ثانيًا: إخوان الصفا

استعمل إخوان الصفا لفظي الحكمة والشريعة قبل ابن رشد وبنفس هدف الكندي ولكن إلى المنتصف لأن الشريعة قد دنست بالجهالات، واختلطت بالضلالات ولا سبيل إلى غسلها وتطهيرها إلا بالفلسفة لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية. فالتزييف أتى للشريعة وليس إلى الحكمة، والضلال وقع في الدين وليس في الفلسفة. والدين هي الشريعة، وتشمل الشريعة العقيدة الشريعة عقلية طبيعية مثل الحكمة لذلك يسهل بيان اتفاقهما في حين أن العقيدة. في حاجة إلى تأويل. اتفاق الحكمة والشريعة ليس نقلًا للموروث على مستوى الوافد ولكن تعقيل له على مستوى العصر، وتوحيدًا للثقافة بدلًا من ثنائية المصدر وخلق ثقافة جديدة قادرة على الدخول في تحديات العصر. ولم يرد لفظ توفيق عند كل الحكماء المسلمين، وهو اللفظ الشائع ظلما في الدراسات الاستشراقية وتوابعها العربية. إنما ورد لفظ اتفاق. التوفيق اصطناعي، خارجي، إرادي، قد ينجح وقد لا ينجح في حين أن الاتفاق طبيعي، داخلي، تلقائي، خارج منطق النجاح والفشل، وقد أدرك أبو حيان هذا الاتفاق بين الحكمة والشريعة عند إخوان الصفا فروج لهم وانتسب إليهم نظرًا لطابعهم الإشراقي ونزعتهم الصوفية.

وقد تعاونت الحكمة والشريعة عبر التاريخ. مكان الحكماء يلحنون الموسيقى في الهياكل وبيوت العبادات. وسبب تحريم الموسيقى في بعض الشرائع هو استخدام البعض لها من أجل اللهو واللعب وإثارة الغرائز وشهوات الدنيا وملاذها والغرور بأمانيها وهو غير استخدام الحكماء لها.

لذلك يخطأ من أعرض عن الحقائق الدينية وصدق بالآراء الحكمية وحدها وهما شيء واحد، وذلك لقصور فهمهم عن تلك الأمور التي جاء بها الأنبياء في إشاراتهم ورموزهم، فعجزوا عن إدراك حقائقها التي ألفتها لهم الملائكة من الوحي والإلهام والتأييد والإشارات لصفاء نفوسهم ومجانسة أرواحهم لأرواحها لا لقياسات منطقية أو رياضات حكمية، فمن يأتي الحكمة يصدق بالنبوة. ومن يصدق بالحكمة يقبل النبوة.

وأكثر المبتدئين والمتوسطين في علوم الحكمة يتهاونون بأمر الناموس وأحكام الشريعة، يزرون بأهله، ويستنكفون من الدخول تحت أحكامه إلا خوفًا أو كرهًا من قوة الملك أخي النبي لقصور فهم الفريقين جميعًا عن معرفة حقائق الأشياء المذكورة ولقلة علمهم بماهيات الكائنات. أما الإخوان فينظرون في الأمرين معا، الحكمة والشريعة للكشف عن حقائق الأشياء وهو الغرض من تأليف الرسائل على طريق الايجاز مع نكت لا يفهمها إلا اللبيب وأمثاله لتفهيم المبتدئ فيسهل تصور الحقائق.

تكلم الحكماء الأولون في فنون من العلوم والآداب والحكم كلامًا لا يحصى مثل تركيب الأفلاك وأحكام النجوم. وتكلموا في الطب والطبائع والكائنات التي تحت فلك القمر، وهو ما ينكره بعض العلماء والشرعيين إما لقصور أفهامهم أو لتركهم النظر فيها واشتغالهم بعلم الشرع وأحكامه أو لعناد بينهما. هناك إذن خلاف بين الحكماء وأصحاب الشرائع في الموضوعات والأسلوب أو صراع على الجاه والسلطان. يحدث إذن التعارض بين الحكمة والشريعة ليس لأسباب ذاتية داخلية فيهما بل لأسباب عرضية خارجية، فمن بين الفلاسفة متفلسفون لا يعرفون من الفلسفة إلا اسمها. ومن دعاة الأنبياء والشرائع أقوام لا يعرفون من أسرار الشريعة إلا رسومها. يتكلمون فيها بما لا يحسنون، ويتناظرون فيما يجهلون. يناقضون الفلسفة بالشريعة مرة أو الشريعة بالفلسفة مرة أخرى. فيقعون في الحيرة والشك فيضلون ويُضلون. والسبب هو الحكم بالظاهر في الحكمة والشريعة.١

ويعبر أبو حيان عن رأي المقدسي، أحد الإخوان، في الشريعة والفلسفة بعد اتهامه بإيثار الفلسفة على الشريعة بأن الشريعة طب المرضى والفلسفة طب الأصحاء. والأنبياء يطيبون المرضى حتى لا يزيد مرضهم بل يزول ويستردون عافيتهم. والفلاسفة يحفظون الصحة على أصحابها حتى لا يعتريهم مرض أصلًا. النبوة علاج، والفلسفة وقاية. غاية الطبيب برء المريض إذا كان الدواء ناجحًا، والطبع قابلًا، والطبيب ناصحًا. وغاية الفيلسوف حفظ الصحة حتى يتم كسب الفضائل، والفوز بالسعادة العظمى، فيستحق الحياة الإلهية، الخلود والديمومة. بل إن مريض الأبدان يكسب أيضًا من طبيب النفوس لأن فضائل الأول تقليدية، وفضائل الثاني برهانية. الأولى ظنية، والثانية يقينية. الأولى جسمانية، والثانية روحانية، الأولى زمانية، والثانية أبدية. وهو قريب مما عرضه الرازي في الطب الروحاني.

غرض الأنبياء وواضعي النواميس الإلهية غرض واحد، وقصد واحد وإن اختلفت شرائعهم وسننهم وأوقات عباداتهم وقرابينهم وصلواتهم. الغرض واحد والوسائل متعدِّدة طبقًا للزمن والتطور. وكذلك غرض الأطباء واحد في حفظ الصحة الموجودة واسترجاع الصحة المفقودة وان اختلفت وسائل العلاج والأدوية بحسب اختلاف الأمراض العارضة للأبدان في الأوقات المختلفة والعادات المتغايرة. وهو نفس غرض الحكماء والفلاسفة لأنهم أطباء النفوس، وغرضهم نجاة النفوس الغريقة في بحر الهيولى وإخراجها من هاوية الكون والفساد وإيصالها إلى الجنة في عالم الأفلاك وتذكيرها ما قد نسيت من مبدئها ومعادها.

هناك وحدة الغرض في الحكمة والشريعة، في طب الأبدان وطب النفوس في دين الوحي ودين الطبيعة، الترقي في المطالب العالية بالنظر في العلوم الإلهية والسلوك في المذاهب الروحانية، والتعبد في الأمور الحكمية على المذهب السقراطي والتصوف والزهد على المذهب المسيحي، والتعلق بالدين الحقيقي. سقراط وإبراهيم والمسيح على دين واحد ولغاية واحدة.٢

مصدر الحكمة والشريعة واحد، وهو الله، يأخذ منه الحكيم عن طريق الإلهام، والنبي عن طريق الوحي حسب ما اتفق لكل قوم في أصول مواليدهم وبحسب اجتهاد رتبهم وعمل فكره ونتاج قريحته ووجوب رويته بتأييد من الله وإلهامه. يأخذ صور الحروف، ويلقي عليها أسماء من ذاته. إن كان حكيما فبتأييد من الله وإلهامه، وإن كان نبيًّا فبوحي من الله أو من وراء حجاب أو بإرسال رسولًا يفيدها بصورة أخرى، وينطق بها بلسانٍ آخر غير اللسان الأول. الوحي بالمعنى واللفظ من وضع الزمان والمكان. المعنى أبدي، واللفظ زماني. والمحددات الزمانية المواليد أي العصر والرئيس أي شخص النبي أو الحكيم وهو الذي يجتهد ويفكر بتأييد من الله. ويسمي الإخوان المعاني «صور الحروف»، والألفاظ الأسماء التي يلقيها عليها من ذاته. وكلاهما بتأييد من الله، الحكيم إلهامًا والنبي وحيًا.

وهناك ثلاث طرق للمعرفة. الأول طريق تنال منه النفس العلوم بقوة الفكر الذي تدرك به النفس المعقولات، وهو الطريق الذي أخذ منه الأنبياء الوحي عن الملائكة. والثاني طريق السمع الذي تقبل منه النفس معاني اللغات وما تدل عليه الأصوات من الإخبار الغائبة. والثالث طريق النظر الذي به تشاهد النفوس الموجودات الحاضرة. ويقصر الإخوان الطريق الأول، قوة الفكر على الأنبياء بالرغم من مشاركة الحكماء فيه. ويقصرون الطريق الثاني، طريق السمع على التاريخ وليس الوحي مع أنه يأتي سمعًا. ويقصرون بطريق الثالث، طريق النظر على الصوفية. والحكمة ضائعة بين الوحي والتاريخ والتصوف. أما التقليد فليس طريقًا للمعرفة، معرفة الدين عن طريق السمع بين الشك واليقين، الشك مرض النفوس واليقين صحتها.٣
الحكمة والشريعة أمران إلهيان يتفقان في الغرض وهو الأصل ويختلفان في الفرع، وهي قسمة أصولية، الأصل والفرع. غرض الحكمة التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية. وتقوم على أربع خصال: معرفة حقائق الموجودات، اعتقاد الآراء الصحيحة، التحلي بالأخلاق الجميلة والسجايا الحميدة، الأعمال الزكية والأفعال الحسنة. اثنتان نظريتان، المعرفة والاعتقاد. واثنتان عمليتان، الأخلاق والأفعال. الغرض منها تهذيب النفس والارتقاء من النقص إلى الكمال، والانتقال من القوة إلى الفعل لنيل البقاء والدوام والخلود في النعيم مع الملائكة. وهذا هو الغرض من النبوة والناموس، تهذيب النفس الإنسانية وإصلاحها وتخليصها من جهنم الكون والفساد وايصالها إلى الجنة والنعيم في فسحة عالم الأفلاك وسعة السموات والنعيم من الروح والريحان. القصد واحد من الحكمة والشريعة. وواضح أنه قصد ضروري روحي وليس قصدًا اجتماعيًّا سياسيًّا. ويختلفان في الفرع، وهي الطرق المؤدية إليها بسبب اختلاف الطبائع والأعراض المتغايرة للنفوس. فاختلفت النواميس وسنن الديانات وأحكام الشرائع. كما اختلفت عقاقير الأطباء وعلاجاتها لاختلاف الامراض العارضة للأجساد وآلامها وأوجاعها بحسب اختلاف الزمان والمكان، ومثل اختلاف طرق القاصدين نحو البيت الحرام وتوجههم شطره بحسب مواضع البلدان ومراحلهم ومرافقهم.٤

الشريعة والحكمة ليسا طريقين مزدوجين متوازيين يلتقيان نحو غاية واحدة أو موضوع واحد بل هما طريق واحد شقة الأنبياء وسار فيه الحكماء. هنا تبدو الحكمة تابعة للشريعة وليست موازية لها أو متلاقية معها في النهاية مثل ضلعي المثلث متساوي الساقين، القاعدة في الأرض، والقمة في السماء، طريقة سلكها الأنبياء واتبعهم الأخيار الفضلاء من العلماء أو الحكماء.

ومما يدل على أنهما طريق واحد أن كل متعلم له معلم، وكل معلم له معلم حتى يتسلسل الأمر إما إلى معلم يتعلم بقوة نفسه وفكر وروية واجتهاد كما يدعى المتفلسفون أو أخذه عن معلم ليس من البشر كما يقول الأنبياء لا يحيط بعلمه الفلاسفة ولا الأنبياء إلا الله وحده مع أن النبي يأخذ تعليمه من الوحي، وهو من العلم الإلهي.

ويبدو أن إخوان الصفا يرفضون الدين الطبيعي دفاعًا عن دين الوحي وكأنهما متناقضان. فاستخراج العلوم والصنائع بقوة العقل وجودة الفكر والروية زعم من المتفلسفة. ولكنهم شاهدوا مصنوعات الطبيعة وقاسوا عليها فكانت لهم كالتعليم لأن الطبيعة أيضًا مؤيدة بالنفس الكلية، وهذه مؤيدة بالعقل الكلى، أول الموجودات من الله، مؤيد الكل، صانع الأسباب. والعلم الإنساني، فيما يبدو، مستحيل، والعلم الإلهي وحده هو الممكن. وإذا تعلم الفيلسوف من الطبيعة فلأنها مؤيدة من الله. وإن قال أحد الأطباء الطبيعيين إن هذه كلها أفعال الطبيعة فإن الطبيعة كما قالت القدماء فعل النفس. وفي الشريعة أن هذه كلها للخالق يفعل ما يشاء ويصور ما يريد. والنفس من فعل الباري؛ لأنه لا يباشر الأفعال بذاته بل تصدر عنه على سبيل الأمر. يكفي الإنسان الانتباه من الغفلة والجهالة، ويفكر في نفسه، ويشاهد هذه العجائب والأسرار، ويعلم أن الصانع عليم حكيم، وأن المصنوع مبدع للحكيم متقن، ويبين حكمة الصانع، ويستدل بها عليه.٥
والفلسفة والشريعة طريق واحد من حيث الفعل والممارسة. فإن اجتهد الإنسان وفعل ما رسم في الشريعة من لزوم الأحكام والفروض وعمل بما وُصف في الفلسفة وصبر عليها يخف فيه تجاذب الطبيعتين، ويصبح ذا طبيعة روحية واحدة. ويعزى للحكيم قوله إن مكث الإنسان العاقل تحت الأمر والنهي بموجب العقل أو بطريق السمع بأوامر الناموس ونواهيه وفي طول عمره الطبيعي تتم له فضائل النفس، وتستكمل أخلاقها ومعارفها بالتأمل والبحث في النظر والسعي والاجتهاد في العمل لما كان حد الفلسفة أنها التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية أو لما رسم في الناموس من الوصايا والأوامر والنواهي لاستكمال فضائل الملائكة في النفس.٦ والعجيب استعمال الإخوان للفظ المعرب الناموس مع لفظ الشرع ويجعلونه ضمن عنوان الجزء الرابع.٧
ويسهل اتفاق الحكمة والشريعة في إطار الفلسفة الإشراقية. ويصبحان معًا رياضة ومجاهدة كما هو الحال في الطريق الصوفي. يدعو الإخوان القارئ إلى ترويض النفس بالسيرة العادلة كما وصفت في كتب الأنبياء والنظر في العلوم التي كان يروض بها أولاد الحكماء لتعود فهمهم على النظر في الأمور الإلهية، وهي الغرض الأقصى من المعارف. والسبيل إلى ذلك الزهد في غرور الدنيا كما زهد الأنبياء والأولياء والفلاسفة والحكماء لأنها ليست بدار المقام بل ودار الارتحال والانتقال بالاختيار قبل فناء العمر ودنو الأجل.٨
الفلسفة إحضار الخارج إلى الداخل من سطح العالم إلى عمق النفس. والشريعة إحضار الداخل إلى أعلى، من عمق النفس إلى الأفق الأعلى. فهما مساران متكاملان. الفلسفة من الطبيعة إلى النفس، والشريعة من الحكمة إلى الله. وفي كلتا الحالتين تبدأ المعرفة من النفس. فهي ملتقى الطريقين، من الخارج إلى الداخل، ومن الداخل إلى أعلى. وكلما كانت النفس أكثر قبولًا كانت أفضل وأشرف من سائر النفوس. وتصبح مثل نفوس الأنبياء التي تقبل الفيض بصفاء جوهرها من النفس الكلية، وتأتي بالكتب الإلهية التي حوت العلوم الخفية والأسرار المكنونة التي لا يمسها إلا المطهرون من أدناس الطبيعة وما وضعت من شرائع عملية نافعة وسنن عادلة فأنقذت نفوسًا من الغرق في بحر الهيولى وأسر الطبيعة، ومثل نفوس المحققين من الحكماء التي استنبطت علومًا كثيرة حقيقية، واستخرجت الصنائع البديعة، وبنت الهياكل الحكيمة، ونصبت الطلسمات العجيبة، ومثل نفوس الكهنة التي تخبر بالكائنات قبل كونها بدلائل فلكية وعلامات زجرية. ولا يذكر الإخوان موضوع التأويل كما يذكره ابن رشد لأن المعارف إشراقية تتجاوز النصوص. إذ تحتوي كتب الأنبياء على أسرار ورموز تحتاج إلى ترويض لمعرفتها حتى تنتبه النفس من الغفلة ورقدة الجهالة، وتحيا بروح المعارف الربانية، وتعيش بحياة العلوم الإلهية، وتسلم من الآفات. لذلك كانت الفلسفة التشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية، وأن من خاصية العقل المنفعل قبول الجزء من صورة الكل. وهنا يبدو الإخوان من أنصار نظرية الفيض. فأفعال الله تصدر عنه. وتبدو المعرفة الإشراقية جماع المعرفة الإنسانية، والمعرفة الإلهية طريق الفلاسفة وطريق الأنبياء. ويستعمل الإخوان لغة المحبة بين المحب والحبيب لبيان هذا الجانب الإشراقي في المعرفة. فالمحبوب جزء من الحبيب، وصورة المحبوب في نفس الحبيب، وشكله منقوش في قلبه. وفي النهاية يعرف الإخوان الحكمة مثل الصوفية، إسقاط الأوصاف الدنية والتحلي بالأوصاف السنية، إسقاط الأوصاف الإنسانية والتحلي بالصفات الإلهية، لا فرق بين الحكمة والتصوف حتى ولو ضحي الإخوان بالعقل والواقع وجعلوا الحكمة والشريعة مثل الكهانة والإخبار بالغيب.٩
والفلسفة والشريعة متفقتان في الموضوع وهو التوحيد. فالله لا شريك له، واحد بالحقيقة من جميع الوجوه. وكل ما سواه من موجودات مؤلف مركب. كما تتفق الحكمة والشريعة في دلائل الخلق. فكل جسم ذو نهاية. وفي النبوة كل جسم مخلوق، وكل مخلوق ذو نهاية في أولية العقل. وفي الفلسفة كل جسم مركب من هيولى وصورة، وكل مركب ذو نهاية في أولية العقل. ولما كانت المنازعة والخلف أمرًا طبيعيًّا بين أهل كل صناعة فقد اختلف الحكماء وأصحاب الشرائع فيما بينهم في قدم العالم وحدوثه. فالأنبياء مع بعض فضلاء الفلاسفة والراسخين في العلم يعتقدون بحدوث العالم. أما المتفلسفة الناقصون فيشكون في ذلك، ويعتقدون بقدم العالم. وظلوا يتجادلون ويتخاصمون حتى دبت فيهم روح الفتنة والبغضاء. ويثبت الإخوان بأقاويل خطابية وأمثلة تشبيهية حدوث العالم بما فيه من عجائب وأجناس الموجودات وغرائبه وصنوف الصنائع، وينقدون طرق الفلاسفة العويصة الطويلة، وألفاظهم مثل الهيولى والصورة، والعنصر والطبيعة الغريبة ومعانيها البعيدة التصور. والأنبياء قضاة عدول. والأب شفوق رحيم باعث الأنبياء، قضاة بين خلقه فيما هم فيه مختلفون. الله هو الجامع للشريعة والحكمة. ويبدو من تصور الإخوان أنه أشعري، يستعمل التشبيه والأقوال الخطابية. والإجابة على قدر العقول والأفهام. لذلك يحتج الناظر في ذلك إلى نفس زكية، وفهم دقيق، وقوة روية، وصور روحانية. وإذا كان الإخوان قد بينوا أن بعض الحكماء يشاركون الأنبياء القول بحدوث العالم فإنهم لم يبينوا مشاركة بعض الشرائع الحكماء في القول بالقدم مثل الصابئة الحرانية.١٠

ومن تعلم علم الشريعة وعرف أحكام الدين وتحقق أمر الناموس فإن النظر في الفلسفة لا يضر بل يفيد في علم الدين تحققا وفي أمر المعاد استبصارا، وبثواب الآخرة وعقابها يقينًا، وإليها اشتياقًا وإلى الآخر رغبة، وإلى الله قربى. الفلسفة والشريعة متفقتان في أمر المعاد. والمحسوسات في المعاد أشرف مما هي هنا حتى يكون للنفوس إلهيًّا تشويق. فترغيب الفلاسفة في الرجوع إلى عالم الأرواح وترغيب الأنبياء وتشويقهم إلى نعيم الجنان واحد. ولا تعرف أمور المعاد بالتجربة ولا بالخبر القائم على المشاهدة. وإذا سمعها أكثر الناس وتوهموا أنه لا يوجد لذة ولا نعيم ولا فرح ولا سرور إلا هذه المحسوسات، وأن ما أخبرت به الأنبياء باطل، وما أخبرت به الحكماء من سرور عالم الارواح وفضله وشرفه كذب وزور يقعون في الشك والحيرة. ومن ثَمَّ فالإيمان بما أخبر به الأنبياء، والتصديق بما أعلن عنه الحكماء يذهب هذا الشك وهذه الحيرة. ومع ذلك يظل السؤال: أين البرهان على الإيمان بما جاء به الأنبياء وللتصديق بما أعلن عنه الحكماء؟ هل تلك مهمة الحكمة في المساعدة على البرهنة على صدق النبوة؟

ليس غرض الأنبياء فقط من وضع النواميس والشرائع وغرض الحكماء من وضع السياسات إصلاح الدنيا لأن الغرض الأقصى لهما معًا نجاة النفوس من محن الدنيا وشقاء أهلها وإيصالها إلى سعادة الآخرة ونعيم أهلها. وما يمنع النفس عن الإدراك غفلتها عما وصفته الكتب الإلهية والنواميس الشرعية النبوية من نعيم الجنان وما في عالم الأرواح من الروح والريحان والنعيم والسرور واللذة والكرامة وبقاء الأمد وقلة تصديقها بما أخبرت به الأنبياء وما أشارت إليه الفلاسفة والحكماء من لطيف المعاني ودقائق الأسرار. فإذا ما صفت النفس فإنها تدرك النبوة والحكمة وتصدق بأمور المعاد. وفي طباع العقلاء الفضلاء اشتياق إلى أحوال الملائكة وتشبه بهم. فالفلسفة هو تشبه بالإله بحسب الطاقة الإنسانية. ويستشهد الإخوان بأقوال الأنبياء والحكماء على خلاص النفس من البدن وهي العقيدة الأساسية للإخوان. ولا يصلح للقاء الله إلا المهذبون بالتأديب الشرعي والرياضيات الفلسفية. فالشرع والفلسفة كلاهما طريق إلى لقاء الله.١١

ويضرب المثل على هذا الاتفاق بين الحكمة والشريعة في حالة خاصة اتفاق الحكمة اليونانية والشريعة الإسلامية. فإذا انتظمت الفلسفة الاجتهادية اليونانية مع الشريعة العربية حصل الكمال. وتسمى الفلسفة اليونانية الاجتهادية، والشريعة الإسلامية العربية تخصيصًا للوافد باليونان، وللموروث بالعرب. وبالتالي يكون السؤال: هل هناك حكمة على الإطلاق وشريعة على الإطلاق، صفتان في ذاتيهما أم إن هناك حكمة في عصر معين وشريعة في زمان معين؟

وتتفق الحكمة اليونانية مع الشريعة الإسلامية كما لاحظ الإخوان في عدة خصائص مشتركة هي التي جعلت نقل الفلسفة اليونانية إلى الحضارة الإسلامية وشرحها وتلخيصها سهلًا ميسورًا بل وتصحيح ما علق بالشريعة الإسلامية من خزعبلات عن طريق الفلسفة اليونانية. فأمكن تزاوج الوافد مع الموروث في وحدة جديدة لا هي باليونانية الوافدة ولا بالإسلامية الموروثة، بل فكر فلسفي جديد، وافد يكتمل بالموروث من حيث المضمون، وموروث يتهذب بالوافد من حيث الصورة وأدوات التعبير.

كلاهما عقلاني، يسهل فهمه بالعقل، والدفاع عنه بالعقل. وإذا ارتبط العقل بالدين فإنه يظل هو الأساس والمقياس في الإلهيات العقلية. بل إن نظرية الاتصال ذاتها التي تكشف عن هذا البعد الجديد في الحضارة الناشئة تقوم على الاعتزاز بالعقل وتقسيماته إلى منفعل وفعال بصرف النظر عن مواد تطبيقاتها. المنطق عقلاني، والطبيعة عقلانية، وما بعد الطبيعة عقلاني. والنفس والأخلاق والاجتماع والسياسة كلها علوم عقلانية. ومن ثَمَّ يكون السؤال: هل الفلسفة يونانية الطابع أم إنها عقلية بعد أن عرضت على العقل والشرع وتم قبولها؟ هي وافد في الظاهر، ووافد موروث أو موروث وافد في الحقيقة دون شبهة التبعية للوافد؟ هل هناك عقل خالص أم إنه بالضرورة عقل تاريخي، يوناني وإسلامي؟

ويمتاز العقل اليوناني والعقل الإسلامي بغياب العقائد والمسلمات والافتراضات المسبقة التي تند عن العقل والطبيعة أو العقل الطبيعي وكأنه عقل فطري لا يبدأ إلا بنور الفطرة. لذلك قضت العقائد المسيحية عليه بجعله قاصرا عن إدراك وتجاوز الإيمان له لإدراك عالم الأسرار. ثم حررته الفلسفة الحديثة من جديد عندما جعلت العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس، ولا شيء يعلو فوق صوت العقل. وهو ما يتفق مع وظيفة العقل الإسلامي في الحضارة الناشئة، العقل الفطري، النور الطبيعي، استدلال إبراهيم. يقوم كلاهما على الاقناع والبداهة والبداية الفلسفية وبناء الموضوع شيئًا فشيئا سواء كان في المنطق أو الطبيعة أو ما بعد الطبيعة.

وكلاهما طبيعي، متفق مع الطبيعة. وبالتالي يسهل تحليل كل منهما بالحس والمشاهدة. فالطبيعة منطقة التقاء ومراجعة يحال إليها الفكران. في اليوناني من فقد حسًا فقد فقد علمًا. وفي الإسلامي المعرفة الحسية أحد مصادر المعرفة. الطبيعة عند اليونان صنو العقل. الطبيعة عاقلة. والطبيعة في الإسلام دليل على وجود الله كما هو الحال في أدلة المتكلمين. وهي الحق في وحدة الحق والخلق عند الصوفية. وهي أساس التشريع في علم الأصول والاعترافات بحاجات الناس البدنية. والآية في اللغة العربية نص ودليل، لغة وظاهرة.

كلاهما موضوعي يثبت وجود العالم ويعترف بالوجود بالرغم من المثالية العقلية في كل منهما. الحضارة الناشئة أيضًا تقوم على إثبات العالم وليس على نفيه كما هو الحال في النصرانية والديانات الشرقية، البوذية والهندوكية، القسمة طبيعية: جوهر وعرض، علة ومعلول، واحد وكثير، صورة ومادة، علل أربع، عقل وحس، نفس وبدن، أدوات عقلية بسيطة وسهلة لإحكام الموضوع الذي هو من طبيعة الفكر. ومن هنا أتى اتفاق العقل والطبيعة. فالعقل قادر بمقولاته على احتواء الطبيعة، اتفاق الذات والموضوع في بنية واحدة. المقولات العشر في المنطق هي نفسها الجوهر والأعراض في الطبيعة، والله والعالم في ما بعد الطبيعة. لذلك رفض كلاهما الشك واعترفا بوجود حقيقة يمكن معرفتها، عقليًّا ووجوديًّا. ومن هنا أتى الهجوم على الشكاك في كلتا الحضارتين على اختلاف مذاهبهم.

وكلاهما مثالي. فالعقل والطبيعي صنوان. العقل والوجود واجهتان لشيء واحد. كلاهما يشارك في مقدمة مثالية معرفية، يقدمان المعرفة على الوجود. لا شيء يسبق العقل عند اليونان. الله عقل والطبيعة معقولة. والإنسان حيوان ناطق. والعقل أول ما خلق الله في الحضارة الإسلامية. هكذا كان فهم القدماء، يونان ومسلمين. ربما يكون فهم المحدثين مغايرًا، أولوية الواقع على الفكر، والعالم على الله. وبدون أسباب النزول ما كان يمكن أن يأتي وحي. ودون العالم ما كان يمكن معرفة الله.١٢ ومع ذلك يقوم على التمايز بين المستويات. لا يرد الأعلى إلى الأدنى ولا يرد الأدنى إلى الأعلى. ويحرص على التمييز بين الواقع والفكر، الشيء والدلالة، اللفظ والمعنى، الوجود والماهية. الخ.

وكلاهما إنساني يضع الإنسان مركز الكون. الإنسان عالم صغير، والعالم إنسان كبير. الطبيعة وما بعد الطبيعة عند اليونان إنسانية. والعلة الأولى والمحرك الأول عند اليونان صورة الأرستقراطي النبيل. الفلسفة اليونانية ذات طابع إنساني مفتوح. تتناول موضوعات إنسانية، يسهل فهمها، قريبة إلى النفس، الإنسان، العالم، الفكر، السعادة، الخير، الأخلاق، السياسة. ويبدو الجانب الإنساني كما لو كان العقل مسقطًا على الطبيعة مقولاته. الحال والملكة وباقي المقولات العشر إنسانية، وكذلك الملكية وأن يفعل وأن ينفعل. ولا يتعلق الأمر فقط بالمنطق بل أيضًا بالإلهيات مثل العقل، وبالطبيعيات مثل الزمان والمكان، والحركة والتغير، والكون والفساد.

وتقوم الفلسفة اليونانية على التوحيد بين الخير والجميل والنافع، بين القيم الثلاث. وهي خاصية مشتركة مع الفكر الإسلامي في التوحيد بين الحق والخير والجمال. كلاهما لا يفصل بين الواقع والقيمة. الواقع قيمة، والقيمة واقع. بل إن بعض عبارات اليونان وأقوال الفلاسفة أشبه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية مثل قول سقراط «اعرف نفسك بنفسك» وتحولها إلى حديث «من عرف نفسه فقد عرف ربه». ومثل أقوال فلاسفة اليونان في تمجيد العقل وحديث «أول ما خلق الله خلق العقل فقال له أقبل فأقبل، أدبر فأدبر، وعزتي وجلالي ما خلقت إليَّ أعز منك». وهي أحاديث نظرية فلسفية صرفة في حين أن الطابع العام للحديث الصحيح توجهه نحو العمل وبيان أنماط السلوك. ومثل «أن يتهم الضعيف بارتكاب العنف أو أن يتهم الفقير القبيح بالزنا.» ومقابلته بحديث «إذا سرف فيهم الشريف تركوه وإذا سرف فيهم الضعيف طبقوا عليه الحد». وقول أمفيدوقليس «إنه لا ينبغي أن تقتل ذوات الأنفس.» وقول القرآن الكريم وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ. وقد قام ابن حزم بعد ذلك بعرض المنطق ابتداءً من القرآن الكريم. كما تم عرض الأحاديث النبوية ابتداءً من أشكال القياس كما هو الحال في «أقيسة الرسول».١٣

وكثير من الموضوعات اليونانية إسلامية صرفة مثل الشهود والعقود والاعترافات المنتزعة بالإكراه، والإيمان … إلخ. وكذلك الحديث عن الأسلوب والنظم والشعر والعرب أهل فصاحة وبيان. كما يربط أرسطو بين الغنى والأخلاق كما يفعل القرآن وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ، وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ. وكثير من موضوعات المنطق تقترب من أبواب في الفكر الإسلامي في علم الأصول مثل دور السائل ودور المجيب، وأحكام السؤال والجواب، وأحكام المفتي والمستغني. بل إن بعض العبارات توحي بأن أقوال الصحابة مثل دور المجيب يتوقف على طريقة السؤال.

هل شرح القدماء فلاسفة اليونان على التساوي خاصة أفلاطون وأرسطو أم إنهم فضلوا أرسطو على أفلاطون؟ أفلاطون وأرسطو هما الفلسفة اليونانية بل كل فلسفة على الإطلاق لأنهما يقدمان نموذجين متكاملين للفلسفة، المثال والواقع، العقل والحس، الصورة والمادة، النفس والبدن، الله والعالم، الاستنباط والاستقراء، الداخل والخارج، الإشراق والعقل، الدين والفلسفة. وهما النموذجان اللذان حاول الفارابي الجمع بينهما في «الجمع بين رأيي الحكيمين».١٤

الفلسفة اليونانية وحدة واحدة كما تبدو في مرحلتها المتأخرة عند أرسطو مؤرخا للفلسفة اليونانية. ومن هنا أتت الاحالة إلى باقي الفلاسفة السابقين خاصة أفلاطون ومحاوراته. يتكلم أرسطو عن علوم الأوائل. ويشير إلى أخطاء السابقين. أرسطو مؤرخ مجدد، يعيد بناء الحضارة من منظوره الخاص. يجد لها قانونًا، ويكمل نظرياتها، ويعيد بناء الحضارة من منظوره الخاص. يجد لها قانونًا، ويكمل نظرياتها، ويعيد التوازن إليها. وهو بالضبط ما يفعله الإسلام مع الديانات السابقة، آخر مرحلة من مراحل الوحي مع المراحل السابقة، الحضارة الإسلامية مع الحضارات الأخرى، الحضارة الإسلامية مع أرسطو نفسه. وتلك رؤية ابن رشد، أيضًا لتاريخ الفلسفة اليونانية تطورًا وبناءً ودورًا. أرسطو في اكتمال هذا التطور والبناء. وهو دور مماثل لدور ابن رشد في الحضارة الإسلامية. ومن هنا جاء الاتفاق بين أرسطو وابن رشد كل منهما في حضارته، تطورا وبناء. أرسطو مؤرخ يذكر آراء القدماء في كل موضوع قبل أن يدلي فيه بدلوه تمامًا كما يفعل الإسلام عندما يقص تجارب الأمم السابقة قبل أن يعلن اكتمال الوحي. فبعد التطور يأتي البناء. أرسطو خاتم الفلاسفة، ومحمد خاتم الأنبياء.

وأرسطو أفضل بالرغم من أن الحضارة الإسلامية تقوم على رسالة ووحي واشراق. واستقرت في التاريخ على أنها حضارة دينية، وأن ما أبدعته فلسفة اشراقية، وأن ما استقر في وجدان الناس هو التصوف وليس الفلسفة، الإيمان وليس العقل. إلا أن القدماء فضلوا أرسطو لما تتسم به فلسفته من عقلانية تتفق مع عقلانية الحضارة الجديدة. فالعقل أساس النقل. ومن قدح في العقل فقد قدح في النقل، وموافقة صحيح المنقول لصريح المعقول. وطبيعته تتفق مع طبيعة الحضارة الناشئة. والدعوة إلى النظر في سنن الكون وآياته والمخلوقات وتسخير قوانين الطبيعة وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ، ونزعة إنسانية تجعل الإنسان مركز الكون والمدنية. تتحدث في النفس والأخلاق والمجتمع والسياسة كما هو الحال في العلوم الشرعية في الحضارة الناشئة، واتزان واعتدال يتفق مع الروح الوسطية في الحضارة الناشئة، الأخلاق الوسط، والأمة الوسط، لا إفراط ولا تفريط. روح فلسفة أرسطو وروح الحضارة الناشئة روح واحدة دفعت كل الحكماء بلا استثناء إلى بيان اتفاق الفلسفة ممثلة في أرسطو، والدين الإسلامي نموذجًا منذ «رسالة الكندي إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى» حتى «فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال» لابن رشد، مرورًا بقصة «حي بن يقظان» لابن طفيل. كما أنه نموذج الشمول والإحاطة والحديث في كل شيء، منطق وطبيعيات وإلهيات. والناقض عنده يكمله له المسلمون استكمالًا للمذهب حتى ولو لم يكن هو مؤلفه الفعلي. وبالتالي يمكن استخدامه للتعبير من خلاله عن الموروث. ويكون نموذجًا إنسانيًّا للوحي الصاعد الذي يصل إليه «حي بن يقظان» بمفرده دون حاجة إلى أنبياء.

لا شيء في أرسطو ينفر الذوق الإسلامي. بل كل شيء فيه علمًا أو سلوكًا، قولًا أو فعلًا أقرب إلى الرؤية الإسلامية والذوق الإسلامي. فأرسطو متواضع. لا يدعى أنه أتى بالقول الفصل، وأتى بما لم يأت به أحد من المتقدمين أو المتأخرين. ينهي كتبه ومقالاته بالتعبير عن هذا التواضع والاعتذار عن التقصير وكأنه ينتهي كعادة المسلمين بالعبد الفقير إلى الله تعالى.١٥
١  رسائل ج١، ٢١٠-٢١١ ج٣، ١٢-١٣ ج٤، ٣٦.
٢  رسائل ج١، ٦-٧ ج٢، ١٤١ ج٣، ٨.
٣  رسائل ج٣، ١٣-١٤، ١٤٩-١٥٠.
٤  رسائل ج٣، ٣٠-٣١.
٥  الرسائل ج١، ٢٧٥، ٨، ٢٩٤-٢٩٥ ج٢، ٣٩٤.
٦  رسائل ج٢، ٤٤٩، ٤٥٤.
٧  وقد يكون لفظ «الناموس» عربيًّا أصيلًا، وهم اسم الحشرة المعروفة ولو أنه إلى التعريب أقرب.
٨  الرسائل ج٢، ٢١، ٦٠.
٩  السابق ج١، ٢٤٠، ٤٢٨ ج٢، ١٠، ٢١.
١٠  السابق ج٢، ٢٩ ج٣، ٢٥–٢٨.
١١  السابق ج١، ٢٢، ١٥٧، ٢١٠-٢١١، ٢٣٩، ٤٢٨ ج٣، ١٧، ١٤٣.
١٢  انظر دراستنا: الوحي والواقع، دراسة في أسباب النزول، هموم الفكر والوطن ج١، التراث والعصر والحداثة، دار قباء، القاهرة ١٩٩٨ ص١٧–٥٦.
١٣  ابن حزم: التقريب لحد المنطق والمدخل إليه. الإمام ناصح عبد الرحمن الأنصاري كتاب أقيسة النبي المصطفى.
١٤  ما زالت بعض الأسئلة قائمة: هل ترجم المسلمون كل محاورات أفلاطون ثم ضاع الكثير منها أم إنها لم تترجم؟ وما سبب عدم ترجمته؟ الأسلوب أم الفكر وهو أفلاطون الإلهي؟ هل لأنه متدين وكفي المسلمون دينًا؟ هل كانوا في حاجة إلى فلسفة عقل وطبيعة ليعبروا من خلالها عن روح الدين الجديد، فوجدوا ذلك في أرسطو؟
١٥  منطق ج٣، ١٠١٤–١٠١٦.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤