يُحرق بعد الاطلاع عليه!

بعد ثلاث ساعات من الأحداث السابقة، كان «أحمد» ينزل في مطار «القاهرة» الدولي، ثم يستقل تاكسيًا ويقول للسائق: ميدان التحرير …

وبلغ من شروده أنه لم يُفق إلَّا على صوت سائق التاكسي وهو يقول له: ميدان التحرير يا أستاذ!

ووجد نفسه بجوار دار الآثار، فقال للسائق: حتى شارع «قصر العيني» من فضلك.

وصل سريعًا إلى باب العمارة. توقَّف لحظات يختلس النظر حوله، ثم تقدَّم وركب المصعد الذي حمله إلى الدور الثامن، ونظر في الدهليز الصغير، ورأى رقم ٨٤ مكتوبًا على الشقة فاتجه إليها.

أخرج سلسلة المفاتيح من جيبه، ودسَّ أحدها في الباب، ولدهشته لم يفتح، فنظر إليه وعرف أنه مفتاح سيارة … واختار مفتاحًا آخر ودسَّه في الباب، وسرعان ما فتح الباب، ودخل وأغلقه خلفه.

كانت شقةً أنيقةً مكوَّنةً من أربع غرف، وفتح أبواب الصالة الزجاجية، ووجد نفسه يُطلُّ على النيل، وأحسَّ براحة تغمره، ثم تذكَّر الخطاب الأزرق فأسرع إلى الحقيبة وفتحها، وأخرج منها الخطاب.

أمسكه بيده لحظات وهو يُفكِّر … ماذا تحمل سطوره؟

وبرفق فتحه، ووجد بداخله رسالةً طويلة، كُتب عليها بالمداد الأحمر:

سري للغاية
يُحرق بعد الاطلاع عليه، ومعرفة ما به من تعليمات من رقم «صفر».

إلى الشيطان رقم «١»

إن طردك من الشياطين اﻟ «١٣» هو خطة محكمة للإيقاع بعصابة «الورلد ماسترز».

وأغمض «أحمد» عينَيه عندما قرأ هذا السطر … إذن فهو لم يُطرد … إن طرده تمثيليةٌ متقنة، يقوم هو بدور فيها … ورقص قلبه فرحًا، وعادت إلى وجهه ابتسامة افتقدها منذ الصباح، ومضى يقرأ …

لقد قرَّرنا أن نزرع أحد رجالنا في قلب العصابة، وقد فكَّرنا طويلًا واستعرضنا عشرات الأسماء حتى وقع اختيارنا عليك. وعندما قرَّرتُ أن أُخفي هذا الأمر عن بقية الشياطين، لم أكن أقصد أن الخبر سيتسرَّب عن طريقهم، ولكن رأيت أن أُجري تجرِبة إصدار قرار غير معقول، لأرى ردَّ الفعل عندهم، وقد كانوا عند حُسن ظنِّي … لقد حزنوا، ولم يحدث أي تمرُّد.

وابتسم «أحمد» وهو يتذكَّر ما حدث … غضبت «إلهام» وحزن بقية الشياطين. واستمر يقرأ:

سنحاول إذن زرعك في قلب العصابة، وأنت تعرف معنى زرع شخص في قلب مجموعة، إن معناه أن ينضمَّ إليهم، ويُؤدِّي المطلوب منه تمامًا … أعني أن يكون شريرًا مثلهم، حتى يعرفهم جميعًا، ثم ينتظر اللحظات المناسبة للانقضاض عليهم، وبالطبع لن تنقضَّ عليهم وحدك، نحن جميعًا سنكون معك عندما تطلب ذلك.

والآن يبرز سؤال هام … كيف سيتم زرعك بينهم؟

وهو أهم سؤال، والإجابة عليه تحتاج إلى دقةٍ وإلى مخاطرة في نفس الوقت … فهل أنت على استعداد؟ إذا لم تكن، ففي إمكانك العودة فورًا إلى المقر السري، وقد نُفكِّر في شخص آخر، وقد نُفكِّر في إلغاء الخطة كلها …

وإليك خطتي في زرعك داخل عصابة «الورلد ماسترز» أو «سادة العالم»:

  • أولًا: ستتسرَّب إليهم عن طريق بعض رجالنا أنباء عن طردك، وعن تمرُّد حدث في مجموعة الشياطين اﻟ «١٣» بعد طردك.
  • ثانيًا: ستعيش حياةً بعيدةً تمامًا عن المغامرات؛ فسوف تعمل سائق تاكسي، وستجد بين المفاتيح التي معك مفاتيح سيارة، وستجد السيارة في جراج «قطة» في «شبرا»، وسوف تسكن هناك … وفي آخر الرسالة عنوان المكان الذي ستقيم فيه.
  • ثالثًا: نتوقَّع أن يسعى إليك رجال العصابة لضمِّك إليهم، ومعرفة أكبر قدر من المعلومات عن مجموعة الشياطين اﻟ «١٣» ورقم «صفر». وبالطبع سوف ترفض في البداية الانضمام إليهم، وستظل مُصرًّا على الرفض فترةً حتى يُقدِّموا لك بعض الإغراءات، أو يخطفوك …
  • رابعًا: نتوقَّع أنهم قد لا يُصدِّقون قصة طردك، ويتردَّدون في الاتصال بك، وفي هذه الحالة سوف يتم القبض عليك بتهمةٍ مزيَّفة، بواسطة رجال الشرطة، وسيُعلَن في الصحف عن القبض عليك، ووضعك في السجن، بحيث لا يُصبح لديهم شك في أنك طُردت فعلًا. ونتوقَّع أن يتصلوا بك في السجن، أو بعد أن تخرج منه … وستبقى في السجن شهرًا.
  • خامسًا: عندما يتصلون بك … وعندما تنضم إليهم، تظاهر أنك لا تعرف شيئًا كثيرًا عنَّا، وأنك تخشى انتقامنا … ثم في النهاية تظاهر أنك قرَّرتَ الإفضاء بما عندك من معلومات، وقد أرفقتُ بهذه الرسالة كشفًا بالمعلومات التي يمكن أن تقولها لهم، وفيها قدر كبير من الحقائق، بما في ذلك مكان المقر السري!
  • سادسًا: عليك أن تُرسل لنا رسالةً لا سلكية … وعندك في الشقة التي أنت بها جهاز لا سلكي قوي، والشفرة المستخدمة هي رقم «ش. ر. س»، وأنت بالطبع تحفظها … وفي نفس الوقت، فإن الراديو الموجود في السيارة التاكسي، يمكن أن تُحوِّله إلى جهاز لا سلكي؛ وذلك لإرسال المعلومات العاجلة إلى مركز خاص في «القاهرة» في حالة حاجتك إلى معونةٍ سريعة.

    ومرفق مع الرسالة بيانات بكيفية تحويل الراديو إلى جهاز لا سلكي.

  • سابعًا: المطلوب منك أن تكون شديد الحذر، وأن تتظاهر بأنك تركت حياة المغامرات تمامًا، وأن تحصل على كل المعلومات اللازمة عن نشاط المنظَّمة في المنطقة العربية، وعدد أفرادها، وعناوينهم، وأسمائهم طبعًا … وأن تعرف إذا استطعت الزعيم الأعلى لهذه العصابة، وأين يوجد مقرُّهم الرئيسي.
  • ثامنًا: كن حذرًا، حذرًا، حذرًا …

ودعواتي لك بالتوفيق!

رقم «صفر»

انتهى «أحمد» من قراءة الرسالة، ثم قرأها مرةً أخرى، وقام بإحراقها، بعد أن استوعب جميع التعليمات التي بها، وقرأ المعلومات المطلوب توصيلها إلى المنظمة، وكيفية تحويل جهاز الراديو إلى جهاز لا سلكي، ثم أحرق كل الأوراق، وفتح باب الشرفة وجلس يتأمَّل نهر النيل العظيم، وهو ينساب هادئًا بين الشاطئَين. وقد بدت الجزيرة — حيث يوجد البرج، والنادي الأهلي ونادي الجزيرة — كأنها جزيرة من الشجر والمباني، وبدا الناس من بعيد وكأنهم مجموعة من النحل تعمل في مستعمرة.

وقرَّر أن يشرب كوبًا من الشاي الخفيف الذي يُفضِّله، فدخل المطبخ وهو يرجو أن يجد السكر والشاي، وكم كانت دهشته أن وجد كل شيء يُفكِّر فيه في مكانه! بل حتى نوع الشاي الذي يُفضِّله وجده في علبته! …

وأحسَّ بسعادة غامرة، وأعدَّ لنفسه بجانب كوب الشاي بعض الساندويتشات، ثم عاد إلى الشرفة يستمتع بشمس «القاهرة» الدافئة، وقد قرَّر أن يقضي اليوم وحيدًا في الشقة على أن ينزل في المساء، ليتجوَّل ويدخل السينما، وفي اليوم التالي يبدأ عمله كسائق تاكسي.

وتذكَّر جهاز اللاسلكي فقام لتجرِبته، ووجده على أكبر قدر من الكفاءة، وقرَّر أن يستعمله فورًا.

جلس وكتب:

من «ش» رقم «١»، إلى «ش. ك. س»

لقد قبلتُ المهمة. أشكرك على ثقتك بي.

«ش» رقم «١»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤