»؟

صعد «تختخ» إلى«غرفة العمليات»، ولكنه لم يجد الأصدقاء كانوا قد انصرفوا وتركوا له ورقة قالوا فيها: سنذهب للغداء، فإذا حصل شيء فاتصل بنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤