سر البونتياك الذهبية

عندما عاد الشياطين الستة من الجبل، وانضمُّوا إلى بقية الشياطين، وروى الجميع ما عندهم من معلومات وأحداث … بدا أن الأحداث تتشابك بطريقة معقَّدة وغير مفهومة في نفس الوقت … محاولة خطف «إلهام»، ثم مصرع الرجل ذي الوجه الأصفر بالرصاص، وتجريده من أوراقه، تخدير «قيس» وسلبه أوراقه ومفاتيحه … وقصاصة الورق والتحذير الغريب الذي فيها، محاولة نسف الشياطين في الجبل … السطو الغريب على جراج المقر السري … تحرُّكات السيارات المريبة.

كل حادثٍ من هؤلاء كان ينتهي بعلامة استفهام … وقال «أحمد» معلِّقًا: الساعة الآن الثالثة بعد منتصف الليل، وأظن أن في الإمكان أن ننام … وفي الصباح سنعقد جلسةً للشياطين معًا … لعلنا نستطيع ربط هذه الأحداث، كل بعضها ببعض.

عثمان: أظن أننا يجب أن نضع حراسة.

أحمد: بالتأكيد. ليس اليوم فقط، ولكن خلال الأيام المقبلة كلها، حتى تنتهي سلسلة الأحداث الغامضة هذه بشيء مفهوم … وعلى كل حال لن أكون أول من يقوم بالحراسة … إنني أشعر برغبة شديدة في النوم.

عثمان: سأُنظِّم الحراسة حتى الصباح … وعلى كل حال لم يبقَ إلَّا ساعات قليلة.

أحمد: أرجو أن تقوم «زبيدة» في الصباح الباكر بإرسال تقرير وافٍ إلى رقم «صفر» بهذه الأحداث كلها.

وقام الشياطين جميعًا إلى غرفهم، وساد الصمت المقر السري … ولم يبقَ ساهرًا سوى «عثمان» الذي حمل مسدسًا، وجلس في الدور الأول مصغيًا إلى كل صوت … ولكن لم يكن هناك سوى صوت تساقط المطر الخفيف على «بيروت».

في الصباح الباكر كانت «زبيدة» في غرفة اللاسلكي تُرسل تقريرًا مطوَّلًا إلى رقم «صفر» بكل الأحداث التي جرت في الليلة السابقة … وعندما انتهت منه أسرعت للَّحاق بمؤتمر الشياطين … وكان «قيس» قد استيقظ في الصباح في حالة لا بأس بها … وانضمَّ إلى المؤتمر … وطلب منه «أحمد» أن يروي للشياطين ما حدث له، قبل أن يضع الشياطين تصوُّراتهم حول الأحداث الغريبة التي وقعت في الليلة الممطرة.

قال «قيس»: انتهت نوبة العمل في الجراج الساعة السابعة والنصف كالمعتاد … وكما فعلت «إلهام» قرَّرتُ أن أُجرِّب إحدى السيارات الجديدة … ثم أتعشى في الخارج وأدخل السينما … وهكذا أغلقت الجراج وانصرفت.

زبيدة: وأخذت مفاتيح الجراج معك؟

قيس: فعلًا … ولكن لماذا هذا السؤال؟

زبيدة: لأن أعداءنا الذين لا نعرفهم جرَّدوك من المفاتيح وسرقوا السيارة الجديدة وفتحوا الجراج ليلًا لهدف سنبحثه فيما بعد.

بدا على وجه «قيس» الألم فقال «أحمد»: لا بأس، كلنا نخطئ … المهم ماذا حدث بعد ذلك؟

قيس: خرجتُ بالسيارة ووصلتُ إلى أطراف «بيروت»، ولكن الأمطار بدأت تنزل بشدة، ففضَّلت العودة، وذهبت إلى مقهى «الهورس شو» حيث تناولتُ عشاءً خفيفًا.

إلهام: ألم تُحسَّ بأحد يتبعك؟

فكَّر «قيس» قليلًا، ثم قال: ربما؛ فعندما وصلتُ إلى مشارف «بيروت» لم تكن هناك سيارات تصعد الجبل. كانت السيارات كلها في طريق العودة … ولكن لاحظتُ سيارةً تسير خلفي صاعدةً الجبل … وعندما دُرت للعودة … وجدتها تدور وتعود هي الأخرى … ولكن نظرًا لأننا لا نعالج لغزًا جديدًا ولسنا مشتبكين في الصراع مع أحد، فإن ذلك لم يلفت انتباهي.

إلهام: كم كانت الساعة؟

قيس: حوالي الثامنة والنصف. وبعدها كما قلت عدت إلى «بيروت». وبعد العشاء اتجهتُ بالسيارة إلى دار السينما وجلست … وبعد أن بدأ الفيلم بربع ساعة تقريبًا، جاء شخص وجلس بجانبي … لقد كانت السينما غير مزدحمة بسبب الجو العاصف.

أحمد: ألم تنظر إلى هذا الشخص مطلقًا؟

قيس: لا … ولكن ربما …

وسكت لحظات فقالت «إلهام»: ربما شممت رائحةً غريبة؟

التفتَ إليها «قيس» مندهشًا وقال: بالضبط! … رائحة شرقية.

قالت «إلهام»: إنه من ذوي الوجوه الصفر.

قيس: وقرب نهاية الفيلم انحنى الرجل إلى أسفل … وقبل أن أدري ما يحدث أحسست بشيء ينغرس في فخذي … والحقيقة أنني ذُهلت … ونظرتُ إلى الرجل ولكنه كان قد انصرف مسرعًا … فوقفت … ولكني أحسستُ بدوار شديد … وعاودتُ الجلوس … وحاولتُ الصياح … ولكن الصوت توقَّف في حلقي … ورأيت بعينَين غائمتَين الرجل يعود إلى جواري، ثم ذهبتُ في غيبوبة لم أُفق منها حتى الصباح … فكيف عثرتم عليَّ؟!

وروى له «بو عمير» بسرعة ما حدث، وكيف تمَّ تجريده من أوراقه، وقصاصة الورق التي وُجدت في جيبه.

وقال «أحمد»: من الواضح جدًّا أن شيئًا في الجراج يهم هؤلاء الناس ذوي الوجوه الصفر … ولكن ما هو؟!

لم يردَّ أحد من الشياطين، وقال «أحمد» موجِّهًا حديثه إلى «قيس»: ألم يحدث شيء غير عادي في الجراج أمس أثناء نوبة عملك بالنهار؟

فكَّر «قيس» قليلًا، ثم قال: لا شيء، إلَّا أن شخصًا حضر يسأل إن كان في إمكانه أن يتسلَّم سيارةً من الجراج نيابةً عن صديقه. وقال لي إن معه الأوراق الخاصة بصاحب السيارة … ولمَّا كانت هذه حالة جديدة بالنسبة لي فقد طلبت منه أن يعود اليوم بعد أن نُناقش الأمر.

بدا الاهتمام واضحًا على وجه جميع الشياطين، وقال «أحمد»: هل كان الرجل آسيوي الملامح؟

قيس: لا … إنه أمريكي؛ فقد أبرز لي جواز سفره.

أحمد: وهل اطلعت على أوراقه؟

قيس: الحقيقة أنني لم أهتم، بل لا أذكر حتى أي سيارة أراد استلامها؛ فقد رفضتُ دون أن أهتم بالسيارة ولا بصاحبها. كل ما اهتممتُ به كان مبدأ تسليم سيارة شخص لشخص آخر.

فهد: من المؤكَّد أن السيارة المطلوبة هي واحدة من السيارات الخمس الموضوعة في طرف الجراج الأيسر؛ فقد كان الآسيويون الثلاثة يُحاولون إخراج سيارة من هذا الصنف.

أحمد: هيا بنا نفحص هذه السيارات … وفي نفس الوقت عليك يا «قيس» بانتظار الرجل الذي سيحضر لاستلام السيارة. إن لنا معه حديثًا طويلًا.

نزل خمسة من الشياطين إلى الجراج … «أحمد» و«بو عمير» و«فهد» و«عثمان» و«خالد» … بينما وقف «قيس» عند باب الجراج في انتظار حضور الأمريكي.

انهمك كل واحد من الشياطين في فحص واحدة من السيارات الخمس. ماذا يمكن أن يُريد منها هذا الأمريكي … أو هؤلاء ذوي الوجوه الصفر. وظهرت «زبيدة» في هذه اللحظة وقالت: إن هناك تقريرًا من رقم «صفر» … وترك الشياطين الخمسة السيارات وصعدوا إلى الدور الثاني، حيث كان التقرير في يد «إلهام»، وجلس الشياطين جميعًا يسمعون.

من رقم صفر إلى «ش. ك. س»

لم يكشف رجال الشرطة حتى الآن عن شخصية الرجل ذي الوجه الأصفر، وليس عندي تفسير لكل ما حدث لكم. وليس في أرشيف الكهف السري، ولا في أرشيف الشرطة اللبنانية أية معلومات عن ذوي الوجوه الصفر. أُرجِّح أنهم لا يتعاملون معكم بصفتكم الشياطين اﻟ «١٣» …

وتوقَّفت «إلهام» عن القراءة لحظات، ثم قالت: هناك فقرة أخرى مستقلَّة من التقرير، يقول رقم «صفر»:

عُثر أمس في يخت إيطالي على رجل مجهول الجنسية قتيلًا. المرجَّح أن الرجل أمريكي الجنسية رغم عدم وجود أوراق معه … ولكن من ملابسه وحقائبه التي وُجدت مفتوحةً ومبعثرةً يمكن ترجيح أنه أمريكي … وقد اتضح أن اليخت وصل من إيطاليا منذ بضعة أيام … مرفق صورة للرجل … يمكن أن يقوم ثلاثة منكم بزيارة اليخت. أرسلنا إلى البوليس الدولي للبحث في ملفاتها عن الرجل … سيصلكم تقرير آخر عندما يصلنا رد البوليس الدولي … انتهى.

أمسك «أحمد» بصورة الرجل، ومدَّ شفتَيه … كان رجلًا ضخم الجسم … ضخم الرأس، يُشبه غوريلا … وقد بدت في وجهه علامات جراح قديمة. وأخذ يتذكَّر إن كان قد رآه من قبل، ولكنه كان متأكِّدًا أنه لم يرَه من قبل.

وسلَّم «أحمد» الصورة إلى بقية الشياطين الذين أخذوا يتناقلونها فيما بينهم، حتى وصلت إلى «باسم» الذي صاح: إنني أعرف هذا الرجل!

كانت هذه الجملة كأنها قنبلة انفجرت في الصالة الواسعة. وتركَّزت كل الأنظار على «باسم» الذي عاد يُضيف: هذا الرجل أودع عندنا سيارةً منذ يومَين … السيارة «البونتياك» التي تُوجد في الصف الذي كنا نفحص سياراته.

أحمد: متأكِّد يا «باسم»؟

باسم: وكيف أنسى شكله؟ إن شكله متميِّز جدًّا … فعندما رأيته أحسستُ بارتجاف؛ فقد كان يبدو …

وسكت «باسم» كأنه يبحث عن كلمة مناسبة: يبدو وكأنه قاتل مطارد.

قال «أحمد»: إنه الآن قتيل.

رشيد: إذن فالسيارة «البونتياك» هي السيارة التي يدور حولها هذا الصراع الرهيب بيننا وبين ذوي الوجوه الصفر.

وأشار «أحمد» بيده قائلًا: هذا هو الاحتمال الأكبر. هيا بنا.

ونزل الشياطين الخمسة مسرعين إلى الجراج، بينما طلب «أحمد» من «زبيدة» أن تُرسل بسرعة تقريرًا إلى رقم «صفر» بهذه المعلومات.

واتجه الشياطين الخمسة إلى السيارة «البونتياك» الذهبية اللون … ووقف «بو عمير» أمامها قائلًا: أي سرٍّ فيك أيتها السيارة؟!

وبدأ الأصدقاء فحصًا دقيقًا بها. فتشوا كل مكان ظاهر منها … ولكن لم يكن فيها شيء غير عادي مطلقًا. كانت سيارةً حديثةً جميلة … ولكن كما قال «عثمان»: لا تستحق أن يُقتل في سبيلها رجل … وتُخطف فتاة … ويُخدَّر شاب … وتتم محاولة لنسف نصف دستة من الشياطين …

وفجأةً قال «باسم»: إن اسم الرجل مسجَّل في سجل السيارات.

وأسرع إلى الدفتر، ثم عاد قائلًا: اسمه «ف. كراولي» … من شيكاغو في الولايات المتحدة.

صفَّر «أحمد» قائلًا: شيكاغو!

وقال «بو عمير»: سأطلب من «زبيدة» أن تُرسل هذه المعلومات إلى رقم «صفر» فورًا.

وأسرع «بو عمير» يقفز السلالم قفزًا … بينما انهمك بقية الشياطين في تفتيش السيارة للمرة الثانية.

ووقف «أحمد» مفكِّرًا، ثم قال: أعتقد أن علينا فك هذه السيارة قطعةً قطعة. إن سر الأحداث الأخيرة كلها يكمن في مكان ما منها … فما هو؟

وأسرع «بو عمير» و«عثمان» و«مصباح» و«باسم» يُغيِّرون ثيابهم. وبدءوا في تفكيك السيارة وفحص كل جزء فيها.

صعد «أحمد» إلى الدور الثاني وأخذ كوبًا من الشاي … وخرج إلى الشرفة فوجد «إلهام» تجلس وحدها تستمتع بدفء الشمس التي أشرقت بعد الليل العاصف … ووجدها تضع أمامها كراسةً صغيرة وقلمًا، وهي تكتب في نقاط جميع المعلومات التي تجمَّعت حول الأحداث التي جرت.

وضع «أحمد» يده على شعرها الناعم الجميل، فالتفتت إليه … وابتسما، وقال «أحمد»: ألم تُفكري في اعتزال عمل الشياطين بعد أحداث أمس؟

ابتسمت «إلهام» وقالت: إنني أُفكِّر في شيءٍ واحد.

أحمد: الحب؟

إلهام: إن ما حدث كله يُؤكِّد أن ما بين أيدينا هو قضية تهريب!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤